السيد القائد : استشعار الرقابة الإلهية مسألة غاية الأهميّة في استقامة الإنسان

في محاضرته الرمضانية التاسعة بعنوان “الرقابة الإلهية”

 

قال السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي أن موضوعُ الرقابة الإلهية ومدى الاستشعار ذلك مسألة في غاية الأهميّة أعطاه القرآن الكريم مساحة واسعة وتحدث عنه بحديث مؤثر ومتنوع يرتبط به في تدبير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى مع الإنْسَان وفيما خلق له ورتب عليه شؤونه في الدنيا والآخرة .
وأضاف السيد في محاضرته التربوية الرمضانية 14 رمضان 1438هـ ، تحتَ عنوان “الرقابة الإلهية” أن اللهُ حاضرٌ شاهدٌ رقيبٌ عليك.. ليس بغافل عنك أبداً.. أحاطك على الدوام برقابته الدائمة عليك.. كيف ستتصرف.. كيف ستعمل.. وأنت المخلوق العجيب في مخلوقاته والمخلوق الأَكْبَــر مَسْؤُولِيَّـة في هذا العالم بما سخر لك وفي طبيعة الاستخلاف لك.. أنت خليفته في هذه الأرض..
وتابع السيد أنت كإنْسَان مسلم يربيك القرآن الكريم ويعلمك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى أن تنطلقَ من منطلقات أَكْبَــر وأَكْثَــر أهميّة وواقعية ولها تأثيرٌ كبير جِـدّاً عليك.
وأردف قائلا: إذا وجه الإنْسَان على الفطرة التي فطره الله عليها توجيهاً صحيحاً يستفيد منها بشكل كبير حال أدخلها ضمن حسابات أَكْثَــر صحة وسلامة من الحسابات غير الدقيقة أَوْ الحسابات المحدودة.
وأستطرد قائلا أن من نعم الله على الإنسان سعة علمه ورحمته ومراقبته ونعمه التي أسبغها علينا للنهوض بمسؤوليتنا التي تتمثل في عبادته وطاعته.
وفيما يلي تنشُـرُ “الثورة” نَصَّ المحاضرة:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَـلِكُ الحَـقُّ المُبِيْن، وأشهَدُ أن سَيِّـدَنا مُحَمَّــداً عَبْـدُه ورَسُــوْلُه خَاتَمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إِبْـرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْـرَاهِيْمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ المنتجَبين وعَنْ سَائِرِ عِبَادِك الصالحين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ.. السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه، وتقبَّلْ اللهُ منَّا ومِنَّكُمُ الصِّيَامَ والقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعْمَال، إنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء.
قبلَ أن ندخُـلَ في موضوعنا فإننا أوّلاً نستنكرُ ونشجُبُ الاعتداءاتِ الإجْـرَامية التي استهدفت الشعبَ العراقيَّ المسلمَ الشقيقَ في كربلاء وبغداد.. ونتوجَّهُ بالعزاء والمواساة لأسر الشهداء، ونَسْأَلُ اللهَ الشفاءَ للجرحى والنصرَ لشعوبنا المظلومة في التَّصَـدَّي لقوى الشر التي تحَـرّكها أيادي العَمَالة في المنطقة بإيعاز وتوجيه وحماية أَمريكية وإسرائيلية، ونرى في كُلِّ جريمة جديدة ومشهد دمويٍّ مستجد شاهداً على حقيقة قوى الشر الدولية والإقليمية وفضيحةً لها ودليلاً على سوئها وسوء أَهْـدَافها وخطورة أجندتها ومؤامراتها وعامل استنهاض لشعوبنا التي تحتِّمُ عليها المَسْؤُولِيَّـة أمامَ الله وتجاه نفسها ألا تألو جُهداً في الدفاع عن نفسها وفي التَّحَـرّك الجاد الواعي لمواجهة التحدّيَّات والتحمُّل للمَسْؤُولِيَّـة بالاستعانة بالله تعالى وهو خيرُ الناصرين.
موضوعُنا اليومَ له علاقة مهمّة بمَسْأَلَـةِ التقوى وتحقيق التقوى، نحن أَيُّهَا الإِخْوَةُ والأخواتُ في هذه الحياة في واقعنا العملي وفي واقع حياتنا وتعاطينا مع كُلّ المستجدات من حولنا، الإنْسَانُ يتحَـرَّكُ في واقعه العملي على أساس ثلاث اعتبارات مهمة ومؤثرة في كُلّ أعماله وتصرفاته وسلوكياته.
أولها: الدافع، الإنْسَانُ دَائماً حينما يعمَلُ عملاً أَوْ يقول قولاً أَوْ يتحَـرَّكُ تحَـرُّكاً أَوْ يتصرف تصرفاً سبق ذلك دافعٌ في نفسه، هذا الدافع قد يكون دافعاً غريزياً بالغريزة قد يكون دافعاً إنْسَانياً بضميره الإنْسَاني وفطرته الإنْسَانية قد يكون دافعاً كذلك إيْمَـانياً منطلقاً من حالة إيْمَـانية بغض النظر عن صحّة هذا التَّصَـرَّف من عدمها، لكن كدافع هذه قد تكون أبرز الدوافع، الدوافع الغريزية الدوافع الإيْمَـانية الدوافع الإنْسَانية.
العاملُ الثانيُّ هو عاملٌ أَيْضاً مُهِمٌّ وكبيرٌ وأساسيٌّ وبالنسبة للإنْسَان ولازمٌ، هو: القدرة، إذا امتلك الإنْسَان القُدرة مع الدافع، القدرة على تصرُّف معين أَوْ على فعل وعمل معين فيفعل، وإلا قد يكونُ لدى للإنْسَان دافعٌ لأعمال كثيرة أَوْ تصرفات ولكنه لا يمتلك القُدرةَ المباشرة أو القُدرة اللازمة التي هي عبارةٌ عن إمْكَانات معينّة أَوْ ما شاكل ذلك والقدرة هي أمر لازم للفعل وللتصرف.
العاملُ الثالثُ الذي يُحسبُهُ الإنْسَانُ ويؤثِّرُ في تصرُّفاته وأعماله وسلوكياته: النتائج، الإنْسَانُ يحسب حسابَ النتائج المترتبة على فعل معين أَوْ تصرف معين أَوْ كلام معين، وهذه النتائجُ في حسابات الإنْسَان قد يلحظ فيها الجانب الإيْجَـابي فيما يتحقق له من وراء هذا التَّصَـرَّف أَوْ هذا المسعى أَوْ هذا الكلام وفيما يرضي أَوْ يلبي من خلاله رغبةً نفسيةً أَوْ نتائجَ تتحقق له ومطالب ورغبات أَوْ يحسب حساب الجانب السلبي في التَّصَـرَّف أَوْ في الفعل أَوْ في الكلام إلى آخره.
هذه النتيجة السلبية والسيئة التي هي انعكاسٌ لعمله أَوْ لكلام قد يحسب حسابَها في ألا يفعَلَ أَوْ في أن يفعَلَ أَوْ أن يفعلَ ويلحظ اعتبارات معينة واحتياطات معينة، ولكن الإنْسَان يحسب حسابَ النتائج، قد تكون هذه النتائج السلبية التي حسب حسابها منها ما يَمُـسُّ به في واقعه الاعتباري والمعنوي بما يَمُـسُّ بشخصيته باحترامه بكرامته بعَرْضِه بشَرَفِه بأهميته بقيمته المعنوية أَوْ ما يَمُـسُّ به في حياته أَوْ في شأنه المادي في نفسه أَوْ في ممتلكاته أَوْ غير ذلك.
فالإنْسَانُ بهذه الثلاثة الاعتبارات، الدافع وكذلك القدرة وكذلك النتائج يتحَـرّك، ولهذه العوامل الثلاثة تأثير مؤكد على تصرفاته وعلى أعماله.
