محسن علي الجمال
من أكبرِ النكباتِ أَن تخسَرَ الأُمَّــةُ عظماءَها، وهو ما لمسه وأدركه غالبيةُ أَبْنَـاء شعبنا اليَـمَـني بتفريطهم في هذه القامة الإيْمَـانية والوطنية التي لا تضاهى، وحصل في مناصرته تخاذلاً أشبه بتخاذل أهل العراق مع الإمام الحُسَـيْن بن علي بعد أَن بلغَ التضليلُ الإعلاميُّ الرسمي للشعب اليَـمَـني ذروتَه؛ لتزييف الحقائق واختلاق كثيرٍ من التدليس والأكاذيب التي لا زال البعضُ يصدّقها إِلَى اليوم ليتحولوا إِلَى مسخرة وأضحوكة على كُلِّ مَن عرفوا نهجَ وثقافة الحُسَـيْن.
وكان حينَها الإعلام اليَـمَـني محتكراً على جهة معينة يدار في مطبخ إعلامي طيلة 6 حروب شنت ظلماً وعدواناً بدون ذنب أهلكت الحرثَ والنسلَ، اشتريت فيها الضمائر والنفوس، لتتضح اليوم جلياً للجميع إبان الحرب السعودية الأَمريكية على اليَـمَـن بأنه ذلك المطبخ القذر الذي كان يدار على الشَّـهِيْـد القائد وعلى من حملوا نهجَه، فسُجن وعُذب الكثير وأبلوا في الله بلاءً حسناً.
فأصبح كُلُّ من ينتسب إِلَى هذه المسيرة ويرى بنفسه ويقرأ المشروع الثقافي القُــرْآني الذي أتى به السَّـيِّد حُسَـيْن بن بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه يأسى من تفريطه ويتألم من عدم مناصرته للحق وأعلامه، خصوصاً إذا ما تمعن الإنْسَان في قصة استشهاد الشَّـهِيْـد القائد يجدُها شبيهةً تماماً كقصة جدّه الحُسَـيْن في معركة كربلاء فقد وصل من لؤم القوم أنهم منعوا الماء عنه وعن أطفاله، لكن الحُسَـيْن هو الحُسَـيْن فلم يزده الأمر إلَّا إيْمَـاناً وتسليماً.. ولكن أراد الله أَن يجعل من دمه الطاهر إعصاراً يجرف عروش المستكبرين والطغاة ليحقَّ الحق ويبطل الباطل.. فالحق لا يتعدد فماذا بعد الحق إلَّا الضلال؟
ولقد مثَّلَ رحيلُ الشَّـهِيْـد القائد السَّـيِّد حُسَـيْن بدر الدين الحوثي خسارة كبيرة ونكبةً ليس في واقع مجتمعنا اليَـمَـني فحسب، بل وفي واقع الأُمَّــة، حينما أدرك أَن الحكومات والأنظمة العربية والإسْلَامية كانت في حالة سائدة وفوضى عارمة تجتاحها بعد أَن فقدت الساحة واقعها الإسْلَامي والإيْمَـاني الحقيقي، وتحولت إِلَى ساحات مفتوحة للشر والطغيان والإجْرَام ومدت أيديها في عمالة واضحة مكشوفة ومفضوحة دخلت الأنظمة لرفع راية أَمريكا تحت عناوين التحالف وتحركت على الأَرْض تطبيقاً لذلك.
فتحرك حُسَـيْنُ العصر رضوان الله عليه في أَوْسَاط هذه الأُمَّــة وتناول قضاياها الرئيسية ودعاها بصوتِ الحق وبكتاب الله ليرشدَها ويبصّرها ليوضح لها المخاطر، ويقدم لها الحلول، ويستنهض واقعها المرير والمخزي بثقافة قُــرْآنية جهادية لا شرقية ولا غربية، بعد أَن شاهد الجميعُ المآسي والمظالم التي تقع في أَوْسَاط الأُمَّــة العربية والإسْلَامية وما وصلت إِلَيه من قبل أعدائها من استرخاص واحتقار واستهانة ودَوْسٍ على كرامة الإنْسَان وسفك الدماء تماماً مثلما عمل الأَمريكيون في سجن أبي غريب في العراق وأفغانستان وما يفعله أَيْضاً الكيان الإسرائيلي في فلسطين وغيرها.
تحركت كُلّ قوى الكفر والشقاق والنفاق والطغيان والإجْرَام لإهدار دمه قرباناً لإرضاء أَمريكا وإسرائيل، وظنوا بتلك الجريمة الوحشية الرهيبة أن مشروعه الثقافي الجهادي القُــرْآني سينتهي وأن أمره قد زال وابتهجوا وفرحوا وظنوا أنهم سيحظون بذلك منزلة ومكانة عند أَمريكا، لكن خيّب الله آمالهم، فقد جعل الله تضحياتِ ذلك الرجل العظيم ومَن معه من الشهداء العظماء والثابتين وقوداً لهذه الأُمَّــة وحقق الله لها هذه النتائج الملموسة على أرض الواقع، فبنى بثقافة القُــرْآن رجالاً يعشقون الشهادة وبنى رجالاً يحملون من الشجاعة والجُرأة والثقة والقوة ما لا يمتلكُه زعماءُ العرب بل وقادة سياسيون وقادة مكونات شعبية.
فعندما قال الرسول صلوات الله عليه وآله: “أهل بيتي كمثَلِ النجوم في السماء كلما أَفِلَ نجمٌ ظهر نجمٌ”، وإذا ما تمعنا في تأريخنا الحقيقي الإسْلَامي وليس المزوّر نجد النتيجة مباشرة مصداقية قول الحبيب المصطفى، فلا يمكن أَن يقوم أحد بأمر هذه الأُمَّــة غير أهل بيت رسول الله، ولنا في الإمام علي وأولاده عبرة وعظة وآية.. فعندما تمكن الطغيانُ من الاستيلاء على واقع الأُمَّــة وحَـــرْفِها عن مسارها بعيداً عن المنهج النبوي المحمدي ظلت الطريق، ولذا تحرك الإمام علي بالقُــرْآن فقتلوه ثم قُتل من بعده الإمام الحُسَـيْن ثم الإمام زيد بن علي حين خرج أولئك العظماء آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر داعين الأُمَّــة إِلَى شرع الله ورسوله، وكل الشواهد والأحداث والوقائع من جانب الأَعْــدَاء والأصدقاء خير شاهد على أَن هذا المشروع هو حق وصدق وأنه الذي فيه الخيرُ للأُمَّــة وهي في أمس الحاجة إليه.
الشواهدُ على الواقع الذي نعيشُه كثيرة، وخيرُ دليل على ما جاء به الشَّـهِيْـد القائد في ملازمه ومحاضراته وما طرحه عن مؤامرات الأَعْــدَاء والمكائد التي يتحرَّكُ خلالها الأَعْــدَاءُ، خصوصاً النوايا الشريرة لأَمريكا وإسرائيل حتى على مستوى وطننا إزاء التحذيرات التي كان يطلقها وهو يحاول استنهاضَ الشعبِ اليَـمَـني، ليدرك طبيعة المخاطر والتحدّيات المستقبلية وما نحتاج إِلَيه اليومَ هو المزيدُ من الوعي الحقيقي والمفاهيم الإيْمَـانية والصحيحة والسليمة للدين والواقع، فحذاري أَن يفرط أَبْنَـاءُ الشعب في عَــلَمِ الهدى قائد الثورة السَّـيِّد عبدالملك بدر الدين الحوثي كما فُرِّط في مأساةِ الحُسَـيْن.