اتفاق مسقط محاولة إغلاق الملف اليمني قبل ترامب

 

حسن الوريث

أعلن في العاصمة العمانية مسقط عن توقيع اتفاق بين الأطراف اليمنية ودول تحالف العدوان السعودي برعاية سلطنة عمان يقضي الاتفاق بوقف إطلاق النار وكافة الأعمال القتالية الذي كان قد أعلن في العاشر من ابريل الماضي قبل انطلاق مشاورات الكويت في نسختها الثانية ولم يتم الالتزام به من قبل دول العدوان منذ اللحظات الأولى المفترضة لدخوله حيز التنفيذ .
ويقضي الاتفاق الذي تم التوقيع عليه باستئناف المفاوضات نهاية نوفمبر على أن تكون الخارطة المقدمة من المبعوث الأممي ولد الشيخ أرضية للنقاش للوصول لتسوية شاملة تبدأ من الاتفاق على نائب رئيس توافقي يقوم بتكليف من يشكل الحكومة التوافقية أيضاً والتي تم الاتفاق على أن تباشر عملها ومهامها من العاصمة صنعاء التي تتمتع باستقرار أمني كبير بحسب هذا الاتفاق وهو ما كان يطالب به الوفد الوطني منذ أول يوم للمفاوضات في جنيف واحد وصولاً إلى الكويت 2 وهذه المطالبات تم استيعاب بعضها في خارطة ولد الشيخ والبعض الآخر في اتفاق مسقط .
اللافت في الأمر هو أن الاتفاق لم يكن بشكل مباشر بين الأطراف اليمنية والسعودية التي تمثل رأس الحربة في هذا العدوان، لكنه تم بين الأطراف اليمنية الوطنية والطرف الأمريكي الذي مثله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والذي أعلن عن هذا الاتفاق وأنه تواصل مع بن سلمان وبن زايد واتفق معهم على ذلك وكأنه ضامن عنهم وهذا ما يؤكد أولاً أن أمريكا هي الطرف الأهم في الأزمة وهي التي تتحكم في مجريات الأمور وأنها كما كنا نقول إنها مشاركة بشكل مباشر وغير مباشر في العدوان وأنها من أعطت الضوء الأخضر للسعودية لبدء العدوان وما إعلان بدء ما أسميت بعاصفة الحزم من واشنطن إلا أكبر دليل على ذلك إلى غير ذلك من الأدلة التي تدل على أن العدوان هو أمريكي أولاً وأخيراً لكنه ينفذ بأياد خليجية سعودية .
بالتأكيد أن هذا الاتفاق أيضاً يقودنا إلى نقطة مهمة أخرى وهي أن من تسمي نفسها الحكومة الشرعية في الرياض ليس لها أي قيمة وأنها خارج كل الاتفاقات بل انه يتم رسم أدوار لها تؤديها ضمن الأدوار التي رسمتها لها دول التحالف، فموضوع اتفاق مسقط الذي تم الإعلان عنه كان الدور المرسوم لهادي بأن يرفضوه ويقولوا أنهم ليس لديهم أي علم به وذلك من- وجهة نظري- لتحقيق أمرين الأول هو تمديد الوقت لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ لمنح فرصة أخيرة لكسب المزيد من الأراضي في تعز أو مارب أو الجوف أو ميدي لتكون ورقة ضغط في المفاوضات القادمة والأمر الثاني من أجل أن يكون هناك خط رجعة للسعودية وتحالفها في اليمن لو لم ينجح الاتفاق حتى يقال أنهم ملتزمون بما تقرره حكومة هادي المزعومة والتي لم يكن لها أي علم سواء ببدء العدوان أو انتهائه كما أن من تسمي نفسها حكومة لن تكون موجودة عقب نهاية المفاوضات بحسب الاتفاق. وبالتالي فهي مهما عملت لن تستطيع أن تقدم أو تؤخر لأن الأطراف الفاعلة في الأزمة هي التي وقعت على الاتفاق.
ومن وجهة نظري الشخصية اعتقد أن السعودية تريد الخروج من الورطة التي أوقعت نفسها فيها بعدوانها على اليمن ولكن بماء وجهها وبعدم تحميلها المسؤولية الأخلاقية والجنائية عن الجرائم التي ارتكبت في اليمن خلال الحرب وهذا هو ما تقوم به أمريكا وبريطانيا وأنا شخصياً متفائل بأن يكون اتفاق مسقط هو الأرضية المناسبة لمفاوضات قادمة بين اليمن والسعودية كطرفين رئيسيين دون أن يكون لهادي وفريقه أي دور قادم وهذا من شأنه أن يسهم في إنجاح المفاوضات والتوصل إلى حل للأزمة اليمنية- السعودية قبل ممارسة ترامب لمهامه رغم أن ترامب وأوباما كلاهما وجهان لعملة أمريكا الواحدة فكلاهما ينفذ سياسة أمريكية واحدة في الشرق الأوسط، لكن الاختلاف فقط هو في أسلوب التنفيذ، فالحزب الديمقراطي أسلوب الحرب الناعمة وجعل العرب والمسلمين يتقاتلون فيما بينهم، بينما الحزب الجمهوري أسلوب التدخل المباشر والعنف وتحقيق الهدف بشكل مباشر.
وبالتأكيد أن فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية سيكون له تأثير كبير على الوضع في اليمن ومن وجهة نظري أن اتفاق مسقط هو استباق لما يمكن أن يكون عليه الوضع في عهد ترامب لو استمر العدوان، فالسعودية الآن تدفع فاتورة كبيرة نتيجة عدوانها لكنها ستكون أكثر كلفة في عهد ترامب الذي يعرفه الجميع ويعرف توجهه وبالتالي فهناك نية لدى الإدارة الأمريكية الحالية ومعها السعودية لإغلاق الملف اليمني قبل وصول ترامب الذي- كما قلت- سيجعل تكلفة الحرب وفاتورتها أكبر وهذا سيشكل عبئاً كبيراً على الموازنة السعودية التي تعاني كثيراً جراء تدخل النظام السعودي في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها.

قد يعجبك ايضا