التقوى هو الالتزامُ والاستقامةُ على تعليمات الله ومنهجِه والحذر من المعصيَة والمخالفة لتوجيهاته جَـلَّ وَعَلَا
أَكَّدَ السيَّدُ عبدُالملك بدرالدين الحوثي، أن الأَسَاسَ في مسألة التقوى هو الالتزامُ والاستقامةُ على تعليمات الله ومنهج الله والحذَرُ من المعصية والمخالفة لتوجيهات الله جَـلَّ وَعَلَا، لافتًا إلى ما يلحظُه الإنْسَانُ في القُرْآن الكريم حول الحديث الواسع عن الكثير من المعاصي والكثير من الذنوب والمخالفات التي تشكّلُ خطورةً كبيرةً على الإنْسَان في إيْمَانه وفي دينه وفي علاقته بربه.
وأشار قائد الثورة، في محاضرته التربوية الرَّمضَـانية الـ14 أمس الأول الثلاثاء 25 رمضان بعنوان “خطورة النفاق”، إلى أن الحديثَ في القُرْآن الكريم عن النفاق والمنافقين حديثٌ واسعٌ ومُهِمٌّ جِـدا، وهذا الموضوع للأسف الشديد لا يلقَى في واقع الأُمَّـة ولا يحظى في واقع الأُمَّـة بالاهتمام المطلوب بحسب أهميته وحسب خطورته وبحسب مساحته الواسعة في القُرْآن الكريم في الحديث عنه في القُرْآن الكريم، موضحًا بأن حالة النفاق تُعتبَرُ حالةً خطيرةً جِـدا تهدد استقلال الأُمَّـة، سواء في منهجها أو في مشروعها في الحياة؛ لأن الانحرافَ والاتّباعَ لآخرين والولاء لآخرين قد ينتجُ عنه مخالفةٌ لتوجيهات الله سُبحَانَه وتعالى وقد ينتج عنه انحرافٌ وخروجٌ عن المشروع الإلهي بكله والالتحاق بالآخرين وفي مشروعهم وفي أجندتهم وفي اهتماماتهم التي لا تنبع ولا تنطلق لا من مبادئك ولا من قِيَمِك ولا من أَخْلَاقك ترمي بها عرض الحائط بكلها.
وفيما يلي تنشُـرُ “الثورة” نَصَّ المحاضرة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــدًا عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، وخواتِم مباركة، نَسْأَلُ اللهَ أن يَتَقبَّلَ منَّا ومِنَّكُمُ الصِّيَامَ والقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعْمَالِ، إنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء.
في شهر رَمَضَانَ المبارك شهرِ التقوى والتربية على التقوى عندما يعودُ الإنْسَانُ ليتأمَّلَ في القُرْآن الكريم ويتأَمَّلَ في الواقع وعندما يحرِصُ الإنْسَانُ على أن يحقِّقَ في واقعه التقوى يلحَظُ أن الأَسَاسَ في مسألة التقوى هو الالتزامُ والاستقامةُ على تعليمات الله ومنهج الله والحذر من معصية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى والمخالفة لتوجيهات الله جَـلَّ وَعَلَا، ويلحظ الإنْسَانُ في القُرْآن الكريم الحديثَ الواسعَ عن الكثير من المعاصي والكثير من الذنوب والمخالفات التي تشكّلُ خطورةً كبيرة على الإنْسَان في إيْمَانه وفي دينه وفي علاقته بربه.
وهناك موضوعٌ من أهمّ المواضيع ومن أخطر المواضيع التي ينبغي الالتفاتُ إليها. هذا الموضوع أهميته وخطورته باعتبارات كثيرة، خطورته على الدين والإيْمَان والانتماء الإيْمَاني والقيمي والأَخْلَاقي، خطورته على الأُمَّـة في واقعها وما يمكن أن يترتَّبَ عليه فيما يصل إلى حياة الناس وإلى شئونهم.. الموضوع هذا بحسب التسمية القُرْآنية له هو موضوع النفاق، النفاق أمر خطير جِـدًّا وأمر شنيع وأمر فظيع.
والحديثُ في القُرْآن الكريم عن النفاق والمنافقين حديثٌ واسعٌ وحديثٌ مُهِمٌّ مُهِمٌّ جِـدًّا، وهذا الموضوع للأسف الشديد لا يلقَى في واقع الأُمَّـة ولا يحظى في واقع الأُمَّـة بالاهتمام المطلوب بحسب أهميته وحسب خطورته وبحسب مساحته الواسعة في القُرْآن الكريم في الحديث عنه في القُرْآن الكريم.
موضوعٌ عندما نعودُ إلى الآيات القُرْآنية -التي سنتحدّثُ عن البعض منها- نُدْرِكُ الضرورةَ القصوى لأن يكونَ هناك وعيٌ كبيرٌ في أوساط الأُمَّـة.
نأتي لنتحدث عن هذا الموضوع، وضمن محاضرتين إن شاء الله تعالى أَوْ ثلاث، وسنحرص على الاختصار وسنركّزُ على النصوص القُرْآنية بشكل أَسَاسي بما يتعلق بهذه المسألة لأهميتها وحساسيتها وخطورتها.
حينما نتأمَّلُ في القُرْآن الكريم نجدُ أن كَثيرًا من المعاصي وكَثيرًا من الذنوب وكَثيرًا من المخالفات يوصِّـفُها القُرْآنُ الكريمُ بتوصيفاتٍ متعددة، البعضُ منها يُسَمِّيه ظُلمًا وأَحْيَـانًا يقدم هذا كعنوان شامل يشمَلُ كُلّ المعاصي والذنوب، وَإنْ كان له صلةٌ ببعض منها بأكثر من البعض الآخر أَوْ صلةٌ مباشرةٌ ببعضٍ منها.
