الثورة / خاص
أعلنت وكالة أنباء كوبا الرسمية أمس، وفاة الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، عن عمر يناهز 90 عاماً.
ويُذكر أن كاسترو أمضى قرابة نصف قرن من عمره في السلطة، قبل أن يُضطر للتنحي عام 2008 بسبب أوضاعه الصحية.
وقد قاد كاسترو ثورة يسارية في بلاده التي ظلت تحت الحصار الأميركي لعقود، قبل أن تطلق الولايات المتحدة مؤخراً مبادرة دبلوماسية تجاهها.
وجاءت وفاة كاسترو بعد مرور 3 أشهر على احتفالات كوبا بعيد ميلاده الـ 90، حيث نظّمت احتفالات في العاصمة هافانا في 18 اغسطس الماضي شارك فيها الآلاف وتزامنت مع كرنفال هافانا السنوي.
وكان فيدل كاسترو قد اعتزل السلطة في عام 2006، حيث تولّى أخوه الأصغر راؤول كاسترو مهامه قبل أن يجري تعيين الأخير بشكل رسمي رئيسا للبلاد عام 2008، لكنّ فيدل ظل محتفظا بلقب” الزعيم الأسطوري”.
وتذكر وكالات الأنباء أن فيدل كاسترو نجا من أكثر من 600 محاولة اغتيال، وتحدى 10 رؤساء أميركيين، وواكب أكثر من نصف قرن من التاريخ.
حياة كاسترو
* ولد فيدل كاسترو في 13 أغسطس 1926 في مقاطعة أورينت جنوب شرق كوبا لأب مزارع من أصل إسباني، وأمّ كانت خادمة لزوجة والده الأولى.
وتلقّى تعليمه الأوّلي في مدارس داخلية يسوعية في سانتياغو، ثم انتقل للمدرسة الثانوية الكاثوليكية بيلين في مدينة هافانا، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة المدينة نفسها عام 1945.
وقد اجتذبت مبادئ كاسترو الثورية تأييداً واسعاً في كوبا، وتمكّنت قواته في عام 1959 من الإطاحة بنظام باتيستا الذي أصبح يرمز إلى “الفساد والتعفن وعدم المساواة”.
بعد إطاحته بنظام باتيستا وتسلّمه سدّة الحكم في البلاد، سرعان ما حوَّل كاسترو كوبا إلى النظام الشيوعي لتصبح أول بلد تعتنق الشيوعية في العالم الغربي.
لم تكد الولايات المتحدة تعترف بالحكومة الكوبية الجديدة حتى بدأت العلاقات بين واشنطن وهافانا بالتدهور، لاسيما عندما قام كاسترو بتأميم الشركات الأميركية العاملة في كوبا.
وفي أبريل عام 1961 حاولت الولايات المتحدة إسقاط الحكومة الكوبية من خلال تجنيد جيش خاص من الكوبيين المنفيين لاجتياح جزيرة كوبا.
إلا أنّ القوات الكوبية المتمركزة في خليج الخنازير تمكنت من صد المهاجمين وقتلت العديد منهم واعتقلت حوالي ألف شخص آخر.
وهكذا أصبح كاسترو العدو رقم واحد بالنسبة للولايات المتحدة، مما حدا بحليفه الاتحاد السوفياتي حينذاك بأن يقرر نشر صواريخ بالستية في الجزيرة الكوبية لردع أي محاولة أمريكية لغزوها، وذلك وفقا لمذكرات الزعيم السوفياتي حينذاك نيكيتا خروشوف.
وبعد ذلك بعام واحد، بدأت أزمة الصواريخ السوفياتية الشهيرة التي كادت أن تجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة.
وفي أكتوبر عام 1962 اكتشفت طائرات تجسس أمريكية بالفعل منصات الصواريخ السوفياتية في كوبا، مما جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد المباشر.
إلا أنّ الأزمة لم تطل كثيراً، فقد توصلت موسكو وواشنطن إلى تسوية أزال الاتحاد السوفياتي بموجبها صواريخه من كوبا مقابل تعهد أميركي بعدم غزو كوبا، والتخلص من الصواريخ الأميركية في تركيا.
وقد أربك تحالف كاسترو مع خروشوف الولايات المتحدة التي قطعت هافانا علاقاتها الدبلوماسية معها عام 1961 بعد عملية خليج الخنازير الفاشلة، كما أمّم عدداً من الشركات الأميركية التي بلغ مجموع أرصدتها ما يقرب من مليار دولار في ذلك الوقت.
