{ أبو حرب }

 

 

معاذ الجنيد

ما زال ذِكركَ بين الناس يصطخِبُ
هاموا بوصفك ما ارتاحوا ولا تعبوا
لم يكذبوا من حكوا عنك الفصولَ لنا
لكنهم ما حكوا شيئاً ، ولا كتبوا
تحدثوا عنكَ ، قالوا ، أسهبوا ، وصفوا
وكلُّ سردٍ مع ( المُلصيّ ) مُقتَضَبُ
فأنتَ كالشمس عند الناظرين لها
هل حجمها ما حواهُ الرمشُ ، والهدَبُ ؟
غطَّى على ماضي الأحداث حاضِرُها
ولم تُغطِّ على استشهادكَ الحُجُبُ
كأنك الراحلُ اليوميُّ ما هدأت
عنك الأقاويلُ ، والأخبارُ ، والخُطبُ
وما تأخرتُ في شعري إليك ، وهل
لذكر مثلك أيامٌ ونغترِبُ
هُم هكذا أولياءُ الله إن رحلوا
تبقى بهم أحرفُ الأجيال تنكتِبُ
حكايةٌ أنتَ من أيام (حيدرةٍ )
و(حمزةٌ ) آخرٌ جاءت بهِ العربُ
يا مؤمناً يطفحُ الإيمانُ منهُ كما
بالماء غيثاً علينا تطفحُ السُحبُ
إلى سنى ( أحمد العزيِّ ) تنقلنا
ومرّةً لـ( بن بدر الدين ) تصطحِبُ
ومَن تولَّى ( أبى جبريل ) قائدَهُ
فنهجهُ واحدٌ لله ينتسبُ ..
كم فتيةٍ جاهدوا ، لكن بلا علَمٍ
ما قدموا للورى شيئاً ولا اكتسبوا
ومن يكُن بالنبيْ والآلِ مُنطلقاً
فالنصرُ بعد اصطفاء الله مُرتَقَبُ
ما جئتكَ الآن كي أرثيكَ مُعتذراً
سُحقاً لكل رثاءٍ منكَ يقتربُ
الله سمّاكُم الأحياء لست أنا
وإنني لرثاء الحي أجتنبُ
لقد ذكرناك فاشتدت عزائمنا
واسَّاقط الجمرُ في الأكباد والرُطَبُ
قُلنا ( أبو حرب ) فاصطفَّت بنادقُنا
وعبّرت للعِدا عن شوقها الجُعبُ
ودار عنك حديثٌ في متارسنا
فصُدَّ زحفٌ بفضل الله وانسحبوا
نعم هوَ الله يُعطي المؤمنين به
من بأسه هيبةً ، سبحان ما يهِبُ
كأنّ روحك عُنقوديةُ خُلقت
وأصبحت في صدور الناس تنسكبُ
في كل يومٍ ألاقي منكَ أربعةً
وفي الحدود مئاتٌ .. أنتَ إن حُسبوا
يا صرخةُ لم تزل تعلوا مُدويةُ
جبالُ ( نجران ) حتى الآن تضطربُ
على ذراعيك تسترخي الحروبُ وهل
سوى ( أبي حرب ) للحرب الضروس أبُ
أبراجهُم تتدلى منكَ دانيةً ..
قُطوفها لكَ يا ( مُلصِيَّها ) عِنبُ
تبدو على موقعٍ ينهارُ مُرتبكاُ
ترنو لدبابةٍ يجتاحها العطَبُ
تصُدُّ ، تجتاحُ ، تحتلُّ الحصون ، ومن
أسَرتَهُم منكَ ذاقوا الهَديَ فانقلبوا
فالبعضُ ربُّكَ نجَّاهُم ليهدِيَهُم
من ذا الذي منكَ ينجو وهو يحترِبُ ؟
تأثرت في ( أبي حرب ) القلوبُ كما
تأثرت بكتابِ الخالق الكُتُبُ
مُجاهدٌ في سبيل الله رُتبتهُ
أمامهُ تنحني الألقابُ ، والرُتَبُ
سلاحهُ الله ، والقرآن جُعبتهُ
أنفاسهُ في سبيل المصطفى شُهُبُ
توكلٌ مُطلقٌ بالله يربطه
إذا بدا كل شيءٍ منهُ يرتهبُ
تشعُّ رُوحيةُ الإيمان منهُ ، فمن
يُصغي له مرةً لله ينجذبُ
إذا مشى فوق أرضٍ جاهدت معه
إذا التقى بأُناسٍ للوغى ركبوا
إذا تحدث بين القاعدين هُدىً
قاموا جِهاداً ، وفي درب الإبا وثبوا

إن بات في معشرٍ يوماً وقصَّ لهم
عن صلب ( زيدٍ ) تمنوا أنهم صُلبوا

من لا يُضحون ضحوا في خطاه ومن
لا يرغبون بموتٍ خلفه رغبوا
فضلٌ من الله أن يختارهُ سبباً
يهدي به البعض ، نعم الفضل والسببُ
إذا رأى بعضكم ( عطانَ ) ، أو ( نُقماً )
يمشي ( بنجران ) ، لا ينتابهُ العجبُ !!
لا بُدَّ أنَّ ( أبى حربٍ ) حكى لهُما
عن الجهاد ، وعن تقديم ما يجِبُ
من التقاه التقى بالمؤمنين به
ومن رآه رأى الأحرار إن غضبوا
أوصافهم في سنى أوصافه اجتمعت
تحركوا عبره في الناس واختطبوا
لئن تعلق فيه العاشقون فهم
تعلقوا بهوى الأطهار وانتحبوا
كم مؤمنٍ عاش لا يدري بهِ أحدٌ
وبالشهادة أحيى الله من وهَبوا
الناسُ صِنفان .. إمّا عاشقٌ ( حسَناً )
أو مُبغِضٌ من لظى ( المُلصيِّ ) يرتعبُ ..

قد يعجبك ايضا