بالمختصر المفيد.. العرب وصناعة الأصنام
عبدالفتاح البنوس
يجيد العرب صناعة الأصنام منذ زمن الجاهلية وحتى عصرنا الحالي، مع الاختلاف في طبيعة ونوعية هذه الأصنام، ففي جاهلية ما قبل الإسلام كان العرب يصنعون الأصنام من التمر ومن الأحجار والتماثيل ويعكفون على عبادتها والتقرب إليها، وظلوا على هذا الحال إلى أن دخل الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مكة المكرمة فاتحا، حيث حطم الأصنام والأوثان التي كانت تعبد، ودعا الجميع لعبادة الواحد الأحد الفرد الصمد، وفي جاهلية ما بعد الإسلام التي نعيش في رحابها اليوم، نشاهد اليوم الكثير من العرب والمسلمين في المنطقة العربية والإسلامية يصنعون أصناما جديدة، ويعكفون على عبادتها والتقرب إليها، ولكنها ليست تماثيل من تمر، ولا من صخر، وليست عبارة عن مجسمات منحوتة، ولكنها عبارة عن أفراد وأشخاص، يمتلكون الجاه والسلطة والثروة والسطوة والنفوذ، تم نفخهم وإذكاء نزعة الفرعنة والتسلط في داخلهم، وأفرطت الحاشية والبطانة المحيطة بهم في مدحهم والثناء عليهم ووصفهم بما ليس فيهم حتى صدقوا أنفسهم وظنوا بأنهم من الذين يحسنون صنعا .
ومن هنا تبدأ صناعة الأصنام، وتبدأ عملية تفعيلها، وتبدأ هذه الأصنام البشرية في تجاوز سقف كافة المعقولات والمقبولات من الأقوال والأفعال والممارسات والسلوكيات، لتصل بهم الجرأة إلى امتهان كل من حولهم، والتعامل معهم على أنهم عبارة عن خدام وعبيد يعملون تحت خدمتهم ويسهرون من أجل راحتهم، تماما كما هو حال ما يسمى ب ملوك وأمراء الخليج وبعض مشايخ وعلماء الدين وبعض القيادات السياسية والقادة العرب الذين يسخرون كافة إمكانيات دولهم وثروات شعوبهم من أجل تلميعهم، والهتاف بحياتهم، وتقديسهم والمغالاة في حبهم وتأييدهم ورفع صورهم والتغني بتاريخهم النضالي الحافل بالمنجزات، والتسابق على كتابة قصائد المدح والثناء، وأناشيد وأغاني الإطراء والتمجيد والتأييد المبالغ فيها إلى حد السفه، ويا ليت وهم يستحقون كل ذلك، ولكنها للأسف ثقافة الخنوع والخضوع التي تغلغلت في أوساط الكثير من الشعوب العربية، هذه الثقافة التي استندت للفكر والمعتقدات الوهابية السعودية التي تمجد الحاكم وتلمعه وتحرم الخروج عليه وإن قتل وإن سرق وإن ارتكب كافة المحرمات ومارس شتى صنوف الإجرام والإلحاد والفساد .
وكأن صناعة الأصنام عربية بامتياز، في إسرائيل وأمريكا والدول الأوروبية ينتخب الرئيس لفترة أو فترتين رئاسيتين وما إن تنتهي هذه الفترة ينسحب من المشهد السياسي ويعود لمزاولة عمله ووظيفته المعتادة دون أن يحتاج لإخراج مظاهرات تطالبه بالترشح كما يفعل قادة العرب، فالمسألة يحكمها النظام والقانون، ولا مجال للتأليه والتخليد في الحكم ولا فضل لأي حاكم فيما ينجزه لأبناء شعبه باعتبار ذلك من المسؤوليات المنوطة به، والتي تم انتخابه من أجلها، والمصيبة في مجتمعاتنا العربية أن صناعة الأصنام البشرية وعبادتها والتسليم لها بالولاء والطاعة باتت ثقافة تتناقلها وتتوارثها الأجيال المتعاقبة، ولا أعلم ما الفائدة التي تعود عليهم من وراء ذلك ؟!
بالمختصر المفيد ما وصلت إليه وما تعاني منه الدول العربية والإسلامية هو نتاج طبيعي لتفشي هذه الثقافة والتي يتعصب ويقاتل من أجل فرضها الكثير، رغم أن الدين الإسلامي جاء محررا من العبودية والكهنوت والطاعة لغير الله، فهل آن الأوان بأن تصحو هذه الشعوب من سباتها، وتستفيق من غفلتها وتتبرأ من صناعة الأصنام البشرية وعبادتها ؟! نحن في عصر يتوجب علينا فيه التحرر من العبودية والهيمنة والتسلط وإسقاط كافة الأصنام وتحطيمها لينعم الجميع بحياة هانئة قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات، لا هيمنة فيها لفرد أو أسرة أو قبيلة أو جماعة أو حزب أو تيار ما، على شعب أو أمة بأكملها، شبعنا تطبيل وتنظير ونفاق وتدليس وتلبيس وتلميع وتزييف ومداهنة وصناعة أصنام، إلى هنا ويكفي وزيااااااااااااااااااااااااااااادة .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .