‬المستشار الثقافي‮ ‬الفرنسي‮ ‬جويل دوشي‮ ‬لـ(الثورة‮):‬


لقاء/عبدالباسط النوعة –
‬القطع الأثرية اشتريتها من أسواق صنعاء وهي‮ ‬ملك للشعب اليمني‮ ‬وأعدتها إليه

‬ينبغي‮ ‬توقيع معاهدة دولية تمنع كل دولة من استقبال قطع أثرية لاتخصها

‮❊ .. ‬بعد سنوات من العمل في‮ ‬تمثيل الثقافة والتراث‮ ‬الفرنسي‮ ‬ومحاولة المزج ب ينها وبين الثقافة والتراث اليمني‮ ‬حرص المستشار الثقافي‮ ‬الفرنسي‮ ‬بصنعاء السيد جويل دوشي‮ ‬أن‮ ‬يكمل فترة عمله في‮ ‬اليمن بل ويختتم حياته العملية والدبلوماسية بإهدائه‮ (٥١) ‬قطعة أثرية‮ ‬يمنية المصدر إلى المتحف الوطني‮ ‬جمعها خلال سنوات إقامته في‮ ‬بلادنا واحتفظ بها في‮ ‬منزله لإشباع حبه الشديد للتراث بشكل عام والتراث اليمني‮ ‬على وجه الخصوص وقد وصف المختصون في‮ ‬هيئة الآثار والمتاحف هذه المجموعة من القطع بالهامة والنادرة حيث تعود إلى عصور قديمة مختلفة منها إلى ما قبل الإسلام‮.‬
‮(‬الثورة‮) ‬التقت على عجالة بالسيد جويل قبل مغادرته صنعاء عائدا إلى فرنسا محملا بالكثير من الانطباعات والذكريات خلال سنواته الماضية وهاهو‮ ‬يصطحبها إلى باريس الحالمة انطباعاته ورؤيته للقيمة الحضارية والتراثية في‮ ‬اليمن بالإضافة إلى مبادرته في‮ ‬اهداء القطع الأثرية للمتحف الوطني‮ ‬والأهم كيف وأين تحصل على تلك القطع¿ هذا ما سوف تتضمنه السطور التالية‮:‬

‮❊ ‬بداية تحدث السيد جويل دوشي‮ ‬عن السنوات التي‮ ‬قضاها في‮ ‬اليمن وما مثلته تلك السنوات بالنسبة لحياته وآراؤه حول اليمن حيث قال‮: ‬أولاٍ‮ ‬قبل أن أتحدث عن ما تمثله اليمن بالنسبة لي‮ ‬أود أن أؤكد أن كل كلمة سأقولها نابعة من قناعاتي‮ ‬الصادقة‮ ‬‮ ‬حيث كانت سنوات وجودي‮ ‬باليمن حافلة بالكثير والكثير من الأشياء التي‮ ‬ستظل محفورة في‮ ‬ذاكرتي‮ ‬ووجداني‮ ‬إلى الأبد فقد شاركت في‮ ‬الحياة اليومية بشكل كبير وعلى نطاق واسع كل‮ ‬يوم ولهذا أستطيع القول بأن هذا البلد‮ ‬يمتلك تراثاٍ‮ ‬عظيما على ثلاثة أصعدة الأول الثراء الحضاري‮ ‬وهذا ما‮ ‬يتضح بجلاء ولا‮ ‬يمكن لأحد إغفاله أو عدم الانبهار به‮ ‬مزيج من التنوع المنتشر هنا وهناك من تراث مادي‮ (‬معمار قديم ومدن لا زالت تعيش الواقع وهي‮ ‬تمتد بعيدا في‮ ‬أعماق التاريخ‮ – ‬آثار وأطلال‮ ‬تشهد على عظمة هذا البلد وعراقته وعليه‮ ‬يوجد جزء هام من تاريخ الإنسانية‮ ‬‮ ‬أيضاٍ‮ ‬يوجد في‮ ‬اليمن تراث ثقافي‮ ‬أو موروث ثقافي‮ ‬كبير متنوع ومختلف من منطقة إلى أخرى بشكل مثير جدا لا‮ ‬يتكرر كثيرا في‮ ‬أي‮ ‬بلد فقد تجد الموروث الثقافي‮ ‬غير المادي‮ ‬متنوعاٍ‮ ‬ويختلف من منطقة إلى أخرى في‮ ‬إطار محافظة واحدة‮ ‬‮ ‬والجميل أن جزءاٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬من هذا الموروث لا‮ ‬يزال حاضرا ويمارس ولم تدحره الحياة المعاصرة وإن كانت الأرياف أشد تمسكا بالموروث الثقافي‮ ‬من المدن ومع هذا لايزال الكثير من سكان المدن على ارتباط وثيق بالأرياف‮ ‬و أيضاٍ‮ ‬هناك ثراء ثالث‮ ‬يتمثل في‮ ‬البشر أنفسهم فاليمن‮ ‬يمتلك ثراءٍ‮ ‬إنسانيا جيدا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يشكل أرضية وأساسا للكثير من التحولات‮ ‬ولا‮ ‬يفوتني‮ ‬أن أشير إلى جمال الطبيعة وتنوع المناخ ولكنني‮ ‬وبحكم ارتباطي‮ ‬الوثيق بالثقافة وحبي‮ ‬الشديد للتراث فقد انبهرت كثيرا بثراء التراث في‮ ‬اليمن وما‮ ‬يؤسف له أن بلداٍ‮ ‬كاليمن لم‮ ‬يصل بعد إلى استثمار هذه المقومات من الثراء والتي‮ ‬تشكل في‮ ‬مجملها كنوزا عظيمة ربما تفوق النفط إذا ما تم تسخيرها كموارد‮ ‬فالمستقبل أمام اليمن سيكون في‮ ‬المجال السياحي‮ ‬الذي‮ ‬وحتى الآن لا‮ ‬يزال‮ ‬غير مكتشف وغير مستغل‮.‬
وأقول‮: ‬أذهلتني‮ ‬اليمن منذ أن وصلت إليها في‮ ‬العام ‮٧٠٠٢‬م وعشت تجربة‮ ‬غاية في‮ ‬الروعة وقمة في‮ ‬الاستمتاع ورأيت في‮ ‬اليمن أن التاريخ‮ ‬يصنع نفسه برغم العوائق التي‮ ‬يعايشها البلد خاصة في‮ ‬المجال الاقتصادي‮ ‬والوضع الأمني‮ ‬وغيره‮.‬

