الحكومة البريطانية تستعد لإحياء الذكرى وتعتبر الوعد ” مصدر فخر “
الثورة ، وكالات
تواجه الحكومة البريطانية ضغوطا شعبية وسياسية لإجبارها على الاعتذار العلني لشعب فلسطين بسبب السياسات الإمبريالية التي انتهجتها بريطانيا ما بين عامي 1917 و1948 والتي أدت إلى تشريد شعب بأكمله. من بين هذه الضغوط وثيقة إلكترونية وقع عليها أكثر من 13 ألف بريطاني.
لكن الحكومة التي تستعد لإحياء الذكرى المئوية لوعد بلفور في الثاني من نوفمبر القادم ، لم تكتف في ردها برفض الاعتذار وتبرير الوعد المشؤوم على أنه أعلن في ظروف شهدت تنافسا عالميا بين القوى الاستعمارية وتراجعا للإمبراطورية العثمانية، بل إنها ذهبت إلى حد التعبير عن “افتخارها بالدور الذي لعبته بريطانيا في إقامة دولة إسرائيل”. وأكدت أن “إقامة وطن قومي لليهود في أرض لهم بها ارتباط تاريخي وديني، كان أمرا صائبا وأخلاقيا”.
ويقول زياد العالول المتحدث الرسمي باسم المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج في معرض تعليقه على هذا التصريح إن الحكومة بدلا من “أن تخجل من نفسها وتعتذر للشعب الفلسطيني وتتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية جراء هذا الوعد المشؤوم فإنها ستحتفل مع المجرم بنيامين نتنياهو”. وأعرب عن اعتقاده أن موقف الحكومة هذا سيشكل صدمة “ليس فقط لمعظم البريطانيين المؤيدين لحقوق الفلسطينيين ولكن أيضا بالنسبة للإنسانية كلها”.
“خطر” التعويض
وفي معرض تفسيرهم لدوافع الحكومة إلى عدم الاعتذار، يرى بعض الوزراء البريطانيين أن اعتذارها عن وعد بلفور من شأنه أن يفتح “صندوق باندورا” من المطالب من قبرص إلى كشمير وصولا إلى شعوب أخرى عانت جراء الاستعمار البريطاني. فأي اعتذار -وفق الوزراء- تترتب عليه مسؤوليات ضخمة، لعل أقلها دفع تعويضات للشعب الفلسطيني.
وفي سياق متصل بتمسكها برفض الاعتذار عن وعد بلفور، تواجه حكومة تيريزا ماي انتقادات واسعة تتهمها بالسعي لكسب ود الرئيس الأميركي دونالد ترمب من خلال دعمها لحكومة إسرائيل.
فبعد تصويت البريطانيين لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي عام 2016 كثفت حكومة ماي جهودها لإنهاء مفاوضات “البريكسيت” والانفتاح على العالم من خلال اتفاقات تجارية جديدة بديلة عن الاتفاقات التي تستعد لإلغائها مع الكتلة الأوروبية. وهو ما جعلها -بحسب مراقبين- تتطلع إلى الرئيس الأميركي -المعروف بدعمه للاستيطان- لمنح بريطانيا اتفاقا تجاريا جيدا.
كما أوقفت الحكومة أيضا تحقيقا فتحته لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني بشأن سياسة بريطانيا حيال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. علما أن رئيس اللجنة البرلماني كريسبن بلانت -الذي لا يحظى بقبول من قبل إسرائيل ومؤيديها في بريطانيا- كان يأمل “لأسباب رمزية” كما قال أن تنشر نتائج التحقيق في الثاني من نوفمبر 2017 أي بالتزامن مع الذكرى المئوية لوعد بلفور.
منظمة التحرير تطالب بالإعتذار
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية طالبت بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور الذي مهّد لإنشاء إسرائيل على الأرض الفلسطينية، بدلا من الاحتفال به في ذكراه السنوية المئة التي توافق الثاني من نوفمبر المقبل.
وعبّر رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية زكريا الأغا في بيان عن استنكاره لإعلان الحكومة البريطانية عن تنظيم احتفالات بمناسبة ذكرى وعد بلفور.
وأكد الأغا أن رفض لندن الاعتذار عن وعد بلفور وتنظيمها احتفالات مع مسؤولين إسرائيليين سيقابل بحراك فلسطيني رسمي لمقاضاة بريطانيا أمام المحاكم الدولية.
ورأى القيادي الفلسطيني أن الإعلان عن هذه الاحتفالات يصب باتجاه معاداة الشعب الفلسطيني ويضع بريطانيا في المربع المعادي لقيم الحق والعدالة الإنسانية.