تفاوُتُ الناس في التعاطي بمَسْؤُولِيَّـة
ونحنُ في واقع هذه الحياة نتفاوَتُ في مدى تعاملنا المسؤول وتصرّفنا الواعي وانضباطنا، يكون الإنْسَان في واقعه العملي في كلامه في تصرفاته في أعماله واعياً ومسؤولاً ويتعامل بحساب صحيح للأمور وباعتبارات، نتفاوت.. يعني الدافع في مستواه وفي طبيعته له علاقة بهذا القُدرة لها علاقة حتى القدرة على الانضباط والتعاطي بمَسْؤُولِيَّـة وحساباتنا للنتائج تختلف من شخص إلى آخر، ومن هنا إلى هناك، وينتج عن ذلك التفاوت في الواقع العملي والسلوكي بين إنْسَان على درجة عالية من المَسْؤُولِيَّـة في كلامه في تصرفاته في أعماله، وبين إنْسَان لا بأسَ على درجةٍ لا بأسَ بها من المَسْؤُولِيَّـة في تصرفاته وفي أعماله، وبين إنْسَان منفلت إلى حَـدٍّ ما وغير منضبط ومستهتر في كلامه وفي مسؤولياته وهكذا.
للدافع النفسي تأثيرٌ كبيرٌ في ترتيب الأولويات لدى الإنْسَان
الثلاثةُ العواملُ نفسُها مَثَـلاً الدافع النفسي له أَيْضاً ارتباطٌ كبيرٌ بما يحكمك كإنْسَان في مشاعرك في وعيك في قيمك في أَخْـلَاقك في اهتماماتك في هذه الحياة وكذلك حساباتك للنتائج لها أَيْضاً ارتباط بمدى وعيك مدى فهمك مدى اهتماماتك مدى إدراكك مستوى أَخْـلَاقك، الرصيد الذي تمتلكُه في نفسك الرصيد الإنْسَاني الرصيد المعرفي الرصيد القيمي والأَخْـلَاقي لها تأثيرٌ كبيرٌ جِـدّاً في الاعتبارات والعوامل الثلاثة المؤثِّرة.
مدى الاستشعار للرقابة الإلهية
هناك موضوعٌ في غاية الأهميّة يؤثر في كُلّ هذه الاعتبارات بكلها ويساعدُ إلى حَـدٍّ كبير جِـدّاً على استقامة الإنْسَان وتحَـرّكه المسؤول في هذه الحياة وتحَـرّكه الواعي في هذه الحياة بما يترتب على ذلك من نتائجَ إيْجَـابية ومهمة لهذا الإنْسَان وبالذات نحن كمسلمين أنت كإنْسَان مسلم، هذه المَسْأَلَـة في غاية الأهميّة لها أهميّة القصوى في الاستقامة في تأمله كإنْسَان مسلم من أن تتوفَّقَ لتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى ولمرضاة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى للفوز بما وعد سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى وللوصول إلى ما وعد الله به سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى وللنجاة من عذابه وسخطه وانتقامه في الدنيا والآخرة.
الموضوعُ هذا هو موضوعُ الرقابة الإلهية ومدى الاستشعار للرقابة الإلهية، هذا موضوع في غاية الأهميّة أعطاه القرآن الكريم مساحة واسعة وتحدث عنه بحديث مؤثر ومتنوع ويرتبط به في تدبير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى مع هذا الإنْسَان وفيما خلق عليه هذا الإنْسَان وفيما رتب عليه شئون هذا الإنْسَان في الدنيا والآخرة ترتبط به تدابير مهمة وإجراءات مهمة من جانب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى من أهم ما يجب أن تعيَه كإنْسَان أنَّك في هذه الحياة لست وحدك ولا يجوزُ لك ولا ينبغي لك أبداً أن تنطلقَ في ميدان الحياة وفي واقع الحياة غافلاً عن أهم مَسْأَلَـة، عن مصدر وجودك من أين؟ وعن مَعَادك إلى أين؟ وكأنك وُجدت هكذا فلتة في هذه الحياة فلم تشعر إلا وأنت موجودٌ في هذا الكون وفي هذا العالم، ثم صرت تتعاطى باعتبارات وحسابات هي في حدود ما أمامك في هذه الحياة وما تلامسه في هذه الحياة وهذا للبعض يعني مَثَـلاً البعضُ منا سيحسب حسابَ واقعه ومحيطه الذي ينعكس عليه في هذه الحياة ويرتبط به في هذه الحياة، إذا هو مَثَـلاً شخصية اعتبارية ومهمة وذو طموح ويحرِصُ على قيمته المعنوية فسيكونُ له انتباهٌ في جميع تصرفاته لكن في حدود أن لا تظهرَ أمام الآخرين، أن لا يرى الآخرون منه ما يَمُـسُّ بقيمته المعنوية لماذا؟؛ لأنه إما شخصية سياسية أَوْ وجاهة اجتماعية أَوْ إنْسَان حسّاس على قيمته المعنوية، يعني إنْسَان يحرِصُ أن يكونَ طيبَ السمعة ومقبولاً لدى الرأي العام ومحترماً لدى الآخرين، هناك الكثير جِـدّاً من البشر هذه فطرة يعني هذا في أصله أمر طبيعي جِـدّاً؛ لأنه فطرةٌ فطر الله الإنْسَان عليها، وإذا وجه الإنْسَان هذه الفطرة توجيهاً صحيحاً يستفيد منها بشكل كبير إذا أدخلها ضمن حسابات أَكْثَــر صحة وسلامة من الحسابات غير الدقيقة أَوْ الحسابات المحدودة، البعضُ من الناس قد يكونُ انضباطُه في هذه الحياة والتزامُه فيها وتعاطيه المسؤولُ فيها في حدود المخاوف النفسية والأمنية، يعني عبد عصا، بعض من الناس عبد عصا سينضبط بقدر ما يخاف الأشياء التي يتوقع أن يطاله سوط عليها، عقوبات عليها قد تسبب له أن يسجن أَوْ يقتل أَوْ يعاقب أي عقاب معين أَوْ يطاله بسببها إجراءاتٌ ومضايقات في هذه الحياة ومعاناة في هذه الحياة أَوْ يخسر بسببها من ممتلكاته، فيمثل هذا زاجراً له وعاملاً يدفعه إلى أن ينضبطَ بالقدر الذي لا يعرضه لهذه الإجراءات من الجهات التي يحسب أنه قد يطاله ذلك منها، دولة مَثَـلاً هو في بلد في دولة أَوْ جهات معينة لها سطوة لها نفوذ لها حضور يمكن أن تطاله بشيء، فيبقى في حدود ما يخاف وما يتوقع منضبطاً وملتزماً، الأشياء التي قد لا تتوقعُ ولا تدركها تلك الجهات أَوْ لا تطلع عليها، لن يُباليَ سيتصرف بدون أي حرج طالما أنه إما لا يخاف من تلك الجهات شَيئاً نتيجة لأعماله وإما أنها قد لا تدرك ولا تعرف بما فعل وتصرف، فتتفاوت حالة الالتزام لدى الناس في هذه الحياة.
