> في رسالة ماجستير للباحث والاديب محمد عبدالله عصبة
متابعة/محمد أبو هيثم
(التشكيل السردي في القصيدة اليمنية المعاصرة -1990- 2008- عنصر الشخصية أنموذجاً)هو عنوان رسالة الماجسير التي تقدم بها الأديب الباحث محمد عبد الله عصبة إلى كلية الآداب، جامعة ذمار والتي تم مناقشتها مؤخرا ومنح عليها من قبل لجنة المناقشة درجة الماجستير في الأدب والنقد. والرسالة تحت إشراف الدكتور عبد العزيز المقالح..
وتكونت لجنة المناقشة من: د. نجيب الورافي. نائباً مفوضاً من المشرف.- أ.د. آمنة يوسف. رئيساً ومناقشاً خارجياً. جامعة صنعاء.- .د. صادق السلمي. مناقشاً داخلياً.
والأديب محمد عصبة من الأدباء والنقاد الذي اثروا الساحة الأدبية اليمنية بالعديد من الإبداعات والبحوث والدراسات النقدية المتميزة وله حضوره الثقافي الفاعل وخاصة في المشهد الثقافي بمدينة ذمار.
يقول الباحث عصبة في تقديمه لرسالته أثناء المناقشة عن الموضوع الذي الذي اختار بحثه:
لقد مثلت التسعينيات ـ وما تلاها ـ مرحلة مهمة في حركة التحديث التي رافقت القصيدة اليمنية، إذ شهدت القصيدة تحولات على المستوى التقني والمضموني، وتعد الاستعانة بالسرد من أهم التقانات التي أفادت منها القصيدة اليمنية، وكان لها أثر واضح في الارتقاء بالخطاب الشعري شكلاً ومضموناً ، فلقد توغل السرد ـ بعناصره المتعددة ـ في البناء الشعري اليمني المعاصر، وأخذ حضوره يتمدد على مساحات كبيرة من جسد القصيدة اليمنية المعاصرة، حتى إنه قد أصبح ظاهرة تتميز بها القصيدة اليمنية المعاصرة، وعلى غرار ما طالعتنا به القصيدة العربية المعاصرة، التي بدت هي الأخرى على علاقة وطيدة بالسرد، إذ اتخذت من السرد مسلكاً فاعلاً باتجاه التخفف من الغنائية والتجريدية ، وبما يسهم في إكسابها شيئاً من الموضوعية والدرامية.
ولا يقصد من ذلك انفراد القصيدة التسعينية وما تلاها بظاهرة الاستعانة بالسرد، إذ إن الحضور السردي قد بدا متأصلاً في القصيدة العربية منذ مراحل مبكرة ، وعلى امتداد عصورها، ولكن التسعينيات وما تلاها قد تميزت باتساع الحضور السردي وفاعليته في التشكيل الشعري بناءً ودلالة، إذ استحال السرد ـ بعناصره المتعددة ـ إلى تقنية شعرية تسهم في النهوض بقوام القصيدة بناءً ودلالة ، وعلى غير ما شهدته القصيدة العربية في مراحل سابقة.
ونظراً إلى اتساع مساحة الحضور السردي في القصيدة اليمنية المعاصرة وانفتاحه على عناصر عديدة من السرد ، بما يسهم في تشعب مساحة البحث، وربما ترهل الدراسة، ثمّ لكون عنصر الشخصية قد مثل حضوراً واسعاً وفاعلاً في المنجز الشعري اليمني المعاصر ، سيما وقد رافق استدعاء الشخصيات انفتاح واسع على عناصر السرد ، بما يخوّل للدراسة مقاربة ظاهرة الاستعانة بالسرد في الشعر من خلال رصدها لحضور الشخصيات، لأجل ذلك كله فقد اكتفت الدراسة بمقاربة الظاهرة عبر عنصر الشخصية، بوصفه أنموذجاً يمنحها فرصة الكشف عن فاعلية السرد في الشعر .
ولما كان مصطلح التشكيل يتميز بالانفتاح على مدلولات عديدة تتصل في مجملها بالتعبير عن البناء والنمو والتموج، الذي يصاحب القصيدة في خضم إفادتها من عنصر الشخصية والسرد على وجه العموم ، لذلك فقد ارتأت الدراسة الوقوف على فاعلية الحضور السردي من خلال مصطلح التشكيل ، بما هو مصطلح قادر على تمثّل حركة العنصر السردي في القصيدة اليمنية المعاصرة.
السرد في القصيدة اليمنية
وعن تناوله لظاهرة السرد في القصيدة اليمنية المعاصرة يقول الباحث عصبة :
-الباحث لا يدعي أسبقية اكتشافه ومقاربته لظاهرة الاستعانة بالسرد في القصيدة اليمنية المعاصرة ، ولا يتنكر للجهود السابقة، إذ إن ثمة العديد من الدراسات قد سبقته إلى ذلك ، بيد أن دراسته قد تميزت عن تلك الدراسات من جوانب عديدة ، أهمها :
1 – انفردت الدراسة بمقاربة الظاهرة، وعبر عنصر الشخصية في المدة المحددة بين (1990 ـ2008 )ٍ م ، ومن خلال نماذج شعرية لمجموعة من الشعراء ، على غير ما طالعتنا به الدراسات السابقة من نحو:
ـ عناصر القصة في شعر البردوني ، للباحثة ( أنيسه سلامه) .
