عرض/ خليل المعلمي
يقدم الكاتب “انتوني بلاك” مقارنة تاريخية في الفكر السياسي بين الغرب والإسلام، وذلك من خلال كتابه “الغرب والإسلام”، إذ يتفحص المقاربات الغربية والإسلامية لعلم السياسة والقواسم المشتركة بينها بالإضافة إلى مواطن التفرع والاختلاف، وأوضح في الكتاب كيف تطورت الأنساق الفكرية القديمة والقروسطية المختلفة، وكيف نُظر إلى الملكية المقدسة وشرعية الدولة ودور الشعب في كل ثقافة.
نقل الكتاب إلى العربية الدكتور فؤاد عبدالمطلب الذي أعطى نظرة في تطور الفكر السياسي الإسلامي منذ تأسيس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للدولة المدنية التي قامت على أسس ومبادئ عامة تنبع من روح القرآن الكريم ومن آياته التي تنص على إقامة العدل كآيات الحكم والحدود، وعلى رعاية المجتمع الإسلامي وحمايته كالآيات التي تخص الزكاة والجهاد، مستعرضاً فترات التاريخ الإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين مروراً بالعصور الإسلامية المختلفة الذين أسسوا امبراطورية إسلامية تمتد من الصين والهند شرقاً وحتى الأندلس والمغرب العربي غرباً.
وأشار إلى أن القيادة الإسلامية للأمبراطورية منذ ظهور العصور الذهبية المختلفة قد تمكنت خلال ثمانية قرون من إلهام أجواء الاختراع والنشاط الفكري الذي تميز وساعد على تكوين رؤية مستقبلية للقيادة الحديثة في أوروبا وبلدان أخرى غير إسلامية وتكمن هذه الإنجازات الفكرية في الرياضيات والفلك والطب والفن والعلوم الأخرى.
الفكر السياسي
يركز المؤلف في هذا الكتاب على الفكر السياسي في الزمن الذي يحدده منذ بروز الإسلام وصولاً إلى أيام الإصلاح الأوروبي شارحاً أنواعه منذئذ وحتى أيامنا هذه، ونوه بأنه حتى منتصف القرن الحادي عشر الميلادي كان لدى الحضارات الثلاث البيزنطية والإسلامية والأوروبية كثير من الأمور السياسية والدينية المشتركة وأكثر مما هو معتقد عادة، وأن الأمر الذي جعل الغرب مختلفاً هو الثورة البابوية التي حدثت في نهاية القرن الحادي عشر والنهضة الأوروبية في القرن الثاني عشر، والعلمنة المتدرجة التي أتت بعد ذلك، بينما كان الإسلام بعد مرحلة تفتحه ونضجه الأولى، يقوم بتفسير وحيه على نحو ضيق تدريجياً وبغض النظر عن استثناءات رئيسة قليلة، مثل ابن رشد وابن خلدون فإن الفلسفة الإسلامية السياسية اتسمت بالتدهور بعد القرن الحادي عشر تقريباً.
وحين نجد أن “انتوني بلاك” يقارن بين الإسلام كنظام حكم مرتكز على اشتراك جميع المؤمنين في سلطة الخلافة الخاضعة للنص، والديمقراطية الغربية التي تقوم على سيادة الشعب، نعلم أنه ينظر إلى الخلافة الإسلامية بمفهومها السلطوي المعروف خلال التاريخ الإسلامي، لذلك كان إسقاط المفاهيم والمبادئ السياسية الأوروبية الحديثة عليها لا يخدم الغاية من البحث التاريخي السياسي المقارن، ولقد جاءت تلك المؤسسات والمبادئ والأيديولوجيات الغربية وليدة تحولات اجتماعية وثقافية وثورات صناعية خاصة بالمجتمعات الأوروبية، غير أن “بلاك” تناسى أن الحضارة الغربية أفرزت أيضاً النازية والفاشية والتفرقة العنصرية والاستعمار بمختلف أشكاله والحروب العالمية واستخدام الأسلحة النووية وغيرها من الانجازات المروعة للجنس البشري.
قطبان حضاريان
ويركز “بلاك” على موضوع الاستمرارية عندما يمعن النظر في هذين القطبين الحضاريين (الغرب والإسلام) بوضعهما كيانين سياسيين يختلفان في سمات أساسية متأصلة بالولادة، وهذه تمنح تأثيرات يمكن التنبؤ بها في عملية نموهما عبر الزمن بطريقة منطقية متجانسة قليلاً أو كثيراً وعندما يتحدث عن الإسلام بوصفه حضارة يذكر أنه “يمتد على جانبي الحافة التاريخية بين الحكومات الملكية القديمة وتفكيك الدولة في عالمنا ما بعد الحداثة”.