الفسقُ والفسوقُ بمنظور القُرْآن
هناك توصيفٌ آخر في القُرْآنِ الكريم للمخالفات والانحرافات العملية والسلوكية يسميها القُرْآن الكريم الفسق، ويطلق على من وصلوا إلى درجة كبيرة من الانحراف والمخالفة واستمروا على ذلك وأصروا على ذلك بالفاسقين فيسمي الكثير من المخالفات العملية والسلوكية فسقًا، حتى أنه قال عن المخالفة في مسألة التنابز بالألقاب (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)، قال عن مضارة الكاتب والشهيد (وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ)، وقال عن بعض المخالفات ذلكم فسق. فتسمّى المعاصي في الواقع العملي فسقا وفسوقا، ويعتبر عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإنْسَانُ غيرُ المنضبط غيرُ الملتزم بتوجيهات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المُصِرُّ على المعاصي والمستمر في المعاصي والمخالفات والتجاوز لحدود الله والتعدي لحدود الله يسمى فاسقا، ويأتي في القُرْآن الكريم الوعيد الشديد على الفسق والفسوق والفاسقين، وكذلك عنوان الظلم وعنوان العُصاة والعاصين ومن يعص الله ورسوله.
التوصيفُ القُرْآني للنفاق
هناك مخالفةٌ معينة ومعصية معينة ذنبٌ وجُرمٌ معيّنٌ أعطاه القُرْآن الكريم أَيْضًا توصيفًا معينًا سمّاه نفاقًا وجعله كذلك وصفًا وتسميةً للمتصفين به بالمنافقين، والحديث في القُرْآن الكريم عن النفاق والمنافقين حديثٌ واسعٌ جِـدًّا وحديثٌ مُهِمٌّ وحديثٌ كبيرٌ حَسَّاسٌ يستحق العناية والاهتمام والالتفات الاستيعاب والفهم، ولا ينبغي أبدًا ولا يجوزُ نِهَائيًّا التجاهُلُ له أَوْ عدم الالتفات الجاد إليه.
موضوعٌ مُهِمٌّ للغاية، فالنفاق ما هو؟ مسألة التعريف للنفاق هي مسألة مهمةٌ جِـدًّا، نحن عندما نقرأ الآيات القُرْآنية عن النفاق والمنافقين وهي بتلك اللهجة الساخنة جِـدًّا بتلك الحرارة الشديدة بتلك السخونة الكبيرة يجب أن نعرفَ إذًا ما هو النفاق؛ لكي نحذَرَه ونتجنَّبَه، ومن هم المنافقون لكي نحذَرَ منهم وننتبهَ منهم.. القُرْآن الكريم وهو كتاب الهداية قدَّمَ التعريفَ الكاملَ والتوضيحَ الكاملَ والتوصيفَ الكاملَ والدقيقَ عن النفاق والمنافقين حتى يساعدَنا على أن نحذرَ أن نجتنبَ ننتبهَ، على ألا نقعَ ضحيةً للنفاق والمنافقين.
خطورةُ النفاق: لا أسوأَ منه في كُلّ المعاصي
نأتي لتحدَّثَ في البداية عن خطورة النفاق كجُرْمٍ وذنبٍ؛ لكي ندرِكَ أَهَميَّةَ المسألة؛ لأن البعضَ قد يعتبر المسألةَ مسألةً عاديةً، لا، ليست مسألةً عاديةً أَبَدا، نتحدث عن خطورة النفاق كجرم كمعصية كذنب فظيع. الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال في القُرْآن الكريم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا)، هل هناك بعدَ هذه الآية المباركة وهذا النص القُرْآني ما يدُلُّ على سوء وخطورة هذا الذنب وأنه لا أسوأ منه في كُلّ المعاصي والذنوب.
إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار في أسفل درك في جهنم، حَيْـثُ العذاب الأشد وحيث الخزي الأشد، فالنفاق هو لهذه الدرجة من الخطورة أنه يوصلك إلى أسفل درك في النار ليس فقط أن تدخل النار، دخول النار بكلها في أي مكان منها كارثة ومصيبة وأمر خطير وفظيعٌ وشنيع جِـدا، والإنْسَانُ المؤمن بحكم إيْمَانه ووعيه الإيْمَاني يسعى إلى النجاة من عذاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الدخول إلى النار نهائيًّا، الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خاطبنا في كتابه الكريم خطاب الرحمة، فقال جل شأنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، فالدخول إلى النار أمر خطير، هلاكٌ فظيع، أمر يجب أن يتوقاه كُلّ مؤمن وكل مؤمنة.
حتى استغفار النَّبيّ بعظيم مقامه لن ينفعَ المنافقين
فإذًا النفاق هو جرمٌ فَظِيْعٌ خطيرٌ يوصلك إلى قّعْر جهنم إلى أسفل درك في النار إلى أشد عذاب والعياذ بالله، وهذا يدل أَيْضًا على سخط كبير من الله ويوضح بلا شك السوء الشنيع للنفاق نفسه وآثاره السلبية في الحياة؛ ولهذا كان ذنبًا بهذا المستوى. الله قال عن المنافقين وخاطب النَّبٍيّ بذلك (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)، المنافق بلغ في سوئه وخطورة جرمه أنه لو استغفر له رسول الله محمد صَلَّـى اللهُ عَلَيْـهِ وَعَلَى آلِـــهِ، يستغفر له ويطلب من الله المغفرة له لن يستجيبَ اللهُ حتى لرسوله في أن يغفرَ له، لاحظوا على خطورة على سوء كبير جِـدا.. ليست المسألة بسيطة لهذه الدرجة أن النَّبٍيّ بعظيم مقامه وزلفته عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقربه من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واستجابة دعوته، لو استغفر لهم بل قال في آية أُخْـرَى (إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)، فهو بهذه الدرجة من السوء كذنبٍ فَظِيْعٍ جِـدا يوصل صاحبَه إلى أسفل دركٍ في النار وإلى قعر جهنم، ولا ينفع معه حتى لو استغفر لك النَّبٍيّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَى آلِـــهِ لا يغفرُ الله لك بل يغضب عليك غضبا شديدا، وكذلك تحبَطُ كُلُّ أعمالك لا صلاتك تنفعُك ولا صيامُك ينفعُك ولا صدقاتك تنفعك ولا أي عملٍ تعمله ينفعك، لن تُقبَلَ منهم نفقاتهم يقول في القُرْآن الكريم، وسنأتي إن شاء الله للحديث عن هذا الجانب أَيْضا.
أَيْضًا الخطورة الكبيرة للنفاق باعتبار تأثيره السلبي ونتائجه السيئة في الواقع، هنا في واقع الناس في الحياة في واقع المسلمين في واقع الأُمَّـة الإسْلَامية هناك تعبير مهم ورد في القُرْآن الكريم يدلل على هذا قال الله جل شأنه في سورة الأنفال: (إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، يعني تحدّث عن قضية الولاء، سنأتي إلى تعريف النفاق أنه اختلال في الولاء كذلك تأييد ومعيّة في الموقف والرأي، لكن نبّه أنه إذا حصل هذا الاختلال الذي هو نفاق تكون النتيجة كارثيةً جِـدًّا في واقع الأُمَّـة (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، فتنة ومشكلة كبيرة جِـدا في واقع الأُمَّـة وفساد كبير وسنتحدث عن هذه النقطة بالتحديد عندما ندخل في مسألة تعريف النفاق. أَيْضًا قال عن المنافقين (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)، هم العدو، دورهم التخريبي في داخل الأُمَّـة الآثار السيئة لنفاقهم وأعمالهم النفاقية في واقع الأُمَّـة بهذه الدرجة من الخطورة على الأُمَّـة؛ لأنه حينما قال : (هُمُ الْعَدُوُّ)، وكأنهم هم أعدى عدو وأخطر عدو على الأُمَّـة هم العدو الذي ينبغي أن تنظر إليه أنه يشكل خطورة بالغة على الأُمَّـة فاحذرهم، وحالة الحذر هي الحالة التي يجب أن تلحظُها الأُمَّـة تجاههم، وسنأتي أَيْضا للحديث عن هذا الجانب إن شاء الله.
تعريفٌ للمنافقين واضحٌ كوضوح الشمس: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ)
فإذن ندخُلُ إلى التعريفِ، تعريف النفاق ما هو: تأتي الكثيرُ من التعريفات والتصنيفات والحديث والأخذ والرد، ولكننا نذهَبُ إلى كتابِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونستهدي بهدي الله في هذه المسألة، ونلحظ أن القُرْآن الكريم قدّم توصيفًا وتعريفًا لا لَبْسَ فيه ولا اختلافَ، واضحٌ كوضوح الشمس قال الله جل شأنه (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابا أَلِيما * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعا)، فيعتبر تعريفا قرآنيا واضحًا ومن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عرّف به ووضّح به أجلى توضيح مَنْ هم المنافقون هذه الفئة التي تحدث القُرْآن الكريم عنها بأقسى وأسوأ ممّا تحدث به عن الكافرين وعن كُلّ الفئات السيئة في هذه الحياة.
النفاقُ هو اختلالٌ في الولاء
هؤلاء هم المنافقون المبشّرون بعذاب الله والعياذ بالله (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، فإذًا النفاق هو اختلال في مسألة الولاء، هناك كما قلنا في الواقع الإسْلَامي والواقع الديني حالةٌ من التصنيفات للانحرافات العملية، مسلمٌ لكنه مثلًا يقتل نفسًا محرَّمةً أَوْ ينتمي للإسْلَام ولكنه والعياذ بالله فاسقٌ أَخْلَاقيا يرتكب الفواحش، أَوْ ينتسب للإسْلَام لكنه يسرق يظلم ينهب أَوْ أيا كان من الانحرافات العملية لها تصنيفات (فجور، معصية، ظلم، إلى آخره..)، لكن هناك فيما يخص الاختلال في الولاء له هذا التوصيف القُرْآني نفاق ومنافقون عندهم اختلال في الولاء، وقد يدخل يعني كُلّ التصنيفات قد تأتي تبعا وضمنا ولكن حتى يكون هناك من يميّز هذا النوع من المعاصي هذا النوع من الانحرافات هذا النوع من الخلل، هذا التوصيف القُرْآني له الاختلال في الولاء يسمى نفاقا والذين لديهم انحرافٌ في ولائهم أسماهم الله بالمنافقين، فكيف هو هذا الانحراف؟ (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، حالة الانحراف في الولاء، نحن كأمة مسلمة ننتمى للإسْلَام لنا مبادئنا المفترضة من خلال هذا الإسْلَام، لنا قيمنا لنا أَخْلَاقنا لنا مشروعُنا في الحياة لنا منهجنا في الحياة، الإسْلَام ليس مجرد دين رهبانية صوامع ومساجد وانتهى الموضوع، الإسْلَام هو منهج حياة، الأُمَّـة التي تنتمي إليه وتؤمن به وتلتزم به فتنطلق على أَسَاسه في مبادئها في قيمها في أَخْلَاقها في مواقفها في سياساتها في مسلكها في الحياة يكون الإسْلَام بالنسبة لها مشروع حياة ومنهاج حياة تتحَـرَّك على أَسَاسه، هذا شيء واضح لدينا في الإسْلَام كمسلمين، هناك الحلال وهناك الحرام وهناك الحق وهناك الباطل، وهناك ما يجوز وهناك ما لا يجوز، هناك ضوابط شرعية دينية أَخْلَاقية تضبط لنا مسارَنا في هذه الحياة، ما نعمل وما نترك، ما علينا أن نعمله إلزاميًّا ما علينا أن نتركه إلزامًا، ضوابط منهج حياة، القُرْآن الكريم مليء بآيات الله، النَّبٍيُّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْـهِ وَعَلَى آلِـــهِ في تعليماته وتوجيهاته وحركته في الحياة قدّم لنا كذلك القُدوة الكافية والتعليمات اللازمة كيف نتحَـرَّك كمسلمين.
