طه الحاضري
الشخصية القرآنية
الحديث عن شخصية الإمام زيد (عليه السلام) لا يتجه إلى سرد الأحاديث النبوية الشريفة فيه – وهي في حد ذاتها فضل عظيم – ولا إلى التربية التي نشأ عليها في بيت والده زين العابدين (ع) وهو فضل لا يستطيع أن ينكره أحد – ولا إلى انتسابه إلى أهل البيت (ع) وهو شرف كبير – وإنما يتجه إلى ارتباطه العملي الوثيق بالقرآن الكريم، وإلى النتيجة العظيمة لهذا الارتباط في واقعه وفي واقع الأمة- فالارتباط العملي بالقرآن الكريم فضل ليس فوقه فضل، ومن هذا المنطلق كان فضل أهل البيت (ع) هو ارتباطهم بالقرآن الكريم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض). وشخصية الإمام زيد (ع) كانت في عصره أكثر شخصية من بين أهل البيت عموماً معنية بحديث الثقلين، فقد كانت شخصيته بحق شخصية قرآنية حتى لقّب بحليف القرآن، وهذه شهادة لها مدلولاتها العظيمة.
فمنذ ولادته (ع) كان له ارتباط بالقرآن الكريم والسنة النبوية حيث وردت الأحاديث الشريفة عنه وعن ثورته واستشهاده، والتي منها أنه صلى الله عليه وآله وسلم نظر يوماً إلى زيد بن حارثة وبكى وقال (المقتول في الله، المصلوب من أمتي، المظلوم من أهل بيتي سمي هذا) وأشار إلى زيد بن حارثه.. ثم قال : ( ادن مني يا زيد زادك الله حباً عندي، فإنك سمي الحبيب من ولدي) وكانت هذه الأخبار النبوية متداولة بين أهل البيت (ع) وحين ولد الإمام زيد (ع) أخذ أبوه زين العابدين (ع) المصحف الشريف، واستفتحه ونظر إلى أول آية فكانت(وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً) فأطبقه ثم فتحه فخرج له (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)، فأطبق المصحف الشريف وفتحه مرة ثالثة فكانت (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيِقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) فأطبق المصحف، وضرب بإحدى يديه على الأخرى، وقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون، عزيت في ولدي هذا، إنه زيد أما والله ما أجد من ولد الحسين في يوم القيامة أعظم منه وسيلة، ولا أصحاباً آثر عند الله من أصحابه).
ترعرع الإمام زيد (ع) على القرآن الكريم منذ نعومة أظافره، وتلقى تربية قرأنية على يد أبيه زين العابدين وأخيه الباقر عليهما السلام، ومن نتائج هذه التربية الحسنة أن عكف (ع) على قراءة القرآن اختلى به يتدبره حتى تشربت به روحه كما تحدث عن نفسه بقوله:(خلوت بالقرآن ثلاث عشرة سنة أقرأه وأتدبره فما وجدت في طلب الرزق رخصة وما وجدت من فضل الله إلا العبادة والفقه).
وكان إذا قرأ القرآن يبكي من خشية الله تعالى حتى يظن من عنده أنه سيموت وكان إذا ذكر الله أو سمع شيئاً من ذكر الله أغمي عليه حتى يقول القائل ماهو بعائد إلى الدنيا وكان إذا سمع آيات الترغيب والترهيب ماد كما تميد الشجرة في اليوم العاصف ولهذا عرف بين الناس بحليف القرآن، فكان ممن قال الله تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) وقال:(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) وقال:(َتَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء)
شهادات بفضل الإمام زيد (ع) وعلاقته بالقرآن
توالت شهادات أكابر العلماء من أهل البيت (ع) ومن غيرهم ممن عاصره بأنه (ع) كان وحيد عصره في علاقته بالقرآن، وكان الأفضل بلا استثناء من أهل البيت على وجه الخصوص ومن علماء وفضلاء الأمة على وجه العموم في عصره، فهذا الإمام جعفر الصادق وهو ابن أخيه يشهد بذلك بقوله( كان والله أقرأنا لكتاب الله وافقهنا في دين الله وأوصلنا للرحم والله ما ترك فينا لدينا ولا آخرة مثله) ويقول أيضاً لمن سأله عن البيعة لعمه الإمام زيد (ع):( نعم بايعوه، فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا) وكان الإمام جعفر (ع) يوقره ويحترمه كثيراً ويعظّمه فيمسك له الركاب ويسوي له الثياب على السرج.
وشهد بذلك أيضاً سلمة بن كهيل بقوله:( ما رأيت أنطق لكتاب الله من الإمام أبي الحسين) وشهد كذلك سفيان الثوري بقوله : (قام مقام الحسين وكان أعلم خلق الله بكتاب الله) وشهد الاعمش بفضله على سائر أهل البيت بقوله: (ما كان في أهل زيد بن علي مثل زيد بن علي، ولا رأيت فيهم أفضل منه ولا أفصح ولا اعلم ولا أشجع) ويشهد بذلك أيضاً خالد بن صفوان وهو من مشاهير العرب وفصحائهم وخطبائهم بقوله: ( انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي) وقد شهد كذلك أبو حنيفة النعمان بفضله على سائر الأمة في عصره بقوله : ( شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمنه أفقه منه ولا أعلم ولا أسرع جواباً ولا أبين قولاً، لقد كان منقطع القرين).