عام على الرحيل المر

 

عبدالفتاح البنوس
مؤلم رحيل الأحبة ، ومحزن فقدان الأصدقاء الأعزاء ، ما أصعبها من لحظات ، وما أشدها من مواقف تلك التي تحرك شريط ذكرياتك ، لتقلب لك المواجع ، وتجدد لك الأحزان ، وتعيدك إلى الوراء ، لتتذكر أحبة كانوا إلى جوارك وفي مفكرتك ، وفجأة ودونما أي سابق إنذار يتخطفهم الموت في عجالة ، دون أن تسمع لهم أنين مرض أو وجع ، حينها فقط يكون وقع هذا المصاب كبيرا ومؤثرا جدا ، ومن فداحة المصاب يختال لك بأن من غادروك في رحلة سفر ، وتعيش على أمل سرابي بعودتهم من جديد ، قبل أن تبعثر زيارتك لقبورهم هذا الأمل ، وتدرك بأن لا عودة لهم ، وبأن غيابهم نهائي و بلا عودة .
قبل عام وبالتحديد في الثالث من نوفمبر من العام 2016م ومع ساعات الفجر الأولى حملت الأخبار فاجعة رحيل شاب يحمل من دماثة الأخلاق ما جعله يحظى بقبول واسع في المنطقة ، شاب فرض على الناس احترامه بأخلاقه وحسن تعامله لا بماله وثروته ، شاب أحبه الجميع لقربه منهم ومعايشته لهمومهم ومشاكلهم ، شاب في مقتبل العمر وجد نفسه العقل المدبر لمجموعة تجارية كبيرة ، لعب فيها دور القلب في جسم الإنسان ، خيم الحزن على الجميع ، وعاش الناس في حالة ذهول من هول الفاجعة ، فمن كان معنا قبل ساعات غادرنا فجأة دونما مرض أو سقم ، لقد مات أبا مالك ، لقد مات محمد ، حينها لم أصدق الخبر وعلى الفور هرعت إلى منزله وهناك واجهت الحقيقة المرة التي لا شك فيها ، حاولت جاهدا أن أكفكف دموعي لمواساة أهله وذويه ولكنها خذلتني ، وهناك شاهدت الحزن على وجوه كل من كان حاضرا ، كانت الجموع تتقاطر للمشاركة في تشييع محمد وتقديم واجب العزاء ، موكب التشييع كان مهيبا يليق بـ (العزي ) وهو الاسم الذي عرف به بين أهله ورفاقه ، مضت أيام العزاء بسرعة ، ولكن الحزن ظل وما يزال مستوطنا سويداء القلوب ، وها نحن اليوم نحيي الذكرى الأولى لرحيله المر ، الرحيل غير المستوعب حتى اللحظة .
عام على رحيلك يا محمد ونحن لا نزال نتوهم بأنك في سفر وعما قريب ستعود إلينا، عام مضى يتذكرك فيه أولئك الذين كانت أياديك البيضاء ممدودة إليهم بالعطاء ، ومساندة لهم في السراء والضراء ، أنتطروك في رمضان ، ومن ثم في العيدين ولكن دون فائدة ، لم يستوعبوا بأنك غادرت حياتهم بلا رجعة ، وبأن جودك وإحسانك لهم قد انقطع ، عام لم ننساك فيه رغم كل الأوجاع والمآسي التي نعاني منها ونعايشها في ظل العدوان الغاشم ، عام مضى وروحك حاضرة محلقة في أوساطنا ، مالك يذكرني بك كلما شاهدته ، وهو الذي ما يزال يبحث ويسأل عنك ، قد تكون ملاك مستوعبة رحيلك نوعا ما ، أما هو فلم يستوعب بعد ، أما محمد ضيفك الجديد الذي وفد على أسرتك بعد رحيلك فلا يزال وسيظل الوجع الذي يجدد حزننا عليك أيها الفقيد الغالي ، وفي ذكرى رحيلك لا يسعنا إلا التسليم بقضاء الله وقدره ومشيئته التي اقتضت بأن تغادرنا في ريعان وعنفوان شبابك ، سائلين من الله العلي القدير لك الرحمة والمغفرة وأن يجعل سكناك الجنة ، وأن يعصم قلوب أهلك وكل محبيك بالصبر والسلوان ، وأن يجمعنا بك في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .

قد يعجبك ايضا