إسرائيل أولاً!!
أحمد يحيى الديلمي
المتابع للإعلام السعودي والسائر في فلكه من الصحف والقنوات والإذاعات ووكالات الأنباء التي تعمل بالأجر اليومي ، لا شك أنه أصيب بصدمة كبيرة من اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي ترامب عن نيته القيام بزيارات للسعودية الكيان الصهيوني والفاتيكان .
أسباب الصدمة لا علاقة لها بالإعلان ذاته لكن لأن الوسائل التي أسلفنا صورت الحدث باعتباره نصراً مؤزراً وفتحاً مبيناً كون النظام السعودي يتقدم على دولة الكيان الصهيوني في قائمة اهتمامات صانعي السياسة الأمريكية فلقد اهتمت بالحدث وأفردت له مساحات كبيرة في نشرات الأخبار والمساحات التحليلية واحتل المرتبة الأولى في التغطيات الإخبارية طوال الساعات الماضية ، في حين أن الأمر لا يستحق كل هذه الهالة والتطبيل ، فالرئيس ترامب اختار أهم حذاءين في المنطقة يمكن لأي مسؤول أمريكي انتعالهما في أي لحظة وليس الرئيس فقط، وعندما نتابع وسائل الإعلام الصهيونية وكيف تعاطت مع الحدث نكتشف مدى غفول المسؤولين في هذه البلاد النفطية وعدم إدراكهم لخفايا السياسة الأمريكية وأسلوب تعاطيها مع مجريات الأحداث في المنطقة وأن كلها تصب باتجاه خدمة المصالح الذاتية لدولة الكيان الصهيوني لو استوعبوا هذا الأمر لعرفوا أن جعل السعودية محطة الزيارة الأولى ، لا يحمل أي مزية بقدر ما يمثل مثلبة ، هدفها استدراج النظام السعودي إلى مواقف أكثر خسة واستسلاماً وخنوعاً ، يجعل هذا النظام المغرق في المجون أكثر تآمراً على الأمة والعقيدة ، وفي المقدمة قضية الشعب الفلسطيني المظلوم لصالح دولة الكيان الغاصب .
والتسلح بموقف سعودي ثابت يسهم في ترجمة الرغبة التي أفصح عنها ترامب بشكل مبطن والمتمثلة في صياغة خارطة التعايش بين دول المنطقة كأساس لاستكمال حلقة التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني .
هنا يتضح خُبث ومكر السياسة الأمريكية بعد الإمعان في إثارة النعرات الدينية والعرقية والطائفية وتأجيج الفتن المذهبية ، تعمد الرئيس ترامب إضفاء البعد الديني للجولة ، فأشار إلى أن السعودية حاضنة لقبلة المسلمين وأنها من تتعاطى مع الإسلام بأفق متنور ، هذا الكلام كشف مدى التناقض في المواقف والتخبط المشين إذا اقتضت المصلحة ذلك ، فقد تعارض كلياً مع تصريحات ترامب النارية خلال الدعاية الانتخابية ، فلقد عرض بالسعودية أكثر من مرة وإن بشكل غير مباشر ، ووصفها بدعم الإرهاب إيديولوجياً ومادياً .
أما الأفق الثاني فقد اقتضى اختتام الجولة بزيارة الفاتيكان ليكون قد مر على حواضر الديانات الثلاث الأساسية ومد سدنتها بقواعد التعايش بين دول المنطقة، والتسليم بوجود عدو آخر أكثر خطراً من اليهود وهي إيران ، هذه المقاربة أوكلت مهمة الإفصاح عنها لمحمد بن سلمان في مقابلة أُجريت معه قبل الإعلان عن الزيارة بأسبوع ، ومن ثم فإن المقاييس الأمريكية تجاه النظام السعودي تظل كما هي تقوم على قاعدة إسرائيل أولاً كأهم مفردة تتصدر قائمة اهتمامات المؤسسة الأمريكية .
وبالتالي لا توجد أية قيمة لتقديم الزيارة من عدمه ، والأمل أن يفهم عرب اللسان هذه الحقيقة قبل فوات الأوان ، حتى لا نظل قابعين في مقعد الصغار جداً.. والله الموفق ..