يظل للكتاب دوره الحضاري في رقي الأمم والشعوب وتقدمها، فهو حامل المعرفة والعلوم عبر العصور.
وتلعب المكتبات العامة دورها الرائع في فتح نوافذ المعرفة أمام القارئ الشغوف بحب المطالعة.. وفي المكتبات العامة هناك من يساهم في إيصال المعرفة إلى القارئ ، وهم أولئك الرائعون الذين يعملون في المكتبات العامة في خدمة القارئ والمعرفة بكل حب وإخلاص ولهم رحلة طويلة مع رفقة الكتاب ومن هؤلاء الأخ/ قائد عبده البدح نائب مدير عام دار الكتب بصنعاء، الذي يتحدث في السطور التالية عن رحلته مع الكتب والعديد من الجوانب المتعلقة بالكتاب والقارئ:
* في البداية يتحدث عن رحلته مع الكتاب قائلاً:
– بدأت حياتي برفقة الكتاب في شهر 9 /1992 م وكانت البداية من إدارة التزويد، حيث قضيت فيها ما يقارب ثمان سنوات متنقلاً بين أقسامها والتي تشمل على قسم الفهرسة والتصنيف والإهداء والتبادل والإيداع القانوني . وبفضل الله بذلت فيه ما في وسعي من ترتيب وتنظيم للكتب وكذلك حفظ مواقعها، كونها لم يكن فيها نظام الفهرسة والتصنيف، وبتكليف من مدير عام دار الكتب في ذلك الوقت الأخ علي حسين الذماري بالقيام بإدارة التزويد، ومن خلال العمل في هذه الإدارة زاد عندي إحساس بالرغبة وحب الاطلاع على أغلب الكتب التي كانت تقع أمام ناظري، وخاصة في مجال الأدب والتاريخ والديانات وبقية العلوم، ومن شدة حبي للقراءة والكتب كنت أنسى مرور الوقت. وكان حارس الدار الأخ العزيز محمد صالح القوع يأتي ليعلمني بانتهاء الدوام وهكذا في أغلب الأيام، ثم راودتني فكرة مواصلة الدراسة الجامعية ولكنى كنت لا أستطيع ذلك بسبب عائق الشهادة كوني خريج معهد فني، وقد حصلت فيه على المرتبة الأولى في الجمهورية اليمنية قسم ميكانيك، ولكن هذه الشهادة لا تسمح لي بمواصلة الدارسة الجامعية، وبعد الأخذ والرد مع نفسي قررت دراسة الثانوية العامة دون علم الزملاء في العمل.
– وتمر ثلاث سنوات في مدرسة سيف بن ذي يزن وكأنها لم تكن، وحصلت على مجموع 75% يمكنني من دخول الجامعة، ثم تفاجأ زملائي في العمل وقالوا كيف استطعت دخول الجامعة وأنت مؤهلك معهد فني؟، فقلت لهم في حينها: إنني أتيت بوساطة كبيرة للالتحاق بالجامعة وفي هذه الأثناء وانشغالي بالعمل والجامعة انقطعت العلاقة بيني وبين الكتاب فترة الدراسة إلا في مجال التخصص وتكاليف البحوث وكانت أغلب العلاقة هي تصفح الكتاب في البيانات اليبليوجرافية وذلك في مجال تسجيل الكتب في السجلات العامة أو في عملية الفهرسة والتصنيف وخلال عملية الدراسة في علم المكتبات والمعلومات، ومن خلال موقعي في العمل في إدارة التزويد تمكنت من تعزيز قدراتي الفنية واكتساب الخبرة الكافية في مجال الفهرسة والتصنيف، وتدعيم تلك الخبرة بالعمل في مكتبات أخرى.. ورغم ذلك أحسست أن هناك فجوة كبيرة بين ما أدرسه وبين ما أقوم به في عملي، وفي اعتقادي يكمن السبب ليس في الإدارة فحسب، فقد كان مديرها خريج جامعة القاهرة في مجال علم المكتبات والمعلومات، ولكن لسوء الفهم للمكتبات وخاصة دار الكتب والتي تعرضت لنوع من التهميش من قبل المسؤولين القائمين عليها والممثلة بالهيئة العامة للكتاب ووزارة الثقافة، بعدم توفير ميزانية لها تليق بها كونها تمثل المكتبة الوطنية العامة في اليمن.
