عائشة محسن شروان
إن من عظيم شأن المنان أن أجزل عطاياه على الإنسان في شهر رمضان.
فيه أنزل القرآن وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر فقد قال الله عز وجل فيها (ليلة القدر خيرمن ألف شهر).
وبهذا الشهر شهد الإسلام انتصارات جمة في معارك عدة منها معركة بدر الكبرى حين التقى الجمعان وأيد الله جنده بالنصر والثبات.
وفيه تتسابق الخطى بالأعمال الصالحة يملأها الأمل ويحتضنها الحنين للقبول والغفران، وترفع الأكف متسابقة بالدعاء والقلوب وجلة خاضعة ارتجاء لرضا المعبود جل في علاه وذلك في قوله تعالى: (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه).
جاءت بشائره في أول شهر رمضان بالرحمة لتكون أول هدية يعطيها الله لعباده في شهره الكريم ، وأول باب يفتح لهم لتنطلق جوارحهم بالأعمال الصالحة من صلاة وصيام وتلاوة وقيام وإنفاق على المحتاجين والفقراء ليحققوا قول الكريم (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية أولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (سورة البقرة)، ويتسابقون لنيل أعلى الدرجات والفوز بواسع الرحمات.
ثم تلتها بشائر الكريم ذي الجود العظيم في أواسط شهره بالمغفرة لتعم خيراته وتتدفق نعمائه لتصبح بلسما ودواء من سقم المعاصي وانتشال النفس الغافلة من ركام الهموم والمآسي لتستفيض من وحي القرآن الوارد فيه (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم) .
هذا نداء الغني الحميد لينتشل الإنسان من ركام الغفلة إلى نور الهداية ويفتح آفاقه إلى التفكر فيما سينال من الجنان ليطيع الله بإتقان ويغسل قلبه بالتقوى فتتجرد جوارحه من دنس الذنوب وتشتهي ثواب المعبود فقد قال ربنا الرحيم: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ) ما أعظمك يا رب هذه بشائره في الدنيا فكيف بها في الآخرة.
بشائر الرحمن في التنزيل
جاءت من المنان بالتكريم
فأرشدت برحمة الرحيم
في شهرنا الكريم الجليل
وزاد في بشراه بالمغفرة
ما أجود العظيم ما أكرمه
وأختم الشهر الكريم بعتقه
فكان كالغيث الجزيل المطلق.
بعد كرم الله لعباده المؤمنين المتقين المحتسبين أجورهم عند بارئهم تفضل عليهم وهو ذو الفضل والعطاء بأعظم بشرى وهي عتق من النار، فهو المتفرد بعظائم الأمور؛ فلم يكتف بأن أثنى على خلقه بالرحمة والمغفرة بل جاد بفضله.
حيث قال النبي الكريم عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم: “إن لله عتقاء في كل يوم وليلة -ويعني في رمضان -وان لكل مسلم في كل يوم وليله دعوة مستجابة”. رواه الإمام أحمد.
وبتلك البشائر كانت جسراً ممهداً للوصول لرضا الكريم وهدية رب السماء ذو الجود والعطاء، كي تستنير القلوب وتستوحي تفكيرها وتمعن تدقيقها في آيات المعبود فتجعلها نوراً تستضيء بها من ظلام الذنوب والتقصير وسبيلا للرجوع عن التبذير في اقتراف ما يغضب الجليل.
فتجزل عطائها بالصدقات وتدنو من الفقراء تتلمس أحوالهم وتمسح الدمع من أعينهم وتسكت أنين أحزانهم لتبدلها بسمة على أفواههم يطفئون بها غضب الرحمن وينالون بها الجنان.
نعم بشائر الخالق عز وجل تحتاج إلى نية خالصة وعمل صادق وعزم ويقين لتغيير النفس ونزعها من براثين الهوى ومتاع الدنيا إلى نور الحق والتقوى .
مصداقاً لقوله تعالى: (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا) (سورة الطلاق : 11).
فالشكر والثناء لرب السماء، بأن أحكم خلقه وأجزل عطاياه وجاد علينا ببشائره ورحماته وأنزل علينا آيات محكمات لتكون منهجاً قويماً نمضي عليه دون أن نظل أو نزل فسبحان العظيم الكريم.