ولاءٌ وَعداءٌ خَاضِعٌ لاعتبارات والتزامات
هذا الانتماء للإسْلَام بكل ما يترتب عليه من التزامات مبدئية وأَخْلَاقية وعملية يحدد لنا خصوصيتَنا كأمة بين كُلّ الأمم بين كُلّ الناس، ليس حالنا كحال الآخرين، لا. في توجهاتنا في مواقفنا يجب أن نعود إلى مبادئنا إلى قيمنا إلى أَخْلَاقنا إلى التزاماتنا العملية، نحن أمة لها انتماء وعليها التزامات بناءً على هذا الانتماء وعلى أَسَاسٍ من هذا الانتماء، عندما نوالي عندما نعادي عندما نتخذ أي موقف معيّن يجب أن يكون هذا الولاء أَوْ هذا العداء الموقفُ خَاضِعا للاعتبارات المبدئية خَاضِعا للالتزامات العملية خَاضِعا للالتزامات الأَخْلَاقية، نحن أمة دينها دين الأَخْلَاق ودين القيم دين الحق دين العدل، فإذًا هذا الانتماء يُبنى عليه استقلال الأُمَّـة استقلالها في منهجها في الحياة وفي مسارها في الحياة، أمة معنية بالتزامات بتوجيهات بأوامر بنواه بحلال بحرام بحق بباطل لها ضوابط إلى آخره، هذه مسألة واضحة فلسنا أمة منفلتة لا ضوابطَ لها في الحياة وليس أمامها لا حلال ولا حرام ولا حق ولا باطل ويفعل الإنْسَان كُلّ ما يحلو له ويتصرف الإنْسَان حسب مزاجه وهوى نفسه أَوْ يخضع لأيَّة اعتبارات وينجذب وراء أي أحد وراء أي طرف في هذه الدنيا كُلٌّ يجذبه كُلٌّ يأخذ بيده كُلٌّ يحدد له أولوياته، خياراته في هذه الحياة، مواقفه في هذه الحياة، لا، هذا الانفلات هذه الحالة من الفوضى التي لا يكون للإنْسَان فيها أيَّة التزامات ولا اعتبارات ولا مبادئ ولا قيم ولا أَخْلَاق هو يعيش حالة الانفلات الكامل هي حالة لا تمت إلى الإسْلَام بصلة نِهَائيًّا، تقول مَثَلًا أنا مسلم ولكن لست معنيًّا بأيَّةِ التزامات في هذه الحياة نِهَائيًّا لا أَخْلَاقية ولا قِيَمِية ولا مبدئية ولا هناك معايير لا حق ولا باطل ولا حرام ولا حلال، ومن دعاني استجبت له ومن طلب مني شيئًا فعلته له من أخذ بيدي ذهبت وراءه هذه حالة من الانفلات لا تَمُتُّ إلى الإسْلَام بصلة نِهَائيًّا هذه فوضى وهذه قضية خطيرة جِـدًّا على الإنْسَان.
أمّةٌ لها منهج وَمشروع حياة
فإذًا نحن أمة نفترِضُ لأنفسنا في واقعنا الاستقلال في توجهاتنا في الحياة؛ لأنَّا أمة لها منهج، لها نظام حياة، لها مشروع حياة، لها مسار محدد، لها ضوابط، لها التزامات، لها أَخْلَاق إلى آخره، ولهذا يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه الكريم (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)، لها منهجٌ عليها أن تتبعه، ليست معنية بما لدى الآخرين من توجهات وآراء ومواقفَ ومساراتِ حياة، هناك ذات الشمال وفي اتجاهات أُخْـرَى لا.. أنتم لكم منهج وعليكم أن تتبعوه وعليكم أن تلتزموا به وتتمسكوا به.
