معاذ القرشي –
حصرياٍ لدى اليمنيين عندما يفرحون يْرسلون الأحزان إلى بيوت بني جلدتهم ويسلبون منهم الفرحة في لحظة غباء إنساني نادر يختبئ خلف تقاليد بالية تْعبر عن الفرح بأدوات الموت .. إنهم ضحايا الطلقات النارية الراجعة التي تأتي مرافقة للأعراس والذين يتزايدون في كل يوم وتسجل أقسام الطوارئ في المستشفيات على مستوى الجمهورية الكثير من هذه الحالات ومع كثرة الضحايا الذين يسقطون يظل السلوك الخاطئ يمارس والدولة لم تحرك ساكناٍ لدرء خطر الطلقات النارية -الذي يحصد ضرره ويدفع ثمنه- أسر تفقد عائلها الوحيد ويتحطم درب مستقبلها بسبب فقده وتتوه في زحمة متطلبات الحياة بدون سند ولا مْعين.
ويْقصد بالطلقة الراجعة –هو الراجع من المقذوف الناري من معبر أو بقية المعدن الذي يحتوي على الباروت بعد انفجاره-.
الجاني تقاليد سلبية!!
من أمانة العاصمة واحداٍ من ضحايا الطلقات الراجعة يعمل في إحدى الشركات العاملة في القطاع الخاص رأينا ألا نذكر الاسم حتى لا نؤثر على سير إجراءات التحقيق سقط ضحية دون ذنب ارتكبه لقد كان يؤدي عمله المعتاد وفي لحظة ما حولها عدم الوعي بحرمة دماء الآخرين إلى لحظة قتل قطفت فيه وردة في وقت تفتحها والضحية قتيل وأسرة فقدت عائلها الوحيد. والقضية تسجل ضد مجهول وليس بالمجهول فمن يقترف هذا الفعل للأسف مجتمع مصر إصراراٍ عنيداٍ على أن يعبر عن فرحه بتحويل لحظات الفرح إلى لحظات أحزان مصر على إرسال العويل والمآتم إلى البيوت بدون إحساس بالضحايا وبأسِر تفقد عائلها.
طه عارف طه الأديمي –طفل في الثانية عشرة من العمر- كعادته ذهب إلى مسجد القرية في إحدى قرى محافظة تعز لرفع أذان صلاة العصر لذلك اليوم أذن للصلاة وانتظر قدوم المصلين كما يفعل دوماٍ لكن ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس منعته أن يصلي ذلك الفرض بمعية أهل القرية كما يفعل دوماٍ.
سقط الطفل على الأرض ومن رآه من المصلين ملقياٍ والدماء تسيل من رأسه ظن أن الطفل طه أغمي عليه وأصاب رأسه على رصيف المسجد لم يفكرون في بداية الأمر أن الإصابة ربما تكون بسبب طلقة طائشة فقد تم إسعاف الطفل إلى المستشفى لكنه فارق الحياة في الطريق وصل إلى المستشفى جثة هامدة وأعاد أقرباؤه جثته إلى القرية دون أن يعلم أحد أن الطفل ضحية طلقة نارية طائشة وبحسب التلقائية المعهودة والتسليم بالقدر تم دفن جثة الطفل من قبل أقاربه الجميع لم يضع أي احتمالات ربما تكون سبباٍ في وفاته لكن واحداٍ فقط من أهل الطفل استبعد وفاته بسبب سقوط بسيط في الجامع وفي نفس الوقت تساءل هل هناك عرس في القرية أو في القرى المجاورة ولما كانت الإجابة بنعم هناك عرس في إحدى القرى المجاورة تيقن أن الوفاة كانت بسبب واحدة من الطلقات الراجعة والتي للأسف نسميها طائشة والطائش هو ما لا يصيب الهدف لكننا هنا نقصد بقايا الطلقات التي تقتل وتسقط الضحايا وتصنع الأحزان في البيوت.
نبش قبر طفل
وللتأكد من سبب موت الطفل بعد الشك الذي ساور البعض من أقربائه تم نبش القبر وإخراج جثة الطفل للتأكد من سبب وفاته وعند نبش القبر وسط معارضة البعض من أصحاب النوايا الحسنة من أقربائه ومن أهل القرية معللين أن كرامة الميت دفنه لكن مع شك البعض في سبب الوفاة تم إخراج الجثة ونقلها إلى المستشفى ليتم فحص رأس الطفل وتبين لهم حينها أن موت الطفل كان بسبب طلقة نارية دخلت في مؤخرة الرأس وسكنت فوق العين كما قال الأخ فتحي عبدالرحمن أحد أقربائه.