زيارات ورحلات
‮❊ ‬هل قمت بزيارات إلى مدن ومحافظات‮ ‬يمنية أم أن ظروف العمل وقفت عائقا أمامك للقيام برحلات خارج صنعاء¿
‮- ‬قمت بزيارات خارج صنعاء فأول ما وصلت إلى اليمن في‮ ‬العام ‮٧٠٠٢‬م أخذت أسرتي‮ ‬على مدى شهرين سبتمبر واكتوبر ذهبنا خلالها إلى تعز وإب وعدن والضالع والأماكن القريبة من صنعاء شبام وكوكبان وثلا والريادي‮ ‬والمصنعة في‮ ‬أقصى المحويت‮ ‬كما كنت أقوم بزيارات منتظمة إلى ذمار والأماكن القريبة من صنعاء ووادي‮ ‬ظهر وثلا وكوكبان وشبام الغراس‮ ‬كذلك زرت حضرموت أكثر من مرة‮ (‬شبام حضرموت‮ – ‬سيئون‮ – ‬المكلا‮) ‬ولكن الشيء الذي‮ ‬يؤسفني‮ ‬أنني‮ ‬لم أزر محافظة مارب تلك المحافظة التي‮ ‬طالما سمعت أنها موطن الحضارات اليمنية القديمة وتحوي‮ ‬الكثير من الأطلال وبقايا تلك الحضارات‮ ‬كذلك سمعت أن الطريق بينها وبين صنعاء تحوي‮ ‬على جنباتها الكثير من مواقع الجمال والطبيعة الخلابة وقد حاولت مرارا أن أحظى بزيارة خاطفة إلى مارب والإطلاع على معالمها خاصة معابد الدولة السبئية‮ (‬أوام‮ – ‬بران‮) ‬ولكن لم أستطع الحصول على ترخيص طبعاٍ‮ ‬لأسباب معروفة وكنت اتفهم هذه الأسباب ولازلت آمل أن أزور مارب مستقبلا فعلاقتي‮ ‬باليمن لن تنتهي‮ ‬بمجرد انتهاء عملي‮ ‬فيها فأنا أشعر أن ارتباطي‮ ‬بها وثيق وبهذا سأظل متواصلا في‮ ‬هذا الارتباط‮.‬

اليمن وكمبوديا
‮❊ ‬خلال فترة عملك كدبلوماسي‮ ‬لبلادك زرت الكثير من بلدان العالم‮ .. ‬ياترى هل كلامك عن كل تلك الدول‮ ‬يشابه ما قلته عن اليمن¿
‮- ‬لا أبداٍ‮ ‬صحيح أني‮ ‬عشت معظم حياتي‮ ‬خارج فرنسا ولكن هناك بلدين فقط استمتعت فيهما واستفدت منهما الكثير هما كمبوديا واليمن ودعني‮ ‬أقول لك شيئا أنني‮ ‬تمنيت أن أعمل في‮ ‬اليمن قبل أن‮ ‬يتم اختياري‮ ‬لإدارة المركز الثقافي‮ ‬بصنعاء بفترة طويلة وعندما علمت أنه تم نقل عملي‮ ‬إلى اليمن لا أستطيع أن أصف لكم مقدار سعادتي‮ ‬حينها فقد كنت أحب اليمن بشكل لا شعوري‮ ‬ولا اعرف لماذا كنت حريصا جدا أن اتابع أخبارها وأقرأ عن تاريخها وحضارتها ولهذا عندما وصلت إلى اليمن أول مرة خلت نفسي‮ ‬أعرف عنها الكثير وشاءت الأقدار أن تكون اليمن تتويجا لمشواري‮ ‬وحياتي‮ ‬المهنية وما شعرت به وأنا في‮ ‬كمبوديا وجدته في‮ ‬اليمن‮ ‬تجربتان أضافتا إلي‮ ‬الكثير‮ ‬وفي‮ ‬هذين البلدين وجدت تشابها لاسيما‮ ‬في‮ ‬الجانب الثقافي‮ ‬أو في‮ ‬الناس‮ ‬ولهذا سأظل ممتنا لليمن وكمبوديا على كل شيء عشته فيهما‮ ‬وعلمتني‮ ‬اليمن شيئا هاما أن العمل الجماعي‮ ‬جميل جدا وممتع ويستطيع إنجاز الكثير ويوفر أجواء من الألفة والمحبة ويقلل من المعاناة والتعب‮.‬

الثقافة اليمنية قوية ومنفتحة
‮❊ ‬في‮ ‬السنوات الأولى عملت مديراٍ‮ ‬للمركز الثقافي‮ ‬بصنعاء وقبل أن‮ ‬يتم ترقيتك إلى مستشار ثقافي‮ ‬في‮ ‬سفارة فرنسا وأقمت في‮ ‬المركز الثقافي‮ ‬من الفعاليات الثقافية والفنية الفرنسية اليمنية المشتركة فكيف وجدت الثقافة والفن اليمني¿
‮-‬كنت وما زلت أومن أن الالتقاء بين ثقافتين هو بالأساس التقاء إنساني‮ ‬وعندما تلتقي‮ ‬ثقافتان لا تحتاج إلى كلمات ما‮ ‬يهم هو المزيج الذي‮ ‬يأتي‮ ‬من خلال النظرات المتبادلة بين الناس وبواسطته نعرف ما الذي‮ ‬يحصل والنتيجة التي‮ ‬ستخرج بها والذي‮ ‬يميز الثقافة اليمنية أنها واضحة والآخر‮ ‬يتقبلها بسهولة‮ ‬ولو أخذنا ثقافات وحضارات أخرى نرى أن هناك مواجهة في‮ ‬إطار الثقافة والحضارة الواحدة فالحضارة أو الثقافة المغلقة تموت لذلك‮ ‬يجب أن تنمو الثقافة وتتصل بثقافات أخرى حتى تتسع مع أهمية الحفاظ على الأصالة‮ ‬والرائع أيضاٍ‮ ‬في‮ ‬الثقافة اليمنية أنها لم تتأثر بالعولمة صحيح‮ ‬يحصل لها انفتاح وتتطور ولكنها تحافظ على عبقها وأصالتها‮ ‬وأقولها مرارا الثقافة اليمنية لديها تقاليد قوية وحاضرة‮. ‬كنا نعتقد أن الثقافة اليمنية مقيدة وجامدة ولكننا عندما جئنا إلى اليمن واقتربنا من ثقافته وأقمنا العديد من الفعاليات والأنشطة مزجنا فيها الثقافة الغربية بثقافة اليمن مثلاٍ‮ ‬الهيب هوب مع الموسيقى اليمنية كانت النتائج رائعة وهذا‮ ‬يدل على أن ثقافة هذا الشعب منفتحة‮.‬
‮❊ ‬سؤال في‮ ‬بداية حديثك تحدثت عن مستقبل اليمن في‮ ‬السياحة‮ .. ‬ما الذي‮ ‬ينقصنا كي‮ ‬تصبح بلادنا مقصدا لسياح العالم¿
‮- ‬اليمن لا تنقصها المقومات الجمالية والحضارية للسياحة ولكن تحتاج فقط إلى أن‮ ‬يكون هناك استقرار وأمن في‮ ‬البلد‮ ‬يوفر المناخ المناسب لحرية تنقل السياح بين مختلف المناطق اليمنية‮ ‬أيضاٍ‮ ‬لابد من التعريف بما‮ ‬يمتلكه هذا البلد من مقومات فريدة فهناك أنشطة تقام في‮ ‬الخارج لهذا الغرض‮ (‬معارض سياحية‮)‬‮ ‬أيضاٍ‮ ‬عبر وسائل الإعلام وينبغي‮ ‬استهداف الدول الأكثر تصديرا للسياح‮ ‬ومن وجهة نظري‮ ‬هذه هي‮ ‬الأشياء التي‮ ‬يحتاج إليها اليمن للانطلاق صوب السياحة وما دونها موجود ويتوفر بل وعلى نطاق كبير جدا‮.‬