حالة النفاق حالة خطيرة جِـدًّا تهدد استقلال الأُمَّـة استقلالها في منهجها في مشروعها في الحياة؛ لأن الانحرافَ والاتباع لآخرين والولاء لآخرين قد ينتج عنه مخالفة لتوجيهات الله سبحانه وتعالى، قد ينتج عنه انحراف وخروج عن المشروع الإلهي بكله تلحق بالآخرين في مشروعهم في أجندتهم في اهتماماتهم التي لا تنبع ولا تنطلق لا من مبادئك ولا من قيمك ولا من أَخْلَاقك ترمي بها عرض الحائط بكلها.
بالنسبة لك أنت كمسلم هذه المبادئ هذه الأَخْلَاق هذه الالتزامات التي هي ذات أَهَميَّة كبيرة عليك قد يرى فيها الآخرون أنها غير ذات قيمة أصلًا وقد تكون مشاريعهم في الحياة مساراتهم في الحياة اهتماماتهم في الحياة أعمالهم مواقفه تصرفاتهم خارجة عنها بالكامل ولا تعطيها أي اعتبار أَوْ قيمة.
التبعيةُ للأعداء تجعلُ الانتماء للدين شكليًّا اسمًا بلا مضمون
تبعيتُك لهم تضرب التزامَك بهذا الدين بهذا المنهج، تضرب هويتك، تضربك في انتمائك يصبح انتماؤك انتماءً شكليًّا اسمًا بدون مضمون لا حقيقة له لا يبقى من الإسْلَام إلا اسمه ولا من القُرْآن إلا رسمه، هذا أولًا.
ثانيًّا: نحن كأُمَّة مسلمة ضمن هذا الانتماء وضمن هذا الكيان الكبير للأمة، نحن بالتأكيد لنا أَعْدَاء، أَعْدَاء لهم موقفٌ منا؛ باعتبار ديننا؛ باعتبار قيمنا؛ باعتبار مبادئنا المهمة خُصُوْصًا المبادئ المهمة في هذا الإسْلَام، قد يقبل الآخرون بأن لنا الحالةَ الشكلية في الإسْلَام ونتخلى عن القضايا الجوهرية والمبدئية والرئيسية في هذا الإسْلَام ونتحول في هذه الحياة إلى حالة شكلية في إسْلَامنا، ولكن ما يكسبه العدو منا هو الخضوع له في القضايا الرئيسية في الأمور المهمة في المسائل الأَسَاسية ونحن أمةٌ مستهدفة لاعتبارات كثيرة، نُسْتَهْدَفُ بحسب هذه القيم وهذه المبادئ المهمة في الإسْلَام نُسْتَهْدَفُ طمعًا في مناطقنا في بلادنا في موقعنا الجغرافي وَنُسْتَهْدَفُ أَيْضًا ككيان لا يقبل الآخرون به ككيان مستقل وأمة مستقلة وأمة ذات سيادة وذات استقلالية لها مشروعها في هذه الحياة هناك قوى مستكبرة مهيمنة تريد أن تفرض نفسها في هذه الساحة العالمية في الأرض أن تسيطر سيطرة كاملة ومطلقة.
فإذًا الإنْسَان حينما يؤيد هذه الأطراف تلك الفئات من خارج أمته في مواقفها يؤيدها في رأيها التأييد في الموقف المعية في الرأي يعتبر اختلالًا في الولاء أنت إذا أيّدت الأمريكيين في موقف ما أَوْ كنتُ معهم في رأي معين فهذا يعتبر اختلالاً في الولاء، الواقع للأمة الذي بناه القُرْآن الكريم وبناه الإسْلَام في مسالة الولاء أَنْ نَكُوْنَ أمة يتولى بعضنا بعضا أمة ولاؤها داخلي على أَسَاس من مبادئها طبعًا وعلى أَسَاس من قيمها وإلا فحتى من داخلنا لا يجوز لنا أن نتولى الظالمين حتى وإن كانوا منتسبين للإسْلَام لا يجوز لنا أن نتولّى المجرمين وإن كانوا منتسبين للإسْلَام .
الولاءُ هو فقط حالة داخلية: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)
الأُمَّةُ هذه في واقعها الداخلي الحالة التي يجب أن يبنى عليها الولاء قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، بعضهم أولياء بعض فحالة الولاء يجب أن تكون حالة داخلية إذا حصل تأييد للطرف الآخر أَوْ معية في الرأي أَوْ الموقف أنت معه في هذا الموقف أَوْ أنت معه في هذا الرأي، هذا يعتبر اختلالًا في الولاء وتعتبر قضية خطيرة جِـدًّا، نأتي إلى نصوص أَيْضًا في التحذير من هذا يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ)، نهيٌ من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا ينبغي أَبَدًا أنت كمسلم يجب أن يكونَ ولاؤك تأييدُك مواقفُك توجُّهاتُك مع المؤمنين وليس مع الكافرين، فإذا أتيت لتؤيد الكافرين وتعادي المؤمنين لك موقف سلبي وعدائي من المؤمنين ولك موقف مؤيد وأنت مع الكافرين في موقف معين هذا حالة خطيرة جدًا.
