جورجي جوكوف
كيف بدأت قصة الهجوم على قطر.. وكيف تم عزل بن نايف على إثرها ؟
بجمع العناصر والمواقف أعلاه، نجد أن “الحرب” على قطر يمكن أن تحقق أهدافا كثيرة كما يتصوره اللاعبون الرئيسيون في “السعودية” والإمارات” ، فعلى سبيل المثال: يمكن توجيه تهم الإرهاب المُدعاة ضد “السعودية” في المؤسسات الأمريكية إلى دولة “قطر”، وبدلا من إيقاف “جاستا” يمكن إيجاد دولة أخرى تتحمل تبعاته ربما هذا أسهل، فلتكن قطر إذاً.
يمكن كذلك التخلص من رافد إعلامي ومالي كبير للإخوان المسلمين، وتعطيل الصداع المزمن “قناة الجزيرة” الذي لازال يُنظر إليها كمنبر للشعوب العربية، وكذلك بضرب قطر يمكن التخلص من الداعم الكبير لحماس والذي يحتضن قادتها ومن ثم يسهل القضاء على غزة حينها لا يوجد “قناة جزيرة” تنقل ما يحدث وتهيج الشارع العربي، وفوق هذا كله يمكن استخدامه كسبب جوهري للانقلاب على محمد بن نايف.
إنها فرصة ذهبية، لا تتكرر،، فكيف تحرك هذا الملف فجأة؟
قبل زيارة “ترامب” وعقد قمة الرياض، هناك كلام أن الأمير محمد بن نايف وتميم تحدثا حديثا وديا حول مستقبل الحكم في السعودية، تم تسجيله ومن ثم استغلاله ذريعة لإقناع الملك باتهام “محمد بن نايف” بالتخابر مع “قطر”، ربما ذلك يفسر كلمة ”المبررات” التي ناقشتها هيئة البيعة التي وردت في خطاب الإعفاء.
ساعة الصفر،،
الجميع كان بحاجة إلى نقطة للانطلاق والهجوم، كيف نبدأ الحرب على قطر؟ لابد من نقطة بداية لأن الأمور إلى قبل لقاء الرياض تبدو للمتابع وكأنها “سمن على عسل” فمشهد الملك سلمان وهو يرقص بعصاه بجوار تميم على الدفوف القطرية لازال حاضراً في أذهان الجميع!
فهل كان يغيب عن الملك سلمان قبل هذه الزيارة التاريخية أن قطر تمول الإرهاب وتدعم الحوثي وداعش والنصرة واكتشف ذلك مؤخرا؟
وهل هي المرة الأولى التي نسمع التسجيلات القديمة مع “القذافي” الملف الذي أُغلق وتفهمت السعودية أسبابه سابقا؟ لا، لكن اجترار الماضي كان ضروريا لحبكة الفيلم،،
كانت نقطة البداية هي اختراق وكالة الأنباء القطرية” قنا” ليلة الثلاثاء23 مايو إذ نُشر من خلالها تصريحات منسوبة للأمير تميم بن حمد في حفل لتخريج الدفعة الثامنة من مجندي الخدمة العسكرية، وبحسب ما جاء في تلك التصريحات فقد انتقد الأمير اتهام قطر بدعم جماعات إرهابية، كما رفض تصنيف الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية، وكذلك دافع عن أدوار حزب الله وحركة حماس وإيران والعلاقة معها!
على إثرها شنت جميع الصحف الرسمية السعودية والإماراتية وما يملكانه من قنوات إعلامية هجوما عنيفا كاسحا بدا للجميع مفاجئاً في حدته راغبا في تخطي الكثير من الأعراف الدبلوماسية المعهودة بين الدول وخصوصا الخليجية.
لم يهتم أحد لبيان الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري والذي أكد فيه أن موقع وكالة الأنباء القطرية “تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة “ و أن ما نُشر “ليس له أي أساس من الصحة”.
حتى الذين خافوا أول الأمر عن حسن نية من انزلاق الخليج في مشكلة كبيرة بسبب فبركات لا حقائق، اكتشفوا لاحقا أن جهود التهدئة غير مجدية لأن المهاجمين لم يعودوا بحاجة أصلا للقصة برمتها.. لذلك اختفى الحديث عن هذه التصريحات. وتم فتح كل الملفات القديمة.
ولو نلاحظ، لا الإعلام السعودي ولا الإماراتي ولا المطالبات التي قدمتها دول الحصار مؤخرا لقطر ذكرت قصة التصريحات المنسوبة لوكالة الأنباء القطرية، وهذا يدل على أن الأمر مُبيت له والحاجة لفبركات “قنا” كان مجرد مفتاح المعركة تم استخدامه للدخول فقط.
دخل الديوان الملكي بكل ما يملك من أدوات هذه المعركة وخرج للضوء المستشار الذي كان يأمر وينهى بالتلفون فقط“ سعود القحطاني” بعد أن تجنب الظهور بهذا الزخم في وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من 15 عاماً. فنزل مهندس قروب الواتسب الإعلامي لهذه الأزمة وأنزل من قيمة السعودية، وجعل مستقبلها مرهونا بقصائد وشيلات يجترها من قصص الماضي.
تحول الموضوع إلى معركة “صفرية”، وكأن المطلوب هو تحويل قطر في وقت قصير إلى عدو لدود، ومسح كل ما هو “جميل” من ذاكرة الناس عنها حتى لو كان ذلك يدخل في الشأن الاجتماعي لا السياسي.