أنت كإنْسَان مسلم يربيك القرآن الكريم ويعلمك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى أن تنطلقَ من منطلقات أَكْبَــر وأَكْثَــر أهميّة وواقعية ولها تأثيرٌ كبير جِـدّاً عليك، أنت لستَ في هذه الحياة لوحدك، ولست حتى ملك نفسك أعرف هذا، الذي أتى بك إلى هذا الوجود الذي خلقك وفطرك وأتى بك لهدف، وجودُك في هذه الحياة هو وجود هادف، له هدفٌ، له غايةٌ وله اعتبارٌ هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى أنت عبدٌ لله أنت ملك لله سُبْحَانَهُ وهو عندما خلقك وفطرك وأوجدك ووهبك الحياة ووهبك ما وهبك وما زوّدك به من إمْكَانات وقدرات ذاتية كالسمع والبصر والفؤاد والقدرة الجسمية والبدنية والذهنية والمعنوية والطاقة والقدرة على الفعل في حدود ما منحك وأعطاك، وفي حدود ما هيّأ وسخّر لك ككائن في هذا العالم كإنْسَان ما سخّر لك في السموات والأرض من نِعَمٍ وخيرات وعطايا ومواهبَ وقدراتٍ وإمْكَانات متنوعة تلبي جوانب كثيرة من حياتك وتغطي كُلّ احتياجاتك الإنْسَانية ثم تستفيدُ منها وتتقلبُ فيها وتنتفع بها بأشكال كثيرة جِـدّاً جِـدّاً من أشكال الانتفاع وجوانب الانتفاع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى هو رقيب عليك هو حاضرٌ هو شاهد عليك في هذا العالم وفي هذا الوجود، ليست المَسْأَلَـة أنه خلقك وفطرك ككائن متميز في هذا الوجود بين مختلف المخلوقات والأصناف والدواب ثم أعطاك أنت ميزةً فيما بينها أن حمَّلك المسئولية الكبرى في هذا العالم أن سخّر لك السموات والأرض وما في السموات وما في الأرض، أن أعطاك من القدرة البدنية والذهنية والإمْكَانات والقدرات الإبداعية ما يخوِّلُك القدرة على التَّصَـرَّف في كثير مما خلق في هذا العالم، ثم يتركك في ميدان هذه الحياة لتتصرف كما يحلو لك وأنت المخلوق الذي لتصرفاته تأثيراتٌ ونتائجُ وانعكاساتٌ شاملة على مستوى ما في البر والبحر، اللهُ جَلَّ شأنه قال في كتابه الكريم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) أيدي الناس، فليست المَسْأَلَـة أن اللهَ سيتركُك في هذه الحياة تتصرف كما يحلو لك وتعمَلُ ما ترغَبُ به لا تُبالي بأي شيء وتعمَلُ ما تشاءُ وتريدُ لا.
التسخيرُ والتمكينُ ترتبطُ بهما مسئولية
لاحظ مسألتُك حسّاسةٌ كإنْسَان حساسة جِـدّاً في إطار التدبير الإلهي وملك الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى، يعني لو أن الله فعل ذلك يخلقك كإنْسَان أعطاك ميزة في هذا العالم وهبات عجيبة جداً، وقدرات على التَّصَـرَّف في محيطك العالمي فيما في الأرض ففيما السموات وما في الأرض وفيما بين السماء والأرض ومنحك قدرة واسعة وإمْكَانات عجيبة وتسخير واسع (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) هذا كله هذا التسخير كله، هذه الرعاية الواسعة جِـدّاً جدا هذا التمكين العجيب لك كإنْسَان هذه السعة العجيبة في حياتك وفي شئون ومجالات حياتك، ثم لا يكون من ورائها شيءٌ هادف ولا ترتبط به مسئولية ولا ترتبط بها ضوابط ولا إجراءات ولا حساب ولا جزاء لكانت هذه المَسْأَلَـة تَمُـسُّ بالله تَمُـسُّ به في حكمته لأعتبر غير حكيم كيف يخلق هذا العالم العجيب الكبير بكل ما فيه من أصناف لا تحصى ولا تعد، ويقدم هذا العالم بكل ما فيه، مسخراً ونافعاً ومفيداً لهذا الكائن، الإنْسَان أنت مستفيدٌ من كُلّ ما في هذا العالم، ما في الأرض وهو أصناف كثيرةٌ جِـدّاً أصناف عجيبة جِـدّاً (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، لهذه الدرجة لا تقدر أنت كإنْسَان الله وحده فقط من يحصي ومن يقدر أن يعلم بعديد كُلّ ما يمكن أن تنتفع به وأن تستفيدَ منه، أما أنت كإنْسَان فأنت لا تحيط، تتصور، لا تحيط ولا تحصي مقدارَ هبات الله لك وعطايا الله لك ومقدرا كُلّ الأشياء التي فيها منفعة لك في هذا الوجود وهذا العالم حتى أن هناك أشياءَ كثيرةً خفية عنك.. أنت تستفيد منها وتنتفع بها في الوقت الذي لا تدري ولا تعرف ولا تدرك.. ويوماً إثر يوم يكتشفُ البشرُ بما خوّلهم الله من قدرات وطاقات واكتشافات علمية يكتشفون أشياء كثيرة في هذا العالم ينتفعون بها وأحياناً يكتشفون مقدار المنفعة في نعمة معينة حتى على مستوى غذائنا نأكُلُ رغيفَ الخبز ندرك كمعلومة أولية أن هذا يلبّي احتياجاتنا الجسدية يوفر لنا طاقةً جسمية وقدرات جسمية ويسد الجوع عندنا كحاجة غريزية.. لكن جاء العلم الحديث ليكتشفَ كم أودع الله في حَبّة القمح من عناصر غذائية من عجائب من منافع لجسمك.. ثم يأتي علماء التغذية ويأتي الخبراء وبعد دراسات واكتشافات ليقدموا لك قائمة طويلة عريضة من هذه المنافع.. فإذًا فيما أودع لنا اللهُ في هذا العالم من منافعَ عجيبةٍ ومن قدرات وإمْكَانات وعطايا ومواهب ومنافع أمور لا نقدر على إحصائها.. عبثاً للا شيء!! لكي تتصرف كما يحلو لك!! لكي تتحَـرّك في هذه الحياة بدون أية مَسْؤُولِيَّـة.. لا.. لكانت المَسْأَلَـة تَمُـسُّ بحكمة الله ولهذا يقول (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) تعالى الله الملك الحق لا يليق به أن يخلقك ثم يميزك في خلقك ميزك في خلقك كإنْسَان.. وهو القائلُ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أحسن تقويم وأحسن خلقة وأحسن تركيب هي خلقة الإنْسَان خلق الإنْسَان في أحسن تقويم.. ثم جعله متميزاً عن سائر المخلوقات في سعة حياته.. سعة مجالات حياته.. سعة شؤون حياته.. ثم في البيان والإعراب والقدرة على النطق والحديث والتعبير والسعة في ذلك لتتسع مع اتساع حياته وشؤون حياته والمنافع له في هذا الكون.. هذا الكون هذه الأرض بكل ما فيها والسماوات بما سخر فيها لهذا الإنْسَان.. وما أودع في هذا العالم ينتفع به الإنْسَان مما قد أدرك ومما لم يدرك.. مما قد لمسه ومما لم يلاحظه ولم يدركه ولم يصل إليه علمه بعد.. ليس عبثاً.. اللهُ حاضرٌ على هذا الخلق وهذا الكون وهذا العالم وهذا الإنْسَان وهو قد حملك مَسْؤُولِيَّـة.. مَسْؤُولِيَّـة كبيرة.. بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ) مَسْؤُولِيَّـة كبيرة بهذا القدر من المستوى.. اللهُ خوّلك ومكّنك لأن تكون مسؤولاً في هذه الحياة بما ليست السماء مسؤولة عنه ولا الأرض مسؤولة عنه ولا الجبال مسؤولة عنه.. أي جبل قد تذهبُ أنت كشخص إلى جبل معين فكيف تكون أنت عند هذا الجبل.. جزاء صغيراً وكائناً بسيطاً في أسفل هذا الجبل أَوْ في أعلاه أَوْ وأنت تصعد فيه.. أنت لا تساوي في وزنك صخرة واحدة من صخور هذا الجبل.. أما على مستوى الأرض بكلها والجبال بكلها والسماوات بكلها فكيف؟! ولكن اللهُ منحك من المدارك من الهبات من القدرة النفسية الذهنية المعرفية من الوسائل ما تكونُ به أقدرَ على المَسْؤُولِيَّـة.. وما تكون به مسؤوليتك أَكْبَــر من الجبال بكلها من الأرض بكلها في بحرها وبرها.. من السماوات.. مسؤول أعطي ملكة المَسْؤُولِيَّـة قوة المَسْؤُولِيَّـة مداركُ هذه المَسْؤُولِيَّـة.. كُلّ الخصائص اللازمة لتحمل هذه المَسْؤُولِيَّـة.
