هدير محمود
“اللعب على المكشوف” هو الوصف الأمثل للعلاقات العربية الإسرائيلية في الوقت الحالي، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد بحاجة إلى بذل جهود مضنية لتقريب وجهات النظر بين الدول العربية والكيان الصهيوني، حيث باتت العلاقات بين الطرفين أقرب إلى صداقة وتحالف منها إلى عداوه وحذر، وهو ما تثبته الأحداث بشكل شبه يومي، سواء فيما يخص التنسيق السياسي والعسكري والأمني بين الطرفين، أو الاقتصادي والتجاري أيضًا.
تكريس جديد للتطبيع العربي الإسرائيلي
كعادتها تأخذ وسائل الإعلام الإسرائيلية على عاتقها فضح العلاقات التي تحاول بعض الدول العربية التكتم عليها، حيث كشفت صحيفة “معاريف” الصهيونية النقاب عن زيارة يقوم بها رئيس أركان جيش الاحتلال، جادي آيزنكوت، لواشنطن، لينضم إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الموجود حاليًّا في واشنطن، لحضور اجتماع دولي كبير يشارك فيه رؤساء أركان جيوش التحالف الدولي ضد “داعش”، بينهم رؤساء أركان دول عربية لا تقيم علاقات دبلوماسية علنية مع الكيان الصهيوني، لكنها تقيم علاقات سرية وثيقة معه، وبحسب الصحيفة فإن اللقاء الذي سيستمر حتى غد الأربعاء تشارك فيه كل من السعودية والإمارات العربية، إلى جانب مصر والأردن، وأيضًا دول غربية أعضاء في حلف الناتو.
في ذات الإطار، أكدت الصحيفة العبرية أن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، الذي يترأس المؤتمر، قرر تغيير قواعد تركيبة عقد اللقاء الذي كان من المفترض أن يضم فقط الأعضاء في التحالف العسكري ضد “داعش”، ليضم الكيان الصهيوني الذي لا يشارك رسميًّا في عمليات هذا التحالف، لتكون هذه المرة هي الأولى من نوعها التي يتم خلالها دعوة الاحتلال لمثل هذه اللقاءات.
من جانبه قال جيش الاحتلال الصهيوني في بيان صدر عنه بهذا الصدد: سيقوم القادة خلال هذا الاجتماع بمناقشة التحديات الأمنية المشتركة والتقييمات للأوضاع والتطورات في مجال الأمن، التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى قضايا التعاون العسكري.
هذا الاجتماع الذي يشارك فيه بعض الدول العربية مع إسرائيل وبعض الدول الأوروبية، يأتي بعد تصريحات متتالية صدرت عن الكيان الصهيوني رسمية وغير رسمية حول تطبيع العلاقات والتنسيق مع الدولة العربية، حيث إن بعض المسؤولين الصهاينة باتوا يصفون بعض القادة العرب بالأصدقاء والحلفاء، فالاحتلال الصهيوني الذي طالما بحث عن طريقة للتقارب مع الدول العربية كمخطط لشرذمتها وتفتيتها بالتعاون مع الولايات المتحدة، وجد ضالته أخيرًا في الرعب العربي وخاصة الخليجي من الفزاعة التي خلقها الاحتلال وحليفته الأمريكية من إيران، لتسارع بعض هذه الدول نحو التعاون مع الولايات المتحدة التي بدورها تؤمن مصالح حليفتها الصهيونية.
هذا الاجتماع قد يكون الأول المُعلن بين قيادات رفيعة المستوى من الاحتلال الإسرائيلي ونظائرها من دول عربية، لكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك لقاءات أخرى سرية، حيث كشف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، موشي يعالون، في يونيو الماضي أنه شارك في قمة سرية مع دول عربية معتدلة بالعقبة بالأردن قبل عام ونصف، وكان بين المشاركين إلى جانب رئيس الوزراء الصهيوني “بنيامين نتانياهو”، الرئيس “عبد الفتاح السيسي” وملك الأردن “عبد الله الثاني” ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك “جون كيري”، ومسؤولون عرب آخرون، وقال يعالون حينها: يوجد معسكر سني يجد نفسه بسفينة واحدة معنا، مؤكدًا أن المجتمعين لم يبدوا اهتماما بالقضية الفلسطينية.
