قاسم عزالدين*
تعتقد السعودية أن التغطية الدولية لحوالي ثلاثمائة مجزرة سابقة، يمكن أن تغطي أيضاً مجزرة العزاء في صنعاء التي تحاول السعودية تمريرها كما مرّرت سالفاتها، لكنها استنفدت في المجزرة الغطاء الدولي الذي تظنه “شكاً على بياض”.
قد يكون أكثر ما دفع التحالف السعودي إلى ارتكاب مجزرة مشينة، كما وصفها الوزير البريطاني “توبياس إلوود”، هو ثقته بغطاء دولي دائم ومفتوح للتفلت من المحاسبة والعقاب، فالجرائم المتتالية السابقة أثارت بعض القلق في أروقة الدبلوماسية الغربية وهيئات حقوق الإنسان وغيرها، لكن هذا القلق لم يتجاوز العتاب مرة واللوم مرة أخرى. وحين بلغ السيل الزبى في تدمير مستشفى “أطباء بلا حدود” بمحافظة حجة في شهر أغسطس الماضي، أعربت واشنطن عن امتعاضها بتخفيف عدد مستشاريها في التحالف.
ولم يذهب مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة إلى أبعد من بيان الإدانة، ثم ما لبث أن تراجع عنه تحت وطأة التهديد السعودي بوقف التزاماته المالية في المؤسسة الدولية، وذلك على الرغم من دعوات منظمات العفو الدولية و “هيومن رايتس ووتش” بتعليق عضوية السعودية في المجلس.
إمعاناً في تغطية جرائم طيران التحالف في قصف المدنيين والمدارس والأسواق الشعبية، أوكلت الأمم المتحدة إلى السعودية مهمة التحقيق في هذه الجرائم، فأقرّت بوجود ما أسمته بعض القصور في حالتين من أصل ثمانية حالات أثارتها الهيئات الإنسانية العاملة في اليمن.
وفي هذا السياق تعتقد السعودية أن التغطية الدولية لحوالي ثلاثمائة مجزرة سابقة، يمكن أن تغطي أيضاً مجزرة العزاء التي تحاول السعودية تمريرها كما مرّرت سالفاتها.
في هذا السبيل نفى التحالف السعودي بادىء ذي بدء بوجود “أي طلعات جوية في مكان التفجير”، والأدهى أنه دعا “إلى التفكير بأسباب أخرى”، للإشارة ربما إلى مجهول قد يتجه صوبه التحقيق السعودي إذا لم يقع على أدلة كافية في احتمال التقصير. فالسعودية كما أشارت بعثتها في الأمم المتحدة معهودة “باحترام والتزام كاملين لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي”. وهي التي لم تعترف بأي طلعات جوية في مكان التفجير، يمكنها أن تلجأ في حال اضطرت لذلك إلى ما سمته البعثة السعودية “تدابير تصحيحية، بما في ذلك الإعلان عن نتائج التحقيقات الجارية”، في الإشارة ربما إلى “بعض القصور”.
لكن السعودية استنفدت في مجزرة العزاء الغطاء الدولي الذي تظنه “شكاً على بياض”، كما يقول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، نيد برايسان؛ فالمجزرة بطبيعتها غير المسبوقة تصدم وتروّع المجتمع الإنساني، وفق تعبير المنسّق الإنساني في الأمم المتحدة، وهي تلخّص مأساة إنسانية تلتهم المدنيين، بحسب المدير الإقليمي للجنة الصليب الأحمر الدولي في اليمن روبير مارديني.
وقد لا يكفي معها التحقيق ومحاسبة المجرمين على هول المجزرة، بل تدفع إلى العمل لوقف الحرب التي أصبحت كلفتها أكبر مما يمكن أن يحتمله المجتمع الإنساني، بحسب تعبير نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية.
ردّ اليمنيين على المجزرة في مظاهرات صاخبة ونفيرهم للقتال على الحدود مع السعودية، ينبؤ بمواجهة حامية قد تطول أو تقصر رفضاً لترويعهم في مآتمهم، وهي عزيمة يغذيها تضامن واسع في إيران ولبنان وسوريا والعراق، لكن هذا التضامن الأخوي وإلإنساني ربما يمتد إلى الكثير من البلدان العربية والإسلامية، كما عبّرت تيارات سياسية وشعبية في تونس، حيث دعت إلى الانسحاب من التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية، بحسب بيان حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي الذي اتهم السعودية بأنها ترسم مخططات استعمارية معادية للشعوب.
مجزرة العزاء تكسر غطاء المجتمع الدولي للحرب في اليمن، فبيان وزارة الخارجية الروسية في التنديد بالمجزرة والحرب، هو الأكثر تعبيراً عن خطورة استمرار السعودية في الحرب. وربما تشير موسكو في بيان الإدانة إلى أنها خلال رئاستها لمجلس الأمن قريباً، ستأخذ في جدول الأعمال وقف الحرب وإعادة النظر بمسار المفاوضات المشروطة بشروط استعصاء سعودي. وقد لا تكون روسيا وحدها في مسار كسر التغطية الدولية للحرب، فالمجازر المتراكمة في الأعداد يفضي بها تراكم الكمّ إلى تغيير النوع.
*عن الميادين نت
Prev Post
قد يعجبك ايضا