(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)، هذا وعيدٌ شديدٌ، وعيدٌ من الله بالعذاب وعيد من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بسخط من الله يعني إن فعلتم ذلك فتحتم على أنفسكم باب العقوبة الإلهية والسخط الإلهي بعدها مباشرة قال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ)، في أسوأ مكان في جهنم ولن تجد لهم نصيرًا قال جل شأنه (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)، لاحظوا هذا التعبير رهيب جِـدًّا فليس من الله في شيء انقطعت علاقته بالله الإيْمَانية سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نِهَائيًّا، بقية الأمور الإيْمَانية لم تعد تشكل صلة ما بينه وما بين الله، لا صلاته ستحفظ له هذه الصلة من الله، أَوْ بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لم يعد على علاقة بالله (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)، لا صلاته لا صيامه لا حجه لا زكاته لا صدقاته لا أي عمل من الأعمال الأُخْـرَى سيبقى يشكل صلة ما بينه وما بين الله، ويحافظ له هذه العلاقة ما بينه وما بين الله، خلاص الله يقطع علاقته بك كعبد مؤمن العلاقة الإيْمَانية تنقطع بينك وبين الله نِهَائيًّا، نِهَائيًّا (فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)، ولا حاجة ولا ذرة من الصلة الإيْمَانية بقيت بينك وبين الله يعني هذا يسبب غضبا كَبيرًا من الله، إلى هذه الدرجة يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، وهذا خطابٌ لنا جَمِيْـعًا كمؤمنين (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ)، كذلك اليهود والنصارى يعتبرون في التوصيف القُرْآني من الكافرين، يعني هم كافرون بالنَّبٍيّ وكافرون بالقُرْآن وخلافُنا معهم كبير جِـدًّا والفجوة كبيرة جِـدًّا، (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ)، فتكونون معهم في مواقفهم وتؤيدون مواقفهم، اتخاذهم أولياء بالتأييد في المواقف والمعية في الرأي، بعضهم أولياء بعض، هم بالنسبة لهم يتكتلون حتى عليكم، مع أن بينهم الكثيرَ من المشاكل والخلافات ولكن يتحدون عليكم يتعاونون عليكم ينسّقون فيما بينهم عليكم وضدكم وهذا حاصل اليوم ما بين إسرائيل وما بين أمريكا والغرب.
معيارٌ إلهي: من يتولهم فهو أمريكي إسرائيلي وإن صلى وصام
(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ) وهو منكم، مسلم يصلي يصوم يزكي يحج، منكم، هو منكم، في انتمائه للإسْلَام هو منكم في أن يفعلَ الكثيرَ من الالتزامات الإسْلَامية والأعمال الإسْلَامية يصوم بصومكم يحج بحجكم منتسب إليكم (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ)، منكم يا أيها الذين آمنوا فإنهم منهم، لاحظوا ما أخطر هذه المسألة هذا يدل بشكل كبير على أهميتها في الوقت الذي لا يعطيها لها كثيرٌ من الناس أية أَهَميَّة، أية أَهَميَّة نِهَائيًّا، لاحظوا الفارق الكبير، بين أن يجعلها البعض لا أَهَميَّة لها بالمطلق الأمر عادي جِـدًّا، طبيعي جِـدًّا، يدخل ضمن الحالة النفسية والرغبة النفسية والهوى النفسي بكل بساطة، وبين الواقع هي في واقعها بهذه الدرجة (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، يعتبر عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منهم يعتبر إذا يتولى اليهود ولو أنه منكم يصلي يصوم يزكي يحج يعمل أعمالًا إسْلَاميةً كثيرةً، لكنه يعتبر عند الله منهم، تفهمون ماذا يعني منهم! منهم خلاص أمريكي إسرائيلي يعتبر عند الله بهذا الاعتبار، ما دام مؤيدًا لهم، على علاقة بهم، متوليًّا لهم، معهم في الموقف، معهم في الرأي، خلاص أصبح معهم في الموقف، خلاص أصبح منهم، ولو أنه ينتمي إلى الأُمَّـة (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
أصبحوا يهودًا بوضوح: تولوا قومًا غضب اللهُ عليهم
يقولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في نص آخر (أَلَمْ تَر)، هذا تعجيب (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم)، يعجب من حالهم؛ لأنها حالة شذوذ حالة غريبة حالة غير طبيعية حالة غير سليمة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ)، لا هم منكم في موقفكم ولا هم منهم قد أصبحوا يهودًا، خلاص يتيهود بصراحة بوضوح، لا، لا يزال انتماؤه شكليًّا للإسْلَام، يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن.. وأن.. وبعض الالتزامات الإسْلَامية وكذلك في الشكل والملابس وأشياء كثيرة، ولكن لم يعد من الأُمَّـة في موقفها، ولا في قضيتها ولا في توجهها، لا، ولا هو أصبح من أولئك في الخروج من الملة الإسْلَامية مَثَلًا لا (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا، إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
سنتحدَّثُ إن شاء الله في المستقبل عن ممارساتهم، أساليبهم مواصفاتهم إلى آخره، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)، هنا يقول نافقوا بهذا الاعتبار، باعتبار أنهم أيدوا موقف أولئك، الذين كفروا من أهل الكتاب أي اليهود، موقفهم (يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ)، نحن معكم نحن إلى جانبكم، نحن ندعم موقفكم هذا، وإن لم يكونوا جادين لكنهم في شغل في تأييد في مناصرة في تأييد الموقف فكان نفاقا.
مَهَام النفاق: أدوارٌ تخريبيةٌ في داخل الأُمَّـة
فلاحظوا القضية هي هذه، النفاق في القُرْآن الكريم وحسب توصيف القُرْآن الكريم هو اختلال في الولاء، أنت مسلم وتصلي وتصوم وتزكي وتحج وتعمل الكثير من الأعمال الإسْلَامية، لكنك في الموقف مؤيدٌ لطرف آخر هذا الطرف هو من أَعْدَاء الأعداء، هو عدو للأمة، هذه الحالة يسميها القُرْآن بالنفاق، هذا الطرف تأييدك له وولاؤك له يضربك في هويتك وفي انتمائك الحقيقي للأمة ولدينها ولمبادئها، يترتب عليه أعمال تخريبية كثيرة في داخل الأُمَّـة وخروج عن كثير من المبادئ والأَخْلَاق والقيم، هذا الشيء اللازم، عندما ترتبط بهذا العدو الكافر في عدائه للأمة، أولوياته اهتماماته خارجه عن ضوابطك الأَخْلَاقية وعن مبادئك وعن قيمك، سيكون من الملازم له في موقفك المؤيد له والموالي له أن تكون أنت أَيْضًا مفارقًا لتلك المبادئ والقيم.
