ماذا يعني تسليم ميناء الحديدة ..؟؟

محمد أحمد الحاكم

منذ فترة وجيزة ليست بالكبيرة تقدمت قوى العدوان على اليمن بطلب إلى الأمم المتحدة بتولي زمام إدارة أمور ميناء الحديدة تحت مبررات عدة , أبرزها مزاعم إيقاف تدفق تهريب الأسلحة ” الإيرانية ” إلى يد القوى اليمنية الوطنية المناهضة لقوى العدوان , وعلى الرغم من أن ذلك الطلب قد قوبل بالرفض من قبل الأمم المتحدة إلا أنها الآن تراجعت عن رفضها وبدأت في الضغط على القوى الوطنية بالقبول به , وذلك عبر إرسال مبعوثها الأممي ” ولد الشيخ ” إلى صنعاء , والتي بدأت الاثنين.
لست هنا أمام طرح التساؤلات التي تتحدث حول الأسباب التي دعت الأمم المتحدة إلى تخلفها عما ذهبت إليه مسبقاً بالرفض لمطلب قوى العدوان , ولكنني سأحاول طرح هذا الموضوع للنقاش عبر طرح عدة تساؤلات تهم الشأن اليمني أكثر مما تهم الشأن الأممي , تتلخص جملة تلك التساؤلات في تساؤل واحد وهو … ماذا يعني قيام القوى الوطنية بالموافقة على تسليم ميناء الحديدة بطريقة سلمية للأمم المتحدة …؟؟؟
ما أمكنني الوصول إليه من إجابة على هذا التساؤل هو طرح عدة تكهنات وتوقعات قابلة في الأخذ بها أو الرفض , لكنني أؤكد للقارئ أن توقعاتي هذه أتت بناء على ما تمت ملاحظته واستقراؤه لتوجهات وسلوك الأمم المتحدة ومن ورائها القوى العدوانية طيلة أكثر من عامين من العدوان على اليمن , والتي اتسمت بالخداع والتزييف والتضليل , وعدم الإلتزام بمضامين أي اتفاق ناجم عن المفاوضات التي كانت قد رعتها تلك المنظمة الدولية خلال تلك الفترة , والتي أكدت للجميع بلا استثناء انحيازها الصارخ لقوى العدوان ومرتزقته أكثر من انحيازها لمظلومية هذا الشعب ووطنه .
الصورة العامة التي أتى بها مبعوث هذه المنظمة ليطرحها أمام القوى الوطنية كانت حول إثبات رغبة الأمم المتحدة في تحييد هذه الموانئ عن نطاق الصراعات العسكرية , وبالتالي تجنيب الشعب ويلات تلك الصراعات وتحقيق الأمن الغذائي والصحي والمعاشي له وغير ذلك من تلك الأمنيات.
ما يمكن استشافتهُ من وراء هذا الطلب هو من أجل تحقيق عدة أهداف, يمكن تلخيصها فيما يلي :-
* إستلام الأمم المتحدة لميناء الحديدة لا يعني الإكتفاء به فقط وإنما إستلام كافة الموانئ البحرية اليمنية المطلة على البحر الأحمر وهي ميناء الحديدة الرسمي وإلى جانبه ميناءا الصليف والمخا .
* إستلام ميناء الحديدة يعني إستلام كل الشريط الساحلي اليمني الغربي بالكامل بدءا من جنوب الساحل في باب المندب وحتى آخر نقطة حدودية تربط اليمن بالسعودية في ميدي , وعليه فأن هذا الإستلام لهذا الشريط سيمكنهم من وضع نقاط مراقبة متعددة عليه لمراقبة كل تحركات السفن والقوارب بما فيها قوارب الصيد البسيطة التي يمتلكها المواطنون البسطاء , والذي لن يتأتى لها القدرة على تنفيذ تلك المراقبة ما لم تكن هناك قوة عسكرية دولية موجودة على أرض الواقع , تتسلم مهام تلك الأعمال الرقابية , وبما يخول لها من ممارسة الأعمال العسكرية الرادعة لأي تحرك قد تشتبه فيه .
* إستلام ميناء الحديدة يعني استلام الأمم المتحدة إدارة مهام الثلاثة الموانئ اليمنية الرئيسية , وتحت قيادة كادر أجنبي بحت , يتولى مهام مراقبة وتفتيش كل الحاويات والسفن , ولن يكتفي عند هذا الحد إذ أنه سيعمد إلى تحصيل وجباية كل الإيرادات المالية الناجمة عن مختلف الحركات التوريدية والتصديرية مع عدم تحديد مصادر تصريفها وتوزيعها , وبالتالي فإنه سيعيق الحكومة من الوقوف في معرفة حجم الإيرادات المتحصلة , وسيضفي على المركز المالي للدولة ضعفاً أكثر مما هو عليه الآن .
* على الرغم من أن السبب الرئيسي لمطلب الأمم المتحدة في إستلام ميناء الحديدة أتى من أجل تحقيق الأمن والاستقرار وتحقيق السلام في اليمن , والذي لن يتحقق ذلك إلا من خلال قيامها بتفتيش ومراقبة حركة السفن من وإلى اليمن , فإن الآلية التي ستنتهجها الأمم المتحدة عند عملية التفتيش والمراقبة سوف تحمل طابع العرقلة المستديمة تحت إطار مبررات واهية وغير منطقية , وبالتالي فإن هذه العرقلة سوف تتسبب في تضخم الأزمة الإقتصادية في مختلف جوانبها الرسمية والخاصة والشعبية .
