لماذا الآن … ملف إيران النووي على طاولة التشريح الأمريكية!؟
هشام الهبيشان *
بدأ واضحاً لجميع المتابعين، إن مطلع النصف الثاني من العام الحالي، قد شهد حراكاً سياسياً تبنته الإدارة الأمريكية، وبعدّة اتجاهات، إقليمياً ودولياً ، والهدف هو السعي لإنضاج مناخ إقليمي ودولي، يهيّئ الأرضية المناسبة للتشويش على صفقة توقيع اتفاق إيران النووي مع دول 5+1،فمن نيويورك إلى الرياض إلى لوزان إلى بروكسل ولندن وباريس وغيرها ،فهذه العواصم والمدن قد شهدت لقاءات ومؤتمرات ورسائل سرية وعلنية، وإشاعات كُثر وغموضاً كبيراً ،وجميع هذه التحركات الأمريكية تدور بفلك الوصول إلى قرار سريع يسمح بالتشويش على اتفاق الملف النووي الإيراني، وآخر هذه التحركات والمؤتمرات واللقاءات والأحاديث، هي التي تحدث عنها ترامب مؤخراً، فمن تابع حديث ترامب والأجواء العامة لهذا الحديث، يشعر بشيء من الغموض، حول قرارات ترامب الأخيرة .
فـفي حين إنّ طهران والدول الخمس والمنظمات الدولية المعنية ،تؤكد و تتحدث عن إنّ أكثر من 95 % من الملفات التقنية التي قد تم الاتفاق عليها ضمن التوقيع على الاتفاق قد التزمت بها طهران ،تخرج واشنطن لتدحض هذا الرقم لتقول إنّ 60 % فقط من الملفات والتفاهمات التقنية بخصوص برنامج إيران النووي هي من التزمت بها طهران !! تناقض التصريحات الإيرانية والدولية من جهة والأمريكية من جهة أخرى ، يعطي دلالات واضحة على إنّ هناك مؤشرات توحي بأن إدارة ترامب تسعى للتشويش على هذا الملف، والواضح اليوم إنّ تحركات واشنطن الأخيرة ،تهدف إلى إقناع شركائها بالغرب وحلفائها بالإقليم بضرورة التوافق على مراجعة شاملة لملف إيران النووي، لـ ينتهي باتفاق أممي ” جديد “مع إيران بخصوص ملفها النووي .
الواضح أكثر اليوم ، إن هناك حراكاً داخلياً واضحاً بواشنطن ، يقوده جمهوريو الكونغرس بالشراكة مع اللوبي الصهيوني، يهدف للتشويش على مسار الاتفاق النووي، بل ويذهب باتجاه إلغاء الاتفاق برمته ،حراك واشنطن الداخلي المعارض لهذا الاتفاق النووي مع الإيرانيين، تزامن مع رسائل إعلامية بعث بها جمهوريو الكونغرس إلى الإيرانيين، تُحذّرهم بمضمونها من إنّ مسار اتفاقهم النووي مع أمريكا، ستنتهي شرعيته قريباً، بالإضافة إلى هذا الطرح، فقد شهدت مجموعة من وسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً، حملة شرسة تعارض استمرار أمريكا بالشراكة باتفاق إيران النووي ،وهذا ما يؤكد وجود حملة ممنهجة بالداخل الأمريكي تسعى وبقوة لإخراج امريكا من إتفاق إيران النووي مبكراً .
حراك واشنطن الداخلي المعارض لاستمرار شراكة أمريكا بالاتفاق ،هو صدى لمعارضة “إسرائيلية ” وبشدّة ومن خلف الكواليس لاستمرار أمريكا بالشراكة بهذا الاتفاق، ورغم رسائل الطمآنة التي بعث بها ترامب بالأمس لإسرائيل ،يبدو واضحاً إن الإسرائيليين لم يقتنعوا بصدق النوايا الأمريكية .. هكذا يتحدثون وبالعلن ، وبالإضافة إلى الضغوط الإسرائيلية فاليوم الإدارة الأمريكية لا ترغب بخسارة حلفائها بالمنطقة وبالخليج أيضا المعارضين لاستمرار أمريكا بهذا الاتفاق ، وخصوصاً السعوديين الذين تجمعهم بواشنطن علاقة شراكة أستراتيجية تزيد على سبعة عقود من الزمن، بنى جسورها الملك السعودي الراحل عبد العزيز آل سعود، والرئيس الأمريكي روزفلت ،كما إن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تدخل بمناكفات طويلة مع جمهوريي الكونغرس المحسوبين عليها الداعمين لموقف نتنياهو والسعوديين ،والمعارض وبقوة لاتفاق إيران النووي .
