مشروع الولايات العربية المتحدة أحد نموذجات مشروع الشرق الأوسط الكبير
د.حبيب الرميمة
تُعد اتفاقية سايكس بيكو هي الاتفاقية الأساس من حيث المبدأ التي بموجبها تم تقسيم الوطن العربي إلى دول قومية ذات حدود سياسية معينة، ولأن هذه الاتفاقية هي اتفاقية استعمارية لا دخل لإرادة شعوبها فيها كانت الدول الاستعمارية بقطبيها آنذاك فرنسا وبريطانيا تهدف من ورائها إلى ضمان بقاء انتدابها على تلك الأراضي، وكان الرهان الأكبر لتلك القوى الاستعمارية أن التنوع الطائفي والعرقي في مساحات شاسعة يجعل من الصعب تكوين نموذج للدولة القومية العربية ، لكن وعلى العكس من ذلك حققت الدول العربية بحدودها الحالية – سواء الناتجة عن التقسيم الاستعماري أو بحدود الضم كما هو حال المملكة السعودية أو نشوء كيانات جديدة واتحاد إمارات صغيرة كنموذج الإمارات العربية المتحدة أو بالاندماج كما هو حال الجمهورية اليمنية – قدراً من الرضوخ للإرادة الجمعية في احترام العقد بين الحاكم والمحكومين عن طريق الدستور والقوانين وقطعت بعضها شوطاً كبيراً في قيام مؤسسات دولة حديثة تستند إلى الممارسة الديمقراطية وحققت قدراً كبيراً من التنمية، كما ارتكز كثير منها على مبادئ القومية العربية كإطار جامع .
وقد قوَّى من هذا التوجه شعارات التيارات القومية العربية وفي مقدمتها الناصرية في ترسيخ العوامل المشتركة العربية وتحديد البوصلة نحو عدو واحد هو الكيان الصهيوني، ثم بعد ذلك استكمل هذا الدور بوجود حركات مقاومة عربية -على مختلف توجهاتها في مواجهة إسرائيل – نستطيع القول إنها حافظت على مسار توجه الشارع العربي في رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني ومساندة القضايا العربية الكبرى ونجاحها الى حد كبير في مقاومة الغزو الثقافي الغربي، وإبقاء الصراع العربي الإسرائيلي قضية مركزية ، وتوج هذا التوجه بالتفاف الشارع العربي ضد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003م ، ومع المقاومة اللبنانية في مواجهة العدوان الإسرائيلي 2006م ، والتي منيت إسرائيل فيها بهزيمة كبرى ، هنا كانت الخرائط ترسم في الدوائر الأمريكية بضرورة تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، إذ ثبت بالوقائع أن الدول العربية أقل مساحة تكون أكثر ضعفا وأسهل انقيادا للتبعية الأمريكية. لذا ينبغي إعادة تقسيم المنطقة ليس على أُسس الدولة القومية متعددة الطوائف والأعراق وإنما عن طريق المفهوم الجيوسياسي المرتكز على غلبة الاثنيات والمذاهب الطائفية والعرقية …بدأت بوادر هذا التقسيم الجديد قبيل اندلاع “الربيع العربي ” – والذي أشبه ما يكون بربيع براغ – وذلك بتقسيم السودان . وبعد اندلاع الربيع العربي أصبحت المنطقة العربية أمام مشروع الفوضى الخلاقة . لم يفلح النموذج السابق القائم على مشروع الدولة ذات الأغلبية القومية القائمة على المذهب أو العرق والمدعوم بشكل رئيسي من تركيا وقطر وثم السعودية بعد موت الملك عبدالله . إذ سرعان ما فشل مشروع الإخوان المسلمين من السيطرة على السلطة في تونس وليبيا مرورا بمصر ثم اليمن أضف الى ذلك صمود النظام السوري وفشل مشروع التقسيم للعراق وتبدد هذا المشروع بشكل كبير بتحرير حلب ودخول قوات الحشد الشعبي إلى مناطق شمال الموصل.. لذا فإن النموذج البديل هو الفيدراليات ، إذ أن الصراعات خلال الأعوام السابقة – من وجهة نظر الأمريكيين المتبنين لمشروع الفوضى الخلاقة – قد أوجدت شرخاً كبيراً في النسيج الاجتماعي داخل الدولة الواحدة ، وأصبح نموذج الفيدرالية هو المشروع البديل بقيادة الإمارات العربية المتحدة.