أضف إلى ذلك ما يترتب عليه القيام بأدوار تخريبية في داخل الأُمَّـة وهذه القضية الخطيرة هي التي عبر عنها القُرْآن الكريم بقوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، بعد أن ذكر أن المؤمنين ولاؤهم يجب أن يكون لبعضهم البعض، وبعدها قال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
يترتب على النفاق: مفاسدُ وَفتنةٌ في الأرض
هناك تباينٌ وهناك فوارقُ، يجب أن تكون هذه الفوارق واضحة ويجب أن يكون واقعُ الأُمَّـة محصنًا، محصنًا من التأثُّر بأولئك (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، إذا لم تلتزموا بهذه الضوابط وبهذه الفوارق وبخصوصية الأُمَّـة هذه، وبما بينها وبين الآخرين من حدود يترتب عليه مفاسد كبيرة جِـدًّا، تكن فتنة في الأرض؛ لأنه حينما يصبح البعض من أبناء الأُمَّـة تيارات من داخل الأُمَّـة، كيانات من داخل الأُمَّـة، فرق من داخل الأُمَّـة، لها ارتباطات بأَعْدَاء الأُمَّـة ولها أجندة عملية مشتركة ما بينها وبين أَعْدَاء الأُمَّـة، بالتأكيد هذا سيترتب عليه هذه النتيجة الحتمية وهو ما هو قائم في واقعنا كأمة إسْلَامية فتنة في الأرض، فتنة كبيرة جدًا.
الحاصلُ في أمتنا نتاجٌ للانحراف النفاقي
هذه الفتن اليوم في اليمن، في سوريا، في العراق، هذه المفاسدُ الهائلةُ الكبيرةُ في واقع أمتنا من القتل الكثير وسفك الدماء على نحوٍ فَظِيْع والاستباحة للنفوس المحرّمة والمظالم والجرائم والفساد الكبير بكل ما تعنيه الكلمة هو نتاجٌ لهذا الانحراف، لهذا النفاق في داخل الأُمَّـة أنظمة حكومات دول تلتحق بركب أمريكا وإسرائيل، اليهود والنصارى المعادين للأمة، ثم على ضوء ذلك اشتراكهم معهم في أجندة في مشاريع عمل في سياسات في مواقف كلها تخدم أولئك وكلها تشكل أعمالًا عدائية للأمة، تفريق للأمة تفكيك لكيان الأُمَّـة، ضرب للأمة من الداخل استهداف للمؤمنين وللأحرار في داخل هذه الأُمَّـة وعداء شديد لهم، اليوم الحالة هذه هي الحالة القائمة في واقع أمتنا، فتنة في الأرض هي من مصاديق النص القُرْآني، هي من الشواهد على أن القُرْآن الكريم حقٌّ من الله لا ريب فيه؛ لأنه نَتَجَ حتما، القُرْآن الكريم قدمها نتيجة حتمية، نتج حتمًا عن اتخاذ أَعْدَاء الأُمَّـة أولياء وتوليهم من داخل فرق وكيانات في هذه الأُمَّـة، حكومات وأنظمة وقوى إلى آخره حصل فتنة وفتنة شاملة في الأرض، فتنة شاملة وفساد كبير وطال هذا الفساد الكبير الواقع السياسي الواقع الاقتصادي الواقع الأمني وكذلك كانت تأثيراته ممتدة إلى الأَخْلَاق إلى القيم إلى كُلّ شيء، هذه معجزة من معاجز القُرْآن هذه من مصاديق أنه حق لا ريب فيه وحقائقه تتجلى مع الزمن أكثر فأكثر ومصاديقه نراها في واقع الحياة يَـوْمًا بعد يوم، تكن فتنةً في الأرض وفساد كبير.
تعامُلٌ بالبر والعدل مع مَن لا يشكّلون خطرًا على الأمة
ولاحظوا القُرْآنَ الكريمَ هو نظَّمَ علاقات الأُمَّـة ما بينها وبين الآخرين، الإسْلَام لا يفترض بالمسلمين أنهم سيتحولون وحوشًا تجاه الآخرين بكلهم لا، له أولًا موقف يحافظ على كيان الأُمَّـة يحافظ على كيان الأُمَّـة في خصوصيتها المبدئية والأَخْلَاقية والقيمية إلى أخره، ثم له موقف من أَعْدَاء الأُمَّـة الواضحين كأَعْدَاء وهذا شيء طبيعي جِـدًّا لأنه لدى كُلّ أمم الأرض يعتبرون مَن يوالي العدو خائنًا ويلام على ذلك ويُذم بذلك ويعادى على ذلك لدى كُلّ الشعوب وكُلّ الأُمَم إجراءات متعارف عليها بين البشر، حتى في الفطرة في الفطرة البشرية أن من يواليَ أَعْدَاء الأُمَّـة يعتبر خائنًا، يعتبر خائنًا وخيانة عظمى وهناك إجراءات شديدة ومواقف شديدة وتجريم وذم إلى آخره.
