تتوالى المستجدّات السياسية والعسكرية على الساحة اليمنيّة، في ظل صراع سعودي إماراتي ظهر إلى السطح رغم محاولة وزير الخارجيّة الإماراتي أنور بن محمد قرقاش إخفاء هذا الخلاف بالقول إن الموقف السعودي – الإماراتي حول اليمن صلب ومتطابق، متحدّثاً عن “شراكة إستراتيجية خيِّرة “، بعكس ما يحصل على الأرض في الجنوب اليمني.
ويأتي كلام الوزير الإماراتي بعد الأنباء التي تحدثت عن خلافات سعودية- إماراتية بسبب القرارات الأخيرة التي أصدرها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وأطاحت بأهم رجال الإمارات في اليمن وهما عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك.
واللافت أنّ قرقاش نفسه قد فضح حجّة الشرعيّة التي تلتحفها السعوديّة، مؤكداً في تصريح سابق “إن مشكلة الشرعية الحقيقية هي تغليب المصلحة الشخصية والأسرية والحزبية على مصلحة الوطن”.
الإمارات نحو روسيّا
وعلى إثر هذا الصراع الذي أرخى بظلاله على الواقع الجنوبي اليمني، يؤكد خبراء أهميّة الجنوب اليمني ذي الموقع الاستراتيجي في الحسابات الإماراتيّة، الإقليمية والدوليّة.
ويرجّح الخبراء أن هذه المنطقة تحظى باهتمام إماراتي غير مسبوق، بخلاف كافّة الجبهات في اليمن، وذلك بسبب أهميّتها الجيوسياسيّة كونها البوابة الأساسيّة لمضيف باب المندب الاستراتيجي الذي تبني واشنطن اليوم بالقرب منه قاعدة عسكرية.
ولعل الإمارات الطامحة لدور إقليمي ودولي سياسي، يوازي دورها الاقتصادي ويفوق حجمها الجغرافي، تسعى من خلال السيطرة على هذه المنطقة التي تحظى باهتمام القطبين الروسي والأمريكي أن تدخل بوابّة “العمالقة”، ولكن على حساب اليمنيين هذه المرّة. إن التحرّك الإماراتي على أكثر من صعيد، وتحديداً في القارة الأمريكية شرقاً اريتريا وجيبوتي، وشمالاً في لبيبا يعزّز هذه الرؤية.
ولعل القرب الإماراتي من واشنطن، وعلاقاتها المتناميّة مع روسيا والتي تمثّلت مؤخراً بالزيارة التي أجراها الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”، ولي عهد أبوظبي إلى الكرملين في 20 من شهر أبريل الماضي، تمثّل إحدى نقاط القوّة، أو الفرص بتعبير أدق للولوج إلى السياسة الدوليّة عبر بوابة أمريكية روسيّة مشتركة.
وهذا ما يفسّر الرغبة الإماراتية باللعب بشكل منفرد في الساحة الجنوبيّة، أو الضغط على أن يصبح رئيس الوزراء اليمني السابق “محمد باسندوة”، الذي استقال عام 2014 رئيساً لليمن، بدل الرئيس المستقيل والفار (هادي) وهذا ما ظهر إماراتيّاً في مرّات عدّة، ليس آخرها ما قاله نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي ضاحي خلفان الذي اتهم الرئيس اليمني المستقيل عبد ربّه منصور هادي بـ”دعم الإخوان ضد التحالف العربي”، مضيفاً: ” هادي لم يعد مقبولًا في شمال ولا جنوب اليمن”.
ترحيل الشماليين من الجنوب
في الجنوب، واصلت قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيا في مدينة عدن عمليات ترحيل أبناء المحافظات الشمالية من المدينة.
وتأتي عملية التهجير القسري في إطار المواجهة القائمة بين هادي المدعوم سعوديّاً من ناحية، ورجال الإمارات في اليمن عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك الذي يقود قوات الحزام الأمني من ناحية أخرى. وذلك في مسعى يهدف لاستهداف أبناء المحافظات الشمالية بعمليات التهجير القسري رغم إدانتها سابقا من الأمم المتحدة.
وفي التفاصيل، داهمت مليشيا الحزام الأمني المدعوم إماراتيا سوق الخضار المركزي بمديرية المنصورة واعتقلت عشرات من الباعة والمواطنين المنتمين إلى المحافظات الشمالية تمهيدا لترحيلهم.
وتتحدّث مصادر جنوبيّة عن عودة الإمارات للعمل بقرار منع دخول المواطنين الشماليين إلى عدن بحجج مناطقية، عقب الإطاحة بعيدروس الزبيدي وهاني بن بريك، في إطار صراع النفوذ بين السعودية والإمارات.
اعترافات عناصر حزب الإصلاح
من المستجدّات الأخرى على الساحة اليمنيّة هي الاعترافات التي أدلى بها عناصرُ حزب الإصلاح أمامَ النيابة العامة عن استخدام الحزب، الذي شارك في السلطة بموجب المبادَرة الخليجية وأمسك بوزارة الداخلية، ووزارات أخرى لتنفيذ عملياتِ اغتيالات وتفجيرات طالت شخصياتِ سياسية وأمنية وعسكرية.
وقد تضمنّت قائمة أدلة الإثبات في القضية رقم (131) لسنة 2017 م ج.ج، الصادرة عن النيابة الجزائية الابتدائية المتخصّصة بأمانة العاصمة، وثائقُ (أدلة الإثبات) اعتراف 36 مرتزِقاً، معظمُهم من المنتمين إلى حزب الإصلاح، تفيدُ بأنهم اشتركوا في عملية رَصْد وإعداد كشوفات بأسماء قياداتٍ من أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وعُقّال الحارات وكُلّ الشخصيات المناهضة للعدوان، وكذلك القيادات الأمنية والعسكرية ومقراتها؛ ليتم استهدافُهم، سواء بالطيران، أَوْ بالتفجيرات عبر عُبْوات الناسفة أَوْ الاغتيالات.
كما تظهر في الاعترافات الطرُقُ التي استخدمها المتهمون في التخطيط والتنفيذ لتلك الجرائم، مع أسماء المشتركين معهم، وكيف تم الالتقاءُ بهم وتوجيهُهم وتدريبُهم.
وتضمّنت الوثائقُ تقاريرَ الأدلّة الجنائية الخَاصَّة ببعض الجرائم التي نفّذها المتهمون، بالإضَافَة إلى القيام برصد أَهْدَاف وقيادات من أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام وشخصيات عسكرية في الجيش والأمن، والذهاب إلى محافظة تعز؛ من أجل تعلُّم كيفية تركيب العُبْوات الناسفة وتصنيعها.
ويبدو واضحاً أن الدور الإماراتي في اليمن، كما السعودي، بعيد كل البعد عن ما أسموها “بالشرعيّة”، بل يتلخّص في مصالح سياسيّة، ولاحقاً اقتصاديّة، يدفع تبعاتها أبناء اليمن، شمالاً وجنوباً. لا بل إن الصفات التي رموا بها أعداءهم من أنصار الله والمؤتمر في وقت سابق، بدأوا يتقاذفونها فيما بينهم اليوم، حتّى أن ما تسمى “المقاومة الجنوبية”، أكّدت استعدادها للتصعيد العسكري في حال عدم تراجع هادي عن قراراته الإخوانيّة.