إعلان الزبيدي .. خيارات غير قابلة للحياة
أبو بكر عبدالله
لم يكن مفاجئا إعلان عيدروس الزبيدي أمس تشكيل مجلس سياسي انتقالي في الجنوب، فملامح المراهقة السياسية تبدت بوضوح في الآونة الأخيرة في كثير من تفاصيل المشهد السياسي المحتقن في المحافظات الجنوبية الخاضعة للاحتلال الإماراتي، غير أن السؤال الأهم يبقى مثارا هل ستكون خطوة كهذه قابلة للحياة؟.
يثق اليمنيون تماما أن ما جاء في بيان المليشيا العميلة للقوات الإماراتية الغازية ولد ميتا وغير قابل للحياة خصوصا وهو جاء ورقة ضغط إماراتية في إطار لعبة الصراع المحتدم وغير المعلن مع غريمتها في العدوان السعودية غير أن هذه الجثة الميتة وأن كان المرجح لها أن تذهب أدراج الرياح إلا أن رائحتها الكريهة ستبقى تتفاعل تحت الرماد.
الغريب في هذا التداعي أن تذهب مليشيا العدوان إلى هذا النحو في الاستخفاف بقضية مصيرية تمس حياة ومستقبل شعب اندمجت دماء أبنائه كما اندمجت أحلامهم ومعاناتهم وأحلامهم ونسيجهم الاجتماعي بصورة يصعب معها فصلها بقرار.
معروف أن المخطط الإماراتي الإسرائيلي في الجنوب ليس جديدا على كل حال فالجميع يعرف نسخه المشابهة التي ظهرت سابقا في سوريا وليبيا وتحطمت عند إرادة الشعبين السوري والليبي في وضع الخيارات الوطنية بعيدا عن مشاريع الصهيونية التي تتعهدها اليوم العائلات الوراثية الحاكمة في الإمارات تماما كما حال المشاريع الإسرائيلية في منطقة القرن الإفريقي.
لكن المثير للدهشة أن مليشيا القوات الإماراتية الغازية في عدن بما أبدته من مراهقة سياسية، تعتقد أن تحالف العدوان السعودي سيمنحها الفرصة لبناء دولة ونظام يتمتع باستقلالية وإدارة داخلية بعيدا عن نفوذ ومصالح المحتل ومن يقف خلفه، وكأن هذا التحالف الشيطاني المؤلف من 17 دولة لم يشن عدوانه البربري على اليمن إلا من أجل إعطاء هذه الزوائد الطارئة الفرصة لبناء دولة بعيدة عن هيمنة قوى الوصاية.
إن كان الأمر إدارة داخلية لتقسيم الكعكة وتنظيف طفح المجاري وفتح صنابير المياه ومولدات إنتاج الكهرباء وفتح مكاتب التجنيد لحروب العدو فذلك أيضا يصعب تحقيقه في ظل احتلال وعدوان همجي اثبت انه عاجز عن كل شيء سوى في تحويله أبناء محافظات الجنوب وقودا لحروبه العبثية، وتخديره بتهويمات لا طائل تحتها.
مؤكد أن إخواننا في الجنوب يدركون أن العدو الإماراتي المنفذ لمشروع تمزيق اليمن سيمضي بمخططه وفق الأجندة المرسومة التي يعجز العدو السعودي عن تغيير معطياتها سوى بفرقعاته الإعلامية، ويدركون أن العدو ومن وراءه لن يعطوهم شبرا لإدارته ولعلهم أيضا يعرفون أن تحالف العدوان الذي احتفل بالأمس القريب بالفار المحكوم بالإعدام عبد ربه هادي واتخذه مطية لعدوانه الهمجي، تخلى عنه بغمضة عين حتى أنه وحكومته العميلة صاروا ممنوعين من دخول قصر معاشيق بل وممنوعين من الوصول إلى مطار عدن وبنكه المركزي.
من غير المرجح أن يحظى الكيان السياسي المعلن أمس باعتراف دولي أو إقليمي ومن غير المرجح أن يستمر طويلا وإن حدث فسيكون عمله محصورا ومحددا بأجندة الغازي الإماراتي غير أن تداعياته المحتملة ستكون بلا شك كارثية على اليمنيين شمالا وجنوبا في المدى القريب والمتوسط والبعيد.
لا شك أنه سيأتي يوم يتساءل فيه إخواننا في المحافظات الجنوبية عن مدى شرعية المزاعم الهستيرية التي ترفعها مليشيا العدوان بشأن إدارة سياسية جنوبية تمثل الجنوب داخليا وخارجيا لمحاربة المد الإيراني فذرائع كهذه تصدرت المشهد لسنوات في دول عربية أخرى كما تصدرت المشهد الدعائي المحلي والعربي والدولي لأكثر من عامين من العدوان في اليمن وسرعان ما تلاشت بوصفها شطحات وهابية فيها من الوقاحة والجنون ما يكفي لسقوطها وتلاشيها.
لا يحتاج الأمر إلى دليل في أن العدوان وركائزه العميلة وكتائبه الإرهابية سيرحلون يوما عن اليمن، وعندها ستبقى فقط هذه السرطانات تنتشر في الخفاء لتحويل الجنوب بؤرا خصبة لصراعات طويلة متعددة الرؤوس، وحينها لن يجد أبناء المحافظات الجنوبية وجودا لهذا التحالف الشيطاني لحسم القرارات، بل سيتركون يواجهون مصيرهم في صراع إرادات محتدم.