سواحل تعز .. بين أحلام الصبيحة وأطماع العدوان !

عباس السيد

تعيش قبائل الصبيحة في مديرية المضاربة والعارة الممتدة بين خور عميرة غرب عدن وحتى جبال كهبوب المطلة على مضيق باب المندب . وتقدر مساحتها حوالي 3700 كيلومتر مربع ، أي ما نسبته 42 % من مساحة محافظة لحج . ويقطنها نحو 50 ألف نسمة.
وبخلاف معظم القبائل التي تقطن السواحل ، ألفت قبائل الصبيحة المعارك والقتال ، وصارت الحروب عند أبنائها هواية أو مهنة.

وعلى مدى عقود ، كانت قبائل الصبيحة واحدة من ثلاث قبائل تتنافس دوما على السلطة والثروة في عدن. لكنها ، مقارنة بمنافساتها “الجبليات ” قبائل الضالع وقبائل يافع ، كانت الصبيحة على الدوام الحلقة الأضعف.
بعد احتلال عدن من قبل قوات التحالف في يوليو 2015م، وجد أبناء الصبيحة أنفسهم مقصيين أكثر. من مراكز السلطة والنفوذ التي يتم توزيعها بقرارات معمدة في الرياض وأبوظبي.
حتى أبناء الصبيحة الذين اكتفوا بمهمات تهريب الشماليين إلى عدن عبر الحدود الشطرية ، يضطرون لإخفاء هوياتهم في نقاط ” الحزام الأمني ” وفي داخل عدن ، ويتنكرون كضالعيين ، أو يافعيين.
وكما هي عادة الغزاة والمستعمرين ، استغل تحالف العدوان التناقضات الجنوبية مثلما يستغل التناقضات الشمالية. وعمل على استثمار طموح وطاقات أبناء الصبيحة في معركة ” تحرير ” سواحل تعز ، التي سقط فيها مئات الصبيحيين ، بينهم العشرات من الضباط وقيادات عسكرية رفيعة.
مشاركة أبناء الصبيحة تحت اسم ” المقاومة الجنوبية ” في احتلال سواحل تعز كانت كبيرة كما وكيفا ، وهي الجبهة الداخلية الوحيدة التي سمح فيها التحالف لفصائل عسكرية جنوبية بتجاوز الحدود الشطرية والقتال في مناطق شمالية.
لماذا تجاوز التحالف هذه القاعدة ، وهو الذي توقف في معاركه عند الحدود الشطرية ، ولم يشرك المقاومة الجنوبية في معارك البيضاء أو مارب أو ميدي أو غيرها من الجبهات الداخلية ؟.
ولماذا اقتصرت مشاركة المقاومة الجنوبية في معركة “تحرير ” سواحل تعز ، في حين لم يشرك التحالف أي قوات شمالية أو حتى. من قوات محور تعز الموالي “للشرعية” في تلك المعركة .؟!.
ليس هناك شك في أن ممارسات قوات التحالف على الأرض اليمنية ، تختلف تماما عن الأهداف التي أعلنها عندما أعلن ما أسماها ” عاصفة الحزم ” ، وهي استعادة الشرعية في اليمن.
تعمل قوات التحالف على تكريس الانفصال بين الشمال والجنوب ، فبعد سيطرتها على المحافظات الجنوبية ، توقفت عند الحدود الشطرية ، ولم تتقدم لـ” تحرير” تعز أو البيضاء ، أو إب . وكان ذلك تنفيذاً لواحد من أهم أهداف التدخل العسكري ، وهو فصل الجنوب عن الشمال.
ولو أنها تقدمت شمالا وسيطرت على محافظة تعز مثلا ، لكان ذلك إرباكا لمخطط فصل الجنوب . كما نأت المقاومة الجنوبية بنفسها عن المشاركة في أي معارك خارج حدود الدولة الجنوبية التي تطالب باستعادتها .
وهذا لا يعني استقلالها في القرار ، لكنه موقف يتوافق مع أهداف التحالف الذي يستطيع توجيهها في أي جبهة ومعركة ، كما فعل في تجنيدها للدفاع عن الحدود الجنوبية للسعودية .
