‏غزة.. أكبر مذبحة في تاريخ البشرية

مبارك حزام العسالي

 

 

في القرن الحادي والعشرين، حيث تتزين المنابر الدولية بشعارات «الكرامة الإنسانية» و»القانون الدولي»، وحيث تتغنى القوى العظمى بالعدالة وحقوق الإنسان، تُباد غزة تحت سمع العالم وبصره، لا لذنب سوى أنها تمسكت بحقها في الحياة، في الأرض، في الحرية.
تُرتكب في غزة اليوم أبشع مجازر العصر، ليس فقط لأن القتل يجري، بل لأن الصمت عنه بات أداة من أدوات الجريمة. إنها ليست مجرد حرب تقليدية بين طرفين متكافئين، بل عملية إبادة جماعية مكتملة الأركان، يتعرض لها شعبٌ محاصر، أعزل، يواجه آلة قتل متطورة بإرادة لا تنكسر.
منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، سقط أكثر من 100 ألف بين شهيد وجريح ومفقود؛ معظمهم أطفال ونساء، ما يدحض كذبة «الضربات الدقيقة» و»أهداف حربية».
أُبيدت أحياء سكنية بكاملها، وسُوِّيت المنازل بالأرض على رؤوس ساكنيها.
قُصفت المدارس، الكنائس، المساجد، المستشفيات، وحتى قوافل الإغاثة. الأرقام وحدها كافية لتقديم قادة العدو إلى محكمة الجنايات الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكن العالم «المتحضر» اختار أن يشيح بوجهه.
في غزة، لا كهرباء؛ لا ماء صالح؛ لا طعام؛ لا دواء؛ قُصفت محطات الكهرباء، وشبكات الاتصالات، وآبار المياه، ومستودعات الأغذية، والمستشفيات، وسيارات الإسعاف.
مات آلاف المرضى في غرف العناية المركزة، لمجرد أن مولدات الكهرباء توقفت.
قُطعت إمدادات الأوكسجين، وأُحرقت مستودعات الدواء، ومُنع دخول الفرق الطبية والإغاثية.
أصبح الجوع سلاحًا من أسلحة القتل؛ حيث يموت الأطفال جوعًا، والرضّع بلا حليب، والنساء يلدن على الأنقاض بلا مساعدة طبية.
تتحدث الدول الكبرى عن «حق الكيان في الدفاع عن النفس»، ولا تجد في موت الأطفال انتهاكًا لحقوق الإنسان!
الأمم المتحدة تصدر بيانات قلق، في حين تواصل المذابح. أما الإعلام الغربي، فمارس تضليلًا ممنهجًا، غطّى على الجريمة، وصوّر الضحية كجلاّد. كل ذلك ليس مجرد تقاعس، بل هو تواطؤ مكشوف، يفتح سؤالًا كبيرًا: هل فقد العالم ضميره؟ أم أن الإنسانية انتقائية، لا تشمل العرب والمسلمين؟
ورغم كل هذا الجحيم، فإن غزة لم تُرفع رايتها البيضاء؛ بأجسادهم النحيلة، بصبرهم العظيم، بثباتهم الأسطوري، واجه الغزيون أعتى آلة عسكرية في المنطقة.
قاتلوا في ظل الحصار، بلا دعم، بلا غطاء جوي، بلا ذخائر كافية، ومع ذلك، أرعبوا العدو، ومرّغوا أنفه في التراب.
تحوّلت غزة إلى أسطورة شعبية عالمية، ورمز للحق في مواجهة الطغيان. إنها تُجسّد المعنى الحقيقي للجهاد، والتضحية، والكرامة.
كشفت غزة وجه العالم؛ وزيف الشعارات، وخداع الديمقراطيات، ونفاق النظم الدولية.
منذ عامين، تُذبح غزة على مرأى من الجميع، ولم يتحرك أحد، لأن الجلاد اسمه «إسرائيل»، والضحية اسمها «فلسطين».
غزة ليست مجرد قضية فلسطينية، بل قضية كونية. إنها مرآة تعكس انهيار منظومة القيم العالمية، وبداية مرحلة جديدة من إعادة تشكيل وعي الشعوب.
أن تُباد غزة يعني أن الإنسانية في خطر، وأن الصمت بات جريمة، وأن الخذلان العربي والدولي بلغ ذروته، وأن الأمة بحاجة إلى وقفة شاملة تتجاوز الإدانات إلى الفعل، وإعادة النظر في مساراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.
إن الدفاع عن غزة، هو دفاع عن كرامتنا، عن وجودنا، عن أطفالنا في كل مدينة عربية وإسلامية.
يتفرج العرب والمسلمون من شاشات التلفاز، يندد بعضهم، ويصمت أكثرهم، ويطبع بعضهم مع القاتل؛ لكن الشعوب لم تصمت.
خرجت في العواصم، رفعت الأعلام، هتفت لفلسطين، دعمت المقاومة، وقدّمت ما تستطيع.
الصراع اليوم ليس فقط بين غزة والعدو، بل بين أمة تنهض، ونُظم خانعة، لا تمثل شعوبها.
في زمن التخاذل الرسمي العربي، وقف اليمن موقفًا مشرفًا قلّ نظيره، متجاوزًا بيانات الشجب إلى أفعال تزلزل موازين الصراع.
أعلنت صنعاء بوضوح: «غزة خط أحمر»، وترجمت هذا الإعلان بعمليات بحرية استراتيجية استهدفت شرايين الدعم الاقتصادي للعدو الصهيوني، فأغرقت سفنًا، وقطعت خطوط التجارة، وفرضت الحصار على المُحاصِر.
لم يكن ذلك فقط دعمًا رمزيًا، بل مساهمة فعلية في تغيير قواعد الاشتباك الإقليمي، ونقل المعركة من خانة الصمت العربي إلى ميدان الفعل السيادي المقاوم.
لم تكتفِ اليمن بالصواريخ والطائرات المسيّرة، بل قدّمت نموذجًا ملهمًا في التعبئة الشعبية، حيث تخرج الملايين كل جمعة دون توقف منذُ عامين، تهتف لفلسطين، وتجمع التبرعات، وتربّي الأجيال على ثقافة المقاومة، وترسل للعالم رسالة واضحة: «لسنا محايدين أمام المذابح، ولسنا متفرجين على دماء الأطفال.
نحن شركاء في الجرح وشركاء في الرد».
لقد أعاد اليمن، رغم ما يعانيه من حصار وحرب، تعريف معنى النخوة، ومعنى الانتماء للأمة، مؤكدًا أن الموقع الجغرافي قد يُحاصر، لكن الموقف لا يُقهر.

قد يعجبك ايضا