المقالح عبدالكريم
-1-
منذ بدء التاريخ .. وتطور الجماعات البشرية قانون الحياة الثابت .. المحكوم دائما وأبداً بالتأثر والتأثير.. فلم تكن الخبرات حكراً على شعب عن الشعوب .. ولم تكن التجارب محكومة بعصر معين دون غيره .. الأمر الذي جعل من يوميات الإنسان ثقافة حية تتناقلها الأجيال.. بعض النظر عن اللغة أو الدين أو المكان أو الجنس..!
-2-
ولعل ما وحد البشر .. على اختلاف انتماءتهم واتجاهاتهم هو مراكمة الخبرات من شتى تجاربتهم .. وتاليا نقلها للآخرين والنقل عنهم .. حتى تحولت تلك التجارب إلى رابط خفي .. بغض النظر عن ظروفها أو عواملها أو حتى نتائجها .. وأصبحت لا تعدم لقيا صور وظلال مشتركة لمعظم الخبرات الإنسانية .. عند غالبية الحضارات المتعاقبة.. !
ما تعرفيه نجده معنى ودلالة في نص مغاير .. وإن اختلف لسانا .. فنصه بالانجليزية يقول :
(Better a devil you Know than a devil you donnt Know)
-3-
ومن بين كل التجارب .. التي نجدها متعددة الصدى متناسخة المشاهد .. بترز العلاقات الإنسانية .. وفي مقدمتها :(الصداقة) التي تشترك غالبية شعوب الأرض – عتيقها وحديتها – في تقديس هذه العلاقة ووضعها في أسمى المراتب .
فالمأثور المعاصر (الصديق عند الضيق ) احتفظت الأجيال بفكرته وإن غيرت ألفاظه التي كانت سائدة قديما كما عند العرب (عند الشدائد تعرف الأخوان ) .. أما على الضفة الأخرى فنصه يقول :
(A friend in need is afriend indeed)
وهي صيغة تعود إلى العام 1678م ..أما صورته الأقدم فترجع إلى القرن الثالث عشر الميلادي .
وقد تجلت الفكرة مجدداً .. في قالب مستحدث ضمن آثار الشاعر الانجليزي / ريتشارد بارنفيلد – حوالي القرن السابع عشر الميلادي – بقوله :(صديقك الحق هو من يهرع إلى معونتك إذا ألمت بك شدة ) .. ما ينقلنا إلى ثلاثية بشاربن برد :
(خير إخوانك المشارك في الضر
وأين الشريك في الضر أينا ؟!
الذي إن شهدت سرك في الحي
وإن غبت كان أذنا وعينا
مثل حر الياقوت إن مسه النار
جلاه البلاء فأزداد زينا )
-4-
المبدأ المعاصر ( قل لي من تعاشر اقل تلك من أنت ) .. حلته القشبية هذه مرت بأطوال ومسارات لا تحصى .. خاصة على صعيد لغة الضاد .. فلو استدعينا امثله فقط من ديوان العرب .. فلربما سيعيينا الإحصاء لكثرتها وتنوعها .. فهذا طرفة بن العبد يقول : ( عن المرء لا تسأل وأبصر قرنية فإن القرين بالمقارن يقتدي )
ويقول آخر : ( لا تسألن عن امرئ وأسال به
إن كنت تجهل أمره .. ما الصاحب )
ومثله يقول : ( إذا لم تدر ما الإنسان فانظر
من الخدن المفاوض والمشير )
حتى انتهينا إلى ( المرء بخليله) و (جليس المرء مثله ).
وهو ما يطابقة في الانجليزية
A man is Known by the company he keeps))
-5-
وإلى الجانب المظلم في علاقة سامية كالصداقة ..
وحده الإنسان خير من جليس السوء عنده
وجليس الصدق خير من جلوس المرء وحده )
وهو ما نعثر عليه في لغة “الزد” من خلال “:
(EviL communica2 iohscorrart good manners.)