وقد أصبح كاسترو أحد النجوم اللامعة في عصر الحرب الباردة. ففي عام 1975، أرسل كاسترو 15 ألف جندي إلى أنغولا لمساعدة القوات الأنغولية المدعومة من السوفييت. كما أرسل في عام 1977 قوات أخرى إلى إثيوبيا لدعم نظام الرئيس الماركسي مانغستو هيلا مريام.
وقد أثر انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991 كثيراً على الأوضاع في كوبا، وخاصة الجانب الاقتصادي منها. إلا أن بعض المحللين يرون أن كوبا تمكنت من التقليل من آثار خسارة أهم حلفائها.
وقد ظل كاسترو يلقي باللوم على واشنطن ويحملها مسؤولية المصاعب الاقتصادية التي تواجهها بلاده، وذلك بسبب الحظر الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على كوبا.
صمد في وجه التاريخ.. لكن ليس في وجه الزمن
* على الرغم من أنه قاد عام 1959 ثورة أدخلت كوبا رسمياً في فلك الشيوعية، فقد التقى فيدل كاسترو البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما زار كوبا عام 1998، كما التقى أيضا البابا بنيديكتوس السادس عشر الذي زار كوبا في شهر مارس الماضي.
كما واجه كاسترو على مرِّ 45 عاما الولايات المتحدة، إذ وقف في وجه الحصار الاقتصادي الذي فرضته واشنطن على بلاده، واستمر نظامه حتى بعد سقوط الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية.
وتعرض كاسترو لمحاولات اغتيال عدة وللتدخلات الأميركية في شؤون بلاده، وتحول الرجل إلى مثال يُحتذى أمام بلدان وقيادات أخرى في أمريكا اللاتينية وغيرها.
وربما يكون الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز أبرز مثال على اقتفاء قادة أمريكا الجنوبية أثر كاسترو في سياسة مواجهة وتحدي النفوذ الأميركي.
وذكرت عدة تقارير استخبارية وغيرها أن الولايات المتحدة حاكت أكثر من 600 مؤامرة لاغتيال كاسترو الذي نجا منها جميعها ليظل في حكم بلاده طوال قرابة خمسة عقود تعاقب خلالها تسعة رؤساء على حكم الولايات المتحدة.
رسالة التنحي
* “سوف أخون ضميري إن أنا قبلت تحمل مسؤولية تتطلب الحركة، فأنا لست في حالة صحية تمكنني من بذل هذا العطاء”
“سوف أخون ضميري إن أنا قبلت تحمل مسؤولية تتطلب الحركة، فأنا لست في حالة صحية تمكنني من بذل هذا العطاء”
وفي التاسع عشر من شهر فبراير 2008 استقال فيدل كاسترو من منصبي رئاسة الدولة والقيادة العامة للقوات المسلحة الكوبية، وأعلن عن خطوته تلك ذلك في رسالة نشرتها صحيفة غرانما الرسمية في موقعها على الإنترنت.
وقال كاستروا في رسالته تلك: “سوف أخون ضميري إن أنا قبلت تحمل مسؤولية تتطلب الحركة والتفرغ والتفاني بشكل كامل، فأنا لست في حالة صحية تمكنني من بذل هذا العطاء”.
ورغم خلافة شقيقه راؤول له في رئاسة البلاد والقوات المسلحة وزعامة الحزب الشيوعي الحاكم، إلا أن فيدل كاسترو لم يغب عن الأخبار خلال السنوات الأخيرة، سواء بمقالاته التي دأب على نشرها أو بتعليقاته على التطورات المحلية والدولية.
ففي شهر يونيو عام 2008، انتقد فيدل كاسترو ما وصفه بـ “النفاق الكبير” وراء قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الدبلوماسية المفروضة على كوبا ومطالبة الحكومة الكوبية بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وفي شهر يناير من عام 2009، كتب فيدل كاسترو مقالا آخر حث فيه مواطنيه على عدم الارتباك بسبب مرضه وإمكانية وفاته، كما حيَّا أيضا الرئيس الأميركي الجديد حينذاك باراك أوباما، وقال إنه لا يتوقع أن يكون على قيد الحياة عندما يخوض أوباما السباق للفوز بولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة عام 2012.