وحين شاركت كتائب جنوبية في محاولات غزو الشمال من جبهة نجران البقع ، كان ذلك بمثابة ارتزاق أو تحالف بين الدولة الجنوبية الموعودة وبين السعودية ، شأنهم شأن الجنجويد أو الباكستانيين أو غيرهم من القوات المتحالفة مع السعودية .
لكن مشاركة جنوبيين في ” تحرير” تعز أو البيضاء مثلا ، سيعكس صورة وحدوية بغض النظر عن أهداف تلك المشاركة أو نتائجها، وهذا ما يتحاشاه تحالف العدوان بقيادة السعودية.
نعود للسؤال ، لماذا اشتركت قبائل الصبيحة ، وهي جزء من المقاومة في معارك سواحل تعز بتلك الكثافة وذلك الحماس ؟!.
أشرنا سابقا إلى استغلال التحالف لطموح وطاقات الصبيحة وقلة الفرص الشاغرة لهم في عدن. ولى الصبيحة وجوههم غربا شطر باب المندب ، يتبعون بوصلة العدوان وجزرته أملا في وعود وفرص أفضل ، بعيدا عن منافسة قبائل ردفان والضالع ويافع .
يحلم أبناء الصبيحة بأن يكونوا السادة والقادة في محافظة أو إمارة باب المندب ، والتي يرون فيها تعويضا عن حظهم العاثر في عدن .. لا خوف لديهم أو قلق من منافسة ” قبائل المخا وذوباب ” المسالمين الوادعين جدا. وهاهم يتساقطون بالعشرات على أسوار معسكر خالد في مديرية الوازعية ، بينما تعيش مناطق الصبيحة حالة من الفوضى والإنفلات الأمني ، وأصبح المرور في طرقاتها مغامرة محفوفة بالمخاطر .
لا شيء يفسر حماس الصبيحة واندفاعهم وتضحياتهم في السيطرة على سواحل تعز ، سوى أحلامهم التي يغذيها تحالف العدوان بأن مستقبلا واعدا ينتظر منطقة باب المندب ، وأن عليهم تقديم التضحيات لجني الثمار.
هل يمكن للتحالف أن يطلع الصبيحة أو رموزهم، الذين يقومون بتجييش البسطاء ، بمخططاته الكاملة أو الحقيقية ؟!.
لا يمكن الجزم بذلك ، لكن يكفي أن يعدهم بمحافظة مستقلة تضم المديريات الخمس ، ذوباب، المخا ، موزع ، الوازعية ، بالإضافة إلى مديرية الصبيحة ، أو ما تعرف بـ المضاربة والعارة. سواء ظلت المحافظة في إطار اليمن الموحد ، أو تم إلحاقها بالجنوب ، والخيار الأخير هو الراجح ، بالنظر إلى سياسات التهجير والإحلال التي يمارسها التحالف في محاولة لزيادة نسبة الجنوبيين في المحافظة المرتقبة.. حيث تبدو سياسات الاحتلال في مديريات باب المندب ، مشابهة لتلك المتبعة في جزيرة سقطرى ، من خلال التجنيس والتوطين لليمنيين السقطريين في دولة الإمارات.
ختاماً :
يمكن القول إن التحالف بقيادة السعودية ، يسعى إلى سرقة الشواطئ اليمنية المطلة على خليج عدن وجنوب البحر الأحمر ، وسلخها عن الجغرافيا اليمنية عبر مرحلتين :
الأولى من خلال إنشاء محافظة باسم باب المندب ، وضمها للجنوب وبعد ذلك ، سيتم بسهولة فصلها عن الجنوب وإعلانها إمارة أو دويلة مستقلة ، وفي أحسن الظروف ، عليها أن تسمح بتأجير شواطئها كقواعد عسكرية للأمريكيين والإسرائيليين وحلفائهم.. حينها ، سيجد أبناء الصبيحة أنهم لا سادة ولا قادة ، ولن يتم قبولهم سماسرة أو حتى شهود على عقود تأجير الشواطئ ، وسيدركون في وقت متأخر أن اندفاعهم خلف جزرة التحالف كان خطأ كارثيا بحق الصبيحة واليمن واليمنيين .
ومع ذلك ، لا يزال الوقت مبكرا كي يعي أبناء الصبيحة ما يدبره العدوان لهم ولوطنهم .. و ما من دخيل عافية .. لو جا بزاده وماه .
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا