يوم أعاد اليمنيون وحدتهم تحت راية الإسلام


استطلاع /وليد المشيرعي/امين العبيدي –
العلماء والخطباء: نحث وسائل الإعلام على إحياء الاحتفال وتوعية الناس بدلالاته العظيمة وفي مقدمتها دعوة السلام والمحبة

يحتفل اليمنيون هذا العام بعيد جمعة رجب وهو اليوم الذي سجل فيه أجدادهم قبل أربعة وعشرين ونيف من الزمان أنصع صور الانصهار والتلاحم تحت راية الإسلامي الحنيف حين اجتمعت قبائلهم وأذواؤهم في جامع الجند الشهير في الحادثة الشهيرة في العام السابع ودانت جباههم جميعاٍ لكلمة التوحيد وتركوا جانباٍ خلافاتهم وتصدوا بحزم لعوامل التشرذم والشتات التي كانت سبباٍ لوقوع بلادهم فريسة الاحتلال الحبشي ومن بعده الفارسي..
هذه الذكرى ولاشك ظلت في قلوب اليمنيين عيداٍ خالداٍ يحتفلون فيه بنعمة الإسلام ويستعيدون قيم التوحيد والتلاحم والتآخي وهي القيم الأصيلة في دين الله ولعلهم في هذه المناسبة يستلهمون من جديد هذه القيم خصوصاٍ وهم يواجهون أقسى امتحان في تاريخهم بما يحاصرهم من نذر الفتنة والانقسام والتشرذم لا قدر الله ..
في الاستطلاع التالي التقينا عدداٍ من العلماء والخطباء لمعرفة انطباعاتهم حول المناسبة ورسالتهم إلى أبناء شعبهم.

عن مظاهر الاحتفال بجمعة رجب عند اليمنيين وخصوصاٍ في تعز وجامعها الشهير جامع الجند الذي احتضن برمزيته جلال هذه المناسبة يقول الباحث أحمد السميعي:
في كل سنة يرقب أبناء اليمن المناسبة بفارغ صبرهم ومنتهى انتظارهم وكأنهم على موعد مع ضيف عزيز طال فراقه وغائب كريم أزف إشراقه يعدون الوقت ساعات وأياماٍ حتى يؤذن جماد الآخر بالارتحال تراهم يتجهون من كل حدب وصوب من المدن والبوادي والجبال والسهول القريبة يستقبلون أول جمعة من رجب عيدهم العائد وأملهم السائد الذي عودهم السرور والبهجة وأتحفهم الألفة والمحبة حيث تبدأ مراسيم الحفل وطلائع البشائر بلوائح التمهيد من يوم الثلاثاء وحتى يوم الجمعة المشهود فيتواصل مجيئهم جماعات وفرادى.
ولكثرة الجمع اتخذ موسماٍ للبيع والتجارة فتكتظ المنطقة بالباعة لأنواع البضائع كالتحف والهدايا والحلوى والفواكه والشراب وغيرها فما تكاد تخلص إلى الجامع إلا بمشقة من زحمة الجمع وكثرة المترددين وفي ليالي الموسم يكون فيه إنشاد المدائح والقصائد التي تروح على البال وتهز المشاعر وتهذب الروح وتقوم السلوك والتي تلقى بألحان التراث القديم خصوصاٍ تراث محافظتي تعز وإب وبالإجمال هو موسم علمي وأدبي واقتصادي وتاريخي واجتماعي يجسد روح الفكر الواعي والعقل الناضج لدى الشخصية اليمنية منذ زمن بعيد ومعرفته الموروثة في حياكة التاريخ ونسجه حللاٍ ترتديها الأجيال بأبهى صورة وأنبل عادة وأصدق تقليد حينما تتذكر يوماٍ من أعظم أيام تاريخها التي انتصرت فيه على شهواتها كي تحدد مصيرها وتوحد شأنها وتختار طريقها يوم تسلمت راية السلام واستلمت وسام المحبة والأمان.
ويتمنى السميعي في هذه المناسبة أن تصحو القلوب التي أشربت الفتنة وتمادت في دعواها للتشرذم والتمزق عساها تتذكر دعوة السلام والمحبة وتجدد العهد الإلهي لذلك وتدخل تحت مظلة الولاء الوطني وقداسة المصلحة العامة وجمع الكلمة ووحدة الصف وتنفيذ وصية الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حينما أوصى معاذ وأبا موسى الأشعري لحظة بعثهما إلى اليمن كما في الصحيحين بقوله (يسرا ولا تعسر بشرا ولا تنفرا تطاوعا ولا تختلفا) لأنها وصية جمعت كل قضايانا وشئون حياتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والدعوية والسلوكية فحري بنا أن نلتزم الوصية باليد والسماحة والرفق واللين والتجاوز ونبذ الفرقة والخلاف والنزاع والشقاق ما وجدنا لذلك سبيلا.

