محطات في تجربة حركة التحرر الفيتنامية “3”

 

عبدالجبار الحاج

وما دمنا قد اشرنا في الحلقة الثانية إلى اتفاق مارس 1946م والذي قبل به هوشي منه وقيادة الثورة على اساس من اقامة حكومته ومن ثم ايقن من فور الوقائع والأحداث ان فرنسا لن تمنح فيتنام حق الاستقلال بموجب اتفاقية اصر فيها وعلى نصوصها حق الفيتناميين في الاستقلال والوحدة …فمن المهم جدا ان نقف على الظروف والمعارك التي دارت رحاها في انحاء عديدة من فيتنام وهي التي اجبرت الفرنسيين على طرح التفاوض ….
فمنذ العام 45 خاض الفيتناميون معارك ضد الفرنسين والانجليز فشنوا هجوما عنيفا على سايجون وحاصروها
ثم كانت المفاوضات وبموجبها تنشاء حكومة الثورة على هانوي وبالمقابل تبقى وحدات رمزية في هانوي للاهداف على ان يتم انسحاب آخر جندي اجنبي في موعد نصت عليه الاتفاقية ..
والواقع انه ماعدى الفترة الوجيزة التي قامت عليها حكومة الثورة وبسطت سلطتها .. راحت فرنسا تضاعف نقضا للعدد المتفق عليه ما أدى إلى رفض هوشي منه وخلال اشهر من العام 46 لم تسمح ولن تقبل حكومة هوشي أي ممارسة خارج نصوص الاتفاق الذي ينص على رحيل فرنسا ..فانفجرت المعارك مجددا .
باستثناء تلك الفترة الوجيزة من اتفاق مارس 46 فسرعان ما تفحرت المعركة في الربع الاخير من ذات العام والتي استمرت لشهرين انسحبت حكومة ..فإنه عدا تلك الاشهر القليلة فإن مرحلة الكفاح المسلح قد امتدت من 45 دون ان تتوقف ثم عقب انسحاب الحكومة الثورية من هانوي إلى الريف فإن المعارك التى دارت مع الفرنسيين خلال الأعوام الثلاثة 47 و48 و49 قد اتسمت بالنسبة لقيادة الفيت منه بمرحلة البناء لقواعد حرب العصابات، نقاط القوة والضعف فيما بين اطراف الصراع والحروب لا تقاس بحجم المال والسلاح والتفوق العددي فيما لو ادرك المستضعف نقاط قوته المحسوسة بعدالة القضية وارادة شعبه ان اجادت قيادته تحريكها وهزها من اعماقه لتبدو واضحة وعالية في آفاقها .
لذا فإن فارق التفوق في السلاح غالبا ما يتكسر ويتلاشى بالتدريج بفارق الزمن القصير وتقادم استخدامه لصالح الخصم المؤمن ايمانا لايتزعزع لصالخ الخصم المستضعف والمعتدى عليه..
ويقول قائد حرب التحرير الوطني الفيتنامي فنجوين جياب بهذا الصدد :
(في 1952 – 1953م، قرر حزبنا تحريك الجماهير لتأييد الإصلاح الزراعي وتنفيذه، تطبيقاً لشعاره: “الأرض لمن يزرعها”. ومن ثَم، شاع التأييد لنا بين الفلاحين، وقويت شوكة جبهتنا، ونجحنا في تحريك الجماهير للصمود في حرب الشعب، وحشد القوة البشرية والمال اللازم للمقاومة، وارتفع شعار: “كل شيء للجبهة، وكل شيء للنصر”. ومن ثَم، بدأ حزبنا في حساب نقاط القوة والضعف، سواء في أعدائنا أو فينا نحن؛ وأدرك مدى التوازن القائم بين قواتنا والخطوط الإستراتيجية للأعداء.
لقد ضعفت قوة الإمبريالية كثيراً، بعد الحرب العالمية الثانية؛ ولكنها لا تزال قوية، بالمقارنة بما لدينا من قوات. كذلك كان لديهم جيش محترف، مزود بالمعدات والأسلحة الحديثة، وإسناده الإداري المتميز. ولكن نقطة ضعفهم، كانت في شنهم حرباً ظالمة عدوانية.