في ذات الشأن، ذكر موقع “إسرائيل نيوز 24″، أن الكثير من المحللين والمسؤولين الإسرائيليين باتوا يتحدثون بشكلٍ علني عن وجود تنسيق وتقدم في العلاقات بين دولٍ عربية وإسرائيل، وبشكلٍ خاص مع دول الخليج، ويتوقعون أن يظهر بعضها بشكل مطّرد إلى العلن، على قاعدة أن ما يجمع الطرفين هو العداء المشترك لإيران، وهو ما ظهر مؤخرًا في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حيث قال “عندما تكون لإسرائيل والدول العربية الرئيسية رؤية واحدة، لابد من التنبّه إلى أن هناك شيئا مهما يحصل”، وقد تأكدت تصريحات نتنياهو في ترحيب كل من المملكة السعودية والكيان العبري بمحاولات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إسقاط الاتفاق النووي مع إيران بحجج واهية، وفرض البيت الأبيض عقوبات متجددة على طهران، الأمر الذي يشير إلى مدى التقاء المصالح الأمريكية الإسرائيلية العربية.
على ذات المنوال، سبق أن أكد وزير الاتصالات في الحكومة الإسرائيلية والنائب في الكنيست عن حزب الليكود، أيوب قرا، أن عددًا كبيرًا من الدول العربية تربطه علاقات بإسرائيل بشكل أو بآخر، بدءًا من مصر والأردن المرتبطتين بمعاهدتي سلام مع إسرائيل، وصولًا إلى السعودية ودول الخليج وشمال إفريقيا وقسم من العراق، في إشارة إلى أكراد العراق، وأضاف الوزير أن هذه الدول تشترك مع إسرائيل في الخشية من إيران، ولفت الوزير إلى أن أغلب دول الخليج مهيأة لعلاقات دبلوماسية مكشوفة مع إسرائيل، لأنها تشعر أنها مهددة من إيران وليس من إسرائيل.
قد يبدو الأمر وكأن إيران هي التهديد الوحيد الذي تشعر به إسرائيل، لكنها في الحقيقة قد تكون التهديد الأكبر ولكن ليس الوحيد، فالاحتلال الصهيوني يرتعد رعبًا من نشاطات روسيا الداعمة للنظام السوري، ناهيك عن أنها تُقيم علاقات وثيقة مع إيران، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، أضف إلى ذلك خشية إسرائيل من نشر إيران أو حزب الله اللبناني قوات بالقرب من الحدود الإسرائيلية الشمالية مع سوريا، وقريبة من هضبة الجولان المحتلة، خاصة بعد أن أوشكت المعركة في سوريا على الانتهاء لصالح الجيش السوري، الأمر الذي يجعل الاحتلال يحاول عقد محادثات ومفاوضات ماراثونية لجذب المزيد من المؤيدين لمواقفه وفرض معادلات ميدانية جديدة، أو على الأقل رسم خطوط حمراء تراعي مصالحه السياسية والعسكرية.
على جانب آخر، جاءت وتيرة التطبيع المتسارعة بين الدول العربية وإسرائيل، لتتناقض تمامًا مع دعوة عشرات العلماء المسلمين، أمس السبت، إلى مواجهة التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني من خلال نصح الجهات السياسية والرسمية، وتحريك شعوب الأمة ومؤسساتها، باعتباره “عدوًّا محتلًا”، وهو ما جاء في البيان الختامي لـ”مؤتمر علماء الأمة في مواجهة التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني”، الذي انطلقت فعالياته الجمعة الماضية في العاصمة التركية إسطنبول، بتنظيم من “الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين”.
واعتبر البيان الختامي أن التطبيع بأشكاله كافة مع الكيان الصهيوني محرّم شرعًا وجريمة نكراء، سواء كان تطبيعًا اقتصاديًّا أو إعلاميًّا أو ثقافيًّا أو رياضيًّا أو اجتماعيًّا، وأن ما يصبو إليه دُعاة التطبيع مع العدو المحتل من مصالح مزعومة غير معتبرة شرعًا، وشدّد البيان على أن “فلسطين أرض إسلامية لا يجوز لأحدٍ التنازل عنها أو عن ذرة منها أيًّا كان، وتحت أية ذريعة كانت، وأن التنازل عن فلسطين والاعتراف بحق الكيان الصهيوني في إقامة دولته على أرض الاسلام والمسلمين خيانة لله ورسوله وسائر المؤمنين”، كما دعا المؤتمر إلى إلغاء الاتفاقيات والمعاهدات والتفاهمات السياسية المبرمة بين الأنظمة العربية والإسلامية والكيان الصهيوني، وما ترتب عليها من التزامات محرمة شرعًا، وباطلة وغير نافذة ولا قيمة لها.
*عن البديل المصري