ما يميز المشروع الأخير هو عدم استناده إلى خطاب ديني – كما هو حال الفصائل المدعومة من قطر وتركيا والسعودية – وإنما إنشاء أقاليم قائمة على أُسس اثنية ومناطقية يسعى كل اقليم لتقسيم ثرواته حصرا بين أبنائه وفق رؤية أشبه بنهج العلمانية بعيدا عن خطاب الشحن المذهبي.
ولتقريب الصورة حول هذا المشروع نتناول دور الإمارات العربية المتحدة في اليمن، ابتداء من سقطرى وإيجاد كيان وهوية سقطرية حتى وصل الأمر إلى إنزال العلم اليمني وتعيين سلطة محلية يرأسها حاكم – حاكم سقطرى – تماماً كما هو الحال (حاكم ابو ظبي وحاكم دبي …) ثم ما جرى قبل أيام في مؤتمر حضرموت الجامع بدعم إماراتي واضح بإعلان إقليم حضرموت والذي بدا فيه تغليب الهوية الحضرمية على هوية الجنوب بشكل خاص واليمن بشكل عام . هذا المشروع في الحقيقة وإن كان الآن يطبق في اليمن إلا أن هناك دولاً داخلة في إطاره وبضوء أخضر أمريكي وعلى وجه التحديد سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية؟
أن يقفز حكام الإمارات إلى اليمن بمشروع الفيدرالية هو بالتأكيد يجعل من سلطنة عمان ” ما بعد السلطان قابوس ” أمده الله بموفور الصحة أمراً واقعياً لتغلغل النفوذ الإماراتي ومشروعهم الفيدرالي فيها. وما يثير الغرابة هو الصمت المطبق لسلطنة عمان في الاكتفاء بدور المراقب للتدخل الإماراتي في اليمن مع أن السلطنة تدرك خطر هذا الدور؟ ولعل ما حصل خلال الأيام الماضية في عدن من قرارات طالت “حاكم عدن” اللواء عيدروس الزبيدي وتعيين شخص معروف بالولاء لآل سعود هو بدء استشعار آل سعود خطورة هذا المشروع على مملكتهم إذ ان المملكة هي مع مشروع الأقاليم في اليمن لكنها لا تريد أن تخرج عن سيطرتها . فإقليم المنطقة الشرقية وإقليم نجد والحجاز واقليم عسير ونجران هو المشروع الإماراتي البديل لآل سعود إذا ما حدث طارئ داخل الأسرة الحاكمة وطبعا بضوء اخضر أمريكي وضمن مشروع الولايات العربية المتحدة يستقي نموذج الإمارات العربية المتحدة بوضعها الحالي وبقيادتها.
خلاصة القول ان المشروع الذي ينال إعجاب الأمريكان خلال هذه الفترة هو مشروع الولايات العربية المتحدة بواسطة حاكم دبي وأولاد زايد . وليس من باب ألصدفه إبداء وزير الدفاع الأمريكي الحالي إعجابه لدور الإمارات والتي وصفها باسبطره الجديدة. كما ليس من المستغرب ان يطرح اسم الإمارات كإحدى الدول الضامنة لما يسمى المناطق الآمنة شمال سوريا حسب الاتفاق الذي جرى بين بوتين واردوغان قبل أيام .لكن السؤال هل سينجح هذا المشروع (مشروع الولايات العربية المتحدة ) بقيادة دولة الإمارات أم سيتحطم كسابقاته أمام وعي وتلاحم شعوب المنطقة في وجه المخطط الصهيوأمريكي؟ وهذا الرأي ما يرجحه الكاتب.