عقلاء أنصار الله ينتصرون
مطهر تقي
إنصافاً للحقيقة وللجهود الكبيرة التي بذلها أنصار الله ومنذ سلمهم هادي مقاليد الدولة باستقالته وهروبه إلى عُمان ثم السعودية، وأصبح وضعنا اليمني تحت ما يسمى سلطة الأمر الواقع تحت إدارة ورؤية أنصار الله الذين لم يخوضوا أي تجربة تذكر في مجال الإدارة، أو التعاطي السياسي ومعتركه العربي والدولي، فقد دخلوا صنعاء يوم 21/9/2014م، بموافقة هادي ودعمه، ولا تحمل أيديهم سواء سلاحهم، ولا تعتمر عقولهم سواء المظلومية التي عاشوها خلال سنوات الست الحروب التي عاشوها، واعتقادهم بأن الفساد يسود الدولة في كل مرافقها وجميع موظفيها متهمون بذلك.
وإنصافاً لمن دخل صنعاء يوم 21/9/2014م، وبحسب شهادات الكثير من المواطنين أن النقاء والصدق كان سمة في سلوك وتعامل أولئك الأنصار مع المواطنين في العاصمة، أما الانضباط في أداء عملهم فقد كان واضحاً في تأمين المقارات الحكومية والحفاظ عليها، وربما كان الامتحان الأصعب لأنصار الله هو فترة ما بعد تقديم هادي وبحاح استقالتهم، فقد وجدوا أنفسهم أمام مسؤولية تحمل عبء قيادة دولة تعيش حالة من الانهيار، وصراع سياسي متأزم بين المكونات السياسية، وكان أنصار الله الأضعف حلقة في تلك المكونات السياسية والأقل خبرة في السياسة والإدارة، وكذلك الأقل خبرة في المكر والخبث السياسي، وربما أن حالة الإستوحاش واللاثقة بالآخرين، وعدم معرفتهم بالشخوصات السياسية والاجتماعية، وكذلك مسؤولي الدولة قد جعل علاقتهم جافة وشبه منغلقة بتلك القوى، مما شكل صعوبة عليهم في تحمل المسؤولية، وجعل اختيارهم لنهج الخيار الثوري هو الأقرب إلى عقليتهم وتفكيرهم في إدارة الدولة وعلاقتهم بالآخرين، وبالرغم من كل ذلك فقد استطاع أنصار الله بعقلائهم ومتشدديهم حفظ ما تبقى من مؤسسات الدولة، وتفعيل الحد الأدنى من أدائها ليس في صنعاء وحدها، ولكن في أغلب محافظات الجمهورية، وتمكنوا بالدرجة الأولى من الوفاء بالتزامات الدولة أمام موظفيها بصرف مرتباتهم كاملة واستحقاقاتهم المالية الأخرى إلى حد ما، بالرغم بأن الأزمة الاقتصادية، وتضارب أسعار العملة، وكذلك شحتها بدأت منذ عام 2013م، كما استطاعوا أن يحققوا نجاحات كبيرة في أمن أكثر من 80% من مواطني الجمهورية.
وقد كان بإمكانهم أن يصيبوا من النجاح أكثر لو تجاوزوا ما يسمى باللجان الثورية في المؤسسات الحكومية، فقد كانت سلبياتها الناتجة عن قلة وربما انعدام الخبرة في الإدارة والقسوة في التعامل عند البعض أكثر من الإيجابيات، وهذا لا ينفي أن البعض من تلك اللجان لم تصب من النجاح وبذل جهد طيب، فالوطنيون كُثر، والدنيا في المؤسسات الحكومية لا زالت بخير، بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي تواجهها مؤسسات الدولة في تلك المرحلة.
و أنصار الله يستكملون في هذا الشهر عامهم الثاني منذ دخولهم صنعاء، فنتمنى عليهم تقييم أدائهم خلال العامين الماضيين سلباً وإيجاباً، وخصوصاً تقييم أداء بعض قياداتهم، وخصوصاً الصغرى منهم التي ألحقت الضرر الكبير بأنصار الله وسمعتهم ومبادئهم من خلال ممارساتها السيئة.
