دستور الأمزجة والأهواء في مملكة آل سعود السعودية.. جاهلية ما قبل الدولة !!

 

حسين اللسواس
حين قرر فهد بن عبدالعزيز تشكيل لجنة لصياغة ما بات يُعرف بالنظام الأساسي للحكم “دستور البلاد” لم يكن دافعه نابعاً من قناعات ذاتية بسلبية وانعدام صوابية بقاء بلاده في مسلك اللادستور والاستمراء في نهج السير على خطى وصايا العاهل المؤسس عبدالعزيز آل سعود.
ثمة من يعتقد ان الضغوطات التي كانت الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا الحاثة على الإصلاحات في دول العالم الثالث كانت بمثابة الحافز والدافع الرئيسي لاتجاه فهد الى إيجاد دستور يُسهم في مبارحة خطيئة السير دون نصوص دستورية واضحة.
في مرحلة ما قبل فهد كان العُرف مضافاً إليه التقاليد والموروث الآتي من المؤسس عناوين تحكم نظاماً بلا نصوص وتحدد مسار دولة بلا دستور أو قوانين كما هو حال دول المعمورة.
جاهلية ما قبل الدولة
لقد ظل المواطن في الأراضي السعودية قابعاً في ظلمات اللانصوص منكفئ الإرادة لا حضور لأي نص يكفل أحجام السلطات عن الاقتراب من حقوقه الإنسانية والسياسية “المنعدمة أصلا” والمدنية.
في جاهلية ما قبل الدولة عاشت السعودية ردحاً من الزمن فليس في مرجعياتها وجود لدستور يهتدي إليه السالكون سوى بضع وصايا كان يوصي بها المؤسس عبدالعزيز آل سعود أبناءه بالإضافة الى لفيف من تقاليد الإدارة الملكية النمطية المستوحاة من مسالك البادية في إدارة أمور العشيرة.
مابين الملكية الفردية الاستبدادية ونظرية الخلافة وحكم الملك العضوض ظل النظام السعودي يتأرجح دونما تنظيم حقيقي محدد لمسار الدولة واتجاهاتها وموضح لايديولوجيتها وطبيعة كيانها.
ومع ان العالم في حقبة ما بعد الستينيات كان يتجه بخطى منتظمة نحو استحداث إصلاحات حقيقية في الانظمة والدساتير والحكومات الا ان الملوك المتعاقبين على عرش عبدالعزيز ظلوا يتعاطون مع نداءات الإصلاح السياسي بأذن من طين وأخرى من عجين.
القلق الشديد من دعوات الغرب بالإصلاح لم يشكل دافعاً لمبارحة فراغات اللا دستور، إذ ظل ملوك ما قبل فهد يمضون في مسلك الحكم على طريقة الامزجة والأهواء دونما اكتراث حقيقي أو حتى التفات الى موجبات ملء شغور الفراغات بأي نصوص مرجعية من شأنها تحديد نمط الحكم ورسم معالم الدولة وتحديد خطوط عريضة لواقع العلاقة مع قاطني الجغرافية السعودية من المواطنين “رجالات الدين كانوا يحاولون من حين لآخر ملء فراغات اللادستور”
دستور على هوى الملوك والأسرة
الرغبة في ديمومة الحكم الفردي غير الخاضع للقوننة الذي لا تحكمه أي قيود ولا تنظمه أي نصوص بموازاة استعباد المواطنين وإبقاءهم في مربعات المملوكين بمضاف رغبة الأسرة السعودية المالكة في عدم إمضاء أي مشروع من شأنه ضبط حدود أداءاتها الحاكمة على حساب المواطن تلك وغيرها تعليلات كانت تدفع ملوك ما قبل فهد للإبقاء على الحكم دون قوننة أو اتجاه نحو دستور حاكم وناظم ومحدد وموجه لكل شيء في البلاد.
ومع ان فهد اتجه بقرار تشكيل اللجنة الأنف الإشارة إليه نحو التأسيس لمرحلة الشروع في القوننة إلا ان ما كان يعتلج في دواخل الملوك السابقين ظل حاضراً لدى فهد بذات المستوى لدرجة ان ناتج أعمال اللجنة لم يكن سوى تكريس لطموحات وتطلعات الأسرة وملوكها في الانفراد بالحكم وعدم الاتجاه إلى مرحلة دستور نظامي حقيقي يواكب العصر ويُكرس السماح للناس والجماهير بمبارحة مربعات “المملوكين” ودخول مرحلة الشراكة ولو حتى في صورتها الجزئية.