ورغم مرض كاسترو، فقد فاجأ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في 27 فبراير 2009 بإعلانه أنه شاهد صديقه القديم وهو يسير في شوارع هافانا لأول مرة منذ أن أقعده المرض قبل 3 سنوات من ذلك التاريخ.
وفي يوليو من عام 2010 ظهر فيدل كاسترو للعلن للمرة الأولى منذ مرضه وتنحيه عن الحكم، وذلك عندما قام بزيارة لأحد المعاهد العلمية في العاصمة هافانا.
عودة إلى الأضواء
* وعاد الزعيم الكوبي إلى الأضواء الدولية مرة أخرى في الشهر الثامن من عام 2010 عندما ألقى خطاباً أمام جلسة استثنائية للبرلمان الكوبي حذر فيه الرئيس الأميركي من مغبة شن حرب نووية على إيران.
وفي شهر أبريل 2011، ظهر فيديل كاسترو من جديد إلى جوار شقيقه الرئيس الحالي راؤول كاسترو في المؤتمر العام للحزب الشيوعي الكوبي الذي عقد في العاصمة هافانا، حيث قوبل الرجلان بترحيب حار من الأعضاء المشاركين في المؤتمر الذين لم يتوقعوا مشاهدة فيديل كاسترو.
وقد أدان فيدل كاسترو في الـ 24 من شهر أكتوبر من عام 2011 حلف شمال الأطلسي (الناتو) لدوره في الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قائلا إن “هذا الحلف العسكري المتوحش قد أصبح أكثر أدوات القمع غدرا في تاريخ البشرية”.
وفي الخامس من شهر فبراير من هذا العام حضر فيدل كاسترو حفل توقيع مذكراته التي صدرت في كتاب من نحو 1000 صفحة، وتضمن محطات أساسية في حياته منذ الطفولة إلى تصدره الثورة الكوبية، والفترة الطويلة التي أمضاها في رئاسة البلاد وزعامة الحزب الحاكم، بالإضافة إلى فترة مرضه وما بعد تنحيه عن الحكم.
ويُعرف كاسترو بين أفراد شعبه باسم “فيدل” أو “القائد”. ورغم أن العديد من الكوبيين يمقتون كاسترو بلا شك، إلا أن كوبيين آخرين أحبوه، فبالنسبة لهؤلاء فكاسترو هو كوكبا وكوبا هي كاسترو.
الحياة الخاصة لكاسترو
* أبقى كاسترو حياته الشخصية شأنا خاصاً بشكل عام، إلا أن بعض المعلومات عنها باتت متوفرة خلال السنوات الأخيرة، ومنها زواجه عام 1948 من ميرتا دياز- بالارت، التي أنجبت له ابنه الأول فيديليتو، وطلاقه منها فيما بعد.
وفي عام 1957 التقى كاسترو بسيليا سانشيز التي قيل إنها رفيقة حياته الأساسية، وقد ظلت معه إلى أن توفيت عام 1980.
وفي ثمانينيات القرن الماضي تزوج كاسترو من داليا سوتو ديل فال التي أنجبت له 5 أبناء.
الثائر في وجه الامبريالية والاستكبار
* العجوز الثائر الذي استطاع الصمود أمام ما وصفها بالإمبريالية الأمريكية طوال خمسين عاماً، قاوم حتى آخر نفس من أجل إنهاء هيمنة أمريكا على وطنه كوبا، باختصار هو شخص يتحدى الزمن والتاريخ كما وصفه الكاتب البريطاني ريتشارد بيستون، إنه الزعيم الثوري فيدل كاسترو.
الثورة الكوبية
* بعد التخرج بدأ كاسترو بممارسة المحاماة لمدة عامين، كان حينها ينوي الترشح في الانتخابات البرلمانية، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تم إلغاء الانتخابات بعد قيام فولغنيسو باتيستا بانقلاب عسكري أطاح بنظام كارلوس بريو ساكاراس..
وبدأت الحياة السياسية في كوبا تتخذ مجرى آخر.. عصر جديد في ظل نظام ديكتاتوري مدفوع من الولايات المتحدة الأمريكية، قيد حرية الصحافة والإعلام، وبات يلاحق المعارضين وكل من لا يعلن ولاءه للحاكم، ومن هنا دبت روح الثورة في كاسترو، حيث بدأ بتشكيل قوة ثورية لمهاجمة إحدى الثكنات العسكرية، إعلاناً لرفض سياسة باتسيتا القمعية، لكن محاولته باءت بالفشل، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 80 من أتباعه، كما تم إلقاء القبض عليه هو وبعض أعوانه، وحكم عليهم بالسجن لمدة 15 عاما، وبعد عامين فقط تم الإفراج عنهم في مايو 1955.