وإن كانت الأعوام 2000م– 2004م تشكل الرافد الأساسي للمكتبة في عهد الأستاذ خالد الرويشان والذي عمل على توسيع واستحداث قاعة جديدة باسم قاعة مطيع دماج ورفدها بجميع أنواع المعارف العامة.
ويضيف:
بعد ذلك تم نقلي من إدارة التزويد إلى قاعات المطالعة، ومن خلال العمل في القاعات تقدمت بمشروع أنا وزميلي ورفيق دربي في العمل محمود سيف الخامري مع فريق العمل، ومنهم الأخت أشواق نهشل وآخرون، ويمثل المشروع عملية إعادة الفهرسة والتصنيف للقاعات حسب خطة ديوي العشري الطبعة العشرين وإدخالها آلياً، حيث كانت الخطة المعتمدة الأول للتصنيف هي الثامنة عشرة والفهارس بطاقات يدوية، وهذه الفهرسة بدأت تتلاشى تدريجياً ولم تعد تستخدم في كثير من المكتبات في الوطن العربي، لا سيما بعد ثورة المعلومات والتكنولوجيا واستخدام الحاسوب في جميع المجالات ومنها المكتبات وكان هذا المشروع في عهد الأستاذ زيد الفقيه -مدير عام الدار- والذي بدوره كلفني بالعودة مساءًاً للعمل في هذا المشروع مع بعض الزملاء والذي استمررنا فيه قرابة ثلاث سنوات ومن ثم تم إخراجه إلى حيز التنفيذ.
الكتاب وباعة المسك
* وعن استفادته من هذا الكم المعرفي من الكتب والمجلات..؟ يجيب:
– أقول وبكل تواضع نحن العاملين في المكتبة كبائع المسك إن لم تشتره لم تحرم من رائحته، أو أشبه بأسلاك كهربائية تنظم بناءه وتحمل إليه التيار الذي يمده بالنور للمجتمع.
القراءة في حقيقتها غذاء الروح، ونور العقل. ومن تتبع حركة التاريخ وجد أن الحضارات التي قامت إنما بفضل العلم والمعرفة.
* ويقول عن ملاحظاته حول القراء:
– وهناك بعض الملاحظات على القراء الأعزاء الذين اعتادوا على زيارة المكتبة باستمرار، حيث يقضون وقتهم بين الكتب والمجلات للتسلية تارة، وأخرى للاطلاع والتثقيف الذاتي، وتقدم المكتبة لروادها ما يطلبون وتوفر لهم حرية التجول بين الكتب والرفوف المفتوحة واختيار ما يناسبهم، إلا أن هناك بعض السلوك غير الحميدة من بعض القراء ويتمثل في تمزيق بعض صفحات الكتب، ومحاولة تعديل بعض الأفكار في الكتاب، فيقوم بشطب بعض محتوى الكتاب، أو الكتابة على أوراقه مما يعيق غيره عن الاستفادة من هذه الكتب، وهناك من يعبث بالكتب ويعيدها إلى غير مكانها بهدف إخفاء الكتاب وتعطيل الاستفادة منه من قبل زملائه، وخاصة المكلفين ببحث معين من منتسبي الجامعات.
والأدهى والأمر من ذلك اختفاء بعض الكتب، أو بتعبير واضح سرقتها رغم المراقبة والحراسة، وخاصة عند انشغال أمناء المكتبة بإخراج الكتب للرواد، أو في أوقات الصلاة، ومن سوء الحظ أن تجد الكتب المسروقة ولا تستطيع إعادتها للمكتبة؛ بسبب الروتين الممل في الجهات المختصة.
وهناك القراء الجادون في بحوثهم، وهم الأغلبية من رواد الاستعارة الخارجية، والمتخصصين في تحضير رسائل الماجستير والدكتوراه، وأيضاً المؤلفين والمدرسين.