والأهم في صورة المشهد السياسي التي تعيشه بلادنا اليوم، هو انتصار العقلاء لأنصار الله والمؤتمر الشعبي العام بجنوحهم إلى العقل السياسي، وما تتطلبه الضرورة اليوم لإدارة البلاد، فكان تنازل أنصار الله عن تحمل عبء الدولة الذي أثقل كاهلهم باتفاقهم على مشاركة المؤتمر تحمل نصف الحمل الثقيل مقابل التنازل عن الشرعية الثورية، والعمل بروح الفريق الواحد لعودة الشرعية الشعبية ممثلة بمجلس النواب وكذلك مجلس الشورى، وإعادة مرافق الدولة والحكومة إلى أحضان القوانين واللوائح المنظمة، وهو الوضع الذي تتميز به أي دولة من الدول، أما الشرعية الثورية فقد جربها الشعب أكثر من عام، وتعلم الجميع أن الوطن بحاجة إلى سيادة الدولة وقوانينها، وسيظل الوطن بحاجة إلى كل فعل ثوري من شأنه تحفيز الدولة إلى مزيد من الإبداع السياسي والمالي والإداري كلما أصابها الكسل والركود، فكل أبناء الوطن بحاجة إلى دولة مدنية متفاعلة مع مطالب الشعب واحتياجاته.
وقد كان الاتفاق على إقامة المجلس السياسي الأعلى بداية للسلم الاجتماعي، وإعادة تفعيل أركان الدولة، وتعبير جميل للتداول السلمي للسلطة بين الشرعية الثورية وبين سيادة الدولة، وكان الأستاذ محمد علي الحوثي الذي أصاب كثيراً من النجاح وهو على رأس اللجنة الثورية العليا أصر ومعه عقلاء أنصار الله أن يسلم علم الدولة ورمز سيادتها إلى المجلس السياسي الأعلى ممثل برئيسة ونائبه وأعضائه بطريقة تؤكد أن الوطن أهم وأغلى وأحب من أي سلطة ومطامعها، وفضل العقلاء من أنصار الله أن ينتصر عقل الوطنية وسيادة الدولة على سلطة الشرعية الثورية.
إن المهام العظيمة التي تنتظر من المجلس السياسي الأعلى الوقوف أمامها بروح وطنية يمنية بحتة، وتجرد سياسي كامل من أي حسابات، خاصة هو البداية الصحيحة للنجاح، خصوصاً والمتشددين والفئران الصغيرة من هذا الحزب أو الجماعة لن يتركوا للمجلس أن يتجاوز أهدافهم السياسية الضيقة ومصالحهم التي سيتشبثون بها إلى أبعد حد ما لم يجدوا حسماً من المجلس السياسي الأعلى، وخصوصاً في بداية عمله، فالذي لا يحسم أمره في بداية أمره، لا يمكنه تحقيق ذلك بعد حين.
وإذا اعتبرنا قيام المجلس السياسي الأعلى خطوة هامة لإعادة الشرعية الدستورية لمزاولة عملها، وتفعيل مؤسسات الدولة وفق القوانين واللوائح المنظمة، فنحن نتمنى أن يكون تكوين المجلس خطوة هامة لجمع الشمل السياسي اليمني، من خلال انفتاحه الصادق على بقية القوى السياسية المناوئة، وأهمها التجمع اليمني للإصلاح الذي يضم بين صفوفه عقلاء وطنيون، ومن بقي من الحزب الاشتراكي الشريك الأساسي للمؤتمر الشعبي العام في تحقيق حلم إعادة الوحدة اليمنية، وكذلك بقية المكونات السياسية، ويفتح باب المصالحة الوطنية ضمن رؤية وطنية تطمئن الخصم، وتقنع الخائف بصدقها، وتؤكد على العفو العام والتنازل من كل الأطراف من أجل اليمن وشعبه، وبراءة أمام الله وأمام الشعب ويكون المجلس السياسي الأعلى مجلس لكل القوى السياسية اليمنية الصادقة والمؤمنة بضرورة إخراج اليمن من مأساته.