سافر فيدل كاسترو إلى المكسيك بعد إطلاق سراحه، بهدف البعد عن عيون الاستخبارات الأمريكية المزروعة في مختلف أنحاء كوبا، وهناك اجتمع كاسترو برفاقه الثوريين وعلى رأسهم أخوه راؤول للتخطيط لثورة مسلحة بهدف إنهاء الهيمنة الأمريكية على كوبا، وإسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري، كما قام بتأسيس حركة 26 يوليو الثورية، التي كانت سبباً في لقائه بالمناضل تشي جيفارا، وبمرور الوقت نشأت بينهما علاقة صداقة قوية، ساهمت فيما وصلا إليه كلاهما.
* فور الانتهاء من تجهيز الخطة والتدريب الكافي، أبحر كاسترو ورفاقه إلى كوبا لإشعال فتيل الثورة، وبالفعل لاقت مبادئ كاسترو الثورية تأييدا شعبيا هائلا، كما انضم عدد كبير من أفراد القوات المسلحة الكوبية إلى جانب كاسترو، الأمر الذي ساعده ورفاقه في إسقاط نظام باتيستا الحاكم المستبد الذي اختار الهرب بعد فشل محاولة بقائه في الحكم في يناير 1959.
خمسون عاما من العداء مع أمريكا
* بعد الإطاحة بنظام باتيستا تسلم كاسترو مقاليد الحكم في البلاد، وسرعان ما تحولت كوبا إلى بلد تعتنق الشيوعية، الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة فأبت إلا أن تفشل الثورة، وتنتزع الحكم من كاسترو بأي ثمن كان.
حكم كاسترو البلاد قرابة الـ 50 عاماً، شهد فيها رحيل وصعود نحو 10 رؤساء أمريكيين، جميعهم حملوا البغض والكره والعداء لفيدل، فقد حاولت المخابرات الأمريكية اغتياله 638 مرة وفقاً لما صرح به أحد وزراء كوبا مؤخراً، وتنوعت هذه المحاولات ما بين محاولة قتله من خلال القناصة، وما بين حشو سيجاره الخاص بالمتفجرات، ودس السم له في كأس البيرة، وغيرها الكثير من الطرق التي باءت جميعها بالفشل.
لم تنحصر محاولات أمريكا في التخلص منه بالاغتيال فقط، فقد حاصرته اقتصادياً أيضاً لتضييق الخناق على الشعب الكوبي، أملاً في أن يحتج وينادي بإسقاطه، لكنها باءت بالفشل هي الأخرى، وباتت الوسيلة الوحيدة للإطاحة بحكمه هى التدخل العسكري والصراع وجهاً لوجه، وذلك في معركة خليج الخنازير عام 1961 التي شنتها الولايات المتحدة للاستيلاء على الجزيرة.
غزو خليج الخنازير
* أغلقت جميع الأبواب بوجه أمريكا، ولم يكن هناك بد من اتخاذ خطوة عسكرية لقلب نظام الحكم والإطاحة بكاسترو، فقررت وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ CIA استغلال المرتزقة المأجورين، والكوبيين المنفيين وهم الذين غادروا كوبا بعد وصول كاسترو للحكم رفضًا لحكمه وسياسته، وقامت بتدريبهم في غواتيمالا لاستخدامهم كقوة مضادة بوجه كاسترو والثورة الكوبية.
وافق الرئيس الأمريكي جون كيندي على اقتراح وكالة الاستخبارات الأمريكية في الـ 17 من مارس 1960، واقترح خليج الخنازير ليكون ساحة المعركة، وبالفعل بدأت وكالة الاستخبارات في تدريب قواتها على الفور استعداداً للهجوم، وفي السابع عشر من أبريل 1961 بدأ الغزو البري بخليج الخنازير..
والتقت قوات المعارضة الكوبية المدفوعة من الولايات المتحدة بقوات الحكومة الكوبية، لكن كاسترو كان لديه علم مسبق بما تجهز له أمريكا، فقد تسربت أخبار الهجوم عن طريق مخابرات الاتحاد السوفييتي العدو اللدود لأمريكا، فقام باستعدادته هو الآخر، وفي غضون ساعات سحقت القوات الحكومية الكوبية القوات الأمريكية وأنزلت بها هزيمة ساحقة.