تحقيق وتصوير/عبدالباسط النوعة –
د.الأحمدي: فريق متخصص لتوثيق وفهرسة المخطوطات وتوفير خزنات من الفولاذ
98 مخطوطاٍ نادراٍ تتضمن مصاحف قرآنية تعود لمئات السنين وخزائنيات في الفقه ومختلف علوم المعرفة تعرضت للسرقة والنهب من خزانة حديدية في مسجد قبة محمد بن الهادي من مدينة ثلا.. جريمة لو حدثت في بلد آخر لهزت عروش السلطة بكاملها .. الثورة زارت منطقة ثلا التاريخية القريبة من العاصمة صنعاء والواقعة ضمن محافظة عمران لتقصي حادثة سرقة المخطوطات وكيف حدثت ومن أين سرقت هذه المخطوطات وإلى أين وصلت التحقيقات بالإضافة إلى القيمة التاريخية للمخطوطات المسروقة وغيرها من التساؤلات التي نحاول الإجابة عليها في سياق التحقيق التالي:
> توجهنا إلى ثلا برفقة وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب الدكتور مقبل الأحمدي ورئىس نيابة الآثار والمدن التاريخية القاضي محمد الكستبان بعد حادثة السرقة بثلاثة أيام وهو نفس اليوم الذي علمنا فيه بهذه الحادثة عن طريق اتصال من الأخ الوكيل لقطاع المخطوطات والذي أكد بدوره أنه للتو علم بهذه الحادثة وشكل لجنة برئاسته ودعا رئيس نيابة الآثار مباشرة إلى ثلا وبعد معاينة موقع الحادثة والالتقاء بالمسؤولين والمختصين بالمديرية اتضح أن المخطوطات التي سرقت كانت من ضمن مخطوطات كثيرة مخبأة في خزانة من الحديد في مسجد قبة محمد بن الهادي بن أمير المؤمنين المؤيد لدين الله يحيى بن حمزة في ثلا وهنا يقول قيم المسجد الأخ علي محمد البدري إنه منذ سنوات طويلة يعمل في هذا المسجد ولا يعرف شيئاٍ عن ما هو موجود داخل هذه الخزنة من الحديد الموجودة في مؤخرة المسجد من الداخل ولا يملك حتى المفاتيح لتلك الخزنة وهي كثيرة فالخزنة يبلغ طولاٍ تقريبا مترين ونصف وعرضها متر ونصف “تقريبا” ولديها باب يفتح هذا الباب على خزنات صغيرة لكل خزنة منها قفل خاص به وداخل كل خزنة توجد مخطوطات يقول قيم المسجد: عندما أتيت المسجد في الفجر فوجئت بالخزنة مفتوحة وكذلك الخزنات الصغيرة والمخطوطات متناثرة بجوارها وبوابة الجامع أيضا مفتوحة شعرت بخوف كبير توقفت في مكاني كالمسمار لدقائق اتأمل مندهشاٍ من هول ما أرى وبعدها هرولت مسرعاٍ إلى بيت مدير الأوقاف في ثلا واعلمته بالأمر وبدوره أبلغ الجهات المعنية ونفى أن يكون رأى شخصاٍ بجوار الجامع عند مجيئه إليه.
تجميع المخطوطات
أما كيف وجدت هذه المخطوطات في هذا المسجد وكم عددها الكلي يقول مدير الأوقاف بثلا الأخ عبدالرحمن الأكوع إن العدد الكلي للمخطوطات قبيل السرقة (612) مخطوطة وبعد السرقة أصبحت (514) معظمها مصاحف قرآنية والبعض الآخر كتب مخطوطة في مجالات شتى الفقه والتاريخ الإسلامي وغيرهما وقد عمل مدير الأوقاف السابق في المديرية قبل حوالي 13 عاماٍ على جمع المصاحف والكتب المخطوطة الموجودة في مساجد ثلا في هذه الخزنة الحديدية في مسجد قبة محمد بن الهادي الذي كان يمتلك أكثر نسبة من المخطوطات وما حمله على ذلك هو تعرض عدد من المخطوطات في المساجد قبل 15 عاماٍ إلى النهب من قبل مجهولين فقد سرقت مخطوطات من مساجد نبهان والمحاميد والمدرسة ومسجد سعيد الأمر الذي اضطر مدير الأوقاف السابق إلى سرعة التحرك لحفظ ما بقى وهي على هذه الحالة منذ اثنى عشر عاماٍ في خزانات صغيرة على كل خزنة اسم المسجد الذي جلبت منها المخطوطات وأضاف: كنا قبل عشرين عاماٍ نستخدم هذه المصاحف والكتب المخطوطة في المساجد ونعيدها إلى مكانها والمساجد كانت مفتوحة طوال اليوم والمخطوطات هذه في النوافذ والرفوف في كل مسجد ولم يحدث لها شيء.
