رصاص الغدر الآثم..! (2-2)

> من ملفات الشرطة

عرض وتحليل/ حسين كريش

وصل بلاغ إلى مركز شرطة دار سلم بمحافظة صنعاء عن واقعة مقتل مواطن شاب اسمه محمد علي العماري في شقته الكائنة بحي الشباب بمنطقة دار سلم فانتقلوا من المركز وكذلك من الأدلة الجنائية إلى محل الواقعة وقاموا هناك بإجراءات المعاينة والتصوير للجثة والمكان ورفع الآثار. وتبين أن المجني عليه كان مصاباً بطلقتين ناريتين إحداهما من مسدس ربع والأخرى من سلاح آلي هما اللتان أدتا لمقتلة وكان الجاني أو الجناة مجهولون ثم تكلف فريق عمل للمتابعة من المركز وأولهم النقيب بندر الجابري الذي تم تكليفه كمحقق أساسي في القضية وبقيادة مدير المركز ورئيس مكتب البحث ومشاركة آخرين ليتضح من خلال جمع المعلومات والاستدلالات واستخراج بيانات المكالمات والرسائل الواردة إلى تليفون المجني عليه والصادرة منه بنفس يوم الجريمة بما يؤكد أن ثمة أشخاصاً جاءوا للمقيل عند القتيل المعذور والذي اسمه محمد علي العماري بعد ظهر ذات اليوم ومن هؤلاء الأشخاص بعض الشباب من الحارة والذين مكثوا للمقيل حتى وقت المغرب ثم غادروا بينما بقي شخصان آخران كانا من خارج الحارة مع المجني عليه وهما كما قيل صديقان للأخير وأوصافهما كذا وكذا .. فتم التركيز على هذين الشخصين والسعي وراءهما من قبل المركز حتى تم استدراجهما واحضارهما للمركز ومن ثم مباشرة استضافتهما وفتح المحاضر معهما لتبدأ هنا لعبة الذكاء واتضاح المؤشرات لبعض الحقائق.. و.. وها هي بقية الوقائع ومع أحداث الحلقة الثانية والأخيرة..