ليلة عرس خلف القضبان
ظلت جثة الطفل طه في ثلاجة المستشفى لمدة خمسة أيام وفي هذه الأثناء تم القبض على صاحب العرس في قرية مجاورة في نفس يوم الوفاة وتم إيداع العريس السجن وقضى ليلة عرسه في السجن «عريس مع وقف التنفيذ» والسبب إطلاق الرصاص في الأعراس وبحجم الألم الذي اعتصر أسرة الضحية لفقد ابنهم كانوا كرماء وهم يعفون عن قتل ولدهم ويحتسبون جزاء عفوهم عند الله ويرفضون الدية هذا الإيثار مع فداحة الفْقد درس لابد أن يكون قد استوعبه أناس لا يزالون يْطلقون الرصاص في الأعراس وكأن الضحايا الذين يسقطون أمر خيالي لم تستوعبه عقولهم التي صادرها التباهي بالسلاح والتعبير عن الفرح بأدوات تصنع الأحزان!!
مقتل طه وغيره بهذه الطريقة لابد أن يكون درساٍ لمجتمع سلبه السلاح القدرة على التمييز بين ما يضره وما ينفعه.
رغم الضحايا
وهذه قصة أخرى عن واحدة من المصابات بسبب إطلاق الرصاص في الأعراس ونرمز لاسمها (س.م.ص) كان حظها أن تصاب لا أن تموت فلقد أصيبت براجع لطلقة نارية في أسفل العمود الفقري وهي تقوم بتجهيز وجبة الغداء في مطبخ البيت أي فرح هذا الذي يقض مضاجع الناس وهم آمنون في بيوتهم ويصنع المآسي ويترك آثار جريمته غير آسف لأوجاع الضحايا وأنينهم إنها أنانية مفرطة تتوارى بأستار التقاليد التي يجب أن تكون من الماضي وأن نبني بينها وبين حياة الناس جداراٍ من الوعي والإدراك بحرمة دماء الآخرين العالم المتحضر عندما يعبر عن فرحة يشعل الشموع ويضع أكاليل الزهور ونحن لانزال مصرين على التعبير عن الفرح بتوزيع كؤوس الأحزان إلى كل بيت بالغباء استحكم فينا فأصاب وأوجع ولا يزال رغم ارتفاع عدد الضحايا الذي تستقبله طوارئ المستشفيات في المدن والمديريات من الذين يقتلون أو يصابون بسبب الرصاص الذي يطلق في الأعراس وما يمثله من حزن للأسر بفقد أفرادها تظل الظاهرة موجودة بل في أحيان كثيرة تمارس أكثر من السابق.
وهنا يظل جزء من المجتمع يدفع ثمن تصرفات البعض الآخر المهووس بالسلاح وتظل النفس مليئة بالحسرة لفقد الضحايا.
وعندما نقول ضحايا راجع الطلقات لا نقصد فقط من ذكرناهم مع عميق حزننا عليهم وعزاؤنا لأسرهم وإن كان متأخراٍ ومع بقاء الظاهرة ووجودها وبقوة في المجتمع فإن طابور الضحايا بسببها سيظل طويلاٍ وقابلاٍ للزيادة طالما والدولة ومؤسساتها الأمنية عاجزة على القضاء عليها وخلق وعي مجتمعي بخطرها وتنظيم مناسبات الأعراس وعندما نقول تنظيمها نقصد منع استخدام أدوات الموت للتعبير عن الأفراح ومثل هذا لا أظن أن مجتمعاٍ يتحلى بقليل من الوعي يرفضه فما بالك بمجتمع مثل المجتمع اليمني وما يتصف به من وعي وتماسك وارتباط كبير فقط نريد من الدولة أن تحسم خيارها في اقتلاع الكثير من الظواهر السيئة التي نشأت في المجتمع أثناء غياب هيبة الدولة ومنها إطلاق النار في الأعراس.
ويوضح الطب أن هناك مناطق في جسم الإنسان حساسة لا يوجد عليها ستار يحميها رغم أن راجع مقذوفات السلاح الناري تخترق حتى جمجمة الرأس لتصيب الدماغ أو شيئاٍ آخر من الرأس لتكون خطورتها إذا لم يحدث الوفاة يؤدي إلى نصف حياة (إعاقة) ومثل ذلك إذا أصاب المقذوف الراجع الظهر في منطقة العمود الفقري.
وبحثاٍ عن رأي القانون في هذه الظاهرة وما إذا كان هناك نص قانوني بحرمة هذا الفعل.
قال المحامي: سلطان الملح: إنه في ما يتعلق بالطلقات الراجعة وما تحدثه في المجتمع فهي تمثل أولاٍ إقلاقاٍ للأمن الاجتماعي وثانياٍ يترتب على ارتكابها جوانب جنائية ومن يقوم بهذا الفعل يعتبر مرتكباٍ لجريمة.
وعن القانون وما إذا كان يحوي نصاٍ قانونياٍ واضحاٍ لتجريم هذا الفعل قال المحامي الملح: للأسف الشديد فإن القانون لم يشر بشكل واضح لهذا النوع من الجرائم وأطالب الشرع بأن يدخل نصاٍ واضحاٍ لمواد القانون لتجريم هذا الفعل بشكل أكثر وضوحاٍ!
لكن مثل هذا الفعل يندرج ضمن نصوص قانونية أخرى تعاقب على هذا الفعل.