في وداع شهيد

عبدالفتاح علي البنوس
أنطلق بحماس منقطع النظير في ركب الأحرار للدفاع عن وطنه وصون مكتسباته وجند نفسه بإخلاص بعد أن نجح في ترويضها في خدمة الناس وإنصاف المظلومين واستعادة حقوقهم المشروعة لم يجبن أو يتخاذل أو يهتز أمام المغريات، فكانت القناعة ثروته وماله وكانت العزة والأنفة شعاره، لم يداهن أو يجامل ولم يجعل من عمله الأمني فرصة للسلبطة على الناس وجمع الأموال فكان بسيطا متحمدا ومتواضعا ، ورغم ظروفه المعيشية الصعبة إلا أنه عاش كريما متعففا ، إيمانا منه بأن الآخرة خير وأبقى ولأنه كان يعد نفسه للشهادة والتي يدرك تماما بأنه لا ينالها ولا يحوز عليها إلا من أخلص النية وأصلح العمل وكان نظيف اليد والبطن ، كونها اصطفاء إلهيا لا يمنح إلا لخاصة المتقين والذي كان ( أبوعابد ) أحدهم، سهر الليالي من أجل حفظ الأمن والسكينة العامة ،لم يشكو أو يتذمر من ذلك ،كان البعض في حالة انشغال بالبحث عن المراتب والرتب والمناصب ، فيما كان هو مشغول بالعمل الأمني الميداني من خلال الدوريات التي كان يسيرها يوميا لتعقب عصابات النهب والتقطع والعناصر الإجرامية الخارجة عن النظام والقانون وغير مكترث برتب ووظائف ومناصب كونه كان يؤمن بأنها زائلة وبأنها ملهاة عن العمل الجهادي الإيماني  .
ظل (أبو عابد) على هذا النهج الثابت صال وجال ونكل بالأعداء في أكثر من جبهة، خاض غمار القتال فيها دفاعا عن الأرض والعرض والسيادة والكرامة ومع كل تجربة ورحلة جهادية كان يخوضها، يشتد بأسه وتقوى عزائمه ويزداد شجاعة وبطولة وإقداما وإصرارا على المضي في درب الجهاد لمقارعة قوى الغزو والاحتلال وفلول العمالة والارتزاق، لم يتخلف عن جبهة تمت دعوته للالتحاق بها، وكان السباق في الالتحاق ببعضها طواعية دونما دعوة أو طلب ،المهم تلبية النداء ونصرة القضية الوطنية العادلة والمشروعة ، دماثة أخلاقه وحسن تعامله مع من حوله أكسبته جميعها محبة الناس له حتى أولئك الذين كان يختلف معهم ، ورغم مهاراته القتالية وخبرته الجهادية إلا أنه كان حريصا على التأهيل المستمر عسكريا وثقافيا من خلال الالتحاق بالدورات التأهيلية المتقدمة والتي كانت الفائدة الكبرى له منها التعرف على أصدقاء ورفاق جدد واكتساب مهارات ومعارف جديدة  .
كان عاشقا للشهادة بجنون ومن أجلها أعد ذاكرة خاصة بصوره الشخصية لكي لا يكلف رفاقة عناء البحث عن صور له لطباعتها عند تشييعه شهيدا ، وفي كل مسار جهادي يخوضه كان يكتب وصيته ويعد نفسه للشهادة ولكنه كان يعود سالما لوالده ووالدته والتي كانت الأخيرة تعد الأيام وتسابق الزمن للوصول لليوم الذي تزفه  فيه عريسا كأمنية أخيرة لها كانت تتمناها نظرا لحبها الشديد له وتعلقها به أكثر من إخوانه ولكن مشيئة الله اقتضت بأن يحرم ( أبوعابد ) من نساء الدنيا ليحظى بالحور العين في الفردوس الأعلى بإذن الله ، حيث جاد هذا البطل بنفسه وقدمها رخيصة في سبيل الله وسبيل الوطن ففاز بمرامه وغايته التي كان ينشدها، حيث ارتقى شهيدا في جبهات العزة والكرامة والبطولة والتضحية والفداء، فنزل الخبر كالصاعقة على كل من عرفه ولم يصدق الكثير منهم ذلك وظنوا بأنها شائعة فقط ولكن سرعان ما حملت الأنباء تأكيدات التحاق المجاهد المخلص الصادق أبو عابد بركب الشهداء العظماء بعد ساعات من وداعه لوالده وأخيه وبعض رفاقه.
بالمختصر المفيد رحل (أبو عابد) عنا جميعا وفارق هذة الحياة بعد أن فاز عن جدارة واستحقاق بوسام الشهادة الأغلى والأثمن في هذا الكون الفسيح ، رحل نقيا طاهرا عفيفا متعففا مجسدا القدوة الحسنة لكل من عرفه وتعايش معه و لكل من ينشد الطريق والسبيل الذي يمنح من يسلكه ويلزمه بإيمان وإخلاص وسام الشهادة الرباني  ، رحل (أبو عابد ) وتركنا نغرق في حزن عميق وألم بالغ لفراقه ،أبكى رحيله الأعين، وأدمى القلوب ، وأذبل الأبدان  ،  ولكن المكانة التي منح إياها والمقام الذي أنتقل للمقام فيه خفف  نسبيا من وجع وألم الفراق، كيف لا وهي النهاية الحتمية التي ينشدها المخلصون  الأتقياء من أمثاله  ، كيف لا وقد منح ذلكم العطاء الرباني الجزيل الذي كرمه الله به كثمن للعطاء الذي قابل الله ووفد عليه به .
لقد غادرنا الشهيد ( أبو عابد)  جسدا، أما روحه الطاهرة فلا تزال في أوساطنا  وستظل محلقة  في الأرجاء تحيطنا بفيض من حنانها وعطفها وكرمها وعطاياها ومرحها وشجاعتها وإقدامها وسموها ورفعتها وشموخها وعنفوانها وتميزها ، لن ننساك أيها البطل ، لن ننساك أيها الشهيد الخالد في القلوب ، لن ننساك أيها الإنسان في زمن اللاإنسانية ،لن ننساك ما حيينا بعدك ، نم قرير العين أيها الشهيد الحبيب ، طبت وطابت روحك الطاهرة بإذن الله في أعلى عليين ، رحمة الله تغشاك  ، وطيب الله ثراك، وأحسن الله مثواك، وجعل الجنة سكناك وألحقنا بك وعلى دربك صالحين، ووالله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك ورحيلك عنا يا أبا عابد لمحزونون  .
والرحمة والخلود للشهداء العظماء ورحمات ربي تتنزل على أرواحهم الطاهرة فردا فردا ،والخزي والذل والمهانة للعملاء والخونة والمرتزقة ولا نامت أعين الجبناء .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله  .

قد يعجبك ايضا