> الأديب والباحث يحيى جحاف
محمد القعود
منذ بداية وعيه بما حوله، وهو يعشق التراث ومفرادته ويعشق الابحار فيه واكتشاف جواهر وعوالمه البديعة.. وهو العشق الذي تعمق في وجدانه، مما دفعه إلى مواصلة الأبحار والتحليق في فضاءات التراث وتكريس معظم وقته وجهده للبحث والدراسة والجمع والتوثيق للتراث الشعبي بصفة خاصة، ودراسته ونشره إسهاماً منه في حفظ التراث الثقافي اليمني وتقديمه إلى القارئ ليطلع على هذا التراث العظيم الذي تمتلكه اليمن، وليهدي إلى المكتبة اليمنية العديد من الإصدارات والدراسات في مجال التراث.
اتحدث عن الأديب والباحث يحيى محمد جحاف، هذا النموذج المضيء للمثقف والمبدع اليمني الذي تحمل الكثير من المعاناة والأعباء في سبيل تحقيق أهدافه النبيلة في خدمة التراث الشعبي اليمني والاسهام في حفظه من الضياع وخاصة التراث الشعبي في محافظة حجة، حيث كان لجهوده السباقة أثرها الهام في لفت النظر إلى ضرورة دراسة وحفظ هذا التراث البديع من الضياع والتشويه والاندثار وخاصة وأنه ظل لسنوات كثيرة بعيداً عن اهتمام المؤسسات الثقافية.
ان الأديب والباحث يحيى محمد جحاف أشبه بمؤسسة ثقافية متكاملة تؤيده في ذلك أعماله وإصدارته الهامة التي عمل على إعدادها وإصدارها بصورة ذاتية يشكر عليها ويحرج في نفس الوقت المؤسسات المختصة التي تنعم بصمتها وخمولها.
هذه الجهود الطيبة لهذا النموذج الرائع تستحق الإشادة والتقدير والدعم والرعاية وخاصة من جامعة ومحافظة حجة، نظراً لجهوده البارزة وريادته في هذا المجال.
ومع الباحث والأديب يحيى جحاف الذي كان لنا معه الحوار التالي:
تراثنا تنوع وغزارة
* اتجاهك نحو الأدب .. وعشقه.. وتخصصك في دراسة التراث…ما سبب هذا الاتجاه. ؟
– لقد وجدت في هذا الجانب متعتي الحقيقية التي تنسيني الكثير من الأشياء وتنقلني إلى عوالم أخرى. لا زال الحس الثقافي غائباً، ولا يدرك أهمية هذا التراث عند الكثير والدليل غياب الجهات ذات العلاقة بالتعريف والجمع والتسجيل والنشر لتراثنا الثقافي؛ كون المخزون الثقافي واسعاً وألوانه متعددة والباحث يجد فيه الشيء الكثير والمعبر عن مستوى هذه الحالة الثقافية التي وصل فيها الإنسان اليمني.
التراث يتيم ولم يجد حقه من قبل الباحثين والمتخصصين في الدراسة والتدوين .وسبب هذا الاتجاه؛ لأن في مفرداته تأملاً وتفكيراً وغزارة وتنوعاً، ويحتاج إلى جهود جبارة في جمعه من خلال المؤسسات والجهود الفردية مهما بلغت لا يمكن أن تأتي بالمطلوب لأنها تقوم جهودها على الذاتية.
خصوصية وتفرد
* بما يتميز التراث اليمني.. وما هي العوامل التي تهدده بالضياع.. وكيف نحافظ عليه؟
– يتميز التراث اليمني بخصوصية وتفرد في كثير من الجوانب وفيه توضيح وتبيان للمدى الحضاري لهذا الشعب ويظهر ذلك من خلال التنوع الحاصل في كل منطقة من مناطق اليمن المختلفة والذي يكاد يختلف من مكان إلى آخر إلى الحد الذي يجعل كل منطقة أن تكون حالة خاصة بذاتها وألوانها الجميلة.
أما العوامل التي تهدده بالضياع فهي عدم قيام المؤسسات والهيئات ذات العلاقة بالقيام بواجباتها تجاه هذا التراث الذي يحتاج إلى الحفاظ عليه كونه أصبح مهدداً بالضياع فلا الأبناء حفظوا من الآباء، ودونوا ما لديهم من مخزون، ولا قامت الجهات المختصة بتدوينه باعتباره تراثاً إنسانياً يهم الجميع دون استثناء.
