الحديدة .. في مخططات العدوان
صلاح القرشي
لاشك أن هناك مشكلة كبيرة عندما تكون الوحدة الوطنية للشعب قد أضعفت من خلال التحريض الطائفي والمذهبي والمناطقي، والجبهة الداخلية غير موحدة ، والوطن يتعرض لغزو عسكري خارجي كبير وغير مسبوق ، وثقافة الأقلمة تنتشر وتترسخ في الأذهان ، وتستغل كل ذلك دول العدوان في كل يوم فتغرس وتصب مداميك الأقلمة ومؤسساتها على أرض الواقع في عواصم مدن ما يسمى الأقاليم ،
**لم تتبق إلا مدينة الحديدة عاصمة ما يسمى (اقليم تهامة ) لم تحتل وتسقط من الناحية العملية بعد أكثر من عامين من الحرب العالمية على اليمن ،
لأن دول التحالف السعودي الأمريكي تعتقد انها قد احتلت وأسقطت وفرضت عواصم الأقاليم الخمسة في مدينة تعز (اقليم الجند) ومدينة مارب (اقليم سبأ) ومدينة عدن (اقليم عدن) ومدينة المكلا (اقليم حضرموت ) ومدينة صنعاء (اقليم آزال ) ، وتقوم بعملية الفصل الإداري لكل المؤسسات وتعزيز صلاحيتها وخلق الهوية المنفردة فيها لتكون هذه المدن كنواة لإقامة الأقاليم ، وتحاول هذه الدول رسم وفرض حدود كل اقليم على أرض الواقع. وتدعي انها حققت نجاحاً بنسبة تصل الى 70% بحسب ما يزعمون.
في اعتقادي ان دول التحالف السعودي الأمريكي الإماراتي البريطاني. وفي خلال عامين من الحرب قد استخدمت كل إمكانياتها وخططها في فرض نظرية أو خطة الأقلمة على أرض الواقع من حيث أنها أوجدت وكونت مداميكها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية وغيرها من المؤسسات وبحيث أصبح لكل مدينة أو عاصمة جيش خاص بها ،حرصوا على أن يكون كل جيش مقسماً ولاؤه لمراكز قوى معينة متنافرة في كل اقليم وبحيث تكون هذه المراكز القوى تتبع في ولائها لدولة معينة من دول التحالف ليسهل السيطرة عليه ولا يستطيع جيش الاقليم التوحد مستقبلا تحت قيادة واحدة قد يشكل خطرا على دول التحالف ، مع قيامهم بتعزيز ثقافة الولاء الضيق للهوية الجديدة لكل اقليم على حدة ، وحتى لو أن مدينة صنعاء لازالت خارج السيطرة ، إلا انهم يعتبرون أنهم سوف يجبرون قوات الجيش واللجان الشعبية الى العودة الى حدود (اقليم آزال) من خلال الضغط العسكري والحصار وسوف يصبح الجيش واللجان الشعبية كجيش خاص بإقليم آزال فقط كما يخططون، مع جعل أمانة العاصمة صنعاء عاصمة لحكومة فيدرالية ضعيفة في الدولة الاتحادية
وقد أصدروا وفرضوا إجراءات على الواقع الميداني والعملي في هذه العواصم أو المدن تؤدي إلى طريق ترسيخ اقلمة اليمن ، من حيث فرض إجراءات إدارية وسياسية وإعلامية وهوية مستقلة وغيرها على أرض الواقع يتم تطبيقها على المواطنين ويتم تطبيعهم على هذه القرارات والإجراءات كل يوم وبشكل مستمر ولم تتبق إلا مدينة الحديدة تحاول دول الاحتلال السعودي الأمريكي الإماراتي البريطاني احتلالها لكي تكتمل خطة فرض الأقلمة في اليمن ، ولذلك نجد التكالب الكبير من هذه الدول في احتلال مدينة الحديدة.
