مخططــــات ” بـــــول بــريـــمر ” لتـــقسيــم العراق حاول الأمريكيـون تــكرارها فـــي اليـــمن عبر السفيـــر فيرشتــاين

 

*قراءة في خرائط تقسيم المنطقة العربية.. من سايكس ـ بيكو إلى “روبن رايت” 2-3
عباس السيد

استعرضنا في الحلقة السابقة الخرائط والمخططات التي استهدفت تقسيم العالم العربي والإسلامي ابتداء من الخطة الإنجليزية الفرنسية ” سايكس ـ بيكو ” عام 1916م، وكيف أسهمت تلك الخطة في توليد إنقسامات وأزمات بين شعوب المنطقة ، وفتحت شهية المستعمرين الجدد لرسم خرائط جديدة لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ، حتى أصبحت الخرائط الجديدة جزءا من السياسات الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية . وتناولنا أبرز ثلاثة مخططات للتقسيم ، وهي : خطة ” عوديد يينون ” 1982م، ثم خطة ” برنارد لويس ” 1992م، والثالثة المعروفة بـ ” حدود الدم ” المنسوبة لـ ” رالف بيترز ” عام 2006م.
وفي هذه الحلقة سنواصل استعراض بقية الخطط والخرائط ، وهي تقود إلى نفس الأهداف وتعد أكثر خطورة من سابقاتها لمواكبتها للأحداث والأزمات التي تعصف بالمنطقة :
رابعا: خرائط ” أتلانتك ”
في العام التالي لنشر خطة ” حدود الدم ” ، بدأ جيفري جولدبرج ، وهو إسرائيلي أمريكي، وأحد أبرز شخصيات اللوبي الصهيوني في أمريكا ، وينتمي لنفس جناح رالف بيترز داخل أروقة السياسة الأمريكية ، بالإضافة إلى كونه جندياً سابقاً في الجيش الإسرائيلي ، بنشر سلسلة مقالات ترسم خريطة جديدة “للشرق الأوسط”، على صفحات مجلة (أتلانتيك) الشهيرة ، وبالتزامن مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي خطة لتقسيم العراق عام 2007م ، مما يجزم بأنها حملة منظمة.
المخطط يتمدد نحو أفريقيا
وبدأ تنفيذ مخطط التقسيم على الأرض بعد أربع سنوات ، بإعلان دولة جنوب السودان. وامتدت الخريطة هذه المرة لعمق أفريقيا بتقسيم الصومال. ولأول مرة يتم تداول اسم ” دولة سيناء المستقلة ” مع بدء أعمال العنف المسلح فيها عام 2004م. وفي سنة 2013م، أعلنت ” إسرائيل ” عن وجود وحدة لمكافحة الإرهاب تابعة للجيش “الإسرائيلي” تعمل داخل سيناء ، تلاها ظهور دراسات عن مراكز بحثية استراتيجية “إسرائيلية” تمهد لفشل الجيش المصري في السيطرة على سيناء ، وهاهي أعمال العنف في سيناء بتصاعد مستمر. ، واعترف جولدبرج بقوة “حزب الله” ومركزيته في جنوب لبنان، فتصور له دولة “شيعية” مستقلة ، وهذا ما لا يمكن لحزب الله أن يقبل به أو يستدرج إليه ، ومنذ الثمانينات ، وقف حزب الله بصلابة وأفشل المخططات الصهيونية الرامية لتقسيم لبنان إلى أربع دويلات. ” بخلاف بعض الطوائف والتيارات السياسية الأخرى التي يبدو أنها تلهث وراء جزرة التقسيم والدولة الطائفية المستقلة ، كما هو الحال في بعض الشخصيات الدرزية التي أستدرجت لمخططات التقسيم التي ترسم حدود الدولة الدرزية بين لبنان وشمال الأردن وجنوب سورية.
خامسا: خرائط ما بعد أحداث عام 2011م:
بعد وصول الأحداث والاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية إلى المآل الذي صار عليه، كثرت أطروحات أخرى لتقسيم المنطقة عبر مراكز الدراسات الاستراتيجية ومنابر الصحافة العالمية، لكنها لا ترقى كلها إلى حدود المخططات لأنها أقرب إلى التوقعات، ولم تصدر عن دوائر القرار.