ـ رسم الشخصية في أدب محمد الشرفي ” الشعر ، المسرح” للباحث (عبد القوي العفيري) .
ـ الحوار في أدب محمد محمود الزبيري ” الشعري الروائي” للباحث (صالح اليعري) .
ـ رسم الشخصية في شعر عبد العزيز المقالح ، للباحث (عبدالله الدحملي) .
ـ النزعة القصصية في شعر لطفي جعفر أمان، للباحث( محمد مقبل).
ـ الفضاء السردي في شعر محمد حسين هيثم ، للباحثة (عائشة المزيجي).
التي اكتفت بتتبع الظاهرة من خلال شاعر ما ، وعلى امتداد زمني سابق على مرحلة التسعينيات.
2 – مقاربة الدراسة لعنصر الشخصية تتوخى رصد الشخصية ، بماهي عنصر سردي يسهم في عملية البناء الشعري دلالة وبناء، وفقاً لطبيعة التوظيف الشعري المعاصر للسرد ، الذي اتسم بالنزوع إلى التخفف من هيمنة الغنائية والتجريد وصولاً إلى الموضوعية، وإلى التحديث القادر على التعبيرعن هموم الشاعر اليمني المعاصروتطلعاته، فضلا عن تجسيد رؤيته المعاصرة للشعر والكون والأشياء.
يفصح المنجز الشعري اليمني الصادر ضمن المدة المحددة(1990ـ2008) م ـ كما سبق الإشارة ـ عن نزوعه الشديد إلى الإفادة من عناصر السرد ، حتى إنها قد عُدّت ظاهرة تميزت بها القصيدة اليمنية المعاصرة، ونظراً إلى عدم استقرار التجربة الشعرية الشبابية ضمن المدة المحددة ، وعدم اكتمال ملامحها، نتيجة للتجريب المتواصل ، زد على ذلك قلة إصداراتها الشعرية،
ويضيف قائلا: لقد ارتأت الدراسة محايثة الظاهرة عبر مجموعة من الأعمال الشعرية الصادرة ضمن المدة المحددة، لعدد سته شعراء ، ممن ترسخ أسلوبهم وتعمقت تجربتهم الشعرية، سيما فيما يتصل بالإفادة من عناصر السرد، وهم:
1- عبدالعزيز المقالح
2- عبدالله البردوني
3 – محمد حسين هيثم
4- شوقي شفيق
5- محمد عبدالسلام منصور 6- أحمد ضيف الله العواضي
ونظراً إلى اتساع حجم الظاهرة ـ محل اهتمام الدراسة ـ وانفتاحها على أنماط عديدة من الشخصيات التراثية والمعاصرة ، فضلا عن تنوع أشكال ظهورها في القصيدة اليمنية المعاصرة ، فقد اتخذت الدراسة من المنهج الوصفي التحليلي ركيزة منهجية تقوم عليها ، ذلك أن المنهج الوصفي التحليلي سيمنحها سانحة رصد كل تلك الشخصيات ،والوقوف على صور تجلياتها، إضافة إلى محايثة مكامنها ومدى فاعليتها في البناء الشعري.
يعد المنهج مدخلاً ضمن مداخل عديدة، ولذلك فإن النص هو المخول باقتراح (المنهج/المدخل) المناسب للولوج إلى أعماقه ، ولما كانت القصائد –محل اهتمام الدراسة –تتسم بالثراء والانفتاح على جوانب عديدة ، لأجل ذلك فإن انفتاحا على مناهج عديدة سيرافق الدراسة في مجمل مباحثها ، بما يتناسب وطبيعة الحضور السردي المهيمن على القصيدة، والسياق البحثي المتباين وفقاً لتعدد أنماط الشخصيات وتجلياتها ، إذ ستفيد الدراسة من المنهج البنيوي، والسيميائي، وكذلك التاريخي والاجتماعي…الخ .
*وعن تقسيم الدراسة يقول :
لقد اقتضى العنوان والنصوص ـ محل اهتمام الدراسة ـ تقسيم الدراسة إلى تمهيد وفصلين بحثيين ، اشتمل التمهيد على ثلاثة محاور ، أولهما : اختص بمقاربة مفهوم مصطلح التشكيل ، وثانيهما : لرصد ملامح التشكيل السردي في القصيدة العربية على امتداد عصورها، أما المحور الثالث: فقد اتجه لمقاربة مصطلح الشخصية في الأدب ، ويأتي الفصل الأول تحت عنوان (الشخصية التراثية )، متضّمَنا خمسة مباحث هي: الشخصية الدينية ، الصوفية، الأدبية، التاريخية، الشعبية ، أمّا الفصل الثاني الموسوم (بالشخصية المعاصرة) فقد احتوى على ثلاثة مباحث:(الشخصيات محلية المصدر، والشخصيات عربية وأجنبية المصدر، والشخصيات العامة)، دأبت على مقاربة تجليات الشخصيات المعاصرة ، وفاعليتها في القصيدة اليمنية المعاصرة ، وتأتي الخاتمة لتتناول أبرز ما تضمنته المباحث من نتائج علمية .
