المستور المنظور في مناقب الدكتور
نزار الخالد
* من كان يصدق أن رشاد العليمي بمحياه المبتسم وبدلته الأنيقة وصلعة رأسه البيضاء اللماعة يحمل في طياته كل هذه المقادير من القبح والتآمر والانتقام والاستعداد للمغامرة والتضحية بكل شيء في الوطن، والتنكر لكل يدٍ امتدت لانتشاله من براثن الفقر والدونية والضياع، فتحرره من الشعور بالنقص والعقد الاجتماعية بعد أن جعلت منه اللواء الدكتور الوزير، صاحب الحظوة والسطوة والجاه والمال والشركات والجامعات والمباني والأرصدة والشراكة والنفوذ.
عشر دقائق من الحديث معه تكفي لتسبر أغوار شخصيته النفاقية الوصولية، وأنت تتابع حركات وتقاسيم وجهه المتحرك لترصد كم مرة غمز بعينيه، وكم حرك شفتيه شمالاً وجنوباً، وكم عدد المرات التي يسرد فيها مواقفه وهو يتصدى لكوارث كان يمكن أن تحدث بالبلاد والعباد لولا وقوفه بصلابة وحزم، وبالذات أمام راعي نعمته علي عبدالله صالح.
رشاد العليمي مخلوقٌ من جينات الخيانة والغدر منذ صغره، وحتى يوم ألتحق بالتنظيم الناصري وهو طالبٌ في الكويت، واعتبرها فرصة للتكسب، والتجسس ضد التنظيم الذي سرعان ما جمد نشاطه، وأصدر قرار فصله كحالة مرضية ينبغي التخلص منها. ثم يمتد هذا السلوك الانتهازي الغادر فلا يستثني حتى الرجل الطيب عبده ناجي الصنوي الذي كان سبباً في ((ويزرته )) في الداخلية كتقديرٍ لدائرة الصنوي التي ينتمي إليها رشاد،… لكنه وبعد أن أصبح ذا سطوةٍ ونفوذاً أطاح بالصنوي لينصب ولده محمد نائباً في البرلمان .
كان تعيينه في الداخلية بداية موسم امتد طويلاً واستغله على كافة الأصعدة داخلياً وخارجياً، حيث بادر رشاد إلى تبني خطة ما أسماها ((الانتشار الأمني)) الذي استجاب لها الرئيس صالح، ورصد له عشرات المليارات والتي لم نر انتشارها إلا في سلسلةٍ من الشركات التجارية والفلل الفارهة والعمارات الشاهقة كضمان لأمن رشاد ومستقبل أولاده، فكانت شركة مقاولات الكهرباء التي أرسى عليها مناقصات كهرباء الريف وجعلها من نَصِيب ابنه محمد ، ثم شركة خدمات النفط التي كانت من نصيب ابنه عبدالحافظ الذي شغل أيضاً منصباً مناسباً كنائب للمدير التنفيذي لشركة النفط اليمنية، ليتمكن من خلاله أن يسهل مهمة شركته الخاصة العاملة في نفس قطاع وظيفته.
ثم انتشرت المباني والعمارات والفلل الفاخرة التي تزخر بها الأحياء الأرستقراطية في العاصمة …في حدة وعطان، وبيت بوس، وحي المهندسين، ولا تخلو عمارة سكنية في العاصمة، أو في تعز وعدن دون أن يكون لرشاد “انتشار سكني فيها”، ولا يفوتنا أن نذكر هنا بأحد أهم المعالم المعمارية لهذا الانتشار وهو المبنى الفخم الضخم الذي أسس فيه الجامعة الماليزية لتكون من نصيب ابنه طبيب الأسنان خالد رشاد.
هذا “الانتشار” التجاري والمالي والسكني حدث كطفرةٍ أثناء توليه وزارة الداخلية دون سابق إنذار، حيث لم يتوقع أحدٌ أن يكون رشاد ذو الخلفية الفلاحية التي تفتقد حتى لسكن مناسب في قريته أو غرفة في إحدى عمارات “المنيل” وهو طالب في القاهرة التي أصبح له الآن انتشاراً فيها لا يقل عن انتشاره في صنعاء لم يتوقع مخلوقاً أن يصبح بهذا الثراء ولا ينسى أيضاً أن يتحدث عن فساد حكم علي عبدالله صالح الذي لم يكن فيه مسؤولاً شريفاً نزيها منزهاً عن الفساد سواه.
رشاد الذي يكرر تذكير محدثه بصراحته وصلابته وقوة نصحه لصالح ..بالتأكيد يتذكر كيف كان مطيعاً لصالح يخفض جناح الذل له عندما يخاطبه ، ولا ينسى أيضاً كيف تسبب في سقوط الكاميرا التي تصور أحد الاحتفالات في كلية الشرطة عندما أشار له صالح للاقتراب إليه.. فتقدم مسرعاً مهرولاً متسبباً فيما حصل في ذلك الاحتفال.
رشاد المخلوق من “عجينة” الخيانة، يتذكر أيضاً أن التقرير الأمني الذي كان يصل إلى الرئيس صالح لا بد أن يصل أولاً إلى مكتب الأمير محمد بن نايف عندما كان وكيلاً لوزير الداخلية في الرياض. اعتقد أن إرسال هذا التقرير اليومي كان لابد منه ليثبت خطة ” الانتشار الأمني” ليشمل دول الجوار. لكن أعترف أن مهاراته في النفاق يفتقر إليها الكثيرون. وحتى في العام 2011م عندما بدأت سفينة صالح في الترنح وكان حينها رئيس اللجنة الأمنية بادر إلى مد جسور خياناته إلى المشترك وإلى ساحات الفوضى مرسلاً المعلومات والخطط أولاً بأول إلى الإصلاح الذي تعهد له بعدم التعرض له وتجنيبه الحملات الإعلامية حينذاك.. رغم أنه أنفق وعن طريق ولده عبد الحافظ عشرة ملايين ريال مقابل إزاحة صورته من ساحة الجامعة، حيث تداولت عليه المجموعات الشبابية واحدةً تلوى الأخرى لتأخذ ثمن إزاحة صورته من لوحة ما سمي حينها (( الذين تبرأت منهم تعز ))
في آخر فصول الغدر والخيانة، تمكن من إقناع هادي بتعيينه مستشاراً مقابل تقاريره التجسسية ضد صالح، والمؤتمر الشعبي العام في اجتماعات اللجنة العامة التي ضمه إليها صالح خارج قوام اللجنة العامة المنتخبة.
بعد خروج هادي إلى الرياض، تحوَّث الدكتور، وصاهر، وتهاشم، وصلى وسلم على السيد، ولم يتغيب عن اجتماع واحد إلى جانب قيادة أنصار الله في صنعاء، لا فرق بينه وبين يحيى الشامي، والسيد/ أمير الدين وآخرين، حتى جاءت عاصفة الحزم فشد الرحال وبمساعدة أنصار الله ليغادر صنعاء لإدراك موعده مع طبيبه في المانيا، كما قال حينها، لكن وجهته كانت شطر المسجد الحرام، وإن لم يصل إليه حتى الآن لا فرق، فرشاد في عاصمة الحرمين الرياض. ليس العيب أن يكون هناك فتلك وجهة نظر قد تدخل ضمن احترام القناعات، ولكن لوجود رشاد مذاق خاص، فهو عرَّاب خطة مهاجمة المنازل ..إما لإثبات ولائه وتبرأه من صالح كما هو الحال في إصراره على ضرب منزل الرئيس صالح.. أو لإشباع غريزته الانتقامية كما هو حال إصراره على مهاجمة منزلي أحمد علي وعمار صالح اللذين يتهمهما رشاد بأنهما من أقنع صالح بتغييره من الداخلية بسبب نشاطه التجسسي لصالح الرياض، أو إقناع التحالف لاستهداف منزلي خصميه اللدودين في تعز العميد/ فيصل البحر، والشيخ/ محمد منصور الشوافي.
وخلافاً لكل جهابذة المال والنفوذ حول هادي في الرياض، فقد تمكن من تأسيس شركة ولىَّ عليها ابن أخيه زوج ابنته يوسف العليمي مهمتها نقل وتوزيع مواد الإغاثة إلى تعز، وتحت مسمى “جمعية الأعروق الخيرية” دون أن يكون لهذه الجمعية علاقة بالأمر. ولهذه الشركة منافع لرشاد لا تقل عن منافع الانتشار الأمني وهى سلال الإغاثة التي خصص لها الملك سلمان خمسمائة مليون دولار والتي تولاها ويستلمها رشاد وتباع نهاراً جهاراً في الأسواق، بل لم يكتف رشاد بعائد البيع، هو يستلم ألف ريال سعودي للسلة الواحدة كأجور نقل داخلي دون أن ينقل شيئاً إلى أي قرية أو مديرية، وللإنصاف فرشاد وزع في دائرته ودائرتين مجاورتين ولكن سلال مجزأة.
تلك بعض مناقب هذا الرجل الحرباء ، ولا أعتقد أن مكاسبه وإن كثرت قادرة على أن تمحو عنه عار تدمير منازل الناس، فتلك لعنة ستلاحقه حتى يستعيد الناس حقوقهم منه. ولسيرة الرجل بقية.