وكانت الحكومة البريطانية رفضت في أبريل الماضي تقديم أي اعتذار عن وعد بلفور، وقالت إنه موضوع تاريخي ولا نية لها في الاعتذار عنه، بل أعربت عن الفخر بدور بريطانيا في إنشاء دولة إسرائيل.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد طالب بريطانيا هذا العام بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور في ذكراه المئوية، ودعاها للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
احتجاجات شعبية
وتشهد العديد من العواصم الأوربية تظاهرات وفعاليات منددة بوعد بلفور ، وفي برلين احتشد المئات من الناشطين الفلسطيين والعرب أحتجاجا على الصمت الدولي تجاه مأساة الفلسطينيين الذي تسبب فيها وعد بلفور ، وأشار رئيس مؤتمر فلسطيني أوروبا ماجد الزير إلى أن هذه المظاهرة ببرلين واحدة من فعاليات عديدة دعا لها المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج ومؤسسات داعمة لحقوق الفلسطينيين، في معظم الدول الأوروبية وعواصم عالمية حتى الثاني من نوفمبر المقبل، ذكرى مرور قرن على وعد بلفور.
الاحتفال إهانة للديمقراطية
وأوضح الزير -في حديث للجزيرة نت- أن هذا الوعد ليس مجرد ماضٍ، وإنما واقع مأساوي تسبب على مر العقود الماضية بنكبة وكوارث للفلسطينيين وتشريد سبعة ملايين منهم.
وقال “إن الفلسطينيين سيتحركون خلال الأيام القادمة بمواجهة فعاليات صهيونية ستجرى بعواصم أوروبية لتثبيت وعد بلفور الظالم”، ولفت إلى أن هذه الفعاليات الفلسطينية تهدف لتوجيه رسالة لكل من يعنيه الشأن الفلسطيني، لممارسة ضغوط على الحكومة البريطانية لتقدم اعتذارا صريحا للشعب الفلسطيني عما سببته له من ويلات وآلام.
واعتبر الناشط الفلسطيني أحمد محيسن أن الاعتذار عن وعد بلفور ودعم حقوق الفلسطينيين هو الحد الأدنى المطلوب من بريطانيا، للتكفير عما أدت إليه سياستها من تحويل شعب بأكمله للاجئين ومشردين.
وقال إن “دعوة الحكومة البريطانية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاحتفال الذي ستقيمه بمرور مئة عام على وعد بلفور، يمثل إهانة للديمقراطية، ورسالة مستفزة ومسيئة للفلسطينيين الذين مثّل هذا الوعد بداية نكبتهم ومحنتهم على مدار عقود”.
محطات وعد بلفور
تعتبر الرسالة التي بعثها وزير الخارجية البريطانية آرثر جيمس بلفور عام 1917 إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة التي عرفت فيما بعد باسم وعد بلفور، أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين.
في العام 1920 عين السياسي البريطاني هيربرت صموئيل وهو من مؤسسي الحركة الصهيونية أول مفوض سام بريطاني على فلسطين وكان أول قرار اتخذه هو الاعتراف باللغة العبرية لغة رسمية في فلسطين.
بعد ذلك بعامين وضعت عصبة الأمم فلسطين تحت الانتداب البريطاني وذلك في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1926 أعطى المفوض السامي البريطاني اليهود حق استخدام مياه نهري الأردن واليرموك لإنشاء محطة كهرباء وحرم المزارعين الفلسطينيين من استخدام المياه لري أراضيهم وهو ما اعتبر تسهيلا لوضع أسس إنشاء كيان إسرائيلي.
خرجت مظاهرات فلسطينية حاشدة عام 1936 رفضا لتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، لكن سلطات الانتداب البريطاني قابلتها برد عنيف، وقمعتها وأعدمت ونفت معظم قادتها.
وفي عام 1947 قالت بريطانيا إنها توافق على ما تقرره الأمم المتحدة بشأن قيام دولة لليهود في فلسطين وصوتت لصالح التقسيم، عقب ذلك بدأت العصابات الصهيونية حملات تطهير عرقي في فلسطين بطرد آلاف الفلسطينيين من قراهم وبيوتهم في ظل الوجود البريطاني.
وارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة دير ياسين عام 1948 في ظل وجود الانتداب البريطاني، وفي العام نفسه اغتالت العصابات الصهيونية مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة الكونت برنادوت أثناء زيارته القدس.
كما استكملت العصابات الصهيونية في العام نفسه عملية طرد الفلسطينيين في ظل الوجود البريطاني، مما أدى إلى صدور القرار 194 الذي دعا إلى عودة اللاجئين إلى أراضيهم وهو أمر لم يتحقق حتى اليوم.