أما كيف نحافظ عليه فيتم ذلك من خلال التدوين والتسجيل ما تبقى منه بالنزول الميداني إلى كل المحافظات والمديريات وهذا لا يمكن القيام به إلا من خلال مشروع توثيقي بالتعاون والتنسيق بين المهتمين وبقية الجهات كونه يتلاشى وسوف يصبح في يوم ما في خبر كان لأنه قائم على الانتقال من شخص إلى آخر بالحفظ والممارسة وهذه الحالة أصبحت تضيق حلقتها يوما بعد يوم نتيجة العوامل والمستجدات الحاصلة بفعل العوامل الزمنية الطارئة لبعد الناس عن الزراعة واستغنائهم عن كثير من الأدوات والعوامل التي كانت تفرض نفسها وأصبح اهتمامهم منصباً على زراعة القات والاستهلاك للمنتجات الصناعية الأجنبية.
مؤسسات لم تخدم التراث
* هل قامت المؤسسات الثقافية بدورها تجاه المحافظة على التراث ؟
– للأسف لم تقم هذه بالدور المناط بها وقد يعود ذلك لسببين أساسيين اما لعدم المبالاة أو لنقص الإمكانيات رغم كثرها وانتشارها في كل المحافظات إلا النادر من هذه المؤسسات التي تحاول جادة أن تقدم شيئا وتخرج ما يمكن إخراجه من الكم الهائل من هذا التراث لذلك ما أكثر العناوين والمسميات لهذه المؤسسات لكن اغلبها لا يخرج عن الشعارات المطبوعة في ترويسة أوراق المراسلات.
جهود ذاتية
* إصداراتك الثقافية والتراثية كانت بجهود ذاتية منك ….لماذا تحملت التكاليف… وهل انعكس ذلك على وضعك المادي..؟
– كل شيء في المشهد الثقافي قائم على المجهود الذاتي لذلك يعاني المهتم في أي جانب من جوانب البحث العلمي الأمرين لعدم وجود من يتبنى أبحاثه ويقوم بطباعتها لذلك إما أن تبقى حبيسة الإدراج إلى ما شاء لله أو التضحية على حسابه الشخصي الذي يترتب عليه أشياء كثيرة.
تحملت التكاليف لأنني وجدت أنه لا بديل لغير ذلك كما سبق أن قلت لعدم وجود من يقوم بطباعة أي بحث والسبب أن كل الأمور في البلد تقوم على العلاقات الشخصية .
لاشك أن ذلك كان له انعكاس على وضعي المادي ولازلت أعاني من ذلك من خلال الديون المتراكمة بسبب الدخول في هذا الباب الذي لا تشعر فيه بالراحة والطمأنينة إلا عندما تنظر إلى الكتاب أمامك مطبوعاً.
التراث أشبه باليتيم
* وهل أدت الغرض منها ..وسلطت الأضواء على التراث الذي قمت بتدوينه..؟
– لم تكن الغاية أن تؤدي الغرض لأنني أدرك مسبقا أن من عشق هذا المجال لابد له من التضحية ولا ينتظر مردوداً مادياً منه والاهم هو تقديم شيء للآخرين لأنني مؤمن بأن الحياة رحلة والرحلة فيها تأمل ومحطات توقف ومن الضروري أن يدون الإنسان شيئاً من هذه الرحلة قبل رحيله منها.
التراث يتيم في بلادنا والقليل من المهتمين والباحثين يقومون بتسليط الضوء عليه وتناولاتهم الكتابية وما كتبته في هذا المجال يعتبر سابقة في هذا المجال لأنه لم يسبقني احد خصوصا ما يخص محافظة حجة والحقيقة أن هذا الموضوع وجد الصدى الفاعل في أوساط الكثير من المهتمين لذا أتمنى من الجميع الاهتمام بالتدوين حتى ولو كان ذلك كلا في نطاقه الجغرافي.