تعبير عن شكري‮ ‬وامتناني
‮❊ ‬حدثنا عن القطع الأثرية التي‮ ‬أهديتها للمتحف الوطني‮ ‬بصنعاء وما الذي‮ ‬جعلك تتقدم بهذه المبادرة‮!!‬
‮- ‬القطع الأثرية التي‮ ‬أهديتها للمتحف كانت مجموعة رائعة جدا‮ ‬يعود عمرها إلى أكثر من‮ ‬2000‮ ‬عام وعددها‮ ‬15‮ ‬قطعة مختلفة الأشكال والأحجار أشكالها جميلة جدا تمثل فعلا ثروة وكنوزا رائعة‮ ‬وهذه المبادرة أردتْ‮ ‬من خلالها أن أعبر عن شكري‮ ‬وامتناني‮ ‬لهذا البلد وهذه القطع موطنها الأول والأخير هو اليمن وبالتالي‮ ‬قيمتها وعظمتها تتجسد وهي‮ ‬في‮ ‬موطنها الأصلي‮ ‬أيضاٍ‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتم احترام ثقافة وحضارة البلدان فقد كنت استمتع كل‮ ‬يوم بمشاهدتها‮ ‬ولكن لا‮ ‬يجوز أبداٍ‮ ‬بعد أن تركت العمل في‮ ‬اليمن أن اصطحبها إلى الخارج ولهذا أهديتها للشعب اليمني‮ ‬فهي‮ ‬حقه‮.‬
‮❊ ‬من أين حصلت على هذه القطع الأثرية¿
‮- ‬في‮ ‬الحقيقة أنا لا أستطيع بالضبط إخبارك من أين حصلت عليها وقد أخبرت رئيس هيئة الآثار والمتاحف أين حصلت على هذه القطع ويمكنك أن تعرف منه‮ ‬وعموماٍ‮ ‬إن قمت بشراء هذه القطع من أسواق في‮ ‬صنعاء كيف وحتى وأين تحديداٍ‮ ‬تجد الجواب لدى الأصدقاء في‮ ‬هيئة الآثار اليمنية‮.‬
‮< ‬هناك الكثير من القطع الأثرية تهرب إلى الخارج بواسطة مهربين‮ ‬يمنيين وغير‮ ‬يمنيين وبعض الدول تعمل على الاستفادة من هذه القطع وعرضها والتعامل معها وكأنها تنتمي‮ ‬لها‮ .. ‬كيف نستطيع الحد من هذه الظاهرة¿¿‮!‬
‮- ‬ينبغي‮ ‬على اليمن أن تحارب وتمنع تهريب القطع الأثرية بشتى الوسائل الممكنة وهذا شيء هام جداٍ‮ ‬وبدورها عليها أن تمنع استيراد أو دخول أي‮ ‬قطع أثرية من دول أخرى إلى أراضيها‮ ‬فرنسا صارمة في‮ ‬هذا المجال جداٍ‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن تسمح السلطات بدخول قطع أثرية دون أن تعرف المصدر وتكون متبوعة بتصريح من المصدر وإذا تعذر ذلك فلا‮ ‬يتم السماح بدخول القطعة الأثرية لأنها من حق دولة أخرى‮ ‬وكل دولة‮ ‬يجب عليها أن تحافظ على تراثها وعبر صحيفتكم أدعو إلى سن تشريع أو معاهدة دولية توقع عليها كافة الدول تلتزم بموجبها كل الدول بعدم السماح لأي‮ ‬قطع أثرية بدخول أراضيها ما لم تكن تحمل تصريحاٍ‮ ‬من الدولة التي‮ ‬جاءت منها هذه القطع‮.‬

قد يعجبك ايضا