صعدة بعيدة
علي أحمد جاحز
بفضل من الله ورعاية عالية من لدنه ، بقيت صعدة في كل حقب التاريخ بعيدة عن متناول الغزو، لتكون القلعة اليمنية الحصينة ، والجزء العصي الأبي في الجسد اليمني الذي تعرض مرارا للغزو والاحتلال ، وهو ما يجعلها البقعة الأكثر طهرا في أرض اليمن الطاهرة ، وطوال تلك المراحل التاريخية لم تسمح صعدة لأي دخيل أن يعبر أسوارها سواء عسكريا أو سياسيا أو ثقافيا أو أيديولوجيا .
ليس ترفا ولا مبالغة القول بأن صعدة محاطة بأسوار شاهقة منيعة مبنية من البشر وليس من الحجر ، أهلها ومن وقف معهم وشد الرحال اليها من أبناء اليمن هم السور المنيع ، هم عينة مختلفة ومميزة من اليمنيين الذين يحرسون أرضهم وهويتهم وخصوصيتهم ويشعرون بمسؤولية الغيرة على وطنهم حتى وان استسلمت مختلف مناطق اليمن ظلوا وحيدين ينافحون ويذودون ، وهذا ما يشهد به التاريخ بمختلف مراحله .
طوال حروب الجمهورية والملكية مثلا بقيت صعدة بعيدة عن متناول جيش الجمهورية المسنود بالجيش المصري ، وبعد ان انتهت تلك الحروب لم تمانع صعدة من أن تكون جزءا من اليمن الجمهوري لكن دون ان ترغم على ذلك بقوة السلاح ، وتمكنت أيضا من الحفاظ على هويتها وخصوصيتها طوال الفترات التي تلت تلك الحروب ، لتبقى فرس رهان اليمنيين بوجه مشروع الوهابية الذي غزا كل مناطق اليمن .
وبرغم الحروب الست التي شنها النظام الحاكم ومعه السعودية وجامعة الدول العربية ومجلس الأمن وكل هذا التحالف الكائن اليوم ، بقيت صعدة بعيدة عن محاولات الاخضاع والتركيع الرامية لسلبها هويتها وخصوصيتها ومنعتها وإبائها الضارب في عمق التاريخ ، لتخرج من تلك الحروب الطويلة وقد سمكت أسوارها وازدادت تحصينا ومنعة .
لا أحد ينكر أن المشروع الوهابي تمكن من زراعة بؤر له في صعدة خاصة في دماج وكتاف ، لكنها ظلت لعقود طويلة بؤرا نائمة منكفئة على ذاتها لم تستطع أن تخترق جسد صعدة المنيع المحصن ثقافيا وفكريا وسياسيا ، وحين حاولت تلك البؤر ان تنشط وتتحرك عسكريا ومعها الدعم السعودي اللامحدود والاسناد الحكومي بقيادة حزب الاصلاح وأياديه النافذة في بعض القبائل ، حاصرت صعدة ولكنها تساقطت كالجراد على أسوارها المنيعة وبقيت صعدة بعيدة ، بل ومنها انطلق مشروع تحرير معظم جسد اليمن الطاهر من المرض التكفيري الداعشي الذي ظلت السعودية ومن ورائها امريكا تحقنه به طوال عقود .
واليوم يأتي العدوان السعودي ليقول بأنه سيطر على ثلث محافظة صعدة .. في الوقت الذي ثلث نجران وجيزان وعسير باتت مناطق أشباح لا يسكنها إلا الموت الزؤام لمن تسول له نفسه الاقتراب منها ، أما صعدة فهي بفضل الله بعيدة وحدود اليمن الطاهرة بعيدة ، ومثلما لاتزال صحراء ميدي في حدود محافظة حجة مع جيزان بوابة جحيم تلتهم جحافل المرتزقة والغزاة منذ أشهر طويلة ، فإن منفذ البقع المحاذي لنجران ومنفذ علب المحاذي لعسير يمثلان بوابتين جديدتين الى الجحيم لا تشبع من التهام جحافل العدو ومرتزقته الذين ينتحرون فيها بين الحين والأخر.
حري بإعلام العدوان ومرتزقته أن يتذكر جيدا أن الانتصارات على شفاه المذيعات وفي صفحات النت سهل للغاية ، ولو حسبناه بتلك الطريقة كانت الامور مقلوبة تماما الآن على الميدان منذ أكثر من عشر سنوات ، لكن الميدان والواقع هو من يحسم المعارك ويحدد اتجاهات النصر ، بإذن الله .
صعدة بعيدة وستظل بعيدة ، ولها بعد الله الفضل في أن تكون أكثر مناطق اليمن بعيدة أيضا، ومن لايزال غير مدرك لهذه الحقيقة فعليه ان يقرأ التاريخ جيدا ويتعلم من دروسه ، أو يجرب ويصنع درسا جديدا للأجيال القادمة .