موسم مبارك
وعن أهمية الاحتفال بهذه المناسبة والمكانة التي يمثلها جامع الجند في تاريخ الإسلام تقول الباحثة ألطاف عبدالله:
الاجتماع الشعبي الجماهيري الإسلامي لدى اليمانيين الأوفياء للنبي محمد وللدين والإسلام في مسجد الجند المبارك الذي انبثقت منه دعوة الإسلام بعد أن كانت اليمن بلداٍ لأهل الكتاب وتحولت بعد مجيء سيدنا معاذ بن جبل عليه السلام وبالطبع ومن سبقه من الدعاة الذين بعث بهم النبي صلى الله عليه وسلم فتحولت جمعة رجب إلى ورشة عمل وتحولت إلى مواقع عمل وحركة فكان لابد في هذا المسجد المبارك من اجتماع العلماء ورجال العلم والفكر والحديث والفقه ليلتقي بعضهم مع بعض كما كانت الجند في ذلك الوقت موقع الحكم والدين والفقه والسياسة والثقافة والاجتماع وكل ما يتعلق بشأن الأمة تدار من داخل المسجد فكان مسجد الجند كالجامعة في الوقت الحالي ولا يمكن أن يجتمعوا كل يوم فجعلوا اختياراٍ لهم هذا الموسم المبارك بهذا الاجتماع بين العلماء والصالحين ومن يخدم هذه الدعوة التي وضع أسسها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فبقيت تقليداٍ في اليمن على هذا الأساس.
الاحتفاء بجمعة رجب ليست مسألة صدرت بقرار من أحد لا من دولة ولا من نظام ولا من أحد في هذا الوجود فالحضور عبارة عن حب شعبي للإسلام وللدين الإسلامي والنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ثم إنها ليست واجبة ولم يلزم بها مسلم وليست صلاة ولا عبادة ولا حجاٍ ولا ما يتكلم عنه الآخرون فتلك أغراض يتحدثون عنها لإفساد العلاقة بين المسلمين وحضور جمعة رجب عبارة عن موقف لدى إنسان محب لإنسان فلو تحب إنساناٍ أو تحب منزلة أو تحب متحفاٍ أو تجارة أو معرضاٍ فلابد أن تتحرك لتلك الأماكن لتعطي حقها ما استطعت.. ونحن لا نعتبر أن الأمة إذا اجتمعت هنا فإنها تجتمع على شر فهي تجتمع لخير وعلى خير فالأمة تحتاج إلى دعاء من هؤلاء البسطاء الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم الشْعث الغْبر أمة محمد صلى الله عليه وسلم
وما يؤكد فضل مسجد الجند ودخول اليمنيين الإسلام عندما بعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) معاذ بن جبل إلى اليمن روي أنه قال له: يا معاذ انطلق حتى تأتي الجند وحيث بركت بك هذه الناقة فأذن وصِل وابتن فيه مسجداٍ فلما وصل معاذ دارت به الناقة وأبت أن تبرك فقال هل من جند غير هذا¿ قالوا نعم جند ركامة فلما أتاه دارت وبركت فنزل معاذ بها فنادى بالصلاة ثم قام فصلى.
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: “كيف تقضي إذا عرض لك قضاء” قال: اقض بكتاب الله قال: “فإن لم تجد”¿ قال: “فبسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)” قال: “فان لم تجد”¿ قال: أجتهد رأيي ولا آلو قال: فضرب رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- على صدري وقال: “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله”.
والجامع كذلك إلى جانب كونه أثرا دينياٍ ومزاراٍ هاماٍ فإنه يشكل واجهة سياسية و تبرز شواهد العمارة الإسلامية في اليمن وتعكس فنون البناء والإبداع .