يعالج المؤلف في الفصول الستة الأولى من الكتاب مواضيع محددة وتنبثق من مادة البحث نفسها وهي مصممة للعمل على نحو متساو من أجل دراسة الغرب والإسلام، وضمن هذه الفصول كلها تتم معالجة المواضيع بالترتيب الذي جرى التعبير عن الأفكار فيه، فيما تعالج الفصول من السابع إلى التاسع تسلسلاً تاريخياً مستمراً إذ يبحث الفصل السابع تأثير الثورة البابوية في الفكر السياسي والتطورات المماثلة في العالم الإسلامي ويتفحص الفصل الثامن تطور الفكر السياسي في الغرب منذ القرن الثاني عشر فصاعداً ويدرس الفصل التاسع تأثير الغرب في العالم الإسلامي وروسيا.
التفكير الديني والثقافي
ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب إن المقارنة بين الإسلام والغرب بأسلوب التفكير الديني أو الثقافي العام أكثر أهمية على المدى البعيد من مذاهب معينة (مثل الملكية المطلقة أو حكم القانون)، فلقد استمد المسيحيون الغربيون والشرقيون بعض الاستنتاجات السياسية المختلفة جداً من النصوص المقدسة نفسها وتبنى البعض في العالم الإسلامي وفي الغرب وجهات نظر شبه عقلانية حول كيفية معرفة المرء أن شيئاً ما حقيقي وهو ما كان يختلف بشكل جذري عن وجهات نظر بعض إخوتهم في الدين.
أوجه الشبه
ويشير المؤلف إلى أن في كلا المجتمعين يبدو الأمر –إلى حد ما- أنه أقرب إلى التعايش من الانفصال وفي كلا العالمين الإسلامي والمسيحي خلال العصور الوسطى اعتمد الحكام من أجل فعاليتهم ضمنيا على الأقل على دعم القادة الدينيين الذين اعتمدوا بدورهم على الحاكم –سواء أكان ملكاً أم سلطانا- لحمايتهم وفرض قراراتهم الدينية وتمويل الأبنية الدينية والتعليم الديني وكان أي ملك أو سلطان في العصور الوسطى يمكن أن يعتمد عادة على دعم المثقفين لديه.
واستعرض المؤلف الوضع الذي أدى إلى الفصل بين الكنيسة والدولة في الغرب حيث تقدمت نظرية استقلال الدولة عن الكنيسة تدريجياً، عن طريق الفلاسفة وعلماء الدين والمفكرين وعند تلك النقطة كان لتحليل علاقات الكنيسة بالدولة تأثير على مساحات أخرى من الفكر السياسي، وفي مناقشة حال استقلال الدولة عن الكنيسة تطورت فكرة أن الدولة تستمد شرعيتها من الحاجات الطبيعية للبشر.
ويبدو لدى المؤلف أن فصل الكنيسة عن الدولة كان يعد بصورة دائمة تقريباً المعيار في أوروبا والغرب، وأن دمج السياسة بالدين كان يعد على نحو دائم تقريباً المعيار في أوروبا والغرب، وهو نفس المعيار تقريباً في الدول الإسلامية، وفي كل ثقافة كان الابتعاد عن هذه المعايير عرضة دائماً للتحدي وكان فصل السياسة عن الدين في الإسلام وتأكيد السيطرة السياسية من قبل القادة الدينيين أو السيطرة على الدين بواسطة الدولة في أوروبا والغرب من الصعب المحافظة عليه على حد سواء وربما يكون هذا ناجماً عن حقيقة أن الدينين كليهما يستندان إلى وحي نصي ولكن عندئذ هناك الحقيقة الصعبة بأنه في الأمبراطورية البيزنطية (المسيحية) ودولها (المسيحية) اللاحقة كانت القيادة الدينية مرتبطة عادة على نحو وثيق بالمؤسسات الرسمية.
نظام الحكم
وحول أنظمة الحكم يشير المؤلف إلى أن الحكم الملكي الإسلامي اختلف في بعض النواحي عن الحكم الملكي الغربي.. ولكنه يعد شكلاً من أشكال الحكم الملكي المقدس، وكان الالتزام الأساسي للملكية في كل من الإسلام وأوروبا هو الحكم بالعدل، فكانت العدالة هي المعيار السياسي الذي يلجأ إليه على الأغلب في كلا المجتمعين.
ويضيف إن الأوروبيين والبيزنطيين والمسلمين على حد سواء قد اعترفوا بالسيادة الأخلاقية للقانون على الحكام وكان هذا أقدم تقييد على السلطة الملكية ولكن كانت ثمة اختلافات حاسمة في طريقة تطبيق هذا المبدأ في أوروبا من ناحية وفي الإسلام وبيزنطة من ناحية أخرى.
وأشار إلى أن المسلمين لم يميزوا بين الإيمان والعقل كما فعل المسيحيون الأوروبيون في العصور الوسطى، فالإيمان أدنى إلى حد كبير من المعرفة، لذلك لم يكن ثمة صراع بين الدين والعقل في عالم الفكر الإسلامي كما كان في الأوروبي، كأن هذا يعني على أي حال عدم وجود مجال يمكن أن تتطور فيه تفسيرات بديلة للعالم الطبيعي والتجربة الإنسانية كما نجد في أوروبا منذ القرن السابع عشر.