ولفت مدير الأوقاف إلى أن المخطوطات المتبقية باتت أكثر عرضة للخطر الآن وتحتاج إلى وسائل أكثر أمناٍ فقد استطاع اللصوص كسر الباب الخارجي للخزنة وإقفال الخزنات الصغيرة والأدهى من ذلك أن هناك مخطوطات في الجامع الكبير بثلا يقدر عددها بألف مخطوط معظمها ذات قيمة تاريخية أكثر من المخطوطات الموجودة في قبة محمد بن الهادي وما يبعث على الخوف أن المخطوطات في الجامع الكبير موضوعة على رفوف خشبية وأبوابها من الزجاج أي أنها غنيمة سهلة لهؤلاء اللصوص أكثر بكثير من القبة ولذلك نخشى أن يتم سرقتها خاصةٍ أن محاولات عديدة قد حدثت لسرقة مخطوطات من الجامع الكبير.
تصميم لاستعادة المسروقات
أمين عام المجلس المحلي بمديرية ثلا الأخ عادل النجار يؤكد أن المخطوطات التي سرقت كانت أفضل المخطوطات الموجودة داخل خزانة المسجد سواءٍ من حيث التاريخ أو النقوش والزخارف وكذا الألوان.
مشيراٍ إلى أن المديرية بكاملها مستنفرة بعد هذه الحادثة والكل مصمم سواء قيادة المجلس المحلي أو الأمن أو المواطنين على ضرورة إلقاء القبض على الجناة وإرجاع المخطوطات إلى مكانها.
وطالب الجهات المختصة وتحديداٍ وزارة الثقافة وقطاع المخطوطات بضرورة توفير ما يضمن حماية المخطوطات في القبة والجامع الكبير والعمل على ترميمها وصيانتها.
إجراءات أمنية
ويقول المقدم أحمد الهيصمي مدير أمن ثلا إن إدارة الأمن وفور إبلاغها بالحادثة تحركت إلى الموقع واتخذت الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحوادث ومنها التصوير وأخذ البصمات.
وأكد أن هناك عدداٍ من الأشخاص مشتبه بهم ولكن لا توجد القرائن الكافية لتوجيه اتهام مباشر إليهم واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم مشيراٍ إلى أن كافة أبناء وشباب وشيوخ المدينة خضعوا جميعهم لأخذ البصمات ليتم مطابقتها على البصمات التي رفعت من على خزانات المخطوطات في قبة محمد بن الهادي مرحباٍ بدخول نيابة الآثار والمدن التاريخية في الإشراف على التحقيقات ومتابعة كافة الإجراءات التي اتخذها الأمن في سبيل الوصول إلى الجناة.
ويضيف الهيصمي: وصلنا إلى موقع الحادثة ورأينا أن باب المسجد وبمعنى أصح القفل تعرض للكسر وكذلك بوابة الخزانة الرئيسية تعرضت للكسر من أحد أطرافها أما الخزانات الصغيرة فقد تعرضت “الأقفال” فيها للكسر أيضاٍ وهذه عملية استغرقت وقتاٍ طويلاٍ إلا أنه في النهاية توصل اللصوص إلى مبتغاهم وسنعمل في إدارة الأمن بكل مالدينا من طاقة لإلقاء القبض على الجناة وإعادة كافة المخطوطات المسروقة..
عند زيارة الأخ الوكيل ورئيس نيابة الآثار للجامع الكبير بثلا وجدنا فعلاٍ الكثير من المخطوطات موضوعة في إحدى الغرف على أدراج أبوابها من الزجاج وبالتالي فإن اللصوص قد تمكنوا من سرقة مخطوطات من خزنة حديدية لها أبواب عديدة فما بالك بخزنات من الزجاج الأمر الذي يجعل مخطوطات الجامع الكبير بثلا أكثر عرضة للنهب بل وبسهولة بالغة.
مصحف قديم جداٍ
ووجدنا في هذه الغرفة المسماة “مكتبة الجامع” مصحفاٍ قديماٍ يعود تاريخه إلى سنة 787 للهجرة ويقول مدير المكتبة وإمام المسجد الكبير الشيخ محمد بن محمد الأكوع إن هذا المصحف يتكون من سبعة أسباع كل سبع في مجلد خاص وقد ضاع جزءان “سبعين” من هذا المصحف وبقي فقط خمسة أجزاء أو “خمسة أسباع” وقد وجده الإمام محمد بن الهادي وأوقفه وفي رواية أخرى كان المصحف قد سرق بشكل كامل ولكنه عندما تم إعادته عاد ناقصاٍ “جزئين”.
