تحية لأم الشهيد بشار وكل أمهات الشهداء

 

عبدالوهاب الضوراني
أم الشهيد بشار، أحد شهداء الوطن الأبرار، هي أم كل الشهداء أيضا وأم كل الأبطال الذين أنجبهم الوطن والذين افتدوه بأرواحهم الطاهرة والذين كان بشار أحدهم ولن يكون كما تقول ( على أي حال وفي أسوأ التقديرات أيضاً آخرهم) فهناك شهداء ومقاتلون ينتظرون أيضاً دورهم، هذا ما قالته أم بشار، وهي تستقبل والبسمة لا تفارق وجهها الطافح بالبشر والمندس خلف برقع أسود فضفاض، طوابير المواسين من الأقارب وأصدقاء الشهيد الذين كنت أحدهم ، أم بشار ليست الوحيدة التي فقدت ولدها في المعركة ولن تكون أيضا الأخيرة ولكنها الوحيدة بين الأمهات الثكالى والمؤمنات اللواتي فقدن أبناءهن، والتي ضربت مثلا رائعا في الصبر وضبط النفس والوقوف على قدميها في الشدائد وتفاقم المحن تماما كشجرة السنديان التي كلما تقدم بها العمر وعبثت بها الطبيعة ويد الإنسان كلما ازدادت رسوخا وصلابة وعبيرها يزداد فوحا وشذى وانتشاراً .. لا أدري كم من الوقت مضى وهي تحدثني بتباهٍ عن ولدها الشهيد والوحيد الذي كانت تستند عليه أيضا في شيخوختها ومن الكلام المؤثر الذي قالته أيضاً ولا تزال أصداؤه ترن في أدني حتى الآن أن ولدها الشهيد كان يحلم بهذا اليوم منذ نعومة أظافره وقد تحقق حلمه أخيرا.. وتزداد سعادتها وتحاملها على نفسها وهي ترى أقرانه يحفون به وبجثمانه الطهور والدنيا لا تسعهم من الفرحة والحفاوة والحماس وكأنهم يزفونه وليس يشيعونه إلى مثواه الأخير.. ونحن نلج بيت الشهيد بشار استقبلتنا النسوة وأم بشار من النوافذ والشرفات بالزغاريد والإيقاعات وغيرها من عبارات الحفاوة والترحيب وكأن المناسبة عرس أو نوع من مظاهر الفرحة والابتهاج وليس شهيدا قادما لتوه من الميدان وأرض المعركة، بينما الرجال في الخارج كانوا لا يتوقفون عن ترديد المهاجن والزوامل والهتافات وغيرها من الألعاب النارية والتقليدية التي أصبحت شائعة في مثل هذه المناسبات في انتظار جثمان الشهيد الذي جاء محمولا على الاعناق.. وأنا أشد على يد أم بشار مواسيا في فقدان ولدها الشهيد ابتدرتني قائلة وهي تحاول أن تداري يدها في كم ثوبها الأسود الفضفاض الذي كانت تتعثر أحيانا في أذياله: “أنا أم الشهيد بشار وأم كل شهداء الوطن أيضا الذين لم يموتوا ولكنهم أحياء عند ربهم يرزقون”، موقف أم بشار وشجاعتها النادرة وصمودها الأسطوري ذكرني بالخنساء الشهيرة في الإسلام بأم الشهداء الذين افتقدتهم الواحد تلو الآخر في إحدى المعارك التي خاضها المسلمون في فجر الإسلام ضد المشركين وكفار قريش والتي قال عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ” لقد شفع لها أبناؤها الشهداء في الجنة”، وأنا أهم للمغادرة والانصراف شيعتني أم بشار بنفس الدرجة من الحفاوة والحماس التي استقبلتني بها وابتدرتني قائلة: سأزور يوماً قبر ولدي بشار وسأقرأ على روحه الطاهرة الفاتحة وسورة يس، فتلك كانت أمنيته قبل أن يفارق الحياة، بينما كان صوت المقرئ الحافظ محمد حسين عامر- رحمه الله- يتردد في أرجاء المكان ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون”.

 

قد يعجبك ايضا