%d8%b3%d8%b3

كان الشخصان المضبوطان أحدهما يدعى رائد يعقوب عمره 19 سنة من محافظة ريمة والآخر يدعى عبدالجليل سعد يبلغ من العمر 20 عاماً من محافظة إب وقد اعترف الأخير أمام المحقق بعد جهد جهيد بأنه من أطلق النار على المجني عليه بدون قصد وبدون مشاركة الأول معه وذلك في محاولة منه لتبرأة الأول المدعو رائد غير أنهم في المركز وبالأخص منهم مدير المركز الرائد شهاب حنش ورئيس مكتب البحث الملازم الأول عيسى جروش ومعهما الضابط المحقق بندر لم يصدقوا هذا الاعتراف من المشتبه الثاني وكانوا يريدون التوسع في المحاضر وجمع الاستدلالات إلا أن الأمر جاء من القيادة الأمنية العليا بسرعة إحالة القضية والمشتبهين المضبوطين إلى مباحث المحافظة ليتم استكمال التحقيقات هناك فتم إرسال المضبوطين مع الأوليات لتبدأ في مباحث المحافظة عملية مباشرة التحقيق وجمع التحريات والمعلومات من قبل ضابطين تكلفا بالقضية هما الملازم ثاني محمد السحيقي من قسم مكافحة القتل والاعتداء والعقيد عبدالسلام الحالمي رئيس قسم التحريات تحت اشراف العقيد محمد شرف مدير إدارة البحث حيث قام الضابطان بإعادة فتح المحاضر مع المشتبهين المرسلين من مركز دار سلم من جديد وكذلك أخذ إفادات والد المجني عليه والمواطنين الشهود الذين وردت أسماء البعض منهم في الأوليات المرسلة وأهمهم الشاهد صالح أحمد صلاح والشاهد إبراهيم عبدالله صالح اللذان حددا أوصاف الشخصين ورؤيتهما لهما عند خروجهما من منزل القتيل مساء الواقعة بدقة وأضافا بعض المعلومات المهمة التي تخدم التحقيق بشكل أوضح وهذه كانت الخطوة الأولى بالنسبة لضابطي البحث ثم كانت الخطوة الثانية لهما وهي الانتقال لمنزل المجني عليه محل الجريمة لإعادة معاينته للمرة الثانية لعلهم يحصلون هناك من خلال ذلك على شيء غاب عن النظر أو يعينهم على فك بعض الغموض.. وقد توصلوا عن طريق هذا وذاك إلى عديد من القرائن والمؤشرات التي تؤكد حقيقة التهمة حول المدعوين عبدالجليل ورائد وبأنهما مرتكبي الجريمة سويا وليس غيرهما من فعل ذلك .. وقام الضابطان بمواجهتهما بهذه القرائن إضافة إلى استخدام أسلوب الإيهام وطريقة الاستدراج المرن مع كل منهما بحيث وجد كل واحد نفسه في آخر المطاف منهاراً ومنساقاً للاعتراف بالحقيقة كاملة وأنهما من قاما بارتكاب الجريمة وخططا لها معا، وأن الدافع لارتكابهما لها هو السرقة أي سرقة المنزل ولكنهما لم يتمكنا بعد ارتكابهما للقتل سوى من سرقة السلاح الآلي الذي كان تابعاً للمجني عليه واستخدماه في ارتكاب الجريمة في الوقت نفسه.. وو… وكانت خلاصة الحقائق للواقعة التي تكشفت وثبتت من الاعترافات ومحاضر جمع الاستدلالات وحسب ماوردت في ملخص التقرير النهائي للتحقيقات بالمباحث هي أن الشاب المجني عليه كان معروفاً بصداقته وحبه لكل الناس وأولهم الجيران في الحارة والزملاء في الدراسة والعمل وكان ودوداً وكريما ومضيافاً مع كل من يتعرف عليهم كما كان مشهوراً بحسن الخلق والاستقامة وحسن التعامل والسيرة بين كل الناس وكان كثير الشهامة والنخوة وحب الاختلاط بكافة الشباب ممن هم في مثل سنه والجلوس معهم للمقبل “التخرين” سواء عنده بالمنزل أو لدى أي منهم وكان ذلكما الشابين المتهمين من أولئك الأشخاص اللذين كان على معرفة وصداقة وبحسن الظن بهما وكان كريماً معهما كما هو حالة مع غيرهما ممن تربطه صداقة أو معرفة بهم ويجلس وإياهم المقيل بين الحين والآخر.. وأنه في ذلك اليوم “يوم الجريمة المشؤومة” كان المتهمان قد تواصلا معه هاتفياً بأن يأتيا عنده للمقيل والسمر كأصدقاء شباب في وقت بعد الغداء.. في الوقت الذي صادف خلال هذا اليوم.