صياغة.. يكاد يكون هذا المثل نسخة مطابقة لإحدى رسائل بولس في العصر الجديد / الإنجيل .. وهو جهة إلى أهل كور نتوس .. ضمن الاصحاح 15/33/ الذي يقول : لا تظلوا : المعاشرة السيئة
تفسد الأخلاق الحسنة, وهو مانطقت به كلمات المثل: (صحبة السوء مفسدة للأخلاق)
6
بمجرد التمعن في وصية المتنبي: ( ومن العداوة ما ينالك نفعه ومن الصداقة مايضر ويؤلم) ستتداعى مرايا تماثلة .. حتى في لغات غير العربية .. ففي الانجليزية مثلاً .. سطر ذائع الصيت لكثرة تداوله:
Beccer an open enemy than a FaIes Friend.))
أنه بذات مواصفات ومقاييس مأثور العرب الذي يقول(عدو عاقل خير من صديق جاهل ) والذي فصله صالح عبدالقدوس (العقل أبقى عليك من الصاحب الجاهل الأخرق وذو العقل يأتي جميل الأمور وذي خلة لا رشد ولا وفق)
إلى مبدأ آخر . . عله الأشهر بين كل المتداول والسائر والمحفوظ .. وبما يسبب تركيبتة التحذيرية .. التي تذكرك كما تذكرك أنك (كما تدين تدان) ..؟ أنه قسطاط الطبيعة الازلي : لكل فعل رد فعل .. وهو فعلاً ما يشدد عليه مثل الانجليز القائل:
Do as you wonId be done by.))
أي ” عامل الناس كما تحب أن يعاملوك” .. وثمة صيغة أخرى من هذا المثل .. وهو كسابقة .. تعود فكرته إلى الكتاب المقدس.
المدهش فعلاً .. هو عثورنا على صدى مميز لفكرة المثل .. وذلك في إحدى وصايا الإمام علي كرم الله وجهه .
وأما آخر مرايا هذه الفكرة العريقة .. فنتحصل عليها في ” كرم على درب” لميخائيل نعيمة وعلى ذات قياس المتداول بيننا “كما تغني .. تعنى”.!
مراجعات
* شيطان تعرفه خير من شيطان تجهله “.. ما يتوازى مع المقولة العربية ” وجه تعرفه خير من وجه تتعرف إليه” .
* صديقك الحق هو الصديق الذي يقف إلى جانبك في الشدائد ” أما أقدم صور هذا المثل الانجليزي فنتعود إلى العام: 1270م ضمن صياغة تقول: ” الرفيق الأمين هو من يسعفك عند الحاجة”.
* المرء يعرف بأقرانه” .. وأما وصية طرفة بين العبد فاستفاد منها صالح عبدالقدوس الذي صاغ نصيحته الثمينة.
” إن القرين إلى المقارن ينسبُ”.
* عدو يجاهرك بالعداء خير من صديق زائف”.. هذه الصيغة تعود إلى حوالي العام: 1655م .. أما أول إطار للفكرة فورد عام 1200م ضمن القالب:” العدو المتخفي في ثياب صديق هو أكثر الخائنين غدراً”.
* ورد في سفرمتي / العهد الجديد: ” عاملو الآخرين مثلما تريد أن يعاملوكم .. هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء” الاصحاح 7/12.
أما في سفر لوقا فكانت الصيغة ” وعاملوا الناس مثلما تريد أن يعاملوكم” الإصحام 6/31 وهو ما حوته بالتفصيل وصية الإمام علي لأبنه الحسن رضي الله عنهما:” يأبني أجعل نفسك ميزاناً في ما بينك وبين غيرك .. فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك .. وأكره له ما تكره لها .. ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم.. وأحسن كما تحب أن يحُسن إليك .. واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك .. وأرض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ..ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم .. ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.”
E-mail:almaqaleh@gmeile.com