الإِنْسَانُ مُحَاطٌ برقابة الله الدائمة
اللهُ حاضرٌ شاهدٌ رقيبٌ عليك.. ليس بغافل عنك أبداً.. أحاطك على الدوام برقابته الدائمة عليك.. كيف ستتصرف.. كيف ستعمل.. وأنت المخلوق العجيب في مخلوقاته والمخلوق الأَكْبَــر مَسْؤُولِيَّـة في هذا العالم بما سخر لك وفي طبيعة الاستخلاف لك.. أنت خليفته في هذه الأرض.. إني جاعلٌ في الأرض خليفة.. كيف يغفل عنك؟؟ يسخر لك ما في السماوات وما في الأرض يعمل لك كُلّ شيء.. يخلقك بهذا الإبداع وهذا الإتقان ثم يغفل عنك ويتركك.. لا.. أحاطك برقابته الدائمة.. والآن نتحدث على ضوء بعض النصوص القرآنية في هذا الموضوع.. يجب أن تستشعر أن الله لا يغفل عنك ولا لحظة واحدة.. لا في ليل ولا في نهار ولا في أي واقع أنت فيه ولا في أي مكان أنت فيه أنت في كُلّ لحظة تحت رقابته الدائمة.. يراك ويعلم بك ويسمعك ولا يخفى عنه شيء من شأنك.. ولا يشغله شيء عن ذلك.. لا يشغله شيء عن ذلك.. تدبيره لكل شؤون السماوات والأرض عمله الدائم جل شأنه خلقه المتكرر وما يقوم به وهو الحي القيوم.. تقديره لشؤون السماوات والأرض عمله الدائم جل شأنه خلقه المتكرر وما يقوم به وهو الحي القيوم في السماوات وما في الأرض.. لا يشغله شيءٌ من ذلك عن إدارة هذا العالم هذا الكون بكله وكل ما فيه لا يشغله شأن من ذلك أبداً على الرقابة الدائمة عليك.. فهو يراك على الدوام يعلم بك على الدوام يسمعك دائماً وأبداً ورقابته كاملة.. (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) لا أنت ولا غيرك ولا كُلّ ما في هذا العالم.. هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء.. هو الذي كان يعلم بك وأنت في رحم أمك في تلك الظلمات في ذلك المكان الخفي.. صورك هناك كان يراك وأنت هناك.. ويراك وهو يصورك ولم تكن هناك مخفي عليه ولا مختفياً عنه.. أبداً.. هو الذي يصوركم في الأرحام ويمنح كُلّ كائن بشري الصورة التي يقرر أن تكون صورة له ويخرج الى هذه الحياة له ملامحه له شكله له صورته التي يتميز بها عن كُلّ البشر من حوله عن كُلّ الناس من حوله.. وشخصيته المتميزة عن كُلّ الناس من حوله.. الذي صورك وأنت مختفياً هناك في ذلك المكان الخفي وأعطاك الصورة التي تميزك عن غيرك من البشر عن كُلّ الناس من حولك هو يراك فيما بقي من حياتك.. (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).. (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ).. رقابة مباشرة منه ولا يخفى عليه حتى خيانة اللحظة التي لحظت بها بطرفك بعينك فنظرت بها نظرة الحرام ونظرة الشهوة الحرام إلى حيث لا يحل لك.. هو علم بك في تلك اللحظة يوم حدت بنظرك يوم حدت بعينك لم يخف عليه ذلك.. وما تخفي الصدور وما أنت تخفيه في أعماق نفسك وفي داخل قلبك وصدرك.. قد خفي على الناس من حولك قد تكون في مجلس وقد تكون في مجمع وقد تكون حاضراً لدى الآخرين وكلهم يراك سيعلمون ما تقول عندما تنطق ويسمعونك وسيدركون تصرفاتك إذا شاهدوها بأم أعينهم.. لكن قد تخفي في نفسك وفي صدرك وفي أعماق قلبك أشياء أخرى كُلّ منهم لا يدي ما وراء هذا القفص الصدري بلحمه وعظمه وجلده وما عليه يغطي على الناس كُلّ شيء.. لكن الله رقيب عليك في ذلك.. ينفذ بعلمه ورؤيته وإدراكه جل شأنه إلى أعماق نفسك وخفايا نفسك.. فهو واضحٌ أمام الله وليس خفياً عليه أبداً.. يقول جل شأنه ولقد خلقنا الإنْسَان ونعلم ما توسوس به نفسه ونعلم ما توسوس به نفسك في اللحظات التي أنت توسوس ونفسك فيها توسوس وتختلج في نفسك إلا قامة بعمل السوء والتوجه والرغبة والميل نحو ما هو معصية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى في تلك اللحظات التي لازالت فيها الإرادة تتحَـرّك في أعماق نفسك نحو العمل فالله يعلم بك قبل أن تعمل وقبل أن تقول وقبل أن تتكلم وقبل أن تتصرف هو يعلم ما يدور بخلدك ماتهم به في نفسك ما توسوس به وتفكر فيه ويعتمل فيك في داخل نفسك لتفعله قبل أن تفعله فاحسب حساب الله في تلك اللحظات إذا أنت لوحدك أَوْ أنتِ أختي المؤمنة وأنت تفكر وأنت توسوس وفي نفسك وفي خيالك تعتملُ الأفكارَ والوساوسَ والرغبات نحو فعل معين أَوْ تصرف معين احسب أَوْ احسبي حسابَ الله أنه يعلم أنه يراقبُ أنه ليس غافلاً عنك في تلك اللحظة أَوْ في تلك الحالة؛ أَيْضاً فيما يحمله الإنْسَان من حقد بغير حق على آخرين أَوْ من محبة لباطل أَوْ مبطلين أَوْ فيما يخفيه في نفسه أَيْضاً من إرادة وتوجهات سيئة هناك عقائد سيئة قد يخفيها الإنْسَان أَوْ سوء ظن مَثَـلاً قد يخفيه الإنْسَان ويتشبث به الإنْسَان ويعتمد عليه الإنْسَان تجاه الآخرين هناك أعمال نفسية أعمال قلبية مستودعها خفايا النفس وأعمال القلب وفي داخل الوجدان والمشاعر لا يراها الناس ولا يدركها الناس قد تمر بإنْسَان وقلبك ممتلئ حقد عليه قد تظهر له بشاشة الوجه وتخفي في نفسك الحقد الشديد عليه وقد يكون حقداً بغير حق وبدون مسوغ لكن الله يعلم ما في قلبك من الحقد وما قد ينتج عن ذلك الحقد من تصرفات وهكذا أشياء نفسية أشياء قلبية هي مخفية عن الناس لها تأثيرها في واقعك العملي في تصرفاتك وفي أعمالك وفي أقوالك لكن الله يعلمها (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) اللهُ أقربُ إليك حتى من حبل الوريد الذي في عنقك هو قريب منك بدرجة أنه مطلع بشكل مباشر على الخفايا في نفسك وعلى ما توسوس به وعلى ما يدور به التفكير في نفسك من الداخل، فاحسب حساب الله ولا تظن أنه غافل عنك هو يقول جل شأنه (وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ).