عقب انقضاء أعمال اللجنة التي رأسها نائف بن عبدالعزيز لم تكن المخرجات ملبية لأدنى تطلعات المجتمع السعودي، لقد جاء مشروع النظام الأساسي للحكم مخيباً لكل الآمال حتى وان اعتبره بعض المحللين خطوة في الاتجاه السليم.
التكريس لمزيد من هيمنة الأسرة على مقاليد الأمور وتغييب حقوق المواطن السعودي عناوين عريضة لمولود اللجنة الذي جاء ليكرس حكماً عضوضياً خالصاً لا كلمة فيه إلا للملك ولا سلطة فيه إلا لشخصه وللدوائر النافذة حوله.
عليوية الملك على الدستور
رغم ان الدستور في معظم البلدان يعد أعلى من الحاكم بالاستناد الى كونه يجسد إرادة الغالبية الا ان ما يسمى بالدستور السعودي حمل خطوات فادحة ناشئة من أمرين رئيسيين اولهما: تكريس عليوية الملك على هذا الدستور بمعنى أحقية الملك في الحكم دون الاضطرار للعمل بهذا الدستور -إذا اراد- وثانيهما: عدم عرضه على الجماهير في استفتاء لكي يستمد المشروعية باعتباره مرجعية تحكم العلاقة بين الحاكم والناس.
في النظام الأساسي الوليد يمكن للملك بجرة قلم ان يجعله أثراً بعد عين دون احقية أي هيئات أو جهات –لم يحددها- كالشورى مثلاً بالاعتراض أو الاحتجاج أو تدوين الرفض أو حتى تسجيل موقف ليس أكثر.
الملك حسب هذا النظام الأساسي ذاته هو كل شيء وبوسعه إلغاء النظام او القيام باتخاذ أي قرار كان دونما خشية من أي رفض سوى مواقف أجنبية للدول الغربية التي عادةً ما تبرق بيانات رفض أو تعبير عن الأسف تجاه أي قرارات من شأنها الاخلال بالعمل وفق نصوص الدستور سواءً في السعودية أو دول أخرى.
قطيع مملوك للعائلة
في النظام الأساسي للحكم يبدو الشعب وكأنه محض قطيع مملوك للعائلة المالكة اذ لا قيمة لرأيه أو صوته باستثناء المجالس البلدية التي ينتخب فيها فقط وهي أيضا صورية المنشأ غير قادرة على اتخاذ أي قرار حقيقي ولا تملك القدرة على التأثير المباشر في شؤون الواقع الماثل.
لم يمنح النظام الأساسي للحكم للمواطنين أي حقوق أو حتى حضور في أي مجال ذا علاقة بالشأن العام اذ تقتصر إسهاماته على السمع والطاعة للحاكم على طريقة المالك والمملوك.
“مليكي” مفردة يرددها السعوديون عادةً للتدليل على انهم مجرد مملوكين لدى الملك العضوض الذي يحق له ان يفعل ما يشاء.
ومع أن البعض يعزو ذلك إلى منهجية الربط بين الملك والموروث الإسلامي الذي يمنحه حقاً إلهياً في الحكم إلا أن ذلك على صعيد الواقع الديني لا يتصف بالصواب ففي المدينة ثمة واقع انتخابي جرى للاختيار ما بين علي وعثمان رضي الله عنهما لخلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو ما يعني انتفاء أي واقع من التشبيه بين الأمرين سوى في مسألة الحق الإلهي الذي تستند إليه الأسرة في تملكها باعتبار نظام آل سعود وفق تعبيرات عدد من المنظرين امتدادا لنظام الخلافة الإسلامية ولكن على طريقة الملك العضوض المتفرد في كل شيء.
لقد جعل النظام الأساسي للحكم السعوديين مجرد حاملين لتسمية الحاكم أو الملك ولم يمنحهم أية ممكنات لممارسة أي حقوق ذات طابع سياسي بالمقارنة مع واقع التغيرات الهائلة التي طرأت على أنظمة سياسية شتى يبدو المواطن في المملكة وكأنه مجرد عبد تابع للعائلة الملكية وللملك لا حق له حتى في الإفصاح عن مفردة “لا” أو البوح بأية آراء أو اتجاهات أو تطلعات سياسية من أي نوع.
al_leswas@hotmail.com

 

قد يعجبك ايضا