أمريكا ..مصدر العدوان
أحمد يحيى الديلمي
دلت المعطيات ومسار الأحداث والمآسي التي تتوالى بشكل يومي وتطال كل شيء وكل مدينة وقرية في اليمن أن العدوان الوحشي السافر الذي تشنه السعودية على اليمن بدعم ومباركة ومشاركة دول عربية وغربية لم يكن وليد اللحظة أو رد فعل مباغت لنصرة ما يسمى بالشرعية كما قيل وتروجه الأبواق الدعائية للإعلام المعادي .
الحقائق التي تكشفت خلال عامين مضت، أظهرت إلى العلن الدور الكبير لعدد من الدول الغربية وعلى وجه الخصوص أمريكا وبريطانيا في التخطيط والتمهيد لهذا العدوان الغادر باعتباره البديل الأمثل عند فشل الإخضاع القسري بالطرق السياسية وفق الاتفاقات السرية المبرمة مع حركة الإخوان المسلمين في الدول العربية ومنها اليمن، بموجبها تغاضت أمريكا وبريطانيا عن ما سُمي بثورات الربيع العربي، طالما أن نتائجها محسومة سلفاً وأنها ستفضي إلى التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني باعتباره الشغل الشاغل ومحور اهتمام النظام الأمريكي اللاّطبيعي، إضافة إلى تحقيق الأهداف التوسعية الإستراتيجية في المنطقة التي سعت وتسعى إلى تحقيقها بكل الغايات والوسائل ومنها :
• ادعاء امتلاك المعرفة لتغدو سلطة رمزية وسوط مسلط للتحكم في مصائر ومسارات الشعوب، وفرض أسس معرفية تسعى إلى كسر احتكار السماء وتشكيك الشعوب في معتقداتها .
• التشكيك في سلامة أي وعي معرفي ومحاربة كل وعي موروث يخالف ما هو سائد في أمريكا والسعي إلى قتل أي معارف أخرى .
• التحالف مع سلطات سياسية هزيلة ودعم بقاء الحكام في سدة الحكم بشكل مدهش بالغ الخطورة اقتضى مساندة أنظمة تتغنى بمبادئ لا تمارسها .
• التلاعب بما يطلق عليه الجماعات الإسلامية المسلحة وإمداد الإرهابيين بالمال والسلاح وتسخيرهم لتحقيق الأغراض وترجمة النوايا المبيتة باعتبارها مصدر لتوجه الإسلام السياسي .
• إثارة موضوع حقوق الإنسان وغياب النهج الديمقراطي عندما يتمرد النظام ولا يذعن لأهداف أمريكا الإستراتيجية ورغباتها التوسعية في المنطقة .
من الانعكاسات المحزنة التي دلت على المزاج الأمريكي اللامنطقي، توفير أرضية لاأخلاقية لتبرير العمالة والخيانة والتنكر للقيم الوطنية واتساع نطاق الإرهاب وأعماله الإجرامية عبر السيارات المفخخة وجموع الانتحاريين والذبح بالسكاكين والتغني بوحشية بمثل هذه الأعمال الغاية في البشاعة . هنا قد يسأل البعض ما دخل ما أسلفت بالعدوان على اليمن وهو تساؤل مشروع . للإجابة أقول: هنا تكمن الحقيقة، فالآليات المتصلبة للإرهاب والأعمال المضادة بأفقها العدائي من قبل كل الجماعات ذات الجذور الوهابية كانت أحد عوامل الترهيب في حال فشل وسائل الترغيب ممثلة في المبادرة الخليجية ومشروع الأقلمة الذي تصدر مخرجات الحوار وتم إقراره بطرق ملتوية، وعندما شعرت أمريكا بصعوبة تطبيق الفكرة على أرض الواقع أطلقت يد الجماعات الإرهابية فأصبحت مصدراً للتكفير والتفجير، وبلغ الإرهاب منتهى الخطر باستهداف المساجد وقتل مئات المصلين بما فيهم العلماء، مما أثار حفيظة القوى الوطنية وأصبح الأمر مسألة حياة أو موت، انطلقت عملية المواجهة الحقيقة مع الجماعات السلفية الجهادية في دماج، هذا العمل المباغت أربك الدول الراعية وعملاءها في الداخل فتعالت الأصوات بالتهديد والتنديد واعتبار ما يجري صراعاً بين السنة والشيعة، وتم استقدام مئات المتطرفين الإرهابيين بدعوى نصرة أهل السنة ومقاومة الروافض أتباع إيران، أي أن ما كان يسمى برئيس وحكومة التوافق ومعهم السعودية وأمريكا منحوا الإرهابيين القتلة صك الاعتراف بهم وبما يقولون مع أنهم يحتكرون لأنفسهم صفة الإسلام وأنهم وحدهم المعنيون بتحديد من هو المسلم ومن الكافر وأنهم وحدهم من اهتدى إلى الحقيقة وأنهم معنيون بقتال المرتدين (المسلمين المخالفين) إلى أن يحققوا النظام الذي يسعون إلى قيامه .
