من الثورة إلى الدولة

 

 

احمد الحبيشي

يحتفل شعبنا اليمني الصامد هذا اليوم بالذكرى الأولى لقيام المجلس السياسي الأعلى الذي جاء كأول ثمرة للاتفاق السياسي بين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام ، في بدايات العام الثاني من الصمود البطولي أمام جرائم العدوان السعودي الأمريكي على اليمن أرضا وشعبا وتاريخاً.

مما له دلالة عميقة ان صمود شعبنا في وجه أشرس عدوان قامت به أغنى وأقوى دول العالم ، وكبرى شركات توريد المرتزقة الأجانب من مختلف الجنسيات ، حطّم مراهنات وحسابات الغزاة وداعميهم الدوليين في إمكانية تحقيق نصر سريع وخاطف خلال بضعة أسابيع كحد أقصى ، وإجبار شعبنا على الاستسلام والخضوع بدون شروط.

لم يكن من قبيل الصدفة أن يُعلن السفير السعودي في واشنطن بدء العدوان على اليمن من العاصمة الأميركية في الدقائق الأولى من يوم 26 مارس 2015 ، تحت مُسمّى عملية (عاصفة الحزم)، مشيراً إلى أن التخطيط لهذه العملية تم بالتنسيق بين الرياض وواشنطن ، واستغرق عدة شهور.!!

ولم يكن من قبيل الصدفة أيضا أن ينبري كبار ومشاهير الخبراء العسكريين الأميركيين عبر الشبكات الإخبارية العالمية ، للحديث عن إمكانية انتصار التحالف السعودي في هذه الحرب ، وتنفيذ القرار الدولي الجائر رقم 2216 ، وانسحاب قوات الجيش واللجان الشعبية التي تقاوم العدوان من صنعاء والمدن الرئيسية خلال فترة قصيرة لا تزيد عن شهر!!

الثايت أن حسابات الحسم العسكري لصالح قوى العدوان لم تنشأ من فراغ ، ولم تكن مبنية فقط على عنصر المفاجأة ونتائج التحشيد العسكري والسياسي ، بل كانت تتويجا لنشاط تآمري خارجي وداخلي استهدف تفكيك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وتعطيل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية ونشر الفوضى والإرهاب ، وصولا إلى محاولة إغراق البلاد في الفوضى والنزاعات الطائفية ، ولم يكن خافيا تكامل الأدوار التآمرية بين رئاسة الدولة والحكومة والنخب السياسية القديمة والمتكلسة من جهة ، وبين السفارات الأجنبية التي استقوى بها المتآمرون من الداحل لتمهيد الطريق للعدوان وعلى رأسها السفارات الأميركية والريطانية والسعودية من جهة أخرى.

لم يكن خافيا على أحد أن الهدف من تقديم استقالتي كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابقين قبل العدوان ببضعة أيام ، كان يتمثل في إرباك المشهد السياسي وإسقاط الدولة في فراغ دستوري وسياسي قاتل ، وتعطيل مؤسسات الدولة ، وتمهيد التربة للتدخل العسكري الخارجي ، الأمر الذي أسهم في تعظيم مراهنات الدول المعتدية وأجهزة استخباراتها على إمكانية الحسم العسكري السريع خلال بضعة أسابيع.

لكن المفاجأة كانت صادمة لقوى العدوان ، فقد تمكن شعبنا من امتصاص الضربة الأولى للعدوان ، والصمود في وجه جرائم الحرب التي رافقتها على الرغم من بشاعتها وسط صمت دولي وحصار سياسي ودبلوماسي وإعلامي عربي وعالمي غير مسبوق ، وصولا إلى استعادة المبادرة في جبهات القتال ، والانتقال إلى إعادة بناء وتطوير القوى الصاروخية واستخدامها بنجاح كبير من خلال استهداف القواعد الحوية في عمق المدن السعودية ، وقصف عدد كبير من البوارج البحرية المعادية.، وهو ما جعل العدو يفكر بفتح جبهة الحرب الاقتصادية والمصرفية واستخدام الطابور الخامس لشق وحدة الجبهة الداخلية.

من نافل القول ان صمود شعبنا خلال عامي 2015 ــ 2016 فتح الطريق أمام الانتقال نحو استعادة هيئات الدولة الدستورية من خلال التوافق الداخلي على تشكيل المجلس السياسي الأعلى الذي نحتفل اليوم بذكرى تأسيسه ، وهو ما أسهم في صُنع متغيرات ومعادلات جديدة كشفت هشاشة ما تُسمى (الحكومة الشرعية) المقيمة في فنادق الرياض ، وقدرة القوى المناهضة للعدوان والاحتلال على السير نحو استعادة الدولة وسد الفراغ السياسي والدستوري الذي سبق العدوان بعدة شهور ، وتحقيق التفاف شعبي حول مشروع مقاومة العدوان ورفض الاستسلام.

لكن ذلك لا يبرر على الإطلاق تجاهل أو إنكار أهمية الدور الذي قامت به اللجنة الثورية العليا وعلى رأسها الرفيق محمد علي الحوثي طوال المرحلة الأولى من مقاومة العدوان ، في حماية مؤسسات الدولة من السقوط والتشظي ، وتعزيز نشاطها وتوفير الإمكانيات المتاحة للقيام بواجباتها الإدارية والتموينية والخدمية والإعلامية ، وما ترتب على ذلك من تسهيل عملية الانتقال إلى مرحلة تفعيل الآليات الدستورية لبناء الدولة ومقاومة العدوان من خلال المجلس السياسي الأعلى ومجلس النواب وحكومة الإنقاذ الوطني.

وزاد من أهمية الدور الذي لعبته اللجنة الثورية العليا في المرحلة الصعبة السابقة لتشكيل المجلس السياسي الأعلى ، حرص رئيس اللجنة الثورية العليا على النزول الفوري في أوقات كوارث الحرب والكوارث الطبيعية لتفقد المناطق والأحياء السكنية المنكوبة مستخدما الدراجات النارية ، ومتجولا بين المواطنين وسط السيول ومياه الأمطار الغزيرة ، الأمر الذي أكسبه “كاريزما” خاصة في الزمن الصعب.

في العاشر من شهر مايو 2017 التقيت الرفيق محمد علي الحوثي في القصر الجمهوري ، وكان بجانبي رئيس الوزراء الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، قبل افتتاح الجلسة الأولى من اللقاء الموسع لحكماء وعُقلاء اليمن ، فبادرني بالحضن مبتسما كعادته.. حينها قلت له ضاحكا ً : ( يارفيقي .. حتى ابتسامتك فيها كاريزما) !!

قد يعجبك ايضا