والجدير بالذكر أن دول التحالف قد أقامت معسكرات خاصة تضم مجموعات من أبناء محافظة الحديدة بعدن واريتريا وغيرها بغرض تجنيدهم وتدريبهم ليقوموا بالمهام الأمنية والشرطية المحلية في مدينة الحديدة عندما يتم احتلالها ولتكن نواة لجيش (اقليم تهامة).
كل هذه المحاولات الخبيثة والحثيثة لدول التحالف تريد أن تفرض الأقلمة على الأرض لتفرضه. رسميا وبقوة على طاولة المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية في أي تسوية لليمن ، لأنه وخلال عامين من المفاوضات ظلت حركة أنصار الله وحلفاؤها يرفضون كل هذه الخطط التقسيمية لليمن تحت اسم الدولة الاتحادية والتي ستؤدي بالنهاية أن تكون دويلات محتلة عمليا من دول التحالف العدواني في اليمن.
نعود لمدينة الحديدة من جديد، فالإمارات والسعودية وحلفاؤهما يعلمون مدى صعوبة احتلال مدينة الحديدة بل أنهم قد وصلوا الى قناعة باستحالة احتلالها في ظل الحسابات الميدانية العسكرية لطرفي الحرب.
فالخسائر الكبيرة والفادحة التي تكبدوها في احتلال الشريط الساحلي فقط من باب المندب الى مدينة المخا وأيضا لازالوا يتكبدون كل يوم المزيد من الخسائر الفادحة البشرية وفي المعدات في هذه الجبهة بغرض تأمين احتلالهم لمدينة المخا والشريط الممتد لباب المندب ، وخاصة أنه لازالت قوات الجيش واللجان الشعبية تفرض تواجدها وسيطرتها على كل المرتفعات المطلة على هذا الشريط الساحلي حتى مدينة المخا ابتداء من مرتفعات كهبوب ومرورا بمرتفعات العمري (بضم العين) والى جبل النار في جبهة متواصلة تم تعزيزها جيدا ويصعب اختراقها من قوات دول التحالف نظرا لجغرافيتها الجبلية.
هذه العوامل أعطت دول التحالف الانطباع الجيد والأكيد بخصوص حجم الكلفة المهولة التي تواجههم إذا ما قرروا خوض معركة الحديدة واحتلالها ، فكل حساباتهم ودراستهم ومعطياتهم وإمكانياتهم العسكرية والاستخباراتية. تشير وتؤدي الى نتيجة سلبية والى قناعة نهائية بعدم قدرتهم على احتلال مدينة الحديدة ولو استمروا سنين إضافية في الحرب المتواصلة ومهما استعانوا بقوات جنوبية أو سودانية كما تم في جبهة المندب – المخا.
ولذلك سمعنا اللواء أحمد عسيري الناطق الرسمي لقوات التحالف العدواني يتراجع. في تصريحاته الأخير في هذا الشأن ويقول ان قوات التحالف في هذا الوقت تعمل على تأمين احتلال مدينة المخا بعد ان كانوا قد أعلنوا في السابق الحديدة منطقة عسكرية والبدء في معركة احتلال الحديدة.
وهذا يعني أن السعودية والإمارات وبقية التحالف سوف لن تستطيع تطبيق خطة الاقلمة على الأرض وسوف تنعكس الأوضاع عليهم ويصابون بهزيمة كبيرة وتخرج الأمور عن السيطرة من أيديهم كلما مضى الوقت دون أي تقدم في الميدان ، وبصريح العبارة لقد وصلوا الى طريق مسدود في حربهم في اليمن.
ولذلك قرروا أنه لا مفر من استدعاء تدخل جيش أمريكي بري وجوي وبحري ليساعدهم مباشرة في خوض معركة الحديدة واحتلالها والتي بدأت الدوائر الأمريكية في التمهيد لهذا. التحرك الأمريكي المباشر والكبير وفي تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية ، لما لمدينة الحديدة من أهمية. في التقريب في حسم الحرب في اليمن وتنفيذ التسوية التي يريدونها في اليمن وفي فرض الدولة الاتحادية والاقاليم ومسودة الدستور التقسيمي والاحتلال المقنع وغير المقنع للأرض اليمن وجزره والتحكم في باب المندب ونهب ثروات اليمن.