ترسيخُ الحياء من الله
على المستوى الفردي على المستوى الشخصي الله دائم الرقابة عليك دائم الشهود والحضور عليك ولك وفيما تعمل وفيما تفكر وفيما تتصرف وكذلك على المستوى الجماعي ما تعمله أنت لوحدك وما تعمله مع الآخرين وما يعمله الجميع الله شاهد على ذلك غير غافل وغير غائب، لا ليس غافلاً وليس غائباً ولا تعملون من عمل أي عمل مهما كان هذا العمل قليلاً أَوْ كثيراً كبيراً أم صغيراً وفي أي ظرف وفي أي مكان وفي أي واقع ولو كان مستوراً ولو كان داخل غرف مغلقة ولو كان في قصور أَوْ في وديان أَوْ في أي مكان أي مكان إلا كنا عليكم شهوداً، فاللهُ حاضرٌ على الدوام لا يغيب أبداً لا يغيب نهائياً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض لا يغيب عنه أبداً ولا حتى مثقال الذرة هو شاهد على كُلّ مخلوقاته على الدوام هي واضحة أمامه في كُلّ جزئية منها على المستوى العام وفي كُلّ الجزئيات والتفاصيل شهوده شهودُ دائمون وعلمه علم دائمُ وهو يراها ويسمعها دائماً لا ليل ولا ظلمة تستر منه ولا جدران ولا حائط يخفي عنه ولا أي شيء ولا هناك قدرات ولا يمكن تمويه، تعملك تمويه عن البارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) أَيْضاً كلهُ مؤثق وعلمٌ ثابتٌ ليس علماً عارضاً إلى سنة كذا كذا ثم نسي لا علم ثابت لا يفقد لا يغيب لا ينسى أبداً، فأولاً هذا الإجراء الله أحاطك كإنْسَان برقابة مباشرةً منهُ جل شأنه وهنا ما أحوجنا كمسلمين أن نرسِّخَ في أنفسنا أولاً الحياء من الله، الحياء من الله لاحظوا يا إخوة ولاحظن يا أخوات مثلاً الإنْسَان في قيمته المعنوية قد يتحرج من الناس بحسب اعتبارات معينة مثلاً إذا هناك إنْسَان مهم عندك إنْسَان تحترمه إنْسَان تُجله لمقامه لكماله أَوْ لقيمته المعنوية لهُ شأن لهُ اعتبار قد تستحي منه قد تكون أَكْثَــر حرجاً من أن يطلع على بعض تصرفاتك السيئة أَوْ تصرفاتك المسفة التي تفقدك قيمتك واحترامك واعتبارك قد تستحي من ذلك الشخص أَوْ من جهة معينة أَوْ طرف معين بأهميته وقيمته وكماله ومدى احترامك لهُ كلما كنت تحترمهُ أَكْثَــر كُلّ ما استحييت أن يعرف منك على خفاياك أَوْ تصرفاتك السيئة أَكْثَــر أَيْضاً بحسب المخاوف فالإنْسَان قد يخاف من أن يطلع من يمكن أن يحاسبهُ على ذلك التَّصَـرَّف؛ لأنهُ مثلاً يعرف إن أطلع عاقبهُ ويقدر على أن يعاقبهُ على ذلك فقد يكون هذا دافعاً لهُ إلى أن ينتبه لتصرفه.
الملاذُ بالله من مِحَنِ الحياة وأوجاعها
نحن بحساب الحياء من ربنا العظيم الله ملك السماوات والأرض بكماله وجلاله وعظمته كمالهُ العظيم إذا أنت قد تستحي من شخصية معينه أنهُ مثلاً شخصية علمية باعتباره عالماً كبيراً أما هذا فهُو الله العليم بكل شيء من لا يمكن أن تدخل في أي مقارنات أَوْ حديث في الحديث عن علمه في علمه المحيط بكل شيء أي علم لدى الآخرين لا يساوي شيئاً في أي شيء أَوْ في قدرته في ملكه في كُلّ ما يعبر عن الكمال والجلال والعظمة والأهميّة والاعتبار المعنوي الله جل شأنه ألا نستحي ألا نخجل منه وهو المطلع والرقيب علينا في كُلّ ما نعمل وفي كُلّ تصرف وفي كُلّ اللحظات وفي كُلّ الأوقات وفي كُلّ الأماكن بحساب نعمه ورعايته هو المنعم علينا في كُلّ النعم من لحظة خلقنا ومن قبل ما يخلقنا، نعمه كانت قائمة في هذا الوجود الذي هيأه لك قبل أن يأتي بك إليه، أنعم عليك حتى قبل الوجود بما هيأ لك في هذا الوجود، وهيا الشيء العظيم وأنعم النعم العظيمة الكبيرة الشاملة، هذا المنعم الكريم الرحيم العظيم الذي وهبك الحياة، الذي كُلّ النعم منه كُلّ ما بك من نعمة وكل ما وصلك في هذا العالم من خير وكل ما يصل إليك في كُلّ لحظة إنما هو منه ولو حتى وصل عبر آخرين إنما هو منه (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) ثم هو، هو الذي أنت دَائماً كلما نابتك شدةٌ وكلما طالك كرب، وكلما تعرضت لأخطار وكلما ضغطت عليك ضغوطُ هذه الحياة ومحنُها وأوجاعُها هو وحدَه الذي ترى فيه الملاذ الذي تلوذ به الذي تلتجئ إليه، الذي تضرع إليه (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، كُلّ ما أنت متقلب به في هذه الحياة من النعم، من واقعك الشخصي إلى كُلّ ما في هذا الوجود حتى من الشمس، وحتى النجوم والقمر، وحتى من خيرات الأرض، مما في السماوات ومما في الأرض، وحتى ما تنعم به شخصيا، كُلّ الخير الواصل في هذا العالم إليك، وما في جسدك من سمع وبصر ونعم، كُلّ هذا الخير هو منه، (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، ثم كذلك عند المحن عند الآلام، عند الأوجاع، عند التحديات، عند الأخطار عند الهموم، إلى من تلجأ، إليه، يا الله، إذا أنت مرضت وأحسستَ بالأوجاع التي تهدد حياتك تضرع إليه، إذا ضغطك الفقر والعناء في هذه الحياة تضرع إليه، إذا انتابتك المخاوف والتهديدات تضرع إليه، تلجأ إليه، لماذا تسيءُ إليه؟ لماذا لا تستحي منه؟ لماذا تتجرأ على معصيته أَوْ التجاهل له؟ قد تفكر بالآخرين، قد تحسب للآخرين ألف حساب، وتحرص على ألا يطلعوا منك على كثير من التصرفات، ومن هم، من هم هؤلاء الذين أنت تتحرج وتنتبه وكيف لا يعرفون، كيف لا يعرف بما عملت أَوْ تصرفت أَوْ أخطأت أَوْ تجاوزت، تبالغ في التحرج منهم وفي التخفي فيما قد تتجاوز به أَوْ تسيء به عنهم ومنهم ثم لا تحسب حساب الله، ثم تستهتر بالله، ثم لا تبالي بالله، وأنت ذلك المخلوق السخيف الذي بالى بالآخرين وحسب حساب الآخرين إلا الله لم تحسب حسابه، ما أسوأك، ما أحقرك، ما أسوأ تنكرك لنعمه لكماله، لعظمته لرعايته، وستأتي إذا انتابتك الأوجاع، وكأنك لم تسئ إليه أبداً، حتى بدون استذكار لما قد أسأتَ به في الماضي إليه، تأتي وكأنك ذلك الذي لم يسئ قط، فتقول: يا الله اعمل لي كذا وافعل لي كذا، يا الله اشفني، يا الله ارزقني، يا الله أعني، يا الله ادفع عني، يا الله مُنّ علي، يا الله هب لي، وقد تزعل قد تغضب قد تستاء؛ لأنه لم يعجل لك بالاستجابة وكأنك ذلك الذي لم يسئ قط إلى الله، وليس لأنك ذلك الذي هو قليل الحياء كثير التجاهل لله، كثير الغفلة عن الله، كثير اللامبالاة أَوْ تكاد تكون لا مبالاة بحق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى، فنحسب حسابَ الله، هذا الذي يفرضه علينا إيْمَـاننا أن نحسب حسابه، حساب الحياء منه، الحياء منه في كماله وعظمته وجلاله والحياء منه كمنعم كريم، كُلّ الخير وصل إلينا منه، وكل ما بنا من نعمة فمنه، وإليه نلجأ وإليه نعود وإليه نضرع عند كُلّ النوائب والشدائد وعند كُلّ الكروب والمحن وفي كُلّ الاحتياجات، احتياجاتك منه، وأحسب حساب هذه المَسْأَلَـة، كُلّ احتياجاتك منه، حياتك بيده موتك بيده، رزقك بيده، مصيرك إليه، هو الذي يكتب لك ويقدر لك ما شاء وأراد في هذه الحياة، أنت تتقلب في هذا الوجود في قبضته وتحت سيطرته وتحت سلطانه، لماذا لا تحسب هذا الحساب؟ كيف تغفل عن هذه المَسْأَلَـة مع كُلّ ما لها من الأهميّة والاعتبار.