لكن ثمة وقائع على الأرض تزيد من شأنها إذا ما تمادت ، وقد تشكل أساساً ليس لخطط جديدة فحسب، وإنما لخرائط جديدة فعلية في المنطقة، وذلك بالنظر إلى ما تواجهه دول “الشرق الأوسط” وشعوبها من تهديدات متزايدة ، سواء التي تتعلق بهويتها، في ظل تصاعد مخاطر التيارات الأصولية الإقصائية، كجماعات عنف منظم، واستمرار الصراعات المتنوعة في المنطقة، سواء بين دولها، أو بين المجموعات المختلفة فيها ، وهو ما يؤدي إلى ظهور تهديدات مباشرة أبرزها: تصاعد عمليات التطهير العرقي، وإعادة رسم الخريطة الديموغرافية والإثنية “للشرق الأوسط”، كما حدث خلال سنوات تصاعد العنف الإثني في العراق، أو بشكل أكثر جسامة وخطورة في ما تشهده سورية من محاولات لإعادة رسم الخريطة السكانية.
وبحسب الكاتب أمين قمورية في مقاله بجريدة النهار البيروتية: ” يبقى الخطر الأكبر في احتمال تطرف البعض من المتعاطفين مع أيديولوجيا الجماعات المؤسسة لتلك الدويلات، لا سيما أن مشروع هذه الدويلات بات يمثل لهم الغاية النهائية والمثالية لتصوراتهم الأيديولوجية”.
ويضيف قمورية: ” يمكن القول إن “الشرق الأوسط” بعد مائة عام وعام لسايكس- بيكو يقف في لحظة فارقة، لأن حدود دوله أصبحت هشة، وعرضة للانهيار في زمن قياسي، وإذا ما حصل انهيار الحدود، فإنه لن يكون في اتجاه وحدة عربية أو إسلامية ، بل سيكون لصالح تفتيت المفتت وتقسيم الكيانات لتلد عدداً أكبر من الدول الأصغر حجماً “.
البداية من العراق
إن اتفاقية سايكس- بيكو القديمة ، رغم كارثيتها ، ليست الأسوأ، فبدائلها أكثر تدميراً، وتتمثل في سيناريو أشباه الدول المدمرة ذاتياً من الداخل، والدولة الفاشلة والهشة المبنية على أنقاض الدولة المركزية المنهارة، وهو سيناريو جاري بالفعل في عدة دول منها العراق، ليبيا، اليمن، سورية ، والبداية من العراق التي تكتسب العراق أهمية خاصة في مخططات التقسيم بالمنطقة لأسباب متعددة ، أهمها: موقع العراق وما يمتلكه من قدرات ومقومات تشكل خطرا على الكيان الإسرائيلي ، ولأن العراق بتنوع مكوناته العرقية والمذهبية يشكل نموذجا مناسبا في حالة تقسيمه ، فعدوى التقسيم سوف تنتقل إلى الدول المجاورة دون تدخل قوى خارجية ، لأن المكونات العراقية المختلفة على ترابط مع غيرها من المكونات في الدول المجاورة. فأكراد العراق مثلا ، في حالة تواصل مستمر مع أكراد سوريا وتركيا وإيران ، وكذلك بقية الطوائف الأخرى. باختصار ، ينظر المخططون الغربيون لتقسيم العراق بأنه سيمثل إشعال الفتيل في المنطقة كلها.
وفي مطلع عام 2013م، أورد المقال الافتتاحي لجريدة الغارديان البريطانية أن الأكراد قد يكونون الفائز الأكبر من الأحداث والاضطرابات في المنطقة العربية والحرب الدائرة في سورية. وفي نيسان من العام ذاته، رأى مسعود البارزاني أن الظروف قد باتت مواتية لعقد مؤتمر قومي كردي تشارك فيه القوى الكردية في كل من العراق، وسورية، وإيران، وتركيا، وأكد أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الشعب الكردي.
