ندماء السلطة .. والضمير الغائب !!

 

أحمد عبدالله الشاوش

كثيراً ما يلجأ حكام العرب والمسلمين إلى إنشاء وتعيين” ندماء” للسلطة من شقين ، الأول وهو الأوفر حظاً وقرباً وتفاعلاً ومسؤولية لوضاعته مثل بعض السياسيين والمثقفين ومشايخ ورجال صحافة وإعلام وشعراء وأدباء وظرفاء متحررين من القيم ، يجيدون فنون السفاهة والسفالة والإنحلال ، للاستعانة بهم في تحجيم عقلاء الأمة وتأديب الناقدين وترويض المعارضين وهجائهم عبر تسويق الشائعات والإساءة والتشكيك والتهم والنيل من رموز الثقافة والفكر والتنوير والعلماء والمصلحين الذين لا تروقهم بعض التصرفات السلبية والتجاوزات المخلة لملوك وأمراء ورؤساء وقادة كانوا أكثر صلاحاً قبل الصعود إلى السلطة وأصبحوا غارقين في الظلم والفساد حتى أخمص القدمين .
في حين تأتي بطانة الحكماء والعقلاء والمفكرين والعلماء الأكثر استقامة وصلاحاً في آخر اهتمامات الحكام عن دراية ومعرفة وأخرى نزولاً عند رغبات ومغالطات ودسائس ندماء السوء ، الذين يستميتون في تهميش الحكماء والانتقاص من منزلتهم الرفيعة وتغييب حضور هم ، إلا إذا شعر الحكام باهتزاز عروشهم وكراسيهم بحلول الثورات أو الانقلابات التي سرعان ما تطيح بعروشهم ، بعد أن غدر بهم المفلسون الذي طغى حضورهم على مدار الساعة وكانت لهم اليد الطولى في إلهاء الحكام وتعيين فلان ، والإطاحة بزعطان ، والانتقام من علان ، بعد أن تفردوا وسحروا الحكام واستمالوا قلوبهم وسيطروا على عقولهم بنواعم الكلام وجلسات الإنس وأماتوا فيهم مواطن الخير ونزعوا عنهم الشعور باحتياجات ومآسي الرعية ، ولنا في ندماء الأمويين والعباسيين والأندلسيين والعثمانيين وغيرهم أمثلة وعبراً كثيرة جرتهم إلى سقوط ممالكهم وتهاوي كراسيهم بعد أن سقطت أخلاق الكثير منهم.
ورغم أن الحكام بشراً يصيبون ويخطؤون وغالبيتهم يحلم بالحياة ورغد العيش والتفكير في إضافة شيء للآخرين ويؤمن بلغة التسامح والتعايش من أجل البقاء على قيد الحياة ، إلا أنهم بعد الوصول إلى كراسي الحكم تموت فيهم غريزة التفكير الإيجابي وميزة الوفاء بالعهود ويفتقد السواد الأعظم منهم إلى البساطة والرحمة والإيثار ونسيان أو تناسي منظومة القيم بعد أن أصبحوا ضحايا دون أن يشعروا وطغاة دون أن يعرفوا ودمى طيعة ، رغم الهيبة المصطنعة والهالة الإعلامية والإفراط في الأناقة والخطابات والحديث عن الانجازات وقمع المعارضين ليدفع الكثير منهم ثمناً باهظاً بعد أن أصبحت البطانة الفاسدة قد خبرت بكل نقاط الضعف في الحاكم وشخصت نفسيته وجرت في كل جوارحه كما يجري الشيطان في مجرى دم ابن آدم ونمت فيه ” هوى النفس” وبريق الأموال والأرصدة ودغدغت فيه التسلط ، حتى صنعت منهم طواغيت لقمع الشعوب لإلهائهم بالصراعات الوهمية التي تعيق الحاكم والأمة عن قيادة الشعوب العربية والإسلامية من الوفاء بمسؤولياتها الدستورية والقانونية والشرعية التي تعهدوا للارتقاء ببلدانهم واقسموا الإيمان بصونها واحترام شعوبها ، وبغض النظر عن الطريقة التي قفزوا بها إلى السلطة عبر الانتخابات أو التوريث أو الانقلابات ذات اللونين الأحمر والأبيض أو الشرعية المضروبة التي أصبحت بمثابة شعرة معاوية في عالمنا العربي لتسويق الفوضى واستجلاب الغزاة .
ولذلك فإن بقاء حكام الأمة العربية والإسلامية حبيسي الجدران الأربعة في قصورهم وتحت تأثير وسيطرة مجموعة من الغوغائيين والانتهازيين المفلسين عن بُعد الذين يعملون على مدار الساعة على تغييب الحكماء والعقلاء لإسقاط الحكام وضياع الأمة بعد أن أصبح حكامنا عبيداً لشهواتهم وبطانتهم السيئة التي أصبحت تدير أمور البلدان العربية من القصور الفخمة التي كثر حراسها وخدامها وغانياتها وموائدها المتخمة وانعدمت مرؤتها وأمنها وثقتها في نفسها والآخرين ،، بعد أن تصدى سفهاء الأمة لكل خطوة رشيدة وبارقة أمل هدفها الإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين وبناء المؤسسات وتقويم الحكام بعد أن تسممت عقولهم وقلوبهم بالدسائس والحقد والكراهية والشك والصراع البيزنطي .. وما أن تأتي رياح التغيير وعواصف الانتقام وزلازل الشعوب وصرخات البطون الجائعة حتى يستيقظ الحكام فجأة مذعورين من هول الفاجعة لاستجداء عقلاء الأمة بعد فوات الأوان .
فهل يعي حكامنا التاريخ ويستفيدون من قراءة الواقع ويستلهمون الدروس من فتنة الربيع العربي وماقبلها ومابعدها وترك هوى النفس ومجالسة حكماء الأمة وعقلاءها ليريحوا ويستريحوا وفاء للعهود أم كُتب عليهم العيش في بروج مشيدة حتى تأتيهم المنية أو رصاصات الانقلاب أو إعصار الشعوب .. أملنا كبير في مراجعة النفس ووخز الضمير ؟

قد يعجبك ايضا