وبالانتقال إلى إيران وهي الشريك المعني بالاتفاق النووي ،فاليوم هناك بالداخل الإيراني قوى محافظة، تعارض بشكلٍ كلّي مسار أي تفاهمات جديدة مع الغرب وأمريكا ،لأنها ترى بأنها قدمت تنازلات كبيرة عندما وقعت على الاتفاق ، مع العلم أن البرنامج النووي الإيراني هو شأن داخلي إيراني ويعمل ضمن منظومة سلمية، فهم يتسائلون ولهم أحقية التساؤل.. فما علاقة الغرب ببرنامج إيران النووي السلمي؟ولماذا يساوم الإيرانيون الآخرين على حقوقهم المشروعة ؟،ولماذا لا يتعامل الغرب مع الكيان الصهيوني الذي يملك ترسانة عسكرية نووية تتمثل بـ290 رأساً نووياً ..على الأقل كما يتعامل مع الإيرانيين ؟؟تساؤلات القوى المحافظة بالداخل الإيراني الواردة أعلاه ،شكّلت بالفترة الأخيرة عامل ضغط على حكومة الرئيس الإصلاحي الإيراني حسن روحاني ،فاليوم هناك الكثير من الأصوات المؤثرة بدأت ترتفع بالداخل الإيراني، تعارض بشكلٍ قاطع تقديم أي تنازلات تقنية أو سياسية جديدة من الدولة الإيرانية للغرب وأمريكا ، مقابل التوافق على تفاهمات جديدة لملف إيران النووي مع الغرب .
ومع كل هذا، فـ هذه المؤشرات بمجملها والواردة من أكثر من اتجاه .. من الطبيعي أن تشكل عامل ضغط على صنّاع ومتخذي القرار ” الدولي – بخصوص الاتفاق النووي “، والمعنيين بشكلٍ رئيسي باستمرار تنفيذ مراحل اتفاق ملف إيران النووي، فالإدارة الأمريكية اليوم، تتعرض لجملة ضغوط داخلية وخارجية، تستهدف ثنيها عن قرارها بوقف أو سحب شراكتها من الاتفاق مع الإيرانيين بخصوص ملفهم النووي.
ختاماً ،يبدو إن جميع المؤشرات تذهب بواشنطن ومن خلال حديث ترامب ، اتجاه تجميد شراكة واشنطن بالاتفاق لشهور ثلاثة مقبلة على الأقل ،فالمؤشرات بمجملها والواردة من جميع الأطراف المعنية بواشنطن والمتأثرة كما تدعي من آثار هذا الاتفاق ،تؤشر بشكل متزايد على احتمالات وتكهنات بدأت تطفو من جديد إلى السطح، تؤكد إلى حد ما عدم وجود أرضية ومناخ دولي وإقليمي بهذه المرحلة تحديداً، يهيّأ المناخ الدولي والإقليمي المضطرب بشكلٍ عام لقبول تداعيات وأبعاد خروج وانسحاب واشنطن نهائياً من هذا الاتفاق بهذه المرحلة تحديداً،ومع ذلك سننتظر القادم من الأيام ليعطينا مزيداً من الإجابات التي ستؤكد وتكشف بعض خفايا ما يدور خلف الكواليس بواشنطن تحديداً ،تزامناً مع وجود خشية غربية وإقليمية من حماقة قد يرتكبها نتنياهو وبتحريض ودعم من بعض القوى بالإقليم، بالذهاب نحو عمل عسكري ضد المصالح النووية بإيران، قد تقلب الطاولة على الجميع، وتدخل المنطقة والإقليم بدوامة صراع لا حدود زمانية ولا مكانية له.
* كاتب صحفي أردني