وعن الصعوبات التي واجهت الدراسة ، يشير الباحث إلى أن عددا من الصعوبات قد واجهت دراسته ، منها افتقار المكتبات اليمنية إلى العديد من المراجع ذات الصلة بموضوع الدراسة ، وقلة عدد نسخ المراجع الموجودة في المكتبات، ما أسهم في عدم القدرة على استعارتها والاستفادة منها، ولقد شكلت الظروف السياسية التي يمرّ بها الوطن منذ سنوات عائقاً أمام الباحث ، فقد ألقت بظلالها على الواقع اليمني الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنفسي وغيره، مما أثّر سلباَعلى الباحث .
والباحث إذ يقدم هذ العمل البحثي المتواضع فإنه يأمل أن يكون قد قدم من خلاله إضافة مهمة للعمل النقدي المعاصر، بمايسهم في الكشف عن ملمح من ملامح التحديث التي خاضتها القصيدة اليمنية المعاصرة ، والباحث لا يدعي أنه قد حقق بهذا الجهد كل ما كان يصبوا إليه ، وكل ما هو متصل بظاهرة التشكيل السردي في القصيدة اليمنية المعاصرة ، كون الظاهرة قد اتسمت بالاتساع والتشابك ، بما يجعلها منفتحة على آفاق بحثية عديدة ، وحسبه أن يكون قد تمكن من ملامسة جزئية مهمة من جزئيات ظاهرة التشكيل السردي في القصيدة اليمنية المعاصرة .
الشعراء وشخصياتهم التراثية
وقد خلصت الدراسة إلى العديد من النتائج الهامة أوردها الباحث محمد عصبة في النقاط التالية :
– تعددت الشخصيات المستدعاة، وتنوعت من حيث مصادرها وزمكانيتها ، فمن حيث المصادر استلهم الشعراء شخصياتهم من الموروث بأنواعه : الديني ، الصوفي ، الأدبي ، التاريخي ، الشعبي، في حين اتسم حضور شخصيات الموروث الأسطوري بالندرة ، وقلة مساحة حضورها في القصيدة اليمنية المعاصرة ،على غير ما طالعتنا به الشخصيات الأخرى التي تميز حضورها بالتمدد في مجمل تمفصلات القصيدة ،كما أن الشعراء ـ بذات القدر من الاهتمام ـ قد اتجهوا إلى الواقع المعاصر مستلهمين منه العديد من الشخصيات الاجتماعية، والأدبية، والسياسية، ولقد ظهر انفتاح الشعراء على أفق مكاني واسع ، فإلى جانب الشخصيات العربية أفاد الشعراء من الشخصيات المحلية، وثمة استدعاء يتسم بقلة الحضور للشخصيات الأجنبية.
– احتلت الشخصيات محلية المصدر حضوراً واسعا في القصيدة اليمنية المعاصرة، بما يعكس ثراء الموروث والواقع المحلي من جهة ، ومدى ارتباط الشاعر بهويته اليمنية، وبهموم وتطلعات الإنسان اليمني على اختلاف شرائحه من جهة أخرى، فضلاً عن نزوع الشاعر اليمني المعاصر إلى ابتكار رموزه المغايرة، والقادرة على استيعاب همومه وتطلعاته المعاصرة، وعبر شخصيات محلية.
– تنوعت أساليب الاستدعاء وفقاً لطبيعة الشخصية المستدعاة من فصل لفصل آخر ومن مبحث لغيره، وقد تميز الفصل الأول بالمراوحة في استعمال ثلاثة ضمائر(المتكلم”القناع”، المخاطب ،الغائب) ، فيما اقتصر الفصل الثاني على استدعاء الشخصيات عبر صيغتي ضمير (المخاطب، الغائب)، بما يعكس إلحاح الشاعر اليمني المعاصر على التخفف من الغنائية، وارتياد آفاق الخطاب الموضوعي، فضلاً عن رغبته في تجاوز هموم (الأنا) وتطلعاتها باتجاه هموم (الآخر/الهو)وتطلعاته .
– في سياق تبني الشاعر لهموم (الآخر/الهو) وتطلعاتهاتضح ميل الشاعر إلى الاقتراب من هموم (الجماعة) وتطلعاتها، لاسيما (المهمش) ، ومن ثمّ التعبير عنها ، فضلا عن الانتصار لها،في مقابل تعرية ( المتن/المركز) بصوره المختلفة ، والثورة عليه .
– أسهمت الشخصيات المستدعاة في استيعاب القصيدة لأكوان دلالية واسعة، لم تكن في متناولها في غياب عنصر الشخصية، كما أنها قد مكّنت الشاعر من الانفتاح على جوانب عديدة من الحياة ، وبما هي – أي الشخصية -عتبة ينفذ من خلالها الشاعر إلى هموم الإنسان المعاصر وتطلعاته .