اللهُ جل شأنه يقولُ فيما يتصلُ بالعلاقة علاقة الأُمَّـة مع الآخرين ممن ليسوا بأَعْدَاء لها (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (*)، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، الذين هم من الأمم الأُخْـرَى ليسوا بمسلمين ولكنهم ليسوا معادين لنا كمسلمين لم يسبق منهم أي مواقف عدائية ضد ديننا كإسْلَام، يحاربوا أحدًا على إسْلَامه أَوْ يعادوا أحدًا على إسْلَامه أَوْ لهم إجراءات عدائية من الإسْلَام كدين ولم يُخرجوكم من دياركم ولا شكّلوا خطرًا علينا كأمة في أرضنا وفي جغرافيتنا وفي مناطقنا وفي بلداننا لم يحتلوا بلداننا ولم يستهدفونا فيها أبدًا، هؤلاء لا مانع في الإسْلَام مما قال عنه (أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)، أن تتعاملوا معهم تعاملًا إيجابيًّا وحسنًا بالبر والإقساط إليهم، أولًا مطلوبٌ أَنْ نَكُوْنَ عادلين مع الآخرين حتى ممن لم ينتموا إلى الإسْلَام وأن نكونَ في تعاملنا أَنْ نَكُوْنَ نتعامل بالخير نتعامل بالبر نتعامل بالقسط مع الآخرين هذا شيءٌ مطلوبٌ منا لكن هناك طبعًا لا يرتقي هذا إلى مستوى التولي لهم يعني أن ندخُلَ معهم ولنتبعهم هم.
تتبِّعُ الآخرين، لا، إفهم أنت كمسلم يجب أن تكونَ مستقلًا لك منهجك في الحياة، لك مشروعك في الحياة لك أولوياتك لك اهتماماتك، هذه مسألةٌ اعتبرها مسألةً حتميةً ومحتومةً ومبدئيةً وقضيةً أَسَاسيةً، لك استقلالك كمسلم توجهاتك مبادئك قيمك مواقفك، وكلها تخضَعُ لاعتبارات بنصوص بحكم هذا الانتماء، ولكن علاقة. القوى الأُخْـرَى الأطراف الأُخْـرَى في هذا العالم ممن ليسوا بمسلمين ونعرف عنهم أن لا مواقفَ عدائيةً لهم من الإسْلَام كإسْلَام كدين، ولا مواقف عدائية للمسلمين كأمة لا يظلمون أحدًا من المسلمين لا يحتلون بلدًا إسْلَاميًّا لا يُخرجون أحدًا من دياره، حسب التعبير القُرْآني الذي نقول عنه اليوم احتلال وسيطرة.
مفهومٌ غبيٌّ للعلاقات: إتّباعٌ للآخر
هؤلاء هناك حد للعلاقة معهم هذا الحد ليس في إتباع ليست المسألة تتبعهم علاقات مثل المفهوم الغبي في العلاقات لدى الأنظمة العربية.. ما هي العلاقة في المفهوم العربي اليوم الرسمي؟ هي الإتّباع للآخر، أن تتبعَ الآخر أن تكون أمة لا مشروع لها ولا قضية لها ولا مبادئ لها ولا قيم لها وتنظر ما عليه طرف من الأطراف الدولية فتلتحق بها، تصبح أجندته أجندتك مشروعه مشروعك قضيته قضيتك مواقفه مواقفك، تبعية.
العلاقة اليوم يا إخوة في المفهوم الرسمي العربي هي التبعية المطلقة والعمياء لطرفٍ من الأطراف، إما في الشرق وإما في الغرب، فيأتي البعض لينجر وراء التوجه الأمريكي فيدخل في المواقف والأجندة والمشاريع الأمريكية ويشتغل على أَسَاسها ويلتحق بها مع أمريكا متحالف حسب تعبيرهم، وإما أن يأتي البعض فيرى أن علينا أن نُخضِعَ أنفسَنا لأي طرف آخر، هناك أطرافٌ دولية أُخْـرَى هي كذلك ننظُرُ مَا هِيَ أجندتهم فنلحق بها أَوْ ما هي مشاريعهم فنلتحق بها، لا، في الإسْلَام هناك قدرٌ مسموحٌ به في العلاقة مع الطرف الآخر غير المسلم، لكن ممن ليس معاديًّا لنا في الدين لم يقاتلوكم في الدين، وليس مستهدفًا لنا لا يشكل خطورة علينا ولم يستهدفنا كأمة أَوْ كمسلمين في الأرض في البلد يحتل يُخرج من الديار، أَوْ يحتل في الديار هذه يحتل من البلاد الإسْلَامية (وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ)، الحد هذا هو البر القسط حسن التعامل غلى آخره.. أما الطرف الذي له مواقف عدائية الطرف الذي يقاتل الأُمَّـة يعتدي على الأُمَّـة يحتل من بلدان الأُمَّـة، له موقف عدائي في الأشياء المهمة في هذا الدين، هذا هناك نهيٌ شديدٌ عن التولي له وعن العلاقة به.
نكتفي بهذا المقدار في حديثنا اليوم، ونكمل إن شاء الله في محاضرة قادمة، وهذه المسألة من أهمّ المسائل الذات الصلة بواقعنا اليوم، هي اليوم القضية الساخنة التي طغت على ساحتنا العربية والإسْلَامية.
نَسْأَلُ اللهَ أنْ يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكم لِمَا فيه رِضَاه.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه.