لم يمض وقت طويل على تصريحات وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” حول تغيير روسيا لموقفها تجاه الأسد وسوريا في مقابل تعويضها بحصة في الشرق الأوسط، عكس ذلك التصريح من المسؤول الكبير في المملكة السعودية عن تعامي شديد في الرؤية الحقيقية للمملكة، وسذاجة مفرطة في الاستراتيجية التي تتبعها السعودية في المنطقة، يبدو أن تعامل أجهزة الدولة السعودية مع الجماعات المسلحة في سائر المنطقة قد طفي على تعاملها مع واحدة من كبار العالم، روسيا، التي تتدخل في سوريا طبقاً لادبيات الجيوسياسية العالمية ولاسباب تعد في صميم الأمن القومي الروسي.
لكن في طبيعة الأمر عكس ذلك التصريح، التوتر والتخبط اللذان رافقا الخطوات السعودية بمناطق الصراع بالمنطقة. فها هي اليمن تتحول إلى ” فيتنام” للسعودية، وها هي سوريا باقية وجيشها يتمدد ببقع جغرافية كانت محرمة عليه طوال الخمس سنوات، وتباعاً وجد النفوذ السعودي على الأرض نفسه في دائرة تضيق شيئاً فـ شيئاً مفسحا المجال رغماً عنه لشراكات استراتيجية أكثر أهمية وحيوية بين أطراف الصراع في سوريا وخاصة تركيا والولايات المتحدة، ومن جهة أخري روسيا وسوريا و إيران.
لم يكن “الجبير” يغرد خارج السياق السعودي تجاه موسكو، فـلمسؤولي المملكة سوابق أخرى، عندما اختار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الرد علناً ومباشرة على الهواء، على رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقمة العربية، برهن عن مدى انزعاجه ودولته من بقاء سوريا، بشعبها وجيشها ومؤسساتها، على الخريطة بعد أربع سنوات من الهجمة التخريبية التي طالت كل شيءٍ في سوريا، من بشر وحجر وما زالت. محملاً مسؤولية هذا الصمود إلى روسيا التي تقدم للنظام أسلحة تفوق احتياجاته “لقتل شعبه” بحد تعبيره. وهو الذي في تصريحه سخر من الرئيس الروسي ومن دعواته إلى حلول سلمية للنزاعات في المنطقة العربية.
ومما لا شك فيه أن هذا الخلاف السعودي الروسي الذي أظهرته للعلن تصريحات الفيصل ليس بجديد، بل يعود إلى بداية ما يمكن تسميته بالحرب الكونية على سوريا. ومما أصبح معلوماً اليوم،أن أجهزة المخابرات السعودية، حاولت ضرب استقرار روسيا، حين كان بندر بن سلطان يترأس جهاز المخابرات في السعودية. ولا أحد ينسى اللقاء العاصف بين بندر والرئيس الروسي بوتين في يوليو 2013م الذي قيل إن الأخير هدد بتحريك الجهاديين التكفيريين أتباعه في القوقاز، ما لم تغير موسكو من نهجها الداعم للنظام السوري. وهذا ما أثبتته نتائج التحقيق الروسي في الهجوم الإرهابي على مدينة فولغوغراد الذي راح ضحيته ثلاثون مدنياً، والذي خلص إلى وقوف إرهابي يعيش في سوريا ويدعى الخليفة القوقازي دوكو اوماروف وراءه، وبتمويل سعودي. مما دفع الرئيس بوتين حينها، إلى وصف السعودية “بالدولة الإرهابية” وأن رده سيكون قريباً وسيغير خريطة الشرق الأوسط.
اليمن:
مضى عام و نصف على بدء التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن، لتظهر معادلات جديدة، فالمقاتل اليمني الفقير في الجيش اليمني واللجان الشعبية بدلاً من حصره في رقعة جغرافية ضيقة في اليمن، انطلق صوب الحدود السعودية صوب نجران وعيسر وسيطر على مواقع عسكرية في قلب الجغرافية السعودية، وأظهر هشاشة المقاتل السعودي المجهز بأحدث المعدات القتالية في العالم، كما أنتج محصلة هامة مفادها أن السعودية تقاتل وحيدة رغم غارات التحالف، وأن اليمني قادر على قصم ظهر الغطرسة السعودية برياً، ظهر هذا جلياً في صفقة دبابات القتال الرئيسية السعودية الأمريكية الأخيرة، والتي وقعت فيها السعودية عقداً يفضي بتوريد 150 دبابة ابرامز منهم 20 دبابة ستحل محل دبابات تم اعطابها وتدميرها على الحدود اليمنية.