الفيدرالية كأداة للتقسيم
منذ سقوط بغداد تحت الاحتلال الأمريكي عام 2003م ، تسارعت الخطوات الانفصالية الكردية عن العراق ، وقدم دستور الحاكم الأمريكي للعراق ” بول بريمر ” خدمة كبيرة للأكراد والجماعات ذات النزعات الانفصالية. وهو الدستور الذي قسم العراق إلى ثلاث مناطق فيدرالية ـ شيعية في الجنوب ، سنية في الوسط ، وكردية في الشمال. ومن ثم العمل بموجب القانون الإتحادي الفيدرالي. وكان قرار الحاكم الأمريكي للعراق بحل الجيش والأمن بمثابة القشة التي قصمت ظهر العراق.
قبل ذلك ، وخلال أكثر من عشرسنوات قبل الاحتلال الأمريكي للعراق ، كانت العراق مقسمة ” من الجو ” من خلال مناطق الحظر الجوي التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا على مناطق شمال العراق وجنوبه. وقد أدى ذلك إلى إضعاف سلطة الدولة المركزية في تلك المناطق ، وفي المقابل تم تقوية الجماعات ذات النزعات الإنفصالية البعيدة عن المركز.
أمريكا تكررخطة العراق في اليمن
حاول الأمريكيون تطبيق تجربتهم في تفكيك العراق باليمن ، ولعب السفير الأمريكي في صنعاء ” جيرالد فيرشتاين ” نفس الدور الذي لعبه ” بول بريمر” في بغداد. وشهدت اليمن عمليات هيكلة الجيش واستمرت بضع سنوات برعاية أمريكية ، تم خلالها تفكيك وحدات الجيش وإنشاء وحدات جيدة تتركز مهمتها وأهدافها في ما عرف بـ ” مكافحة الإرهاب “.
وبعد ثورة 11 فبراير 2011م، التي آلت إلى المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني ، لعب الأمريكيون دورا أساسيا في كواليس ” موفنبيك ” وجاءت الكثير من مخرجات الحوار كثمرة للجهود والخطط الأمريكية ، وعلى رأسها تحويل اليمن إلى جمهورية إتحادية من ستة أقاليم تم تقسيمها وفقا لمعايير طائفية ومناطقية كفيلة بتحويلها إلى دويلة مستقلة في غضون سنوات.
وعلى غرار الدستور العراقي ، كانت بصمات الأمريكيين واضحة في مسودة الدستور اليمني الذي جاء في مادته الثانية ” ضرورة التزام الدولة باللغتين الأمهرية والسقطرية ” وهو اعتراف رسمي بقوميات لها لغاتها الخاصة ، وبذلك حمل مشروع الدستور بذورا جديدة لمزيد من التشظي والانقسامات.
كما منحت مادته السادسة لـ ” الشعب في مستويات الحكم الثلاثة ” حق تقرير مصيرها السياسي وفقا لوثيقة العهد الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي صادق عليها اليمن. وهو ما يعني حق أي محافظة أو إقليم في إلإنفصال عن الجمهورية الاتحادية. ويمكن الإطلاع على تفاصيل هذه المواد بالعودة إلى المحددات الدستورية في مخرجات الحوار الوطني الخاصة بالضمانات والحلول للقضية الجنوبية.
بعد فشل تفكيك اليمن بأدوات سياسية ، لجأ الأمريكيون وأياديهم في الإقليم إلى شن حرب على اليمن انطلقت في الـ 26 من مارس 2015م بذريعة استعادة الشريعة ، وهي نفس الشرعية التي يمنعها تحالف الحرب والعدوان من العودة إلى العاصمة المؤقتة ” المحررة ” عدن حتى الآن ، فيما لا تزال حربه مستمرة على اليمن للعام الثالث على التوالي سعيا لفرض التقسيم والتفكيك الذي فشل فيه بالأدوات السياسية.
