عواصم/ وكالات
لخص ترامب في خطابه الأخير في القمة العربية الاسلامية الأمريكية في جملة واحدة وبكل وضوح سياسة إدارته في المنطقة العربية وتفاصيل مهام “حلف الناتو العربي” عندما قال “أن داعش والقاعدة وحزب الله وحماس يمثلون تهديداً ارهابياً للمنطقة و أن على قادة الدول العربية والاسلامية طرد المتطرفين من بلادهم[1]”.
وزع ترامب في جملته هذه المهام على الدول العربية، فالسعودية مهمتها تحجيم النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله في لبنان، واستكمال حربها على اليمن ومصر تضبط الحدود مع سيناء المضطربة، مرتع تنظيم ولاية سيناء الموالي لداعش، إلى جانب تحجيم حركة حماس في غزة. أما سوريا (الملف الأعقد) فالمهام موزعة بين أكثر من دولة عربية وشرق أوسطية، كالسعودية والأردن وتركيا وغيرها.
خلص مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي “STRATFOR” في تحليل له فبراير الماضي إلى أنه رغم الدعم الكبير الذي تبديه إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لإسرائيل، إلا أنها لا تستطيع الاعتماد عليه وحده في ضمان أمنها، وأنها لذلك تبقي الباب مفتوحاً مع جيرانها في الشرق الأوسط، وبينها السعودية ومصر وتركيا[2].
يبدو هذا التحليل اليوم صائباً ومتناسباً مع مخطط ترامب، حيث ذكر مسؤول أمريكي مع اختتام أعمال القمة العربية الأمريكية أن خطة ترامب للسلام الفلسطيني الاسرائيلي تستوجب التطبيع العربي مع اسرائيل أولاً. وفي نهاية المطاف فإن هذه المهام التي أوضحها ترامب في خطابه كلها تصب في خانة واحدة، وهي ضمان أمن “اسرائيل”.
على الرغم مما قيل عن ترامب بأنه كثير الأخطاء، إلا أنه أصاب في فهم سلوك النظام العربي الاسلامي، حيث أن الخطاب الترامبي المبطن بالترهيب والإهانات يتم التجاوب معه عربياً بفعالية، فالرئيس المصري، العاهل السعودي، والعاهل الأردني بايعوا الرئيس الأمريكي في كلماتهم الملقية بالقمة العربية الأمريكية وأبدوا تعاوناً كاملاً مع السياسة الأمريكية الترامبية.
فيما يخص القضية الفلسطينية، فإن مطالبة ترامب السابقة للرئيس عباس بوقف مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، ومطالبته قادة الدول في القمة العربية الأمريكية بطرد “المتطرفين” من بلادهم، يعني أن الأمر لن يتوقف على وصم حركة حماس بالإرهاب، وإنما كل من يمس أمن “اسرائيل”، وبأي طريقة كانت، وقد يوصم الرئيس عباس شخصياً بالإرهاب إذا لم يتجاوب مع الخطاب الأمريكي مستقبلاً.
من جانب آخر كشفت مصادر دبلوماسية غربية أن الرئيس دونالد ترامب سيُعلن قريباً مبادرة سياسية تُعيد إطلاق المفاوضات المباشرة الفلسطينية- الإسرائيلية لفترة زمنية محدودة تراوح بين 12- 16 شهراً على أبعد تقدير، من دون وقف الاستيطان[3]. وإن صدقت هذه المصادر وأّطلقت المفاوضات، وإذا ما أردنا القياس بالمقارنة مع وتيرة الاستيطان التي شهدها العام الماضي، فإن فترة المفاوضات ستشهد ارتفاع في الاستيطان بنسبة لا تقل عن 40% في الضفة وحدها، ويكون حينها ترامب حقق أمنية “اسرائيل” بتطبيق المثل العربي الذي يقول “أحسن ما في الزمان طوله”.
بلا أدنى شك إن هذه القمة العربية الأمريكية تشكل انطلاقة جديدة في العلاقات الامريكية العربية الاسلامية، انطلاقة أقل ما يمكن وصفها بأنها انحدار بكل المقاييس التاريخية، وخروج عن الفكر والسلوك العربي الاسلامي، ينذر بكتابة فصل جديد في كتاب جديد حول الانحدار العربي الاسلامي.
بدأ عصر زرع الخراب والحصاد المر، عصر باتت الدول العربية فيه تنافس أمريكا في ضمان أمن اسرائيل، في مقابل تنافس الدول الأوروبية الغربية في السخرية من الرئيس الأمريكي ترامب.
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فسياسة الفوضى الخلاقة التي اعتمدها جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر في المنطقة العربية، تعود إلى الطاولة الامريكية من جديد، كسياسة مفضلة لدى الجمهوريين. والدليل الحي على ذلك ما سمي بالقمة العربية الأمريكية، التي خرج بيانها الختامي بتلقي الضوء الأخضر من ترامب لبدء عملية ضبط ايقاع المنطقة العربية وإعادة هيكلة الأجهزة الضامنة لأمن اسرائيل، لاستكمال تقسيم ما تبقى من أجزاء أوطان، ورسم الخارطة النهائية للشرق الأوسط الجديد.