كان مهما للداخل السعودي أن تصبح “قطر” خطرا على السعودية وأن يصبح البقاء فيها أو التواصل مع أي من مؤسساتها خيانة للوطن، أكثر من ذلك كان مجرد التعاطف القلبي فقط يكلفك 3–5سنوات سجن مع غرامة مالية كبيرة.
بعدما تم خلق هذا الجو المشحون بالعداء جاءت الفرصة المواتية لعزل بن نايف.
تم طلب الأمير محمد بن نايف لمقابلة الملك لأمر هام لا يحتمل التأخير، وحين حضر إلى قصر الصفا، تفاجأ بوجود أعضاء هيئة البيعة ومن ينوب عنهم برئاسة مقرن، وتمت مواجهته وفجيعته بتهمة التخابر “مع قطر العدو”.
تم إبلاغ بن نايف بالإعفاء ومبرراته وأن الملك غاضب جداً منه، كان الأمير هادئا لكنه مصدوم ولم يعترض، حدث تصويت بالفعل وصُدم بن نايف بنسبة التصويت الساحقة ضده وترجحت الكفة لصالح محمد بن سلمان.
انتهى الاجتماع وطُلب من الجميع الحضور لمبايعة الأمير محمد بن سلمان غدا بعد التراويح، وخرج بن نايف ليجد بن سلمان أمامه ينتظره في الصالة المجاورة أمام الكاميرات، وتم تسجيل المبايعة القصيرة التي رأيناها جميعا.
كان قرارا صادما لكبار الضباط في جميع قطاعات الداخلية المختلفة، وكذلك لبقية الشعب، حتى الذين لا يحبونه ويرونه “مستبدا” و”قمعيا” من الدرجة الأولى، كان الجميع ينظر إليه كرجل دولة قوي استطاع المحافظة على التوازنات داخل السعودية، وعلى خُطى من سبقه في الثقل الدبلوماسي في المواقف الخارجية.
خطاب الإعفاء كان مهينا لشخصية خدمة الأمن أكثر من 20سنة ونجح في التصدي للإرهاب في السعودية، إذ كان الإعفاء أقرب للطرد منه لأي شيء آخر، إذ اعتاد السعوديون أن يسمعوا عبارات مثل “بناء على طلبه” أو “لظروفه الصحية” مع إعفاء أي شخصية اعتبارية من منصبها.
وفي أحيان كثيرة يتم تعين هذه الشخصية “مستشارا خاصا” كما حدث مع الأمير مقرن، أو سفيرا إذا كان في منصب وزاري غير سيادي.
لكن ما حدث مع الأمير نايف كان تجريدا من جميع المناصب دون أي كليشة أدبية تحفظ له ماء وجهه أو تقدر له سنينه الطويلة في الداخلية.
بن نايف غاضب جدا ولم يحضر صلاة العيد، وما حدث لاحقا من تسريب مقطع “فيديو” له وهو يصلي في الحرم غير صحيح، إذ هو حقيقة من العام الماضي تمت دبلجته ليبدو وكأنه لهذا العام.
تم تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، وأول قرار اتخذه لدغدغة الناس هو عودة البدلات والمكافآت المالية بأثر رجعي، ومع ذلك كانت الصدمة لفريق بن سلمان أن الهاشتاق الترند في أول أيام العيد هو معايدة “الأمير محمد بن نايف”.
أما الصحف الأجنبية فأطلقت على بن سلمان لقب “أمير الفوضى”. وصحيفة الفايننشال تايمز كتبت تقريرا وتحذيراً للولايات المتحدة من خسارة بن نايف والرضا بابن سلمان لأنه كما تقول الصحيفة يمثل تهديدا للمنطقة ما ينعكس على مصالح أمريكا وأمنها القومي.
مقالات مشابهة نُشرت كذلك في واوشنطن بوست، وفورن بوليسي، نييورك تايمز كلها تحذر من ترك مستقبل المنطقة بيد شخصية “متهورة” كما يصفونه.
قبل أيام كذلك تحدث مسؤول أمني روسي لصحيفة سبوتنيك الروسية فقال: إن روسيا لديها علاقات جيدة مع السعودية، لكنها تتخوف من التعامل مع بن سلمان فهو بلا خبرة وشخصية لا يمكن توقع ردة فعله.
الأمير محمد بن سلمان أصبح وليا للعهد هذي “حقيقة”، لكنه إذا ما أراد الوصول للعرش فمن الضروري أن يصل إليه بتنازل من أبيه وهو على قيد الحياة لا أن ينتظره حتى يموت.
فكثير من الأمراء إنما يهابون الآن “سلمان” ومكانة “الملك” أكثر من شخصية “محمد”، وقد تنشأ مشكلة كبيرة بعد وفاة الملك إذا انتظر إلى ذلك الوقت، وكذلك ربما يحتاج لجلب رجاله إلى قطاعات الداخلية الكبيرة التي يميل ولاء قاداتها الكبار لبن نايف لكن ضريبته قد تكون مكلفة أمنيا.
كذلك يتوجب عليه أن يثبت للعالم أن سياسته الخارجية ليست مندفعة ومحسوبة وأن يبادر بسرعة في حلحلة موضوعي “اليمن” و ”قطر” . ( لا يوجد مؤشرات حتى الآن بهذا الخصوص).
أما إذا بقي الحال كما هو عليه الآن، فإن هذا البلد سيكون على موعد مع كارثة قد تجرنا والمنطقة كلها إلى الهاوية.
*مدونة/جورجي جوكوف