ورغم التضييق الإعلامي الذي تفرضه السعودية على خسائرها في اليمن، فإن غالبية التقارير قد افردت أن الخسائر وصلت لـ ألفي فرد، و4 آلاف و850 جريحا، ودُمرت وعُطلت 200 دبابة وعربة مدرعة، و4 مروحيات من نوع أباتشي وطائرة من طراز إف 15، إلى جانب تدمير 3 زوارق، بيد أن التكلفة اليومية لحرب اليمن بلغت 750 مليون ريال سعودي.
كما فشلت نظرية الحدود الآمنة السعودية بقذف المقاتل اليمني بعيداً عن الحزام الحدودي بالشمال، وأصبحت عمليات الجيش اليمني في نجران وعسير شبه يومية.
سوريا:
تعد السعودية من أكبر الدول الداعمة للمعارضة المسلحة السورية بالمال والعتاد، ولم تبخل على صنوف الجماعات المسلحة بذلك واستمالتها، فكونت فضلاً عن حلقة معقدة للغاية من الجماعات المسلحة، جيش الإسلام “السلفي” بقيادة زهران علوش، الذي حاصر جيشه السلفي العاصمة دمشق وأمطرها بوابل من قذائف الهاون. لكن يبدو أن القطار السوري المتجه لداريا ودوما وطوق العاصمة دمشق وحلب، قد خلي من تذكرة للسعودي.
قتل زهران علوش قائد جيش الإسلام الذي تموله السعودية في غارة لسلاح الجو السوري في 25 ديسمبر من العام الماضي، وبات جيش الإسلام محصوراً الآن في معقل أخير “مدينة دوما”. بعد أن نجح الجيش السوري في إستراتيجيته نحو طوق آمن حول العاصمة دمشق، أسفرت الإستراتيجية في تحرير مدينة دوما ومعصمية الشام. وعزلت مدينة “دوما” عن شراينها الحيوية. أما من جهة أخرى، جبهة الشمال السوري قد شهدت طلاقاً بينها وبين النفوذ السعودي القوي، فمع نشاط تركيا وأجهزتها الاستخباراتية في الشمال نجحت الأخيرة في إخضاع العديد من الجماعات المسلحة المتطرفة والتي تصنف معتدلة، الجميع يقاتل بإمرة الاستخبارات التركية وشركائها، لأهداف إستراتيجية تدخل في صميم الأمن القومي التركي وطموحاته بالمنطقة العازلة وسط مناورة الأمريكي بورقة الاكراد. فظهر جيش الفتح وفصائله العشرين خارج غرفة عمليات السعودي، وانحسر الأمر على استضافة السعودية لبعض أعلام المعارضة السورية التي لا تمتلك نفوذا واضحاً على الأرض ولا تسيطر بكلمة واحدة على فصائل الجيش الحر.
شهدت حلب مواجهة مباشرة بين الجيش السوري والجماعات المدعومة من تركيا، فيما جلست السعودية لمخاطبة ود الاكراد، لكن السبيل إليهم كان مقفلاً,
فبين الأجندات المشتركة بين الأتراك والأمريكيين، والروس السوريين والايرانيين، تكتمل ملامح أوجه جديدة من الصراع في المنطقة العازلة الامريكية التركية بين مربع جرابلس ومنبج، اعزاز ومارع والباب، وبين حسم معركة حلب. ترقد السعودية حائرة بين أموالها تائهة في اثنين من الميادين المفصلية في تشكيل خريطة العالم الجديد . بات السعودي قزماً يرقد على تلال من الأموال، لا يجيد القتال في عقر داره، ولا إدارة صراع كما الماضي.
*نقلا عن موقع البديل المصري