هشام علي
4 – نحو سياسة وطنية تنويرية للكتاب وانتشاره
حاولت في العرض السابق أن ارسم لوحة بسيطة للمشهد الثقافي الخاص بالكتاب ونشره، وثقافة القراءة والمطالعة، وغيرها من المواد المتعلقة بالكتاب، باعتباره وسيلة ثقافية مهمة وتنمية المجتمع وثقافته، ودور القراءة والمجتمع القارئ في تكوين التجربة الديمقراطية وتحقيق نجاحها.
فالقراءة تعني التنوير وتكفل الحق في الاختيار، والإنسان الذي لا يقرأ لا يستطيع أن يختار، فهو غير مستوعب لبرامج الأحزاب أو الأفراد الذين ينتخبهم، ويكتفي بوضع الاشاره أمام الصورة أو الرمز الانتخابي الذي يوصونه بانتخابه.
هكذا نلاحظ أن تنمية القراءة تعني تنمية المجتمع وتطوره، ولذا تبرز الحاجة إلى وضع سياسة وطنية للكتاب اليمني وتطويره باعتباره رافعا للثقافة بصورة خاصة، وللمجتمع بصورة عامة، وقد رأينا أن الكتاب لم يحظ بموقع مناسب في بلادنا، وأن علاقتنا بالكتاب كانت متأخرة، ولهذا كانت النهضة الثقافية متأخرة أيضا.
ومن المؤسف أن الثقافة بشكل عام، والكتاب أيضا، يعانيان من التهميش والتأجيل أو الإرجاء، في برامج التمنية وفي برامج الأحزاب السياسية وفي خطط المحكومة وسياساتها.
فالمسألة الثقافية ألا تزال خارج المدار العام لتحولات المجتمع والسياسة، وهذا هو السبب في إننا لا نزال نتعثر ونخبط خبط عشواء في مساراتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا نحتكم إلى العقل والتنوير في مسارنا، ولا نهتدي بأنوار الثقافة والمعرفة.
أن النقاش حول الكتاب واقتراح سياسة عامة لتعزيز دوره ومكانته في المجتمع، يصب في صميم العملية الوطنية الجارية في بلادنا لا صلاح السياسة والمجتمع، وصياغة عقد اجتماعي جديد ينشئ فضاء رحبا للحرفة والفكر والإبداع ، ويضمن الحق في الاختلاف وحرية التعبير ، ويفتح أمام الجميع للمساهمة في صيانة المجتمع الجديد وبنائه .
ومن هذا المنطلق ، أخلص في هذه الورقة إلى تقديم بعض الأفكار التي تساهم في صياغة تصوّر لسياسة عامة لتطوير الكتاب اليمني وتنمية القراءة والاهتمام بالمؤلفين ووعيهم .
ولا شك أن هذه الأفكار سوف تغتني بما يضيفه إليها المحاورون والمعلقون من المثقفين والباحثين وذوي الخبرة والتجربة من الناشرين وأصحاب المكتبات والمهتمين من القراء .
وقبل أن نطرح الأفكار والمقترحات بشأن صياغة السياسة الوطنية لدعم الكتاب وتنمية القراءة ، أضع بعض الأهداف العامة لهذه السياسة ، لتصبح معالم أساسية للعمل ومعايير ضرورية لتقييم التنفيذ :
1 – توفير المناخ اللازم لتحقيق سياسة ثقافية تدعم إنتاج الكتاب وتوزيعه وانتشاره .
2 – تعزيز قيم التنوع والاختلاف وحرية الفكر والتعبير .
3 – دعم الإنتاج الفكري والعلمي والإبداعي وتطوير البحث العلمي ووضع الإجراءات القوية لحماية حقوق المؤلف .
4 – الاهتمام بطباعة الكتب وتطويرها ودعمها ، وتهيئة البيئة المناسبة لإنتاجه ودعمه وتحقيق انتشاره في الداخل والخارج .
5 – تشجيع القراءة وتنميتها وتعزيز العلاقة بالكتاب وانشاء المكتبات العامة ، والمكتبات في المدارس والمراكز الثقافية والشبابية .
6 – تشجيع حركة الترجمة وتطويرها لمواكبة الفكر العالمي واتجاهاته
ان صياغة سياسة وطنية للكتاب اليمني وتعزيز دوره التنويري في المجتمع هي مهمة عامة لا يقتصر تحقيقها على وزارة الثقافة وحدها بل ينبغي أن تساهم الجهات ذات العلاقة من الوزارات ( مثل الإعلام ، التربية ، التعليم العالي ، المالية ،… ) ومنظمات المجمع المدني واتحاد الأدباء والكتاب بالإضافة إلى القطاع الخاص والأحزاب والمنظمات بحيث تغدو قضية الكتاب والقراءة مهمة عامة يشارك الجميع في تحقيقها.