الإنسانُ في حالة رصد دائم وعملية توثيقية مستمرة
ثم مع ذلك، مع رقابته المباشرة والدائمة التي تنفذ إلى واقعك بكله وإلى خفايا نفسك وإلى داخل صدرك، أرفق إجراءات كثيرة رقابية، رقابة ملائكته أيضاً، وهذه من الأشياء التي ينساها الكثير من الناس نسياناً تاماً، ويغفلون عنها غفلة عجيبة، ما من إنْسَان منا في هذه الحياة إلا وقد أوكل الله له ملائكة من ملائكته، يبقون معه على الدوام، ويراقبون كُلّ تصرفاته على الدوام، ليكونوا أَيْضاً هم شهوداً عليه، وليوثّقوا عملية توثيقية لكل تصرفاته لكل أعماله لكل أقواله، كلها موثقة، إجراءات توثيقية، كُلّ إنْسَان منّا محاط، ليس فقط ذلك الذي يظهر أمام الميكرفونات، ليقيم مَثَـلاً مؤتمراً صحفياً، فالكل يوثق، هناك عددٌ كبيرٌ من الكاميرات التي تصوّره والمكرفونات التي تنقُلُ صوتَه ليوثقوا موقفه الذي سيعلنه أمام العالم، لا، كُلُّ إنْسَان هو في مؤتمر صحفي منعقد على طول، طول حياته، منذ بداية التكليف والمَسْؤُولِيَّـة، منذ أن تدخل مرحلة التكليف، أصبحت في حالة رصد دائم، أحاطك الله بملائكة موكلين بك، مهمتهم الدائمة طول وجودك وما دمت في موقع المَسْؤُولِيَّـة توثيق كُلّ تصرفاتك وأعمالك، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ).
حافظون ورُقَباءُ، وشهودٌ أيضاً
أنا الآن أتحدث معكم، عن يميني وعن شمالي ملكان موكلان بي، كُلّ منهما حتى في هذه اللحظة يؤدي دوره في توثيق ما أقول، كُلّ منا أين ما كان في أي مكان، وفي أية لحظة وفي أي ظرف هو، عن اليمين وعن الشمال قعيد، ملازم على طول، لا يفارقك نهائياً، ولا يغيب عنك لحظة، ومهمته هي هذه، مهمة التوثيق الدقيق والرصد الشديد، (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ)، تخيل إلى هذه الدرجة، ما تتكلم من كلمة واحدة، (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، هذه الرقابة دائمة على كُلّ لفظ تقوله وتتلفظ به وتنطق به، ما هناك غفلة عنك، يمكن غفلوا عنك يوماً من الأيام أَوْ لحظة من اللحظات أَوْ أمام كلمة أَوْ جملة من الكلام قلتها فلم ينتبهوا لها بخصوص تلك الكلمة، ولا يحتاجون منك إلى أن تعيدَ الكلمة أَوْ أن يستفسروا منك، ها يا أخي لم ننتبه، عفواً، ما هي الكلمة التي كنت قلتها؟ أعد من فضلك الجملة لنسجلها، لا، لا يفوت شيءٌ أبداً، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، أنت مرصود لهذه الدرجة، وأنت محاط بهذه الرقابة الشديدة والمستمرة التي لا تنفك عنك، على طول، على طول، يقول الله جل شأنه: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، عليكم حافظون، حفظة، يحفظونكم ويحفظون ما تعملونه، يوثّقونه عليكم، عملية توثيقية، وليس فقط استذكاراً يستذكرونه فما حفظوه حفظ وما غفلوا عنه نسي، لا، عملية توثيقية يقومون بها، كاتبين، وكراما، لا يمكن أن يزايدوا عليك، ولا يمكن لا أن ينقصوا من عملك الصالح شَيئاً ولا أن يزيدوا في عملك السيء شيئاً، لا، يتعاملون بكل مَسْؤُولِيَّـة، وليس عندهم أية اعتبارات يمكن أن تؤثر عليهم تأثيرا سيئا في عملهم، عمل بكل أمانة وبكل مَسْؤُولِيَّـة، وبكل اهتمام، ولا يمكن أن يغفلوا لأي اعتبار من الاعتبارات، أنه أكل وجبة دسمة وبخَّر وغفل وقَهَّم ورقد، ما عاد عرف أيش عملت، لا، ولا شغله النوم عنك، ولا أي اعتبار من الاعتبارات الأخرى، كُلّ منهم يؤدي الفترة التي عليه أن يؤديها بكل يقظة وبكل انتباه وبكل إدراك، (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، يعلمون ما تفعلون، لا يغيب عنهم شيء، ولا يغفلون عن شيء فيؤدون مهمتهم على أتم ما يكون، وتوثيقاً تاماً مُحيطا شاملاُ كاملاً لم ينقص منه قولٌ واحد ولا تصرف واحد، إحاطة، تجميع، يجمعون كُلّ عملك كُلّ تصرفاتك، كُلّ أقوالك، كلها تجمع، ويوم القيامة يقول الله: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)، شهادة أيضاً، يؤدون شهادتهم عليك، وتأتي هذه الرقابة وهذا الرصد من الله ومن ملائكته، رقابة شاملة، على المستوى الشخصي على المستوى الجماعي، على مستوى ما تعمل وعلى مستوى ما تقول، مما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى عن رقابته هو جل شأنه قال جل شأنه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، علم شامل، علم محيط، كُلّ ما في الأرض، وكل ما يحدث على الأرض، وكل ما يجري على الأرض، تحت علمه، وضمن علمه، أحاط به علما، كذلك ما في السماوات بكلها (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) الجلسات والاجتماعات، كلها هو حاضر فيها، والكثير لا يحسبون حسابه، يطمئنون أنهم أصبحوا لوحدهم، فيتحدثون بما يرغبون بالحديث به، وأنهم إما في مجلس مغلق أَوْ في مكان منعزل أَوْ في ظروف خارج إطار الرقابة من الآخرين والمعرفة من الآخرين، أَوْ اللقاءات الالكترونية في هذا الزمن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التراسل بالجوالات والتناجي بها، أَوْ أية وسيلة من الوسائل المتاحة للبشرية من وسائل المناجاة والتواصل السري والتخابر الذي هو خارج إطار الآخرين وإدراك الآخرين، هناك من هو حاضر في هذه المَسْأَلَـة بكلها، سواء أنتم في جلسة مغلفة في داخل غرفة في داخل مجلس أَوْ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، جلسة الكترونية، جلسة في مواقع التواصل الاجتماعي أَوْ في الجوالات والرسائل أَوْ أية وسيلة، أَوْ الواتس أب أَوْ أية وسيلة من الوسائل هناك من هو شاهد على هذا بكله، احسبوا حسابه، حاضر في كُلّ ذلك، (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ) أنتم اثنان أَوْ رجل وامرأة، شاب وشابة، أَوْ امرأتين أَوْ أي كان، أدنى من ذلك أَوْ أَكْثَــر أَوْ عدد أَكْبَــر، بأي عدد كان (إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)، أين ما كانوا، في أية مدينة في أية قرية في أي بلد ومن أي مكان إلى أي مكان، ما معنى أنه إذا قمت بالتواصل عبر التواصل الاجتماعي إلى مكان بعيد هو أدركك لكن لم يدرك الذي هناك، لا، يعلم بالجميع، أين ما كانوا وفي أي ظرف كانوا، ولا تنتهي المَسْأَلَـة عند هذا الاعتبار، علم وحسب ووثق، وأثبت عليكم ذلك بشهوده وملائكته والتوثيق وانتهت المَسْأَلَـة، لا، ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة.