ومن ثَم، كان هناك انقسام داخلي، وفقد الاتجاه الإمبريالي الدعم الشعبي الداخلي، مثلما فقد تعاطف الرأي العام العالمي. كذلك، كان جيشه قوياً، في البداية؛ ولكن روح جنوده المعنوية، كانت تتردى، يوماً بعد يوم. كان هناك نقاط ضعف أخرى في الاتجاه الإمبريالي الفرنسي – حربه القذرة كانت تجد الإدانة من أبناء الشعب الفرنسي.
من ناحيتنا:
– كانت بلدنا مستعمرة وإقطاعيات.
– ولَمّا تزل قوّتنا فتية غير قوية.
– كان اقتصادنا زراعياً أساساً.
– كان جيشنا يتألف من جنود عصابات، غير مدربين؛ وسلاحه بسيط، قليل؛ وإمداداته غير كافية؛ وقياداته تفتقر إلى الخبرة.
– كانت نقطة قوّتنا، هي أننا نخوض حرباً عادلة، ومقاومة مشروعة.
– كذلك نجحنا في توحيد أبناء شعبنا تماماً، وكان جميعنا مستعداً دائماً للتضحية بالروح.
– وكنا نتمتع بتعاطف أغلب شعوب العالم وتأييدها.
وهكذا كانت نقاط قوة أعدائنا، هي نقاط ضعف لنا، والعكس صحيح. ولكن نقاط قوّتهم كانت مؤقتة، بينما نقاط قوتنا ثابتة، وأساسية.
بسبب هذه السمات المشار إليها، كان المبدأ الأساسي للعدو، هو: “الهجوم بسرعة، والفوز بسرعة “. ومن ثَم، كلّما طالت الحرب، تهاوت نقاط قوّته، وازدادت نقاط ضعفه. ولذا، وضع حزبنا مبدأه الأساسي، وهو تنفيذ استراتيجية حرب مقاومة طويلة الأمد تسير في ثلاث مراحل: دفاعية ومتوازية وهجومية.
وقد نفذنا، في هذا الإطار، بعد عدة اشتباكات لإنهاك قوات العدو، تراجعاً إستراتيجياً عن المدن إلى الريف؛ بهدف الحفاظ على قواتنا، والدفاع عن قواعدنا الريفية.
من 1950م فصاعداً، بدأنا حملات هجومية دفاعية، وكسبنا عنصر المبادأة على جبهة القتال الشمالية. كذلك، كانت معركة دين بين فو، في أوائل 1954م، معركة هجومية دفاعية كبرى، اختتمت حرب المقاومة بنصر باهر .) حتى العام 49 كانت لاتزال فيتنام عرضة لجائحات اقطاعيات تشينج كاي شيك ممثل قوى الثورة المضادة المدعوم من الاستعماريات الغربية عموما والمسيطرة حتى ذاك على الجنوب. الصيني وعلى شمال فيتنام إلى حين انتصار الثورة الصينية في 49، امنت قوى الثورة وحركة التحرر الفيتنامية على حدودها الشمالية ..وكانت الثورة الصينية قد حققت انتصارات ساحقة وعاجلة اثر وقوع غنائم كبرى بيدها جراء استسلام وانضمام ألوية من جيوش الكومانتنج وفيها اسلحة ثقيلة وطيران وهي اسلحة كانت قد قدمها الغرب الامريكي مؤخرا دعما للثورة المضادة ..
غير ان انتصار الثورة الصينية ووشوك انتصار كوريا التي كاد ت حركتها الثورية التحررية بقيادة كيم ايل سونغ كادت ان تقيم دولتها الواحدة على كامل تراب كوريا لو تدخل امريكا وجيوش المرتزقة الاجانب ما جعل الصين تضع نصب عينها وجل قوتها على حدودها مع كوريا ثم اضطرارها للتدخل في مواجهة امريكا..
مايهمنا من الكلام عن الحرب الكورية هو القول ان فيتنام ظلت تخوض حربها اعتمادا على امكانات شعبها الذاتية ..غير ان معارك 50 حتى 54 شكلت عجلة متسارعة من الانتصارات وسنمر عليها بشيء من التفصيل .

 

قد يعجبك ايضا