* وعن أوقات الإقبال المتزايد على المكتبة يقول:
– و ذروة الإقبال على المكتبة تكون عند افتتاح أبواب المدارس والجامعات، وبالأخص عند تكليف الطلاب بالقيام ببعض البحوث، وينحسر تدريجياً في فترة الإجازة التعليمية. وهذا يشكل عائقاً في التنمية الفكرية، ولا تنمية فكرية من غير تنمية ثقافية، والملاحظات في الإقبال أنه إجباري في اعتقادي ما يسبب العزوف عن القراءة، إذاً ما هي أسباب تدني مستوى الاتجاه إلى القراءة والانجذاب إلى الكتاب؟، من المسؤول عن هذه الأحجام الذي تشهده الساحة الثقافية؟ هل الوضع الاقتصادي أم الانشغال بالحياة المادية عن الحياة العقلية والفكرية؟ الحقيقة أن العزوف عن القراءة قد يعود إجمالاً إلى:
1 – عدم وجود دوافع توليد الرغبة في القراءة.
2 – عدم وجود الكتاب المناسب.
3 – الظروف المختلفة التي تصرف الإنسان عن القراءة.
4 – أسباب اقتصادية.
وفي نظري قد يكون البند الرابع من بنود العزوف عن القراءة هو الأكثر أهمية، إضافة إلى عدم الاستمتاع بالقراءة، فالقراءة لها متعة عجيبة لا يشعر بها إلا القليل، ، وهي أن للقراءة متعة وحلاوة تبلغ حداً يفوق متعة الملذات المحسوسة، حتى أن المثقف يجد أثرها في حياته عامة، فهو حين يخرج أو يسعد إنما يسعد من طرفين بإحساسه البشرى الذي يشاركه فيه حتى الجاهل وبفعله المدرك الذي يتفوق من شخص لآخر.
ومن حيث العلوم الأكثر طلباً لها ومن خلال الرجوع إلى سجلات الزائرين هناك إقبال شديد على كتب الأنساب والتاريخ وعلم النفس ( القيادة – التعامل مع الناس التفوق) ثم يأتي بعد ذلك كتب العلوم الإدارية والأدب وبقية المعارف. وعلى رواد المكتبة أن يأخذوا بعين الاعتبار أهداف القراءة لماذا أقرأ؟ فالقراء يعدون لها أهدافاً ومن أهدافها ما يلي:-
1 – الرغبة في الاستمتاع والحصول على الثقافة العامة.
2 – المراجعة لامتحان أو درس أو غيره.
3 – البحث عن معلومات ما وهذه هي القراءة الباحثة.
4 – الرغبة في تدقيق المكتوب ومراجعته لتصحيحه.
5 – الرغبة في استيعاب المادة المقروءة والقدرة على تذكرها (الدراسة المتعمقة).
6 – السعي لنقد محتوى الكتاب.
ووقفتنا هنا ماذا نقرأ؟ فيجب أن لا تخدعنا الأسماء ذات الدوي، ولا الأثواب البراقة، ولا أرقام التوزيع، أو براعة الإعلان، وأن نكون قادرين على الحكم على الكتب المطروحة من خلال قيمتها الحقيقية، ومن خلال معرفتنا بالغث والسمين.
* ويقول عن تأثر الكتاب الورقي من ظهور الكتاب الإلكتروني:
– في ما يخص وكيف أن النت حد من الكتاب الورقي هناك آراء كثيرة وردود أفعال بين مؤيد ومعارض في هذا الخصوص، حيث تؤكد الأديبة هالة البدري قائلة: الكتاب سيحافظ على خصوصيته، فالتكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة تطوره ولا تلغيه، وسيبقى الشكل التقليدي للكتاب هو الأساس، ومن الظريف أن نجد بعضاً من الباحثين المهتمين بتلك القضية في العالم الغربي ما زال يؤمن بالدور المتميز للكتاب وديمومة هذا الدور.
فقد أشار الخبير هانس كرويتسفليد وهو عضو في مجلس اتحاد الكتاب الألماني في مؤتمر صحفي إلى أن أسلوب النشر الالكتروني المستقبلي لن يؤدي إلى دحر الكتب المطبوعة من الأسواق، بل إنه سيكون بمثابة أسلوب مكمل لتشجيع نشر الكتب المطبوعة على اختلاف مواضيعها وأشكالها.
وفي اعتقادي أن انتشار الحاسبات الالكترونية والهواتف الذكية واستخدامها في سرعة الحصول على المعلومات المطلوبة قد أدى بالفعل إلى تراجع إقبال القراء على المكتبات الورقية واحتمال أن تزداد نسبة التراجع في الأعوام القادمة.