قضيتي مع التراث
* كيف كانت قصة أول كتاب عن التراث..وما مدى تعاون المهتمين بتزويدك بالمراجع..؟
– أنا من مواليد الريف وانتقلت إلى صنعاء في وقت مبكر وشاهد عيان على كثير من الأشياء التي تلاشت وأصبحت اليوم في عالم النسيان وهذا في اعتقادي نتيجة للتداخل والتأثير الواضح على هذا التراث من خلال تلك الهجرات الجماعية التي بدأت من مطلع السبعينيات إلى دول الخليج والذي أصبح مؤثراً في حياتنا بقوة لتختفي كثير من الأشياء الجميلة ذات الطابع اليمني المتميز فعلى سبيل المثال في صنعاء تلاشى الرداء الصنعاني الجميل الذي عرفناه المميز للمرأة في هذه المدينة مثال ذلك لا الحصر الشرشف والستارة الصنعانية وحل بدلا عنهما الجلباب الخليجي .
البحث والمعاناة
* هناك الكثير من المعاناة التي يلاقيها الباحث في المجال الثقافي.. ما هي ابرز ما تواجهه من معاناة؟
– البحث العلمي أمر شاق ومتعب والمعاناة ليست مقتصرة على الباحث بل تتوزع على الكثير من أفراد الأسرة من حيث البعد والقصور في كثير من حقوقهم ومستلزماتهم وتقاسم البحث معهم جزءاً كبيراً لان الوقت الأكبر يأخذه البحث في بطون المراجع والكتابة.
أما ابرز المعاناة لاشك بعد ان يكمل الباحث مشروعه تبدأ رحلة البحث عن من يتبنى طباعته والبحث عن المطابع لكنه يظل يدور في حلقة مفرغة وبعد أن يصل إلى مرحلة اليأس يقوم بالبحث عن مصادر الدين لكي يرتاح نفسيا.
* مشاريعك القادمة..؟
– سوف أصدقك القول بأن هناك مشاريع قادمة منها ما أصبح جاهزاً والبعض الآخر في طور النهاية أهمها الأسواق الشعبية في اليمن والذي نشر بعض الحلقات منه في صحيفة “الثورة” اليومية وأنا اعتقد أن هذا العمل سوف يلاقي استحسان القراء والمهتمين كونه الأول في هذا المجال.
* صور ومواقف مررت بها..؟
– في إحدى رحلاتي البحثية الميدانية أنا والصديق العزيز د. يحيى العبالي وكان الوقت حينها في منتصف ظهيرة احد أيام شهر رمضان الكريم مررنا بجانب قرية من القش وشاهدنا صبياً يمسك في صدره احد الأطفال الصغار عرياناً وكلاهما حافيا القدمين، هذه الصورة لازالت عالقة في ذهني لذلك الصبي والطفل ذي البشرة السوداء العاري الجسد بينما الآخر حافي القدمين وملابسه مهترئة فكان المنظر مؤلماً جدا ويحز في النفس إلى حد أن الإنسان لا يصدق أن مثل هؤلاء يعيشون في القرن الواحد والعشرين فتوقفت لآخذ صورة دون أن يشعرون بذلك، لقد أثر فيني المشهد لذلك لازلت احتفظ بهذه الصورة.
* أصداء الساحة الثقافية وخاصة في حجة تجاه إصداراتك المهمة بتراث المحافظة بوجه خاص؟
– لم تكن هناك أصداء تليق بالحدث كما كنت أتوقع وإنما استطيع القول كان الأمر محصورا على النخبة المثقفة مع تعاطٍ لا بأس به من قبل بعض الجهات ذات الطابع الثقافي من خارج المحافظة التي أحيت فعاليات وتكرموا مشكورين بمنحي بعض الشهادات التقديرية.
جهد متواضع
* تقييمك للعديد من الدراسات والجهود البحثية التي تم القيام بها تجاه التراث اليمني..؟
– أنا لست ناقدا كي أقيم تلك الدراسات والجهود البحثية وما قمت به من جهد متواضع جزء بسيط في الحفاظ على هذا الإرث التاريخي من منطلق الشعور بمسؤولية أن لكل قادم تأثيره فيه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ونحن نلمس أن هناك أنماطاً جديدة في حياة الفرد والجماعة أصبحت اليوم تلازمنا في حياتنا اليومية، صارت جزءاً من حياتنا اليومية.