ولهذا أضع هذه الأفكار والمقترحات في سبيل صياغة سياسة ثقافية لتطوير الكتاب وتنمية القراءة ،لتصبح جزءاً من السياسة الثقافية الوطنية بشكل عام ، التي تهتم بصيغتها وتحقيقها وزارة الثقافة مع الجهات الأخرى الحكومية وغير الحكومية .
أولاً : في مجال التأليف والنشر
1 – الاهتمام بتحسين أوضاع المؤلفين وحماية حقوقهم الفكرية ووضع التشريعات الخاصة بالتفرغ للعمل الفكري والإبداعي
2 – تقديم الدعم المادي لنشر بعض المؤلفات وفقاً لمعايير وأولويات تحددها وزارة الثقافة ضمن خطة عامة للنشر .
3 – اعتماد سياسة محددة لشراء الكتب بأسعار تشجيعية للمؤلفين ،وبطريقة تضمن كرامة المؤلف وتبعده عن آلية البيع والشراء
4 – توفير إعتمادات مالية لتنمية القراءة وترويجها واستحداث إدارة مختصة في وزارة الثقافة تعنى بمتابعة المكتبات العامة ومستوى القراءة .
5 – إقامة المؤتمرات والندوات المتخصصة حول الإنتاج الأدبي والفكري .
6 – منح جوائز تشجيعية سنوية في المجالات الفكرية والأدبية ومنح جوائز للكتب المتميزة في الطباعة والإخراج الفني .
7 – إصدار ببليوغرافيات بالإصدارات السنوية .
8 – الترويج للكتاب ووضع برامج إعلامية لعرض الكتب ومناقشة محتوياتها .
9 – تنظيم حملات للتوعية بحقوق المؤلف والتعريف بها لتوعية الجمهور بضرورة حماية حقوق المؤلف وعدم اقتناء المواد الثقافية المزورة .
10 – إنشاء الإدارة الجماعية للعناية بحقوق المؤلف وتوعية المؤلفين وأصحاب الحقوق بأهمية الانضمام للإدارة الجماعية لحقوقهم .
11 – تفعيل تفعيل عمل الجهات الرسمية المعنية بحماية حقوق المؤلف ، من أجهزة مدنية وعسكرية وقضائية ووضع الآليات اللازمة لمنع الاعتداء على هذه الحقوق .
12 – استحداث احكام قانونية لدعم سعر الورق والأحبار المستخدمة في طباعة الكتب .
13 – تعزيز دور اتحاد الناشرين للقيام بمهماته على أكمل وجه في طباعة الكتب .
14 – تشجيع تأسيس شركة أو شركات توزيع بمستوى عال من الكفاءة والاحتراف .
15 – حثّ الناشرين على مقاطعة شركات التوزيع سيئة السمعة التي تقوم بأعمال القرصنة والتزوير .
16 – اعتبار الكتاب سلعة مختلفة عن باقي السلع التجارية وليس له مردود مادي عال ،ولذلك ينبغي التعامل معه بطريقة استثنائية وتخفيف الضرائب والرسوم المفروضة على صناعته .
ثانياً : في مجال تنمية القراءة والمكتبات .
1 – تحسين ميزانية وزارة الثقافة بشكل يسمح بتطوير عملها وأداء دورها المطلوب في مجال القراءة وتنميتها .
2 – إقامة حملة وطنية من أجل القراءة ،تقودها وزارة الثقافة وتشمل إقامة فعاليات خاصة بتنمية القراءة ،مثل أسابيع القراءة في المدارس وإقامة معارض صغيرة للكتاب في المدارس ،وتنظيم زيارات لطلبة المدارس إلى المكتبات العامة .
3 – إصدار كتيبات ونشرات توزع على الكبار والصغار تحث على القراءة وتبين أهميتها في تنمية المجتمع وتطوره.
4 – دعوة المؤسسات الإعلامية ،والمرئية والمسموعة ،على الاهتمام بالكتاب والقراءة وإعداد برامج للتشجيع على القراءة .
5 – تشجيع إعداد وعرض مسلسلات وقصص للأطفال وإعداد برامج خاصة لهم تتضمن قراءة ومناقشة كتب معروضة للأطفال .
6 – إقامة نوادي وجمعيات القراءة ودعمها بالكتب والبرامج .
7 – تطوير مناهج التدريس والاهتمام بتنمية القراءة وتكوين الفكر النقدي المستقل .
8 – اختيار نصوص القراءة والأدب بصورة جاذبة ومحفزة للمطالعة
9 – اعتماد ساعة للمطالعة والمكتبة في المنهج الدراسي .
10 – إنشاء المكتبات المدرسية في جميع المدارس وتجهيزها بالكتب المناسبة .
11 – التنسيق مع إدارات الحكم المحلي بشأن إنشاء مكتبات عامة في كل مديرية وتزويد المكتبات بالكتب والمجلات .
Prev Post