معاذ بن جبل
الدكتور محمد احمد المرتضى أستاذ علوم القرآن:
إن جمعة رجب هي الجمعة التاريخية في قلوب اليمنيين والحبيبة إلى من عرف معناها وعاش في محياها كيف لا وهو يوم ولد فيه اليمن بالإسلام وعرف الناس فيه الحق وأشار المرتضى إلى أن هذا اليوم لا ينسى ففيه تقوم الجمعة لأول مرة ..نعم اجتمع أهل الإيمان والحكمة على الإسلام وعرف عنهم أنهم أرق قلوباٍ وألين أفئدة معنىٍ وقيماٍ.. فبالإسلام توحدوا على كلمه سواء وصلوا خلف إمام واحد واستقبلوا قبلة واحدة واستووا في صفوف مترابطة بقيم الأخلاق والأخوة ونحن جميعاٍ نتمنى أن تتجسد هذه المعاني في نفوس المتحاورين اليوم وهم يرسمون مستقبل الوطن الحبيب ..
ودعا المرتضى كل وسائل الإعلام ومراكز العلم والجمعيات والمؤسسات الخيرية والخطباء والمفكرين إلى التعريف بمكانة هذه الجمعة في قلوب اليمنيين أهل المدد وأن نْحييها بالزيارات الأخوية والكلمات الإيمانية في المساجد بالدروس والخواطر والمحاضرات والإذاعات المدرسية والأسرة بالزيارات وبين الناس بتصفية القلوب وأضاف: لابد أن يعرف الصغير والكبير أن اليمن وأهل اليمن رحبوا بالإسلام وآمنوا بالقرآن وأكرموا الرسول الإنسان الذي دعا إلى تجميع الشمل وتوحيد الكلمة.
وأضاف: إننا نريد اليوم أمثال معاذ بن جبل الذي جمع الناس ووحدهم فمن يحمل هذا اللقب ويجمع لا يفرق من يدعو إلى الحب والأخوة والصفاء والنقاء أين من يعيش لوطنه ولأمته يضحي من أجل ذلك ويبذل الغالي والرخيص لأمنه لا أن ينتصر لنفسه أو لحزبه أو لشيء آخر أين من ينتصر لليمن.
وقال في ختام حديثه على الإعلاميين أن يستغلوا أي مناسبة تبني المودة وتعزز روابط الأخوة مثل هذه المناسبة ويعملوا على تذكير الناس بدروسها العظيمة وما تحمله ممن دلالات وقيم .