كما هو المؤمل في المجلس السياسي الأعلى العمل الجاد والصادق من أجل إنهاء الحرب المدمرة في محافظة تعز بالخصوص، فدم القاتل والمقتول يمني، ولا بد من إنهاء هذه المأساة بأي ثمن يحتمل، طالما وفيه وقف للدماء، وضمان استقرار المحافظة، وأظن أن استعانة المجلس بعقلاء وحكماء محافظة تعز في طلبهم المشاركة لإيجاد حل مشرف ينأى بالمحافظة من الصراع الحزبي، والقتل بالأجرة، أو القتل بالأمر الحزبي سيكون له نتيجة إيجابية.
أما الحديث عن الحكومة ومواصفات وزرائها، بالرغم من أن تشكيل حكومة في هذا الظرف السياسي المعقد بعيد المنال، إلا أننا نتمنى أن يتجاوز المجلس السياسي الأعلى خطأ الحكومات السابقة التي اعتمدت على المحاصصة والمحسوبية الحزبية، وذلك باختيار وزراء كفاءات ونزاهة ووطنية، سواء كانوا من المستقلين، أو المنتمين إلى الأحزاب الذين يفصلون بين انتمائهم السياسي وواجبات وحقوق الدولة.
وقبل الأخير لا بد من الإشارة إلى أن قرار العفو العام الذي أصدره المجلس السياسي الأعلى خطوة سياسية موفقة تكتب له، ونتمنى أن يؤتي ذلك القرار نتائج طيبة على طريق المصالحة الوطنية التي لا بد منها بين كل فرقاء الصراع، وعلى المجلس كذلك أن يستعد بوضع رؤية يمنية -يمنية للحل النهائي، باعتباره مجلس سياسي أعلى لكل اليمنيين، كما نتمنى ويتمنى الكثير من أبناء الشعب.
وأخيراً، فالمواطن اليمني يسأل المجلس السياسي الأعلى الأسئلة الآتية:
1- هل تم مناقشة المبادئ وكذلك التفاصيل لمهام وصلاحيات المجلس، وتحديد أدواته الإدارية والسياسية والإعلامية؟
2- هل رئيس المجلس السياسي الأعلى يمثل قمة هرم السلطة، أم أن السيد والزعيم هما أعلى منه مرتبة وتأثيراً وتوجيهاً ومخاطبة؟
3- هل اللجنة الثورية العليا برئاسة الأستاذ محمد علي الحوثي، وكذلك اللجنة العامة للمؤتمر ممثلة بالأستاذ عارف الزوكا لهما الحق في التدخل في مهام وأعمال مؤسسات الدولة، أم أنهما سلطتان تنظيميتان في نطاق الأنصار والمؤتمر؟
4- هل اتفق المجلس على سياسة إعلامية تنظم أداء أجهزة الإعلام الرسمية واستقلالها عن هيمنة الأنصار أو المؤتمر؟
5- هل الجيش والأمن واللجان الشعبية تتبع إدارياً وسياسياً المجلس السياسي الأعلى، أم أنهما يتبعان الزعيم أو السيد؟
نرجو من المجلس السياسي الأعلى أن يجيب على تلك التساؤلات، فالمواطن بحاجة إلى جواب شافٍ يطمئنه على سلامة تحالف المؤتمر والأنصار بعيداً عن هيمنة طرف، وحساسية الطرف الثاني، والذي سيكون من شأنه التذمر، ثم الخلاف، ثم انفراط العقد، وتحقيق النصر لمن فشل تحقيقه في جبهات القتال، وعلى جميع أعضاء المجلس السياسي، وكذلك قيادات الأنصار والمؤتمر أن يعلموا أن القلاع لا تهزم إلا من داخلها، ويتذكر الجميع ما قاله الشاعر والمؤرخ اليمني الكبير نشوان الحميري:
الأمر جِدٌّ وغير مِزاحِ
فافعلْ لنفسكَ صَالِح يا صَاحِ
والله من وراء القصد..