لكل إنْسَان ملف سيُفتَح
هنا الخطورة في المَسْأَلَـة، أن كُلّ هذه الإجراءات الرقابية بدءاً من الرقابة المباشرة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى التي تصل إلى ما توسوس به نفسك وتختزنه في صدرك وفي أعماق قلبك ومشاعرك إلى ملائكتك الذين يرقبونك ويرصدونك على الدوام وخُصصوا لذلك، كُلّ إنْسَان معه ملائكة مخصصون معه، إلى العملية التوثيقية التي توثق بها كُلّ تصرفاتك، وهذه إجراءات مؤكدة، كاتبين، يؤكدها تأكيداً، كُلّ هذه الإجراءات لماذا؟ لماذا، لأنك يوم القيامة ستأتي وستبعث من جديد ثم ستسأل وتحاسب على كُلّ ما قد أحصي عليك، كُلّ ما قد أحصي عليك، جمعوا لك كُلّ هذا، جمعوا لك كُلّ تلك التصرفات كُلّ تلك الأعمال، كُلّ تلك الأقوال، وثقت، جهز لك ملف كامل، ملف كامل، يوم القيامة ستأتي إلى مقام الحساب ستحاسب، ثم يحدد مصيرك على ضوء ذلك وستجازى بناء على ذلك، فاحسب حساب نفسك من الآن، (ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، نأتي إلى العملية التوثيقية هذه، العملية التوثيقية هذه كُلّ إنْسَان يجهز له ملف سواء عبرنا عنه كتابا، مثل ما في آيات أخرى كثيرة، أَوْ صحيفة هذا الصحف نشرت، وهذا الملف بالتأكيد أنه وثقت فيه كُلّ أعمالك وتصرفاتك وبشكل دقيق وتام وعملية توثيقية قد تكون، أشبه ما تكون بعملية الفيديو، الصوت والصورة، هناك من الآيات ما يدل على ذلك، الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى قال في صورة النجم: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) سوف يرى، يعني يوم القيامة ما تحتاج المَسْأَلَـة أنك تقرأ العبارات، وفعل يوم كذا كذا وتصرف كذا وفي لحظة كذا توجه إلى كذا مجبر طويل عريض، قد ترى نفسك بالصوت والصورة، تشاهد نفسك وأنت تعمل ذلك العمل المخزي الذي حرصت على أن يكون في جو مكتوم ومستور، وقد تفضح بذلك أمام الملأ وأمام الناس، أمام مشهد البشرية بكلها، من أنبياء ومرسلين وصديقين وصالحين وطالحين ومؤمنين وكافرين وأمام الجميع، ما الذين عملت وتخزى على نفسك، يأتي الإنْسَان يوم القيامة ومن أهم محطات يوم القيامة ومشاهد يوم القيامة هي اللحظة التي سيستلم الإنْسَان ملفه، كتابه الذي وثقت فيه جميع أعماله، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى في كتابه الكريم عن يوم القيامة: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ)، فما من أحد يستطيعُ أن يختفي، مع كثرة الجمع، ولا يمكن أن يخفي شَيئاً أَيْضاً مما قد عمل، (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) عند عملية توزيع الكتب والصحف والملفات هذه، الإنْسَان كعلامة، إما أن يتناول هذا الكتاب ويعطى هذا الكتاب بيمينه، يعطيه الملائكة تفضل استلمه بيمينك، ويمد يمينه ليستلم هذا الملف، وإما أن يعطى هذا الكتاب شماله ومن وراء ظهره أيضا، إما أن يأتي من يتولى هذه المهمة يوم القيامة من ملائكة الله ليعطيك كتابك وصحيفة عملك من أمامك، يأتي إليك ويقبل عليك من أمامك، فيعطيك وتتناول باليمين، وإما أن يأتي إليك من خلفك، من وراء ظهرك، وعلى أن تتناوله بيدك الشمال، علامة أن يعطى الإنْسَان كتابه بيمينه علامة إيْجَـابية، جعلها الله علامة إيْجَـابية، علامة اليُمن، علامة الخير علامة الفوز، علامة البركة، وأن يأتيك هذا الموكل من الملائكة من أمامك لأنك لك من العمل ما يشرفك وتلقى الله أبيض الوجه، وعندك من الأعمال المشرفة والمقبولة والصالحة فيقول: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) تبتهج وترتاح، ويتضمن هذا الملف الأعمال الصالحة، الأعمال المشرفة الأعمال التي ابتهجت بها، أدركت قيمتها رأيت ثمرتها، وأعمال ليس فيها ما يخزيك ويشينك، لا، فابتهجت وارتحت وسعدت واستبشرت، وذهبت إلى الآخرين في الحشر في ساحة الحشر، من الزملاء من الأصحاب من الناس، (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)، هاؤم تساوي عبارة هالكم، تفضلوا شوفوا كتابي، اطلعوا عليه، ما فيه من أعمال صالحة تبيض وجهي، أنا اليوم مبتهج بكل تلك الأعمال التي عملتها وفعلتها وقلتها وتصرفت بها، وهذا كله لماذا؟ كيف توفقت لهذه الأعمال، كيف كان كتابي يحوي هذه الأعمال الشريفة العظيمة المشرفة، (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ)؛ لأني في الدنيا حسبت حساب أنني سأحاسب على كُلّ ما علمت، ولأني حسبت هذا الحساب كنت مسؤولا على تصرفاتي، ومنتبها فحرصت على أن أعمل الأعمال الصالحة والمسؤولة وأن أتوب وأنيب وأقلع عن الأعمال السيئة، (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ، قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ)، فاز وكان مصيره ومآبه إلى هذا المآب، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ)، ومن وراء ظهره في آية أخرى كذلك، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)، هذا كيف سيكون موقفه؟، استاء، شاف كثير من الأعمال والمواقف السيئة والحماقات والتصرفات الغبية واللا مسؤولة، والمدنسة التي انجر إليها بهوى نفسه وطمع نفسه ورغبات نفسه وشهوات نفسه وغضبه وطيشه وتعامله اللامسؤول، كيف سيقول، كيف سيتصرف؟ سيصيح، سيقول: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ)، يصيح يندم، يشعر بالهلاك، قال في آية أخرى: (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا)، يصيح واهلاكاه، اليوم هلاكي اليوم ورطتي، أعمال سيئة، ليتني لم أطلع عليها، ليتني لم أقرها ولم أدر بها ولم أعرف بها، وأشياء كثيرة قد نسي الكثير منها؛ لأنه كان مستهتراً ولا مُبالياً ولا يهتم بأعماله وتصرفاته، ينسى الكثير ويغفل عن الكثير ولا يسأل نفسه في الدنيا ويحاسب نفسه لخلص نفسه هنا، ليخلص نفسه فيتوب وينيب ويقلع، لا، ورط نفسه، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا) يصيحون من هذه المَسْأَلَـة، يصيحون من الدقة العجيبة والإحاطة الكاملة بكل ما قد عمل، يصيح الإنْسَان، حتى أشياء يستغرب كان يتهاون بها كان لا يحسب حسابها، كان يعتبرها أشياء عادية أَوْ لا يبالي بالآخرين، جريء بها يعملها بكل جرأة وإذا بها قد حسبت وسيحاسب عليها ويجازى عليها، (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا)، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، مَسْأَلَـة مهمة، مع هذه العملية التوثيقية، مع شهادة الملائكة مع شهادة الشهود من البشر، هناك عملية توثيقية عجيبة أخرى، الإنْسَان أعضاؤه جوارحه ستشهد عليه، وفيها كأن الله ضمن خلقه لها جعل فيها عملية توثيقية، جعل فيها قدرة توثيقية، آلية معينة للتوثيق، فأنت في الوقت الذي تعمل ما تعمل، يتوثق من حينه، مَثَـلاً بصرك، ألا نشوف اليوم الكاميرات، الكاميرات يمكنُ أن تنظُرَ منها فترى في الوقت الذي هي فيه آلة رؤية، يمكن أن تعملَ فيها تسجيلاً، أن تجعلَها في حالة تسجيل، قد تكون أبصارُنا هذه قد تكون في الوقت الذي نرى بها هناك أَيْضاً عملية تسجيل لما نراه، عملية تسجيل لرؤيتنا، لإدراكنا لما نراه وندركه وما ننظر فيه، سمعنا كذلك، عملية سمع وعملية تسجيل، بقية جوارحنا وأعضائنا فيها عملية توثيق، الله جل شأنه بعد الحساب عبر الصحف وعبر الملائكة وعبر الشهود من البشر يبقى الإنْسَان يجادل أمامه جهنم، أمامه الخسارة الأبدية والرهيبة والعذاب الشديد وخائف جداً، خوف ورعب شديد، (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ)، من شدة خوفهم تطلع قلوبهم إلى الحناجر، يصل قلبك حنجرتك من شدة الخوف.