سادسا: خرائط الدولة – المدينة
بحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإنه خلال الفترة من 2014- 2016م، تم عرض أطروحات أخرى لتقسيم المنطقة عبر مراكز الدراسات الاستراتيجية ومنابر الصحافة العالمية. لا ترقى هذه الأطروحات لتوصيفها بـ(المخططات)، لأنها أولاً، أقرب للتوقعات، وثانياً، أنها قد جاءت في كتابات بعض المحللين، ولم تأت من دائرة صنع القرار، ثم أنها ثالثاً، تخلو من هدف استراتيجي جامع يربط بينها. ومن ضمن تلك الأطروحات، أطروحة (الدولة – المدينة)، الأنموذج الذى يتوقع أن ينتشر في “الشرق الأوسط” خلال العقود المقبلة “القدس، الحجاز، دبي، بغداد، مصراته، جبل الدروز”، كلها مدن مرشحة للاستقلال بذاتها كدويلات ذات طابع خاص ـ بحسب واضعي هذه الخطط.
عدن والمخا نماذج يمنية
استهدفت اليمن في كثير من المخططات بالتقسيم ، وهو ما سنتطرق إليه لاحقا بالتفصيل. وسنكتفي هنا بقراءة مخططات ” الدولة ـ المدينة ” وملامح هذه المخططات في سياسات قوات الاحتلال في اليمن. وعلى الرغم من عدم ذكر مخططات التقسيم لمدن يمنية مرشحة لتكون دولا مستقلة ، إلا أن ذلك لا يعني عدم شمول اليمن بهذا النموذج ، وليس كل ما يعلنوه ، هو كل ما يسعون إليه.
ولنا أن نسأل: ماذا يعني احتلال السواحل الغربية لمحافظة تعز التي تطل على باب المندب وجنوب البحر الأحمر ، وفرضها كمناطق عسكرية يحظر دخولها حتى على محافظ تعز المعين من قبل الشرعية المدعومة من قبل الاحتلال. ما يقوم به الاحتلال في المخا والمديريات الساحلية لمحافظة تعز ، وما يجري من إنشاءات عسكرية في جزيرة ميون اليمنية يؤكد الشكوك بوجود مخططات تقسيم تشمل هذه المناطق.
سياسات القوات المحتلة في سواحل تعز لا تقتصر على الأعمال والإنشاءات العسكرية فقط ، بل تشمل سياسة التغيير الديموجرافي في تلك المديريات ذات المساحة الكبيرة والقليلة السكان. إذ تشهد تلك المناطق عمليات تهجير وإحلال للسكان ، ويجري استقدام وتوطين جماعات مسلحة ذات ارتباط بقوى الاحتلال ، بينما يمنع الموظفون من أبناء تعز من العودة إلى أعمالهم في المخا وذوباب. وحرموا حتى من زيارة مساكنهم التي هجروها بفعل القصف الجوي ، كما في موظفي محطة المخا البخارية.
مدينة عدن هي الأخرى، يمكن أن تكون مشمولة بنفس المخطط. هذا ما يمكن استنتاجه من خلال سياسة العبث والفوضى التي يمارسها الاحتلال في المدينة ، سياسة فرق تسد التي كان يمارسها البريطانيون طوال احتلالهم لعدن والمحافظات الجنوبية. وكان لعدن وضع سياسي وإداري خاص بها.
أن يكون لمدينة عدن وضع خاص مستقل عن بقية محافظات الجنوب هو الوضع المثالي لواضغي خطط التقسيم. وهذا جزء من استراتيجية قوى الاستعمار الجديد للسيطرة على طرق الملاحة البحرية. وفي مناطق استراتيجية كباب المندب ، تسعى هذه القوى لصناعة دول صغيرة تابعة على غرار جيبوتي. وأرض الصومال.
سابعا: خرائط داعش وما بعد داعش
على العكس من خليفة أسامة بن لادن، زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري الذي توقفت استراتيجيته عند حدود “سايكس ـ بيكو”، فسمى سوريا بأنها “الولاية المكانية” لـ”جبهة النُصرة” بقيادة أبو محمد الجولاني، والعراق بأنه “الولاية المكانية” لـ”دولة العراق الإسلامية”، نجد “بن لادن الجديد” أبو بكر البغدادي زعيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، الذي وصفته مجلة التايم بـ”أخطر رجل في العالم”، قد تجاوز هذه الإستراتيجية القاعدية. ولعلّ أبرز ما يدلّ على ذلك هو عملية تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” التي قام في يونيو 2014م على الحدود العراقية السورية، معلناً عن “تحطيم حدود سايكس بيكو”، المرسومة قبل حوالي قرنٍ من الزمان وإزالتها من على الخريطة و”محوها” من القلوب.