وكانت لزيارة محمد بن سلمان لواشنطن والاجتماع بالرئيس الأمريكي ترامب وتعهده بضخ 200مليار دولار للخزينة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي الأثر الكبير في التفكير الجاد والموافقة الأمريكية بالتدخل المباشر لقوات أمريكية في احتلال مدينة الحديدة.
لكن في اعتقادي أن الأمريكيين يعلمون جيدا أن هناك حسابات لدى الدول الكبرى وخاصة روسيا والصين في المنطقة ستقف في طريقهم وأعتقد أنهم لن يمرروا تدخلاً أمريكياً واسعاً في الحديدة بدعم من مجلس الأمن وأن مصالحهم في هذه المنطقة ستتعرض للضعف والخطر الكبيرين ولذلك اعتقد أنهم لن يقفوا متفرجين.
فلقد رأينا رفضا روسيا في السابق وبشدة لمحاولة قيام الرباعية. الدولية (أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات) في تحويل الملف اليمني لهذه الدول واخراجه من مجلس الأمن عند اجتماعهم الأخير في لندن، والطلب الروسي آنذاك من مجلس الأمن للانعقاد لمناقشة الملف اليمني ، أي ان الروس يرفضون تفرد دول الرباعية. في الملف اليمني ، كما ان الصين لديها الهواجس الكبيرة في هذه المنطقة بعد تحول السياسة الخارجية الصينية الى تعزيز وجودها العسكري في غرب آسيا وإفريقيا لحماية مصالحها هناك، لذلك سمعنا اعتراضا صينيا قبل أسابيع على أي ترتيبات تستحدثها دول التحالف في جزيرة ميون وهذا مؤشر على أن الطريق لن يكون سهلاً وممهداً للأمريكيين في القيام بخطوات أحادية في الحديدة ، وخاصة مع تسارع الأحداث في سوريا وكوريا الشمالية بالنسبة لدول مجلس الأمن مجتمعة وحسابات كل دولة.
إن القيادة في صنعاء واعية وبشكل كبير لكل خطط تحالف دول العدوان التي ذكرناها سابقا فهي تنفذ خططا مضادة لها في الميدان. أفشلت وعرقلت الكثير من هذه الخطط طوال عامين من الحرب ، بل إنها أحبطت تحقيق الهدف الاستراتيجي الأول لدول التحالف وهو القضاء نهائيا على حركة أنصار الله وحلفائها وأخرجته من التداول نهائيا لاستحالة تحقيقه تماما.
كما أن قيادة الجيش واللجان يعلمون جيداً أن الدفاع عن مدينة الحديدة مصيري ومهم والتي تعتبر الرئة التي تتنفس بها صنعاء.واليمن، والتي يعتقد العدو أنه إذا استطاع احتلالها سوف يمارس الخنق الاقتصادي للشعب اليمني وفرض الشروط الاستسلامية عليهم ،
اذاً فلا مجال للتهاون فيها وكل الساحل الغربي، فلقد حشدت قوات كبيرة من الجيش واللجان والدعم الشعبي لهذه المعركة ، واتخذت الترتيبات والخطط اللازمة لهذه المعركة والتي سوف تجعل منها (جهنم الحمراء) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى على كل غاز يريد احتلال مدينة الحديدة، والعالم ككل سوف يشهد ذلك على أرض الواقع إذا ما حاول العدوان احتلالها، فلا وجود خيار إلا النصر فيها .
وثانيا القيادة في صنعاء نفذت خطة مضادة لفرض الأقاليم على ارض الواقع.، وذلك من خلال استماتة قواتها من الجيش واللجان الشعبية في الإمساك بالكثير من المناطق في هذه الأقاليم ولكي لا تكون قواتها فقط متواجدة في إقليم آزال وبالتالي تحقق خطة الاقلمة.