وأضاف: ما هو موجود في المكتبة من مخطوطات محصورة كل جزء أو مخطوط مسجل لوحده وهي كلها مصاحف قرآنية.
وطالب الأكوع بضرورة توفير الحماية اللازمة لهذه المكتبة ومحتوياتها من المخطوطات لا سيما بعد سرقة مخطوطات قبة محمد بن الهادي.
وحقيقة عندما رأينا هذا المصحف التاريخي وجدنا عدداٍ من صفحاته من معظم الأجزاء قد أتت عليها السنين وطالت منها وأصابها بعض التلف وهي بحاجة ماسة إلى سرعة في المعالجة والترميم.
توفير الاحتياجات
وهنا يقول الدكتور مقبل الأحمدي وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات ودور الكتب: إن المخطوطات التي وجدها في قبة محمد بن الهادي وأيضاٍ في المسجد الكبير مخطوطات تاريخية تحمل قيمة تاريخية هامة ويبلغ متوسط أعمارها من 150 – 300 عام باستثناء المصحف الذي أوقفه محمد بن الهادي والذي يبلغ عمره قرابة 700 عام.
وقال: خلال لقائنا بالمسؤولين والمختصين بالمدينة طلبنا منهم تحديد متطلباتهم لحماية وحفظ المخطوطات في القبة والجامع الكبير وسنعمل على توفيرها فينبغي توفير خزانات من الفولاذ لكلا المسجدين.
أيضاٍ سنعمل على تشكيل فريق من المختصين بدار المخطوطات للنزول إلى ثلا لتصوير وتوثيق وفهرسة المخطوطات في المسجدين والقيام بترميمها ومعالجتها وحفظها بطرق علمية فطرق الحفظ التي يتم بموجبها تخزين المخطوطات غير ملائمة أبداٍ وطرق بدائية جداٍ تعرضها للتلف مع مرور الوقت ولهذا لا بد أن تحفظ هذه المخطوطات بعد صيانتها بأساليب صحيحة.
وطالب الأخ الوكيل الجهات الأمنية بسرعة الكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة ليلقوا جزاءهم الرادع والعادل كي يكونوا عبرة لغيرهم ممن تسول له نفسه المساس بتراث هذا البلد وتاريخه وضرورة أن تشارك نيابة الآثار بأعمال التحقيقات ومتابعتها أولاٍ بأول.
مؤكداٍ أن المخطوطات موروث عظيم يعني اليمن بأكمله وأن دار المخطوطات على أتم الاستعداد لترميم أي مخطوط لدى أشخاص سواء بدار المخطوطات أو في منزل الشخص نفسه وإعادة المخطوط إليه كما أنها مستعدة لشراء أي مخطوط من المواطنين وبأسعار تفوق تلك الأسعار التي تباع بموجبها بأساليب غير مشروعة.
مراكز للمخطوطات في المحافظات
وبدورها تقول الأخت هدى أبلان نائب وزير الثقافة إنه ليس من الصحيح أبداٍ أن يتم وضع المخطوطات في المساجد بدون توفير الاحترازات الأمنية سواء من المجلس المحلي بالمديرية أو المحافظة أو من قبل الجهات الأمنية والأوقاف والتي تجعل تلك المخطوطات في مأمن من أي اعتداء أو نهب وبالتالي ينبغي عمل مراكز للمخطوطات تتعاون فيهما وزارتا الأوقاف والثقافة على الأقل في كل محافظة مركز تجمع فيه المخطوطات ويزود بكافة وسائل الأمن والسلامة مؤكدة أن ما حدث في قبة محمد بن الهادي بثلا يدل على النهب المنظم لذاكرة هذا البلد وثقافته وتاريخه ولهذا لا ينبغي أن تمر هذه الحادثة في ثلا بشكل عابر بل ينبغي الوقوف عندها واعطاءها كامل الاهتمام والأولوية من كافة الجهات ابتداءٍ من مجلس الوزراء ووزارة الثقافة مروراٍ بالمحافظة والسلطة المحلية والأمن في المديرية.
ودعت الأجهزة الأمنية في ثلا إلى بذل قصارى جهودها للقبض على الجناة وإعادة المسروقات فهم أمام مسؤولية وطنية جسيمة.. من جهة أخرى حذر مختصون من الدور السلبي لوزارة الأوقاف كونها الجهة المعنية بالمخطوطات في الجوامع مؤكدين أن وزارة الأوقاف لم تكلف نفسها حتى السؤال عن هذه الجريمة التي تعرضت لها المخطوطات في مدينة ثلا.