“ترامب”.. مسار ثورة أم دراما مرسومة وماذا بعد..؟
حُميد منصور القطواني
وضع أمريكا الذي تمر فيه وسقف خياراتها في عهد اوباما لن يتغير في عهد أي رئيس مجنون أو عاقل، وما خطاب ترامب خلال مراسم تنصيبة رئيسا لأمريكا حول فشل الإدارة السابقة للملفات الخارجية وخاصة الشرق أوسطية إلا إقرار رسمي بهزيمة أمريكا وسقوط منظومة النفوذ والتآمر وفشلها في تحقيق الأطماع الأمريكية في المنطقة بالتزامن مع ذلك الإقرار إعلان ترامب عن ملامح الاستراتيجية التآمرية الجديدة لتحقيق ما عجز عنه سلفه في المنطقة العربية عنوانها الحرب ضد الإسلام الإرهابي إلى جانب ترميم النفوذ المتهالك في الساحة العالمية .
وكل هذه المشاهد الدرامية ليست إلا محاولة لسد الهوة بين الواقع والطموح الأمريكي للهروب من استحقاقات انقلاب المعادلة العالمية لصالح خصوم أمريكا والاعتراف بسقوط النظام العالمي القديم وتشكل نظام عالمي جديد على الأقل هكذا يرى من يقاوم الأطماع والمؤامرات الأمريكية .
كيف ذلك؟
المتابع للانتخابات الأمريكية الأخيرة يجد أنها أشبه بفلم درامي لو تم إنتاجه في هوليود لكان عنوانه أمريكا ترامب الرعب المنتظر .. تدور أحداثه حول رجل تحالف معه القدر فانتصر بمفرده على الدولة العميقة في أمريكا بمؤسساتها العريقة و تحالفها الكوني ضده..
رجل قدم نفسه كثائر صارم وقدمه الإعلام الأمريكي في مسار ترسيخ فكرة ترامب المرعب بان هذا الرئيس المعجزة مجنون وعنيف وعدواني وثور هايج ووحش كاسر على الصديق والخصم ولا يفكر إلا بالآلة الحاسبة.
ثم يأتي مشهد درامي آخر بعد فوزه أمريكا ترسل قادتها إلى بعض الدول الصديقة والحليفة لها في زيارات رسمية مهمتها إرسال تطمينات حول ترامب المرعب..ولسان الحال طبيعي أن تقلقوا وتخافوا من أمريكا ترامب ولكن اطمئنوا نحن معاكم شريطة أن لا تستفزوه وأن لا تخالفوا أوامره عدا ذلك نحن غير مسؤولين ..
وحتى تتضح الصورة عن الانتخابات الأمريكية وفوز ترامب فإن من فرضه مرشحاً للحزب الجمهوري بالتزكية دون انتخابات بعدما تنازل منافسه ودفعت رئيسة الحزب الثمن بتقديم استقالتها هي تلك الأيدي الخفية التي أفشلت حملت هيلاري كلنتون قبل يوم من الانتخابات بفتح قضية الاختراق الالكتروني ليلة الاقتراع ورغم فوزها بثلاثة ملايين صوت إلا أن تلك الأيدي الخفية من وظفت نفوذها على مندوبي الكلية الانتخابية وحسمت الأمر لصالح ترامب… وهي ذاتها الأيدي الخفية التي وزعت الأدوار فجعلت الإعلام المسيطر عليه من قبل اليهود ضد ترامب وثمانين في المائة من أصواتهم معه .. وهي اللوبيات اليهودية صاحبة النفوذ الأكبر في المؤسسات الحاكمة في أمريكا وأكثر المستفيدين من وعود ترامب وتعهداته بنقل سفارة أمريكا إلى القدس.. وما قاله ترامب في خطابه عن فساد تلك اللوبيات لم يكن كشفا لمستور وتعهده بمحاربتها قد يأتي في إطار حشد التعاطف الشعبي حوله لدعم سياساته الجديدة وخاصة الخارجية التي سوف تكون محور استراتيجيته المرسومة من تلك اللوبيات.
ولكن ماذا بعد :
من المتوقع قبل أن تمضي أمريكا ترامب في المخططات الاستكبارية الجديدة وتصفية الحسابات في ملفات النفوذ مع محور روسيا وحلفائها إلى جانب تنظيف مخلفات فشل المخططات السابقة يتبقى مشهد أخير من أجل تثبيت صورة أمريكا ترامب الرعب المنتظر وترميم منظومة النفوذ والسيطرة على الحلفاء .. وذلك بتوجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد دولة شرق أوسطية حليفه لها انتهى دورها وتقاطعت مصالح ومخاوف أمريكا وحلفائها وخصومها على ضرورة التخلص من نظام الحكم فيها إما يكون ذلك النظام الناشز عن المسار الغربي وتضخم وحش التطرف، عملا بنظرية عنتر بن شداد لإرهاب الخصوم بقوله” كنت أقوم بضرب الضعيف ضربا حتى ينخلع منه قلب أقوى الرجال “.
ولمعرفة أسس هذه القراءة التحليلية لابد من التعريج على فترة اوباما فبرغم نجاحه في إيقاف مسار انهيار نفوذ وهيمنة أمريكا وإرهاق محور المقاومة في مرحلة ما قبل الصمود والانتصارات اليمنية إلا أنه أي الأمريكي في المقابل استنزف هيبة بلاده في وعي شعوب العالم عبر محطات عديدة خاصة عندما كان يقرر ويتوعد بضربات عسكرية ضد سوريا وكوريا لأكثر من مرة وأمام ساعة الصفر يتراجع أمريكا بشكل مخز ومذل.وشعوب العالم ترقب الوعيد الأمريكي المتحقق قطعا كونها كانت القوه التي لا تقهر ولا تتقهقر ..
وهذا قدم أمريكا لحلفائها قبل خصومها بصورة دولة ضعيفة وعاجزة .. إلى جانب انتصارات الثورة الشعبية في اليمن وصمود الشعب اليمني أمام العدوان الأمريكي وإطماعه الذي مكن من دحر منظومة الإرهاب والتفتيت وكبح جماح النفوذ الأمريكي وأدواتها الإقليمية في سوريا والعراق وانقلاب خارطة التحالفات لصالح محور المقاومة وروسيا كما هو في الحالة التركية والمصرية والأهم من ذلك أنها أسقطت الجبروت والهيبة الأمريكية في الوعي العام ..
كل ذلك أدى إلى تصدع منظومة السيطرة الأمريكية على إيقاع حلفائها وانحسار النفوذ الغربي والفشل والهزيمة في كثير من ملفات لصالح المحور الآخر وبالتالي تحطمت الإطماع الاستكبارية الغربية وهذا ما أكدته تقارير نخبوية صدرت من معهد واشنطن للدراسات ومنها تقرير صدر في نوفمبر 2015 بعنوان “تسريع الحملة: كيفية البناء على التقدم المُحرز وتجنب أي جمود في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وعليه جاءت هذا الدراما لخلق هالة حول أمريكا ترامب سماتها الرعب والجنون لعل وعسى..ومن الحتمي سقوط هذه الهالة والانحدار السريع نحو الانهيار في أول صدمة عرض جدار الحقيقة وقواعد الواقع..