أعظم جمعة في تاريخ الوطن
الشيخ نادر محمد الجماعي -إمام وخطيب جامع القادسية-
في هذه الجمعة جاء إلى اليمن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنة حاملاِ النور والهداية وأشار إلى أنه لأول مرة تجتمع اليمن على رأي وطريق ودين واحد عندها تأسس مسجد الجند الذي ربى أهل هذا البلد على الوحدة لا على التشرذم والتفكك والتفرق وقال جاء رسول رسول لله بأبي هو وأمي حاملاٍ كل مقومات الأخلاق والأخوة والتعاون والبذل والعطاء أتى يحمل القمر ليبدد الظلام الدامس كيف لا وهو من أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام أتى مطبقاِ لوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كان فيها من أكبر الدروس وأعظم العبر أنه مذهب الوسطية والتدرج في تطبيق أركان الإسلام على واقع الناس العملي أصبح أفراد الشعب أخواناٍ على أرضيهم المتباعدة عن الظلم المتقاربة بالقلوب الصافية التي تعرف المعروف وتنكر المنكر هكذا هو الإسلام إذا وجد قلوباٍ طاهرة ونفوساٍ خصبة.
وأكد أن هذه الجمعة أعظم جمعة في تاريخ الوطن فقد أصبح اليمنيون لا يعرفون إلا الإسلام ولا ينتسبون إلا إليه وأكرم به من نسب نسبَ كان عليه من الشمس نورَ ومن فلق الصبح عمود وكأن لسان حالهم يقول: «أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم»
وأشار الجماعي إلى أن جمعة رجب دروس نفتقدها اليوم فيها تعلمنا أن المسلم هو الذي يحمل الرحمة لأخيه فالراحمون يرحمهم الرحمان وكذلك يكن الود والإخاء والحب يكون متواضعاٍ في أقواله وأفعاله مطبق لقول الله تعالى “أذله على المؤمنين أعزه على الكافرين”
وأضاف: إن الأخوة هي روح الإيمان وهي ليست كلاماٍ بل أفعال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينشرها عملياٍ فهو الذي قال “أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام”
ونوه بأنه من حق أخيك عليك أن تحترمه وتكرمه وتعينه وتخفف همومه متسائلاٍ بقوله: أين المشاعر التي تجعل الأخ يتأوه ويحزن لمصاب أخيه وما مكان هذا الحديث النبوي في الواقع “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” ومع ذلك -يقول الجماعي- نجد من يدعو إلى التفريق وشق عصى المسلمين ألا يكفينا ما بنا أتريدون أن تقسموا لمقسم أين أنتم من قول الله تعالى واعتصموا..
واختتم مؤكداٍ: لا للعنصرية والحزبية والمذهبية والمناطقية والتعصب المقيت باختلاف عناوينه نعم للأخوة ..ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا .

الماضي أصل الحاضر
أما الشيخ فؤاد منصور إمام وخطيب جامع الحسن فقد قال في كل عام يستقبل جمعة رجب غالبية الناس بالزيارات وصلة الأرحام وتقديم الهدايا فهي مناسبة توازي العيد عندهم فيها أمور كثيرة حصلت ولأكن أهمها دخول اليمنيين الإسلام في تاريخ هذا اليوم وباعتبار عظم الحدث كان عظم اليوم في قلوبهم فما أجمل أن يستجلب الجميل من الماضي ويدمجه بالحاضر ونوه بأن اليمن كانت تعيش في شتات وضياع كانت قبائل متناحرة وإمارة مختلفة يعيشون في جهل وتخلف لكن في جمعة رجب جمع الله شملهم ووحد كلمتهم على الإسلام فديننا يحرص على ترابط المجتمع ودعوتهم إلى الإخاء والمحبة والتآلف لقوله سبحانه وتعالى”إنما المؤمنون إخوة” ودعا أبناء هذا الوطن لأن ينتظروا الفرج ويدعون الله بقلوب مخلصة أن يبعد البلاد عن كل مكروه فلن تحل قضايا الأمة ومشاكلها إلا بالحوار والاجتماع والأخذ بالرأي والرأي الآخر وأن من أهم القضايا التي هي بحاجة لحوار وطني قضية الوحدة التي تعتبر مطلب شرعي وضرورة وطنية لقول الله عز وجل “واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا” فعلينا مقابل النعمة الشكر والحمد والثناء لله والحفاظ على الوحدة فهي من أجل النعم.

قد يعجبك ايضا