* موافقة الأطراف اليمنية الوطنية على هذا المقترح وفق آلية محددة يتم الاتفاق عليها عند التوقيع , سوف تضعها في مأزق يصعب التعامل معه ,خاصة في ظل احتمالية ممكنة إن لم تكن مؤكدة في عدم وفاء والتزام الأمم المتحدة بمضامين بنود هذا الإتفاق , وعليه فإن موافقة تلك القوى الوطنية سيضعها بين خيارين تنفيذيين أحدهما أمر من الثاني وهما :-
(أ) – استخدام القوة العسكرية من أجل إسترداد تلك الموانئ , وفيه سيكون الأمر في صورة بالغة التعقيد نتيجة تعاملها عند المواجهة مع قوة عسكرية أجنبية ومرتزقة متكاملة , أضف إلى أنها ستقع في مأزق سياسي دولي يتمثل في صراع سياسي مع الأمم المتحدة ومن ورائها القوى الدولية العالمية .
(ب) – المهادنة وعدم استخدام القوة المفرطة , وبناء على هذه الصورة فإن هذه القوى الوطنية ستقع في فخ التفاوضات غير المجدية والتي لن تجني من ورائها أي شيء يذكر سوى الإذلال والإذعان لتوصيات وتوجيهات هذه المنظمة , والتي تحكمها من الخلف القوى الإستكبارية الغربية والصهيونية.
* المعنى الحقيقي والمؤكد من وراء تقديم الأمم المتحدة مطلبها هذا هو استكمال حلقات الحصار السياسي ولاقتصادي التي تفرضه الأمم المتحدة ومن ورائها قوى التحالف العدوانية على هذا الشعب وهذه القوى الوطنية , خاصة وأن تلك القوى قد استطاعت خلال فترة عدوانها على اليمن بسط سيطرتها على كل الموانئ اليمنية المطلة على الساحل الجنوبي لليمن بالإضافة إلى تمكنها من السيطرة المطلقة على كل الجزر اليمنية سواء تلك الواقعة في بحر العرب وخليج عدن , أو تلك الواقعة عند مضيق باب المندب والبحر الأحمر .
* صحيح أن الوضعية العامة التي تتصف بها الأمم المتحدة تحمل صفة الحيادية باعتبارها منظمة دولية قامت من أجل حفظ الأمن والسلام الدوليين , وعلى الرغم من أن تلك المنظمة قد جافت الواقع المفروض أن تكون عليه طيلة فترة العدوان على اليمن والذي دخل عامه الثالث, إلا أنها وفي سبيل بث سيطرتها على تلك الموانئ ستقدم للقوى الوطنية تنازلات صورية ومؤقتة أبرزها ضمان فتح الموانئ البحرية والجوية وتسهيل العمليات الغذائية والطبية وغيرها , والتي تأتي تلك الخطوة قبل التوقيع على هذه الإتفاقية , كخطوة منها تؤكد من خلالها جديتها في تصحيح ما خلفته توجهاتها خلال الفترة الماضية من تقاعس غير مبرر إلى جانب قوى العدوان .
حسبما أراه وأتوقعه من وراء هذه الخطوة التي ستقوم بها الأمم المتحدة هو وضع المكونات الوطنية في دائرة مفرغة من الحلول , لا تحتويها سوى الحيرة والتردد اما القبول والموافقة على التوقيع على ما سيتم الإتفاق عليه بشأن مطلب الأمم المتحدة , وبالتالي تجنب نفسها الصراع المباشر مع الأمم المتحدة وكل هيئاتها السياسية , وإما الرفض وعدم القبول بهذا المطلب وبالتالي تضع القوى الوطنية نفسها أمام صراع دولي مباشر مع الأمم المتحدة والقوى الدولية التي وبلا شك سوف تساندها بقوة متناهية الخيال , وبناء على هذا الخيار فإنها أيضاً ( القوى الوطنية ) ستكون أمام ضغط رسمي وشعبي كبير , خاصة وأن الأوضاع التي يمر بها الجميع صارت في المحك .
عموماً …. لا نستبق الأحداث والتكهنات فقادم الأيام حبلى بالمفاجآت التي لا يمكن لأحد أن يتوقعها , فعلى الرغم من أن ما قمت بطرحه من تكهنات سياسية حول النتائج المتوقع حدوثها خلال وجود المبعوث الأممي ” ولد الشيخ ” هذه الأيام في صنعاء والذي أتى حاملاً هذه المبادرة الموصوفة ” بالأممية ” قد حملت الكثير من التكهنات السلبية , إلا أن ما أؤمن به هو امتلاكنا قيادة سياسية وطنية حكيمة وصادقة , تحمل في طيات عقولها الكثير من الحلول التي تمكننا من تجاوز ما يمكن أن نسميها ” بالمشكلة ” إن أجزنا التعبير , فكما استطعنا تجاوز أعظم المخاطر التي عشناها طيلة أكثر من عامين بفضل الله أولاً ثم بفضل تلك القيادات الحكيمة ثانياً , سنستطيع تجاوز كل المراحل المتبقية من هذا العدوان .

قد يعجبك ايضا