عن المكاييل الأمريكية
عباس الديلمي
فقد العرب ثقتهم بجامعتهم بل صاروا يفضلون زوالها، خاصة منذ تولى أمرها – بالوكالة – ذلك الذي صدق عليه قول من قال: لا هو بالنبيل ولا ابوه عربي .. كما فقدت الأمم المتحدة مصداقيتها وتحديدا منذ أوغلت في التبعية لقوى النفوذ الدولي ومشيخات المال .. ويترافق هذا الشعور مع المستجدات الدولية المتلاحقة التي كانت بمثابة اللقاح المضاد الذي حصن عامة الناس خاصة في الدول الفقيرة والمضطهدة من فيروس المزايدة باسم الإنسان وحقوقه – من حقه في العيش إلى حقه في الحرية والمساواة والديمقراطية – وما ذلك إلا نتاج طبيعي للمتغيرات الموجهة نحو مصالح قوى النفوذ والمال المشار إليها.
عندما نسمع مثل هذا الطرح من عامة الناس والشباب تحديدا لا نلومهم ولا نستغرب لحماسهم في طرحهم لهذه الرؤى وما شابهها، مستشهدين بأكثر من مثل مستمد من دول عدة.
دعونا من إسرائيل أو الكيان الصهيوني وما تمارسه من جرائم في حق الفلسطينيين ودول عربية، وحمايتها من قبل دول عرفت بمزايدتها بالإنسان وحقوقه وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الرقم القياسي الأول في استخدام حق النقض (الفيتو) لحماية اسرائيل من أي عقاب أو حتى لوم مهذب.
لندع هذا وننتقل إلى شواهد أخرى مما يطرحه رجل الشارع في أكثر من بلد ومنها مزايدة الولايات المتحدة بالإنسان وحقوقه إلى درجة اغتيال رؤساء وقادة والإطاحة بأنظمة تحت شعار الديمقراطية ودعمها أنظمة تتصدر قائمة القمع والتنكيل بمواطنيها إلى حد تحريم قيادة السيارة على المرأة، ثم تعلو أصوات مرشحيها للانتخابات الرئاسية أنهم لن يقبلوا بعد اليوم حماية نظام قمعي كهنوتي كالمملكة السعودية دونما مقابل، وأن على حكامها يدفعوا ثمن الحماية.
مثل آخر وهو عندما تقوم القيامة على النظام في مصر، لأنه سن قانونا يلزم منظمات المجتمع المدني بشفافية دعمها المالي من أنظمة ودول خارجية، كل ذلك باسم الديمقراطية والحقوق ويقابل ذلك صمت مطبق عما يحدث في مملكة البحرين من قمع للمعارضة السلمية وبمشاركة الجيش السعودي، وتعذيب وسحب للجنسية وهو الإجراء الذي تحرمه كل شرائع الأرض.
مثال آخر هو مشاركة أمريكا وبريطانيا في التحالف العسكري السياسي العدواني بحجة إعادة رئيس انتهت ولايته المحددة بعامين، وتدمر اليمن كما تدمر سوريا من أجل إسقاط رئيس شرعي، دعا أكثر من مرة إلى الاحتكام لصندوق الانتخابات، وكذلك اعتبار الثورة الشعبية في اليمن (21 سبتمبر) والتي تخرج جماهيرها بالملايين، انقلابا وقادتها انقلابيين، في الوقت الذي تدعم جلب التكفيريين من أكثر من أربعين دولة إلى سوريا والعراق لإسقاط انظمتها، وتطلق أمريكا على ما يسمى بجبهة النصرة في سوريا معارضة معتدلة رغم تسلحها بمختلف أنواع الأسلحة حتى الثقيلة منها !!، ترى هل ستقبل الولايات المتحدة بوجود معارضة معتدلة على غرار جبهة النصرة في أي بلد حليف لها، ولن نقول في إحدى الولايات الأمريكية؟!!
ما أكثر المكاييل الأمريكية، والتي كان آخرها ما شاهدناه بعد مجزرة عزاء بيت الرويشان في العاصمة صنعاء.