فقوات الجيش واللجان الشعبية تتواجد في أكثر من مديرية في محافظة شبوة ، وقواته تنتشر أيضا في الكثير من مديريات الجوف ومارب ، كما أن قوات الجيش واللجان لها تواجد في لحج والضالع ، وفي معظم محافظة البيضاء ومحافظة إب ومحافظة تعز ومحافظة الحديدة.
كما ان قوات الجيش واللجان الشعبية اعتمدت خطة ذكية وشجاعة في نقل المعارك العسكرية الى داخل الأراضي المحتلة في نجران وجيزان وعسير ، بهدف استنزاف الجيش السعودي وتكبيدهم الخسائر ورفع فاتورة تكاليف الحرب السعودية وممارسة الضغط على الجبهة الداخلية السعودية وتحقيق مكاسب لأوراقها على طاولة المفاوضات عند أي تسوية قادمة.
كما أن محاولة الحصول على أسلحة رادعة وتطوير قدراتها الصاروخية هو من أجل ان تجبر السعودية والإمارات وحلفائهما على وقف التدخل العسكري في اليمن وتحييد القوة الجوية الضاربة للعدوان وبحيث تبقى قوات ما يسمى المقاومة والجيش الوطني بلا غطاء جوي لتنقض بعد ذلك عليهم وتعيد تحرير كل أراضي ومحافظات وجزر الوطن .
في الأخير نقول إن وعي الشعب اليمني وخاصة بعد ما شاهدوا كل ما حدث في اليمن وفي هذه الحرب وسقوط كل الأقنعة وكل المبررات الواهية وكل الكذب والدجل الذي تم تسويقه من اجل الاعتداء على اليمن وعدم تحقيق كل الوعود البراقة من قبل دول التحالف وقيامهم بالتدمير الممنهج للبنى التحتية للدولة اليمنية وكل مقدرات الشعب اليمني والتدمير الشامل للاقتصاد اليمني والقيام بالقتل والمجازر البشعة ضد المدنيين الأبرياء بكل تعمد وحقد كل ذلك يجب ان يكون قد رفع من وعي الشعب اليمني في كل محافظات الوطن الجنوبية والشمالية ، ان هذا الوعي يعتبر إحدى أهم الضمانات الرئيسية لليمنيين لإفشال خطط العدوان الخارجي والانتصار عليهم وبحيث تنتشر قيم التسامح والمصالحة بين أوساط الشعب اليمني لتدفعهم مرة أخرى الى تمتين عرى أواصر الوحدة الوطنية بينهم لينطلقوا جميعا مرة أخرى نحو تحرير بلادهم من المحتلين وبحيث يقرروا مصيرهم بأنفسهم بدون أي تدخل خارجي أو ارتهان أو وصايا من الخارج.
والضمانة الثانية لليمنيين . في إفشال خطط دول العدوان تتمثل في استمرار واستبسال وصمود الشعب اليمني بكل قبائله وقواه الاجتماعية الحية في المدن والقرى ورجال الرجال من الجيش واللجان الشعبية ، في القتال ضد هذا العدوان الغاشم الاقليمي والدولي وأدواتهم في الداخل.
والضمانة النهائية والحاسمة لليمنيين والقادرة على هزيمة وإفشال كل خطط دول العدوان في اليمن تتمثل بالإرادة الالهية لله سبحانه وتعالى فهو وحده من يقرر هزيمة أي طرف وانتصار أي طرف في هذه الحرب العالمية في الميدان اليمني وفي عرين الشعب اليمني العظيم، وقد توكل الشعب اليمني على الله وراهنوا على تأييد الله ونصره عندما قرروا من البداية خوض هذه الحرب والدفاع عن وطنهم في مواجهة تحالف الشر من الدول الاقليمية والأجنبية.