حضر بعض الشباب من الحارة وجلسوا للمقيل مع ضيفي المجني عليه الصديقين بالمنزل غير أنهم مكثوا لدية للمقبل حتى قبل المغرب ثم غادروا المنزل بينما بقي الشخصان الضيفان “المتهمان” لمواصلة المقيل لدى المجني عليه “المغدور” ولم يغادرا وحين حل وقت أذان صلاة المغرب قام الشاب المجني عليه ومعه أحد الضيقين المتهمين بالوضوء وأداء صلاة المغرب ثم خرج هو والشاب الذي صلى معه من المنزل وذهبا لشراء واحضار طعام عشاء لهم ثم عادا وتناولوا طعام العشاء الثلاثة وبعد ذلك عادوا لاستئناف جلوسهم لتناول القات “التخزين” على نية مواصلة المقيل والسمر كأي أصدقاء شباب يجتمعون لقضاء وقت مع بعضهم ولبثوا في جلوسهم حوالي نصف ساعة أو يزيد ثم قام الشاب المجني عليه من جلسته للنزول إلى البدروم لكي يحضر شيئاً يخصه أو طلبه أحد الشخصين من هناك فتركهما ونزل للبدروم وترك في الحين نفسه سلاحه الآلي في الغرفة لدى أحدهما وهو المدعو عبدالجليل بينما ترك المسدس وهو نوع ربع لدى الآخر المدعو رائد وكان هذا المسدس يخص أحد الأشخاص من جيران الحارة الذين حضروا لمقيل في العصر وقد أحضره الشخص إلى الشاب المجني عليه لكي يبيعه له أو يتكفل بتصريفه لصالحه… إلا أنه أثناء نزول المغدور “المجني عليه” إلى البدروم وغيابه هناك “قبل عودته” حدث أن تهامس الصديقان واتفقا على الغدر بصديقهما المضيف ويقوما بسرقة ما في داخل المنزل ثم استعد كل منهما وانتظرا حتى طلوع المجني عليه من البدروم وعودته إليهما.. وفي اللحظة التي ظهر عليهما بعودته باشره المدعو رائد بإطلاق عليه طلقة من المسدس الربع الذي كان متروكا لديه وأراد اتباعها بطلقة أخرى لكن المسدس شبك ولم يطلق فتقدم الشاب وكأنه قد انتبه للغدر الآثم وحاول الوصول إلى السلاح الآلي الذي كان موضوعاً بجوار المتهم الآخر المدعو عبدالجليل فسارع هذا إلى اخذ الآلي وتصويبه نحو المغدور من خلف ظهره وإطلاق النار عليه منه ثلاث طلقات والمغدور يحاول الاحتماء بالجدار ليسقط المجني عليه على إثرها ويرتمي مصاباً وصريعا على الأرض ثم كان من تدخل القدر أن سمع خلال ذلك الجار صاحب البيت المقابل أصوات الصراخ والدربكة وصوت إطلاق النار فصاح ينادي على الشاب المجني عليه أو على أصحاب المنزل فسمعه المتهمان القاتلان وهو ينادي فخافا وارتبكا لما سمعا النداء وأسرعا بالمغادرة للمنزل والهروب واكتفيا بأن أخذا السلاح الآلي أو سرقته فقط ولم يتمكنا من سرقة أي شيء آخر من المنزل وذهبا لبيع السلاح الآلي هذا “أداة الجريمة” من أحد الأشخاص يعرفانه بمبلغ مأتي وعشرين ألف ريال اقتسماه فيما بينهما بالتساوي .. وقام الشخص المشتري في اليوم التالي ببيع الآلي لشخص آخر .. ثم بعد اكتشاف الواقعة واعتراف المتهمين أنتقل ضباط البحث إلى سكن كل من المتهمين “القاتلين” وتمكنوا من ضبط مبلغ ثمانية وثمانين ألف ريال في منزل المدعو عبدالجليل وهو من ثمن الآلي “أداة الجريمة” في حين قاموا بضبط مبلغ مائة ألف ريال من بقية المبلغ قيمة الآلي في منزل المدعو رائد.. وقام رجال البحث برد هذا المبلغ للشخص المشتري للسلاح الآلي واستعادته منه .. ليكون المبلغ الذي استفاد منه المتهمان القاتلان هو “32.000” ريال لا غير مقابل أو حصيلة العملية برمتها.. وو…
هذا ولقد أحيلت القضية بعد استيفاء محاضرها من المباحث إلى النيابة المختصة ومنها للمحكمة المستعجلة ليتم عقد أولى الجلسات لمحاكمة المتهمين سريعا وفي انتظار أن يصدر الحكم العادل خلال زمن قياسي ونأمل من المحكمة سرعة البت في القضية كونها دخيلة على مجتمعنا اليمني وقضية “رأي عام”.

قد يعجبك ايضا