تجربة حركة التحرر الفيتنامية “13”
عبدالجبار الحاج
توثقت عرى المحبة بين عامة الشعب والقيادة وخلقت بدورها أسباب التضحية والإيثار بين عامة الشعب وقيادة حركة التحرر الوطني .
بذلت قيادة حركة التحرر الفيتنامية بفروعها وأشكالها التنظيمية والإدارية والاجتماعية والسياسية ، وطبقت على امتداد سنوات الحرب نماذج نظامها على كل المناطق التي كانت تقع تحت سيطرتها الكاملة ، فأمكنت الفلاحين من أن ينعموا بملكية الأرض من خلال القضاء على الاقطاع واستصلاح الأراضي وإعادة بناء وتطوير شبكات الري وإيصالها للأراضي التي كانت لم تصلها بفعل احتكارها من كبار الاقطاع المسيطرين بالكامل على الأراضي المحاذية لضفتي الأنهار الرئيسية والفروع وذلك عبر برنامج للإصلاح الزراعي . ونشر برامج محو الأمية ومراكز محو الأمية .
ثم انه وفقا للبرنامج الإداري وفي المناطق التي احكموا سيطرتهم عليها منحوا المناطق تلك حق إدارة شؤونهم بعد أن أزاحوا تلك العناصر والنظم الاستبدادية بان تمتع الفلاحون وعموم السكان بحرية إدارة شئونهم .
ونعمة أخرى أن كل منطقة كانت واقعة تحت سيطرة الفيت منه لم يتعرض فيها السكان للقمع أو والاعتقال . مثل هذا الوضع كان السكان يجدون أنفسهم في حالة أنهم وقعوا تحت سيطرة الأنظمة العميلة يخسرون كل هذه المكاسب . وهي ما جعلت السكان عموما يقارنون ويميلون بل ومن ثم ينضمون للفيت منه .
سأعقد مقارنة لوقائع وأحداث القمع بين المناطق الواقعة تحت سيطرة قيادة الفيت منه والحزب الشيوعي الفيتنامي خلال عامي متابعة ومراقبة سلوك الأطراف في تنفيذ اتفاق جنيف. ففي تقارير لجنة الرقابة الدولية المكلفة بمراقبة بنوده جاء بالتقرير صراحة أن المناطق الواقعة تحت سلطة الفيت منه. ثم تلك الواقعة في نطاق جمهورية فيتنام الديمقراطية لم تحدث ولم تسجل اللجان أي حالة اختراق أو اعتقال لأي كان ممن تورطوا في تلك المعارك .
نجح الحزب الشيوعي بقيادة هوشي منه في بناء تنظيم سياسي واحد بقيادة موحدة وهو بناء تنظيمي على قدر كبير من الأهمية والضرورة في مركز صناعة الاستراتجية الحربية .إذ نجح في خلق إطار سياسي يضم الحركات الثورية التحريرية في لاوس وكمبوديا فكانتا على سبيل المثال ألفيت منه في الفيتنام والباثيت لاو في لاوس هما أجنحة عسكرية تنفيذية لاستراتيجية وتكتيك مصدرها الحرب القرار الموحد في إطار قيادة العامة للحزب الشيوعي للهند الصينية .
وفي المرحلة التالية أي مرحلة الاحتلال الأمريكي المباشر في الستينات والسبعينات ستنظم إليه فصائل جبهات التحرير التي ستتشكل في كمبوديا وتلك التي أعادت بنيانها التنظيمي في مواجهة نظام دييم العميل الذي نفذ انقلابا أمريكيا ضد نظام الإمبراطور ( باي داي) الذي كان تابعا لفرنسا قبيل انسحابها . كجبهة تحرير جنوب فيتنام باسم الفيتكجنج . ثم أن كل الأجنحة العسكرية في جنوب فيتنام الجنوبية ولاوس وكمبوديا كانت تنضوي في إطار قيادي واحد بقيادة جياب قائد حرب التحرير الوطنية في عموم بلدان الهند الصينية الثلاث . وقيادة هوشي منه الأمين العام للحزب الشيوعي . في الوقت الذي شهدت فيه الفيتنام منذ العام 54 تلاحق الهزائم الفرنسية والتي كانت معركة ديين بيان فو الحاسمة وإثنائها راحت الدبلوماسية الفرنسية تسارع الخطى نحو اتفاق في جنيف ومرورا بالعامين 55 و56 التي حسمت فيها المعارك على أصوات المدافع من جهة وفي الكواليس عبر طاولة جنيف الدولية . واظنني قد أضئت جوانبه بما هو متاح لي فيما سبق
غير أن اللافت والواضح أن فرنسا كانت تمنى أحلامها الإمبراطورية على الاحتفاظ بالجزائر كجزء من جمهوريتها ففي الوقت الذي أيقنت وسلمت فيه دوائر القرار بحتمية الهزيمة في الفيتنام وراحت تنشط دبلوماسيتها في اتجاه اتفاق وانسحاب يحفظ ماء الوجه في فيتنام . راحت أيضا تحشد كل الجهود منذ اندلاع الثورة الكبرى في الجزائر عام 54م بقيادة جبهة التحرير الوطني وفي بحر الثلاثة الأعوام 54م بداية الهزيمة العسكرية في فيتنام مرورا بالعامين 55 و56م كان كل انسحاب من فيتنام يقابله تحشيد مماثل للعدة والعتاد المنسحبة نقلا للمعركة إلى الجزائر .
في مقابل ذلك لم تكن عين الثورة الجزائرية الكبرى المندلعة عام 54م لتغفل لحظة واحدة عن مراقبة وضع المحتل الفرنسي وتداعيات هزائمه المتتالية في فيتنام إلا لتنتهز كل فرصة ضعف وكل هزيمة وانهيار هناك لتوظفه على ساحات الحرب التحررية .
لم يكن حظ رئيس وزراء فرنسا المنحوس بيير فرانس ، بسوء الطالع الفرنسي لبلده المرثي لحالها في هذين البلدين وهي تلاحق اللعنات على جيوشها ومرتزقتها في فيتنام والجزائر ..
من الحقائق التي لايمكن القفز عليها أن الثورة الجزائرية دققت النظر والمتابعة وأحسنت استغلال الضعف الفرنسي في فيتنام ووجهت الضربات القوية في ذات التوقيت لتزيد في جيش المحتل جراحا في جراحه وعظامه .
ما ان توالت المشاهد الانهزامية لفرنسا وحتى تم انسحاب آخر جندي من فيتنام في 8 ابريل عام 56م .حتى كانت فرنسا تغرق في الصحراء الجزائرية جنوبا ، وتفقد البوصلة في ظلام الجبال الجزائرية شمالا وجنوب صحرائها .وسياسيا على صعيد المؤسسة الحاكمة لم يكن سيئ الحظ رئيس الوزراء بيير فرانس وحده من تجرع كؤوس الهزائم والسقوط المبكر لحكومته بل لقد توالى سقوط الحكومات في فرنسا كسقوط ألويتها العسكرية في الجزائر منهزمة ومكسورة على الرغم من مضاعفة العدة والعتاد والسلاح المتطور والطيران إلى ارض الجزائر ..إلا أن موجز الصورة اعتمادا على مصدر جزائري يجملها بالفقرات التالية :
نظرة سريعة في تجربة الجزائر الثورية التحررية وكيف استفادت من هزيمة فرنسا في فيتنام وأزمة فرنسا الداخلية جراءها .