لقد ازدادت الشناعة سواءً عندما أتسع نطاق الاغتيالات وطال العلماء والمفكرين وأصبح التوجه باتجاه القتل الجماعي والتدمير الشامل في ظل إيمان هذه الجماعات بأنها تخوض جهاداً مقدساً بأسم الله سبحانه وتعالى، وأطراف في النظام مثل علي محسن الأحمر وجلال عبد ربه منصور هادي يمدونهم بالسلاح والمال والعتاد إلى جانب الدعم المباشر القادم من السعودية ودول الخليج ودعم آخر مصدره دول لا علاقة لها بالإسلام، بقدر ما هي الرغبة في إحداث كوارث والإمعان في تمزيق النسيج الاجتماعي وصولاً إلى تقليم أظافر القوى السياسية وإخضاعها للإرادة والهيمنة الأمريكية عبر الوسيط الأقليمي الممثل في السعودية، وعندما باءت كل هذه الأعمال بالفشل ووصلت إلى طريق مسدود بدأ السفير الأمريكي آنذاك أعماله الماكرة لتوتير الموقف وإيجاد المبررات الكافية لشن العدوان بغطاء دولي فاستطاع إقناع بحاح بتقديم الاستقالة باسم الحكومة وفعل نفس الأمر مع هادي عندما تسارعت الأحداث .
من بين العوامل التي جاءت فجأة تصدر السعودية للموقف وسعيها إلى قيام ما سمي بالتحالف العربي لترجمة الرغبة الأمريكية البريطانية التي توارت عن واجهة الأحداث واكتفت بإقناع دول كثيرة بعدالة هذا العدوان ومن عجزت عن إقناعه استطاع الشيك السعودي إقناعه أو على الأقل ضمان صمته . وفي هذا تأكيد على أن العدوان أمريكي بريطاني بامتياز .
هذا الكلام ليس تنجيما لكنه حقيقة تؤكده الحقائق والوقائع الماثلة على الأرض وأهمها الإصرار على استمرار العدوان، فالسعودية التي مُنيت بهزائم عديدة وحصدت إخفاقات مدوية وأنفقت أموالاً طائلة وصلت معها إلى حافة الإفلاس باتت تبحث عن المخرج، بينما أمريكا تناور وترى في استمرار العدوان بنفس الوتيرة وتشديد الحصار زيادة المعاناة وتوفير المناخ لمزيد من الفوضى والتذمر من قبل الشعب كوسيلة لإخضاع القوى الوطنية للتسليم والخنوع .
والسؤال هو .. متى يعقل حكام السعودية !؟ وإلى متى سيتغنون بانتصارات وهمية؟ ويتحدثون عن تموضعات ورقية يعقبها الفشل والانكسار ألا تصلهم صدى رسائل الصمود والتحدي من كل رجالات وقبائل وعلماء ومثقفي اليمن والتجارب السابقة فيها ما يكفي للاتعاظ وأخذ العبرة . وعلى أمريكا أن تدرك بأن كل يوم يمر من العدوان يزيد اليمنيين قوة وصلابة، وأن عبارة الموت لأمريكا انتقلت من درجة الفعل المحبب إلى موقع الواجب المقدس، وأن كل شيء في البلاد يسير نحو الثبات والاستقرار .
وأننا نستمد النصر من الخالق سبحانه وتعالى .. وهو نعم المولى ونعم المجيب.