أعضاءُ الإنسان تشهدُ عليه
إذا الإنْسَان غير موفق والعياذ بالله، فيبقى يجادل ويتشبث بجداله وإنكاره وجحوده ومكابرته حتى مرحلة معينة، تبدأ أعضاؤك بالشهادة عليك، فتشهد أنت على نفسك، فلا يمكنك حينها المكابرة ولا الجدال، (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ)، أنت مع ذلك الجدال والهذرفة والمناكرة، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا)، بعدها يختم على فمك وتمنع من الكلام ولا تستطيع النطق، اسكت اسمع، هناك شهود عليك، من؟ من هذه المرة؟ (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ)، تبدأ يداك بالتكلم وتؤدي شهادتها عليك، قد تقول أنا ما عملت كذا ولم أفعل كذا ووالله لم ألمس كذا ولم أقرب كذا ولم أفعل كذا، فتشهد عليك يداك بما عملت بهما وتصرفت بهما من تصرف وأصابعك، من كُلّ ما حصل من تصرفات عبر هذه الجوارح، (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) ثم الرجلان تشهدان كُلّ منهما تؤدي شهادتها بما عملت بها، (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَـالَى (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ)، حتى الجلد (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ)، ويندهش الإنْسَان، يندهش باتت جوارحه تشهد عليه، ورأى الأدلة والشواهد من نفسه على نفسه ومن جسده على نفسه ومن جوارحه بما عملت، يحتار يندهش، يصاب بالذهول، يستغرب، بل يدخل في خصام مع نفسه، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ)، قالوا لجلودهم، يتخاصم مع جلده، تصل إلى هذه الدرجة، (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا)، كيف يا جلدي تشهد علي؟ (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا)، يجيبك جلدك، تجيبهم جلودهم، قالوا، الجلود نطقت وأجابت وردت عليهم وخاصمتهم، (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)، والذي يمنح كُلّ شيء، القدرة على النطق، فينطق حين منحه القدرة على أن ينطق (قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، هو الذي خلقكم وأنطقكم، أنطقنا نفس الشّيء، مثل ما منحكم القدرة على النطق، منحنا كجلود القدرة على النطق (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، أمور ما كانت عند الإنْسَان يحسب حسابه، لا يحسب حساب أن يشهد عليه سمعه ولا أن يشهَدَ عليه بصرُه ولا أن يشهد عليه جلده ويخاصمه جلده ويثبت عليه الإدانات جلده، ما كان يحسب حساب هذه الأمور، لأنه لم يكن يحسب حساب ما هو أهم منها، والذي هو رقابة الله، وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم، ما كنت تستتر من سمعك لا يشهد عليك، وأين ستستتر من سمعك؟ ولا أبصاركم ولا جلودكم، ما كنت تستتر من جلدك، وتتركه هناك وتختفي عنه هناك لتفعل ما تريد أن تفعل، وهل سيمكن ذلك، لكن هناك ما هو أقرب من ذلك وأشد رقابة من ذلك، (وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ)، هذه الغفلة، الغفلة عن رقابة الله، اللا مُبالاة بالله التجاهُل لله، النسيان لله، (وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ)، أهلككم، وصلتم إلى الهلاك، في الحياة لم تعودوا مبالين مستهترين، ما رغب به وعنده قدرة أن يعمله عمله، ما رغب به من تصرف ولديه القدرة عليه فعله، لا يبالي، لا يستحي، لا يحسب حساب الله، وإذا حسب حسابات معينة، حاول أن يتداركها هي وأن يعمل احتياطاته تجاهها ويكتفي بذلك ثم لا يحسب حساب الله، (أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ)، الخسران الرهيب، فإن يصبروا، وصلوا إلى جهنمَ ليحترقوا في نار الله أبد الأبد، لو كانت المَسْأَلَـة أنك ستدخُلُ في فرن، فرن، فرن فقط لإنضاج الخبز لكانت كارثة أما جهنم بكلها فما بالك، فإن يصبروا، تريد أن تصبر فالنار مثوى لهم، ما هناك من قدرة على الصبر، عذاب شديد لا قدرة على الصبر عليه، ولا ينفعك الصبر فيه ولا الصراخ كذلك، العذاب والألم الدائم، (وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ)، إذا حاولوا أن يتوبوا، أن ينيبوا أن يرجعوا إلى الله، فاتت الفرصة، فرصتنا هي اليوم، اليوم فرصتنا، الإنْسَان بالتسويف والغفلة واللامبالة والاستهتار والإهمال وسكر الهوى وسكر الملذات والغفلة والتبلد لا ينفعه ذلك، هذه الكارثة على الإنْسَان، اليوم في هذه الحياة، والآن ونحن في شهر رمضان فرصة لأن يحاسب الإنْسَان نفسه وأن يراجع حساباته، أن ينيب إلى الله، أن يرسخ في وجدانه الرقابة الإلهية، في إيْمَـانه الشهود الإلهي والحضور الإلهي، إن الله رقيب عليك ويعلم بك، ثم أنت دَائماً محاط بهذه الرقابة، الملائكة معك، أين ما ذهبت وأين ما اتجهت لا يمكن أن تطردهم من حولك ولا أن تغلق في وجههم الأبواب وتدخل لوحدك، حاضرون معك أين ما أنت، يوثقون ما تفعل، ثم هذا التوثيقُ المركَّبُ فيك في خلقك، ويوم القيامة ينطِقُ حتى جلدك، إذن يجب أن نحسبَ حسابنا في هذه الحياة لنتعامل بمَسْؤُولِيَّـة، فنحرص على العمل بمَسْؤُولِيَّـة والتكلم بمَسْؤُولِيَّـة والتَّصَـرَّف بمَسْؤُولِيَّـة والقيام بمسؤولياتنا في هذه الحياة والانتباه في هذه الحياة والحذر من الغفلة في هذه الحياة والإنابة حين الزلل وتدارك ما زَلَّ فيه الإنْسَان.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإيّاكم لما فيه رضاه وأن يغفرَ لنا ويعفوَ عنا، إنَّهُ سَمِيْعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه..

قد يعجبك ايضا