إذن ، يمكن القول إن داعش “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، لم تعد دولة من نسج الخيال، وإنما هي الآن “دولة متحركة” عابرة للحدود التقليدية التي رسمتها سايكس ـ بيكو ما بين عامي 1915 و 1916م.
“داعش” يتحرك الآن وفق استراتيجية باتت واضحة، يريد بسط سيطرته على أراضٍ واسعة تضم 6 دول هي العراق والكويت والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، كما تداولت العديد من الصفحات على شبكة الانترنت خريطة لتصور الدولة التي يسعى لإقامتها التنظيم الشقيق لـ “القاعدة”.
البغدادي و بيترز.. من الدم إلى الدم
بغض الطرف عن التفاصيل، إلا أنّ ما يجمع بين الخارطتين ، خريطة دولة تنظيم “داعش” و “خريطة رالف بيترز”، هو اتخاذهما من “الدم” أساساً و”آيديولوجيا” للتقسيم في المنطقة. الخريطة المنشورة من قبل أحد أبرز الكتاب الإستراتيجيين في أمريكا، والتي وُصفت قبل أقل من عقدٍ من الزمان بأنها “مؤامرة أمريكية” لتقسيم المنطقة وفقاً لمصالحها، سعت ” داعش ” في العراق وسوريا لتحويلها إلى شبه واقع معاش.
وفي هذا السياق ، قال الكاتب الكردي هوشناك بروكا: بالدم أسقط “داعش” وأخوانه وأخواته مساحات شاسعة من سوريا في “خارطة الدم” التي رسمها زعيمها ، وبالدم أسقط “داعش” شرق العراق كلّه أيضاً في الخريطة ذاتها والدم ذاته.”داعش” دولة دموية، عابرة للحدود، حدودها: من الدمّ إلى الدم.
داعش أداة أخرى للتقسيم
علاقة داعش بالمشروع الامريكي تعدّ علاقة وثيقة. هذا ما أكده العميد اللبناني المتقاعد أمين حطيط لموقع ” العهد ” الإخباري ، فداعش بالنسبة لحطيط ليست جزءًا من المشروع التقسيمي وحسب، بل هي السلاح الميداني شبه الوحيد في مشروع التقسيم. وتكمن مهمة داعش بثلاث وظائف يعددها حطيط ألا وهي:
تفعيل الصراع لرسم الحدود، قطع علاقة الشعب بالأرض والتاريخ، ومنع الدولة من العودة إلى إحياء فكرة الوحدة الوطنية الجامعة. وفي نفس السياق ، يرى إيلي الفرزلي ، نائب رئيس مجلس النواب اللبناني ، أنّ داعش تعدّ مدخلاً مؤقتا لتحقيق الهدف الأمريكي، وسيتم الاستغناء عنها فور تحقيق الهدف.
وفي دراسة للدكتور طوني عطا الله حول إشكالية التطرف ، توقع عطا الله ثلاثة سيناريوهات للمعركة ضد “داعش” في سورية والعراق ودول المنطقة ، وهي:
ـ انكسار “داعش” عسكرياً في سوريا والعراق وتحوله للعمل السري ، وهذا سيبقي خطر التنظيم خصوصاً مع احتمال حصول عناصره على أسلحة غير تقليدية.
ـ انحسار الرقعة الجغرافية لـ “داعش” وبقاؤه في بعض المناطق.
ـ انهزام التنظيم بشكل كامل عسكرياً وفرار عناصره إلى مناطق متفرقة وتراجع خطره الكبير.
لقد تم تحقيق نجاحات كبرى ضد تنظيم “داعش” في العراق وسورية، وربما لن يطول الوقت حتى يختفي من هاتين الدولتين، لكن زوال “داعش” لن يكون خاتمة الأحزان، بل ربما يكون بداية لآلام أخرى من نوع جديد، فالتنظيم أقام دولة التطرف بكل مقوماتها، وشكّل جيشاً من الإرهابيين الحاقدين على الإنسانية، فظهور التطرف بهذا الشكل الخطر، في العراق وسورية، يطرح أسئلة حقيقية عن المستقبل في هاتين الدولتين.
الدعم التركي لتنظيم “داعش”
في يوليو 2014 كتب الدكتور خورشيد دلي في مجلة الوحدة الإسلامية مقالا بعنوان ” داعش والنفط في الإستراتيجية التركية ” قال فيه: إن الدعم التركي لتنظيم “داعش” جاء في إطار الطموحات التركية الدفينة تجاه سورية والعراق ، وأورد دلي عددا من الأسباب التي دفعت تركيا لدعم داعش ، منها:
ـ إحساس تركيا بفائض القوة بحكم التغييرات الإقليمية والدولية التي جرت عقب الغزو الأمريكي للعراق، ومحاولة إتباع الحرب الناعمة والقوة الدبلوماسية والأبعاد الإيديولوجية لتحقيق أهدافها تجاه المنطقة.
ـ الدور الوظيفي الذي تقوم به تركيا في الاستراتيجية الغربية الأطلسية، كما هو واضح من نشر صواريخ باتريوت، والدروع الصاروخية، على أراضيها في استمرار لسياسة الارتباط بالغرب والتبعية له ، كما كان في أثناء “الحرب الباردة”.
ـ حضور البعد الطائفي في هذه السياسة، والذي لخصه رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو في وقت سابق ببداية عهد “الإحياء السني”، ونهاية عهد “الإحياء الشيعي”.
ـ النزعة الإمبراطورية النابعة من مرحلة العهد الاستعماري العثماني، وهي نزعة محملة بالتطلعات التاريخية والجغرافية والمصالح والسياسات.ممارسة الحرب الناعمة، عبر الدبلوماسية والاقتصاد والأمن والثقافة، مستفيدة من عوامل التاريخ والجغرافيا وغيرها، لتفجير الدول العربية من الداخل، بغية التأثير فيها وتشكيل مشهدها السياسي من جديد في ضوء المصالح التركية.
إسرائيل.. المحرك الخلفي
يجمع الكثير من المراقبين على أن المستفيد الأكبر من خرائط سايكس- بيكو الجديدة، وبدائلها الأكثر خطورة هي “إسرائيل”، ليس هذا فحسب، بل إن الكيان الصهيوني هو المحرك الخلفي لمخططات التقسيم الجديدة.
وهذا ما أكده الدكتورأنور الخُفش ، رئيس مرصد برنامج الاقتصاد السياسي ـ في لقاء نظمه منتدى الفكر العربي بعمان ، أغسطس الماضي ، تحت عنوان “خرائط الشرق الأوسط الجديد والمسارات المتوقعة”. حيث قال: ” إن مضمون السلام الإسرائيلي من الناحية الاستراتيجية هو مشروع مسبوق بالتخطيط المحكم لتحقيق أهداف محددة ترتكز على المضمون الاقتصادي، مقابل غياب المشروع العربي بسبب ضغوط الفواتير السياسية الإقليمية والدولية والعربية أيضاً”.
ويضيف الدكتور الخُفش: ” أن المنظور الاقتصادي للصهيونية العالمية في انفتاح الدولة الإسرائيلية يبرره حجم المعونات الخارجية الأمريكية والمنظمات اليهودية العالمية، مما جعل نصيب الفرد الإسرائيلي من هذه المعونات يزيد على أربعة آلاف دولار، أي يزيد على ستة أضعاف متوسط دخل الفرد في معظم الدول العربية. وأن رؤية المخططين الصهاينة تعتبر الخطر متمثلاً في استمرارية هذه المعونات وارتباطها بكينونة الدولة الاسرائيلية واستدامتها، مما يعني أن إسرائيل ستظل (الدولة المصنوعة)، والحل الوحيد برأيهم هو تسويق النظام الشرق أوسطي ومدخله السلام كوسيلة لحل مشاكل إسرائيل السياسية والاقتصادية وأهمها: المقاطعة العربية ونتائجها، والتكلفة الباهظة لفقدان أسواقها الطبيعية من المنظور الجغرافي، ونفقات الأمن الباهظة، والحصار والسياج النفسي حول إسرائيل وعدم قبولها في المنطقة”.

قد يعجبك ايضا